رفعت مؤخرا، وزارة الصحة إلى رئاسة الحكومة مشروع قانون يعتبر الإدمان على المخدرات مرضا مزمنا يجب معالجته، وليس جريمة تستوجب العقاب. وفرض الوضع المتعلق باستهلاك المخدرات في تونس والذي ينذر بالخطر بالنظر الى التطور الملحوظ لاستهلاك هذا النوع من المواد، مراجعة الإطار القانوني حسب ما صرحت به ريم المنصوري حجري، المتفقدة العامة بالإدارة العامة للصيدلة والدواء خلال حضورها في ندوة نظمها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات الموافق ليوم 26 جوان من كل سنة.
وتعود أولى توصيات المجتمع الدولي في خصوص اعتبار مشكلة تعاطي المخدرات مشكلة صحية، وان من يتناول المخدرات هو في حاجة الى مساعدة طبية لا الى العقاب الجنائي الى سنة 2009، من خلال تقرير أعده المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وهي توصية تم التطرق لها في التقرير العالمي للمخدرات في 2013 وفي 2014 وتباعا أصبح ينصص عليها دوريا ويؤكد على التمييز بين المجرم والضحية.
ورغم أهمية تفاعل تونس مع التوصيات المذكورة، ليس لدينا الى غاية الآن أية معطيات في خصوص التوجهات العامة لمشروع القانون الجديد. فممثلة وزارة الصحة اقتصرت في تدخلها على التأكيد أن المشروع قد تضمن عقوبات مشددة بالنسبة للمروجين. مع الإشارة الى أن نتائج المسح الوطني حول استهلاك المخدرات والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر في الوسط المدرسي الذي أعده المعهد الوطني للصحة أظهر تطورا هاما لاستهلاك المواد المخدرة بالنسبة للتلاميذ من 13 الى 17 سنة. والتأكيد على أنه في إطار الإعداد للعودة المدرسية القادمة 2024-2025 ، تعمل إدارة الطب المدرسي والجامعي بالتعاون مع وزارة التربية من اجل وضع خطة ترمي الى الوقاية من سلوك الإدمان في الوسط المدرسي وذلك في إطار الإستراتيجية الوطنية للوقاية وتقليص المخاطر وعلاج الأضرار الناجمة عن تعاطي المؤثرات العقلية المحجرة 2023 – 2027.
ولا تعد مبادرة وزارة الصحة، الأولى من نوعها في خصوص تنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات، فقد مثل نقطة انتخابية في حملة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي الذي اعتبر انه قانون "زجري أكثر من اللازم" وتسبب في "التضحية بمستقبل" العديد من الشباب التونسي وصرح بأن المراجعة وتخفيف الأحكام "ليس من باب التشجيع على استهلاك المخدرات بل بسبب التداعيات السلبية للقانون الحالي الذي أدى إلى انهيار مستقبل مستهلكي المخدرات."
وفعليا ظهر أول تنقيح للقانون عدد 52 المتعلق بالمخدرات، بتاريخ 30 ديسمبر 2015، أين تمت المصادقة عليه أمام المجلس الوزاري آنذاك وتضمن عددا من التعديلات الهامة ومنها اقتراح عقوبة بديلة لعقوبة السجن. غير أن القراءات التي شملته ومنها تلك الخاصة بشبكة الملاحظة للعدالة التونسية، التي تضم كلا من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة محامون بلا حدود والهيئة الوطنية للمحامين بتونس، بينت انه مشروع القانون لا يفرق بين المخدرات الخفيفة والمخدرات المصنعة وفي نفس الوقت أثارت أحكام أخرى من المشروع مخاوف إضافية من حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والمتمثلة في إدانة بتهمة "التحريض" على الاستهلاك والتي من شأنها الحد من حرية التعبير، إضافة الى إجراءات التحقيق الخاصة وكذلك إجراءات التنصل التي قد تنتهك حق الحياة الشخصية للمواطنين.
وتذكر في هذا السياق شبكة الملاحظة للعدالة التونسية، ان 28% من نزلاء السجون هم من مستهلكي المخدرات. وتوصي بالتالي المشرع التونسي، ان يعتمد نهجا فعالا في هذا المجال، ويخلق توازنا بين الوقاية والعقاب، وان يعمل في الان نفسه على تقليص عدد المستهلكين والسجناء دون أن ينسى الدور الذي يلعبه كل من المحامين والقضاة وأعضاء النيابة العمومية في تغيير الممارسات القضائية.
