تماما كما تقبع البلاد وعلى أكثر من صعيد في نقطة الصفر منذ ما يزيد عن 10 سنوات، يراوح كذلك الجدل حول التعيينات في مختلف المناصب ومنها المناصب العليا والحساسة في الدولة وفي المرفق العام وعلى رأس المؤسسات الإعلامية، المكان ذاته دون الحسم في جدل عقيم يتواصل إلى اليوم محوره تحقيق المعادلة بين ممارسة الصلاحيات في التعيين التي يكفلها القانون وعلى ضوئها يحاسب المسؤول وعدم الوقوع في تهم المحاصصة والتدجين والتعيين على أساس الولاء الشخصي والحزبي.
واليوم، يحتدم الجدل من جديد حول مسالة التعيينات على هامش التصعيد الخطير والوضع المحتقن صلب وكالة تونس أفريقيا للأنباء على اثر قرار تعيين حكومي على رأس هذه المؤسسة الإعلامية بالتوازي مع وضع مشابه في إذاعة شمس أف أم أين يتواصل اعتصام الصحفيين رفضا أيضا لتعيين أخير على رأس المؤسسة.
قبل ذلك شهدت الخطوط التونسية وضعا مشابها بعد ذلك الجدل الذي رافق تعيين ألفة الحامدي على رأس الناقلة الوطنية والاتهامات المشابهة بأنه تعيين خضع فيه رئيس الحكومة للاملاءات والولاءات الحزبية لا للكفاءة.
منطق الغنيمة
تعد الاتهامات بالخضوع لضغط الأحزاب واعتماد المحاصصة والولاءات في التعيينات شبهة عابرة لكل الحكومات منذ عهدة الترويكا إلى اليوم، فقد لاحقت حكومة إلياس الفخفاخ الاتهامات ذاتها ويذكر أن عبير موسي رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر اتهمت في 7 ماي الفارط الوزير حينها محمد عبو وعددا من الوزراء الآخرين بالقيام بتعيينات على قاعدة الولاءات، وأكدت في تصريح إذاعي أنها بصدد إعداد ملفات الطعن في التعيينات لدى المحكمة الإدارية والتي قالت إن فيها ضربا واضحا لحياد الإدارة وتنطوي على نية واضحة للتحكم في مفاصل الدولة .
في السياق ذاته اعتبر نقيب الصحفيين السابق ناجي البغوري، أن تعيين أسامة بن سالم مستشارا في حكومة الفحفاخ وعلى اعتباره "صاحب قناة تلفزيونية غير قانونية (قناة الزيتونة)، يعد تحديا لإحدى مؤسسات الدولة (الهايكا) ولا يتناسب مع شعارات الحكومة حينها "الوضوح والشفافية، ودولة قوية وعادلة".
كما انتقد الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي في أفريل 2020 خلال لقاء إذاعي التعيينات في عدد من المؤسسات العمومية التي شدد على أنها خضعت لمنطق المحاصصة والغنيمة والموالاة في استعادة لما حصل خلال فترة حكم الترويكا، على حد تعبيره،.
أثارت أيضا في ديسمبر الفارط تعيينات رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، لمستشارين في ديوان البرلمان موجة من الجدل ، حيث اعتبرها بعض النواب محاولة لتشكيل "إدارة موازية" للبرلمان، وضربا لحياد الإدارة.
مكافآت وترضيات
وامتد جدل التعيينات والاتهامات بأنها تتم إما في شكل مكافآت وترضيات للمقربين والحاشية إبان فترة الحكم أو لغاية "تلغيم" الإدارة خدمة لغايات شخصية وسياسية ضيقة بعد المغادرة، ليشمل أيضا حكومة الشاهد ويتذكر الجميع الاحتجاجات والتململ في صفوف الأحزاب والمنظمات الوطنية من الحجم الكبير من للتعيينات التي رافقت آخر عهدة الشاهد على غرار مجلس شورى حركة النهضة الذي دعا صراحة رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد إلى الكف عن هذه الممارسات.
طرح الجدل أيضا مع حكومة مهدي جمعة حينما ألزمتها الأطراف السياسية والرباعي الراعي للحوار الوطني بتنفيذ بنود خارطة الطريق وأول بند كان ضرورة مراجعة التعيينات القائمة على الولاء الحزبي والتي وقعت في فترة حكومة الترويكا في كافة القطاعات حيث قام جمعة بموجب الاتفاق بإعفاء عدد هام من المستشارين السابقين في ديوان رئاسة الحكومة من المنتمين لحركة النهضة وعدد من الولاة إلى جانب مراجعة تعيينات أخرى في السلك الدبلوماسي.
الأمر الذي اعتبرته حركة النهضة استهدافا وهدد حينها القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي برد فعل قوي "إذا ما تحولت عملية مراجعة التعيينات الوظيفية إلى مطاردة لكل من له علاقة بحركة النهضة" على حد تعبيره.
مقترح سجل كفاءات
في ظل تواصل هذا الجدل حول التعيينات ومساهمة التجاذبات والأزمة السياسية في مزيد تغذيته وما يرافقه في كل مرة من صدام وتداعيات سلبية على المناخ العام وعلى منسوب الثقة أصبحت المسألة تحتاج إلى حسم للخروج من هذه الدوامة المفرغة من تمسك المسؤولين على تسيير شؤون الدولة بحقهم في التعيين وكذلك تمسك الأحزاب الحاكمة أو الداعمة للحكومة في حصولها على نصيب من التعيينات عبر اقتراح أسماء وذلك كما هو معمول به في دول ديمقراطية لأن المسؤولين وأحزابهم هم الذين سيحاسبون في نهاية المطاف، مقابل تمسك المعارضة بأن الغايات من ذلك هي وضع اليد على الإدارة والإعلام لغايات حزبية ضيقة.
يذكر في هذا الإطار أن رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة عبد القادر اللباوي تقدم سابقا بمقترحات عملية للخروج من مأزق وشبهات إخضاع مواقع المسؤولية للاعتبارات الشخصية والحزبية والسياسية الضيقة وذلك عبر التأسيس لتشريعات وعقلية جديدة في التعيينات على أساس مسؤولية الأداء والكفاءة والجدارة والقدرة على إيجاد الحلول.
وصرح اللباوي سابقا لـ"الصباح" بأنه "بات من الضروري إحداث هيئة دستورية مستقلة تعنى بحياد المرافق العمومية إزاء طالب الخدمة (المواطن) وفي علاقة بالسلطة السياسية، وذلك على غرار الهيئات والمجالس الدستورية العليا التي تم إحداثها على مستوى القضاء والإعلام والانتخابات. وتضم الهيئة المستقلة للمرفق العام وحياد الإدارة ضمن مكوناتها مرصدا وطنيا لحياد الإدارة، يعهد له بمراقبة كافة أوجه التصرف في الأعوان العموميين من انتداب وترقية وتكليف بمهام عليا وغيرها. كما تضم هيئة حياد الإدارة مركز بحوث ودراسات يعنى بمراجعة الأنظمة الأساسية لأعوان القطاع العمومي بالإضافة إلى إحداث ومسك قاعدة بيانات أو بنك معطيات خاص بالكفاءات الوطنية داخل وخارج البلاد حسب الاختصاص والقطاع يتم اعتمادها بنسب معينة عند التعيينات أو التسميات في المناصب الهامة والمؤثرة".
م.ي
تماما كما تقبع البلاد وعلى أكثر من صعيد في نقطة الصفر منذ ما يزيد عن 10 سنوات، يراوح كذلك الجدل حول التعيينات في مختلف المناصب ومنها المناصب العليا والحساسة في الدولة وفي المرفق العام وعلى رأس المؤسسات الإعلامية، المكان ذاته دون الحسم في جدل عقيم يتواصل إلى اليوم محوره تحقيق المعادلة بين ممارسة الصلاحيات في التعيين التي يكفلها القانون وعلى ضوئها يحاسب المسؤول وعدم الوقوع في تهم المحاصصة والتدجين والتعيين على أساس الولاء الشخصي والحزبي.
واليوم، يحتدم الجدل من جديد حول مسالة التعيينات على هامش التصعيد الخطير والوضع المحتقن صلب وكالة تونس أفريقيا للأنباء على اثر قرار تعيين حكومي على رأس هذه المؤسسة الإعلامية بالتوازي مع وضع مشابه في إذاعة شمس أف أم أين يتواصل اعتصام الصحفيين رفضا أيضا لتعيين أخير على رأس المؤسسة.
قبل ذلك شهدت الخطوط التونسية وضعا مشابها بعد ذلك الجدل الذي رافق تعيين ألفة الحامدي على رأس الناقلة الوطنية والاتهامات المشابهة بأنه تعيين خضع فيه رئيس الحكومة للاملاءات والولاءات الحزبية لا للكفاءة.
منطق الغنيمة
تعد الاتهامات بالخضوع لضغط الأحزاب واعتماد المحاصصة والولاءات في التعيينات شبهة عابرة لكل الحكومات منذ عهدة الترويكا إلى اليوم، فقد لاحقت حكومة إلياس الفخفاخ الاتهامات ذاتها ويذكر أن عبير موسي رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر اتهمت في 7 ماي الفارط الوزير حينها محمد عبو وعددا من الوزراء الآخرين بالقيام بتعيينات على قاعدة الولاءات، وأكدت في تصريح إذاعي أنها بصدد إعداد ملفات الطعن في التعيينات لدى المحكمة الإدارية والتي قالت إن فيها ضربا واضحا لحياد الإدارة وتنطوي على نية واضحة للتحكم في مفاصل الدولة .