وتعتبر منظمات المجتمع التونسي، ان المشكل الأبرز الذي تعاني منه تونس، هو انعدام وجود مراكز لإعادة التأهيل، فسواء مركز الإنصات ومساعدة المدمنين بصفاقس، او المركز الموجود بمنطقة جبل الوسط فقد تم إغلاقهما منذ سنوات ولم تقع إعادة فتحهما. وبالتالي فإن نجاح السياسة الوقائية، العلاجية سيبقى رهين توفر الإمكانيات المادية، وتضافر الجهود لتوفير التمويل اللازم.
وللإشارة أظهرت الدراسة الميدانية حول المخدّرات والعود أن نسبة العود بلغت 54 % وهناك من هو عائد لأكثر من مرتين. كما بلغت نسبة الذين لم يتلقوا أي علاج من أجل الإدمان 94.6%. وفي العموم لا توجد أي آلية علاج للسجناء المدمنين.
ويصعب تحديد حجم ظاهرة استهلاك المخدرات بدقة في ظل غياب إحصاء وطني رسمي حول تعاطي المخدرات في تونس. وفي العموم تستند التقديرات إلى مؤشرات مختلفة على غرار عدد المسجونين لارتكاب جرائم تتعلق بالمخدرات. أما بقية الأرقام فهي متأتية بشكل أساسي من المشروع المتوسطي للبحث حول الكحول والمخدرات الأخرى في المدارس والذي يقتصر على تلاميذ المدارس والمعاهد الثانوية.
ويقول تقرير المخدرات العالمي لعام 2024، أن عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات غير المشروعة ارتفع إلى 292 مليونا في عام 2022، أي بزيادة قدرها 20 % على مدار عشر سنوات.
وأوضح أن أغلب المتعاطين في جميع أنحاء العالم يستهلكون القنب الهندي (228 مليون شخص)، بينما يستهلك 60 مليون شخص في جميع أنحاء العالم المواد الأفيونية، ويتعاطى 30 مليون شخص الأمفيتامينات، و23 مليونا الكوكايين، و20 مليونا يتعاطون" الإكستازي".
ونبه كذلك إلى أن هناك زيادة في الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة في أعقاب ظهور مادة النيتازينات - وهي مجموعة من المواد الأفيونية الاصطناعية التي قد تكون أكثر خطورة من الفنتانيل - في العديد من البلدان ذات الدخل المرتفع.
وأثبت التقرير أن "القنب" ما زال من بين المواد المخدرة الأكثر استهلاكا تليه المواد الأفيونية ثم الأمفيتامينات فالكوكايين والاكستازي.
وتشير التقديرات الى ان النساء يمثلن 24 % من متعاطي القنب و16 %من متعاطي المواد الافيونية.
ووجد تقرير مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، الذي تم إعداده بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سنة 2023، أن الاستخدام غير المتناسب للعقوبات الجنائية يثني الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات عن طلب العلاج ويغذي وصمة العار والاستبعاد الاجتماعي. وطبقا لتقرير المخدرات، يتأثر الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات بشكل غير متناسب بالفيروسات المنقولة بالدم، ويموت سنويًا 660,000 شخص تقريبًا لأسباب متعلقة بالمخدرات، كما كان 10 في المائة من جميع الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية على المستوى العالمي في العام 2021، لأشخاص حقنوا بالمخدرات.
وخلص التقرير إلى أن الآثار السيئة لهذه السياسات عميقة وبعيدة المدى. فعسكرة إنفاذ القانون في سياق ما يُعرَف بالحرب على المخدرات، تساهم في وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات قتل خارج نطاق القضاء. كما يساهم الاستخدام غير المتناسب للعقوبات الجنائية في اكتظاظ السجون.
وسلّط التقرير الضوء على أن آثار هذه السياسات أشد وطأة على السكان المنحدرين من أصل إفريقي وعلى النساء والشعوب الأصلية والشباب المنحدرين من خلفيات فقيرة.