في السياق ذاته اعتبر نقيب الصحفيين السابق ناجي البغوري، أن تعيين أسامة بن سالم مستشارا في حكومة الفحفاخ وعلى اعتباره "صاحب قناة تلفزيونية غير قانونية (قناة الزيتونة)، يعد تحديا لإحدى مؤسسات الدولة (الهايكا) ولا يتناسب مع شعارات الحكومة حينها "الوضوح والشفافية، ودولة قوية وعادلة".
كما انتقد الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي في أفريل 2020 خلال لقاء إذاعي التعيينات في عدد من المؤسسات العمومية التي شدد على أنها خضعت لمنطق المحاصصة والغنيمة والموالاة في استعادة لما حصل خلال فترة حكم الترويكا، على حد تعبيره،.
أثارت أيضا في ديسمبر الفارط تعيينات رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، لمستشارين في ديوان البرلمان موجة من الجدل ، حيث اعتبرها بعض النواب محاولة لتشكيل "إدارة موازية" للبرلمان، وضربا لحياد الإدارة.
مكافآت وترضيات
وامتد جدل التعيينات والاتهامات بأنها تتم إما في شكل مكافآت وترضيات للمقربين والحاشية إبان فترة الحكم أو لغاية "تلغيم" الإدارة خدمة لغايات شخصية وسياسية ضيقة بعد المغادرة، ليشمل أيضا حكومة الشاهد ويتذكر الجميع الاحتجاجات والتململ في صفوف الأحزاب والمنظمات الوطنية من الحجم الكبير من للتعيينات التي رافقت آخر عهدة الشاهد على غرار مجلس شورى حركة النهضة الذي دعا صراحة رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد إلى الكف عن هذه الممارسات.
طرح الجدل أيضا مع حكومة مهدي جمعة حينما ألزمتها الأطراف السياسية والرباعي الراعي للحوار الوطني بتنفيذ بنود خارطة الطريق وأول بند كان ضرورة مراجعة التعيينات القائمة على الولاء الحزبي والتي وقعت في فترة حكومة الترويكا في كافة القطاعات حيث قام جمعة بموجب الاتفاق بإعفاء عدد هام من المستشارين السابقين في ديوان رئاسة الحكومة من المنتمين لحركة النهضة وعدد من الولاة إلى جانب مراجعة تعيينات أخرى في السلك الدبلوماسي.
الأمر الذي اعتبرته حركة النهضة استهدافا وهدد حينها القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي برد فعل قوي "إذا ما تحولت عملية مراجعة التعيينات الوظيفية إلى مطاردة لكل من له علاقة بحركة النهضة" على حد تعبيره.
مقترح سجل كفاءات
في ظل تواصل هذا الجدل حول التعيينات ومساهمة التجاذبات والأزمة السياسية في مزيد تغذيته وما يرافقه في كل مرة من صدام وتداعيات سلبية على المناخ العام وعلى منسوب الثقة أصبحت المسألة تحتاج إلى حسم للخروج من هذه الدوامة المفرغة من تمسك المسؤولين على تسيير شؤون الدولة بحقهم في التعيين وكذلك تمسك الأحزاب الحاكمة أو الداعمة للحكومة في حصولها على نصيب من التعيينات عبر اقتراح أسماء وذلك كما هو معمول به في دول ديمقراطية لأن المسؤولين وأحزابهم هم الذين سيحاسبون في نهاية المطاف، مقابل تمسك المعارضة بأن الغايات من ذلك هي وضع اليد على الإدارة والإعلام لغايات حزبية ضيقة.
يذكر في هذا الإطار أن رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة عبد القادر اللباوي تقدم سابقا بمقترحات عملية للخروج من مأزق وشبهات إخضاع مواقع المسؤولية للاعتبارات الشخصية والحزبية والسياسية الضيقة وذلك عبر التأسيس لتشريعات وعقلية جديدة في التعيينات على أساس مسؤولية الأداء والكفاءة والجدارة والقدرة على إيجاد الحلول.
وصرح اللباوي سابقا لـ"الصباح" بأنه "بات من الضروري إحداث هيئة دستورية مستقلة تعنى بحياد المرافق العمومية إزاء طالب الخدمة (المواطن) وفي علاقة بالسلطة السياسية، وذلك على غرار الهيئات والمجالس الدستورية العليا التي تم إحداثها على مستوى القضاء والإعلام والانتخابات. وتضم الهيئة المستقلة للمرفق العام وحياد الإدارة ضمن مكوناتها مرصدا وطنيا لحياد الإدارة، يعهد له بمراقبة كافة أوجه التصرف في الأعوان العموميين من انتداب وترقية وتكليف بمهام عليا وغيرها. كما تضم هيئة حياد الإدارة مركز بحوث ودراسات يعنى بمراجعة الأنظمة الأساسية لأعوان القطاع العمومي بالإضافة إلى إحداث ومسك قاعدة بيانات أو بنك معطيات خاص بالكفاءات الوطنية داخل وخارج البلاد حسب الاختصاص والقطاع يتم اعتمادها بنسب معينة عند التعيينات أو التسميات في المناصب الهامة والمؤثرة".
م.ي