ريم سوودي
تونس- الصباح
رفعت مؤخرا، وزارة الصحة إلى رئاسة الحكومة مشروع قانون يعتبر الإدمان على المخدرات مرضا مزمنا يجب معالجته، وليس جريمة تستوجب العقاب. وفرض الوضع المتعلق باستهلاك المخدرات في تونس والذي ينذر بالخطر بالنظر الى التطور الملحوظ لاستهلاك هذا النوع من المواد، مراجعة الإطار القانوني حسب ما صرحت به ريم المنصوري حجري، المتفقدة العامة بالإدارة العامة للصيدلة والدواء خلال حضورها في ندوة نظمها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات الموافق ليوم 26 جوان من كل سنة.
وتعود أولى توصيات المجتمع الدولي في خصوص اعتبار مشكلة تعاطي المخدرات مشكلة صحية، وان من يتناول المخدرات هو في حاجة الى مساعدة طبية لا الى العقاب الجنائي الى سنة 2009، من خلال تقرير أعده المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. وهي توصية تم التطرق لها في التقرير العالمي للمخدرات في 2013 وفي 2014 وتباعا أصبح ينصص عليها دوريا ويؤكد على التمييز بين المجرم والضحية.
ورغم أهمية تفاعل تونس مع التوصيات المذكورة، ليس لدينا الى غاية الآن أية معطيات في خصوص التوجهات العامة لمشروع القانون الجديد. فممثلة وزارة الصحة اقتصرت في تدخلها على التأكيد أن المشروع قد تضمن عقوبات مشددة بالنسبة للمروجين. مع الإشارة الى أن نتائج المسح الوطني حول استهلاك المخدرات والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر في الوسط المدرسي الذي أعده المعهد الوطني للصحة أظهر تطورا هاما لاستهلاك المواد المخدرة بالنسبة للتلاميذ من 13 الى 17 سنة. والتأكيد على أنه في إطار الإعداد للعودة المدرسية القادمة 2024-2025 ، تعمل إدارة الطب المدرسي والجامعي بالتعاون مع وزارة التربية من اجل وضع خطة ترمي الى الوقاية من سلوك الإدمان في الوسط المدرسي وذلك في إطار الإستراتيجية الوطنية للوقاية وتقليص المخاطر وعلاج الأضرار الناجمة عن تعاطي المؤثرات العقلية المحجرة 2023 – 2027.
ولا تعد مبادرة وزارة الصحة، الأولى من نوعها في خصوص تنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدرات، فقد مثل نقطة انتخابية في حملة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي الذي اعتبر انه قانون "زجري أكثر من اللازم" وتسبب في "التضحية بمستقبل" العديد من الشباب التونسي وصرح بأن المراجعة وتخفيف الأحكام "ليس من باب التشجيع على استهلاك المخدرات بل بسبب التداعيات السلبية للقانون الحالي الذي أدى إلى انهيار مستقبل مستهلكي المخدرات."
وفعليا ظهر أول تنقيح للقانون عدد 52 المتعلق بالمخدرات، بتاريخ 30 ديسمبر 2015، أين تمت المصادقة عليه أمام المجلس الوزاري آنذاك وتضمن عددا من التعديلات الهامة ومنها اقتراح عقوبة بديلة لعقوبة السجن. غير أن القراءات التي شملته ومنها تلك الخاصة بشبكة الملاحظة للعدالة التونسية، التي تضم كلا من الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة محامون بلا حدود والهيئة الوطنية للمحامين بتونس، بينت انه مشروع القانون لا يفرق بين المخدرات الخفيفة والمخدرات المصنعة وفي نفس الوقت أثارت أحكام أخرى من المشروع مخاوف إضافية من حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والمتمثلة في إدانة بتهمة "التحريض" على الاستهلاك والتي من شأنها الحد من حرية التعبير، إضافة الى إجراءات التحقيق الخاصة وكذلك إجراءات التنصل التي قد تنتهك حق الحياة الشخصية للمواطنين.
وتذكر في هذا السياق شبكة الملاحظة للعدالة التونسية، ان 28% من نزلاء السجون هم من مستهلكي المخدرات. وتوصي بالتالي المشرع التونسي، ان يعتمد نهجا فعالا في هذا المجال، ويخلق توازنا بين الوقاية والعقاب، وان يعمل في الان نفسه على تقليص عدد المستهلكين والسجناء دون أن ينسى الدور الذي يلعبه كل من المحامين والقضاة وأعضاء النيابة العمومية في تغيير الممارسات القضائية.
وتعتبر منظمات المجتمع التونسي، ان المشكل الأبرز الذي تعاني منه تونس، هو انعدام وجود مراكز لإعادة التأهيل، فسواء مركز الإنصات ومساعدة المدمنين بصفاقس، او المركز الموجود بمنطقة جبل الوسط فقد تم إغلاقهما منذ سنوات ولم تقع إعادة فتحهما. وبالتالي فإن نجاح السياسة الوقائية، العلاجية سيبقى رهين توفر الإمكانيات المادية، وتضافر الجهود لتوفير التمويل اللازم.
وللإشارة أظهرت الدراسة الميدانية حول المخدّرات والعود أن نسبة العود بلغت 54 % وهناك من هو عائد لأكثر من مرتين. كما بلغت نسبة الذين لم يتلقوا أي علاج من أجل الإدمان 94.6%. وفي العموم لا توجد أي آلية علاج للسجناء المدمنين.
ويصعب تحديد حجم ظاهرة استهلاك المخدرات بدقة في ظل غياب إحصاء وطني رسمي حول تعاطي المخدرات في تونس. وفي العموم تستند التقديرات إلى مؤشرات مختلفة على غرار عدد المسجونين لارتكاب جرائم تتعلق بالمخدرات. أما بقية الأرقام فهي متأتية بشكل أساسي من المشروع المتوسطي للبحث حول الكحول والمخدرات الأخرى في المدارس والذي يقتصر على تلاميذ المدارس والمعاهد الثانوية.
ويقول تقرير المخدرات العالمي لعام 2024، أن عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات غير المشروعة ارتفع إلى 292 مليونا في عام 2022، أي بزيادة قدرها 20 % على مدار عشر سنوات.
وأوضح أن أغلب المتعاطين في جميع أنحاء العالم يستهلكون القنب الهندي (228 مليون شخص)، بينما يستهلك 60 مليون شخص في جميع أنحاء العالم المواد الأفيونية، ويتعاطى 30 مليون شخص الأمفيتامينات، و23 مليونا الكوكايين، و20 مليونا يتعاطون" الإكستازي".
ونبه كذلك إلى أن هناك زيادة في الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة في أعقاب ظهور مادة النيتازينات - وهي مجموعة من المواد الأفيونية الاصطناعية التي قد تكون أكثر خطورة من الفنتانيل - في العديد من البلدان ذات الدخل المرتفع.
وأثبت التقرير أن "القنب" ما زال من بين المواد المخدرة الأكثر استهلاكا تليه المواد الأفيونية ثم الأمفيتامينات فالكوكايين والاكستازي.
وتشير التقديرات الى ان النساء يمثلن 24 % من متعاطي القنب و16 %من متعاطي المواد الافيونية.
ووجد تقرير مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، الذي تم إعداده بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سنة 2023، أن الاستخدام غير المتناسب للعقوبات الجنائية يثني الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات عن طلب العلاج ويغذي وصمة العار والاستبعاد الاجتماعي. وطبقا لتقرير المخدرات، يتأثر الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات بشكل غير متناسب بالفيروسات المنقولة بالدم، ويموت سنويًا 660,000 شخص تقريبًا لأسباب متعلقة بالمخدرات، كما كان 10 في المائة من جميع الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية على المستوى العالمي في العام 2021، لأشخاص حقنوا بالمخدرات.
وخلص التقرير إلى أن الآثار السيئة لهذه السياسات عميقة وبعيدة المدى. فعسكرة إنفاذ القانون في سياق ما يُعرَف بالحرب على المخدرات، تساهم في وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات قتل خارج نطاق القضاء. كما يساهم الاستخدام غير المتناسب للعقوبات الجنائية في اكتظاظ السجون.
وسلّط التقرير الضوء على أن آثار هذه السياسات أشد وطأة على السكان المنحدرين من أصل إفريقي وعلى النساء والشعوب الأصلية والشباب المنحدرين من خلفيات فقيرة.