إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"الرجل الذي باع ظهره " ..لا شيء فيه يشير لتونس ما عدا هويّة المخرجة

من فاته عرض فيلم " الرجل الذي باع ظهره " للمخرجة كوثر بن هنية في أيام قرطاج السينمائية في نسختها الأخيرة، يمكنه أن يتدارك أمره لأن الفيلم جدير بالمشاهدة لجماليته ولما يثيره من قضايا جدية وآنية، وهو يخرج للقاعات السينمائية  التونسية هذا اليوم في انتظار توزيعه في اكثر من عشرين دولة أجنبية وفق ما تم الاعلان عنه أمس خلال عرضه أمام جمع من الاعلاميين في مدينة الثقافة بالعاصمة. وإن كان الفيلم قد توج  بعدد من الجوائز الهامة لعل ابرزها جائزة افضل فيلم عربي في مهرجان الجونة بمصر وجائزة افضل آداء تمثيلي  لبطله السوري يحيى مهايني في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، فإنه قد يحقق المفاجأة الكبرى بحصوله على جائزة اوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وهو الفيلم الوحيد من المنطقة العربية الذي بقي في السباق في هوليود وله حظوظ وافرة للفوز بالجائزة. نأتي الآن لهوية هذا الفيلم الذي هو من انتاج شركتي سنينتيلي فيلم للانتاج وتوزعه هكا للانتاج، وقد نال دعما اجنبيا ومن مهرجان الجونة لما كان في مرحلة الإعداد. فالفيلم وإن كان يمثل تونس في مهرجانات عالمية وقد يكتب له الفوز بالأوسكار باسم تونس، إلا أن احداثه لا تتعلق بتونس ولا شيء في الفيلم له علاقة بتونس من قريب أو بعيد، ما عدا هوية المخرجة كوثر بن هنية التونسية. صحيح أن كوثر بن هنية التي لها اليوم في رصيدها تجارب ناجحة على غرار  فيلمي "على كف عفريت" و"زينب تكره الثلج" وافلام قصيرة وافلام وثائقية أبرزها شلاط تونس، سبق واعلنت أنها بصدد اعداد فيلم حول المعاناة السورية بسبب الحرب الاهلية التي اندلعت بسوريا منذ 2011، لكن كنا نعتقد أنه سيكون هناك على الاقل خيطر رابط مع تونس  وهو ما غاب تماما. ربما تعنينا القصة كمواطنين في هذا العالم، نتفاعل مع الحكايات المؤثرة التي يمكن أن يعيشها اي مواطن في اي زواية من الكرة الأرضية، أو لأننا نتعاطف مع القضية السورية لكن، حتى في هذه المسألة يمكن مناقشة الأمر. فالحرية التي تكلم عنها بطل العمل في بداية مشاهد الفيلم والتي بدا واضحا أنه يعني بها التحرر من قبضة النظام السوري   فيها نظر. فبعد تطور الأحداث في سوريا، تبين أن القضية ليست قضية حرية ثورة شعبية للتخلص من نظام بشار الأسد الذي ظهرت صوره في هذا الفيلم لترمز إلى التسلط والقمع، بقدر ما كانت محاولة من الخارج  لتقسيم هذا البلد العربي وتدميره وتحويله إلى مرتع للمليشيات وللعصابات والجماعات المتطرفة وكسر شوكته أمام العدو الصهيوني الذي استغل هذه الاحداث للتدخل بشكل سافر في هذا البلد العربي. تدور أحداث الفيلم ( من انتاج 2020) التي استلهمتها المخرجة من قصة حقيقية، قصة  رجل يدعى تيم شتاينر منح ظهره إلى رسام ليرسم عليه لوحة حية ووافق على أن يعرض نفسه في معارض ومتاحف من وقت لآخر مقابل نسبة من الارباح، حول شاب سوري هرب من مركز امن بلاده  اثناء التحقيق بعد رواج فيديو على الانترنيت يتحدث فيه الشاب في غمرة الفرح بموافقة حبيبته على الزواج منه عن الحرية في بلاده. كان ذلك في بداية الاحداث التي شهدتها سوريا وصورت في البداية على أنها ثورة ضد النظام الديكتاتوري قبل أن تأخذ منعرجا آخر وتتحول إلى حرب اهلية دموية. الشاب الذي يقوم بدوره الممثل السوري يحيى مهايني يمر أولا عبر بيروت قبل أن يتحول إلى أوروبا وتحديدا إلى بلجيكا  لهدفين مزدوجين. الأول الفرار من شرطة بلاده والثاني اللحاق بحبيبته المهاجرة هي بدورها بعد اندلاع الاحداث في سوريا. وعلى الرغم من اعتبار التنصيص على أن النجمة الايطالية مونيكا بلوتشي ضيفة شرف في الفيلم إلا أنها لعبت أحد أدوار البطولة وظهرت في أغلب مشاهد الفيلم منذ أن تحولت الأحداث إلى بيروت ثم بلجيكا، وكان حضورها طاغيا. فقد  ركزت الكاميرا على قامتها وتفاصيل وجهها وتعقبتها في كل خطوة بعين المنبهر.  وكان واضحا أن كوثر بن هنية منشرحة جدا، وسعيدة بحضور مونيكا بلوتشي البهي في فيلمها ولم تستطع اخفاء علامات الفرح والرضاء، بل نقلتها إلى المتفرج الذي يجد نفسه بدوره يتابع باهتمام، حركات وسكنات مونيكا بلوتشي التي اضطلعت بدور مديرة أعمال فنان بلجيكي شهير استأجر ظهر الشاب السوري  ليرسم عليه لوحة مقابل مساعدته في التحول إلى بلجيكا، أين تقطن حبيبته عبير  بعد زواجه من مواطن سوري يشتغل بسفارة بلاده ببلجيكا. والجميل في هذا الفيلم هو أن اغلب مشاهده تم تصويرها داخل المتاحف وفي اروقة العرض. فالفن التشكيلي في قلب الأحداث. وقد نجحت المخرجة في تقديم صورة  حول أهمية الفن في المجتمعات الغربية وفي بلجيكا تحديدا حيث يعتبر الفن التشكيلي قديما وحديثا  حاضرا بقوة في حياة المواطن. وقد فهم اغلب النقاد ومنذ العروض الأولى للفيلم أن كوثر بن هنية ارادت من خلال قصة الفيلم أن تعالج موضوع الحرية بأدوات السينما. فالحرية التي يخال الكثيرون من شباب العالم المتخلف على غرار الشاب السوري سام علي الذي فهم بعد مغامرته في اوروبا أن السعادة الحقيقية هي العودة إلى ارضه وحتى من هم اقل شبابا، وخاصة في بلدان مثل سوريا أو فلسطين التي ذكرتا في الفيلم، وفقد  فيها المواطن حريته بسبب الحروب والنزاعات المسلحة، أنها مرتبطة بفيزا ( تأشيرة) من الاتحاد الأوروبي ما هي في نهاية الأمر إلا مجرد وهم. فسام علي بطل الفيلم منح ظهره ليرسم عليه الفنان البلجيكي جيفري غودفري التأشيرة التي يمنحها الاتحاد الاوروبي المعروفة بفيزا شنغان والتي تعتبر في عرف الساعين إلى الحصول عليها عبارة عن بوابة الدخول إلى الجنة، غير أنه يتفطن إلى أنه وهو يباع ويشترى ويطلب منه أن يتحول إلى جماد في المتاحف واروقة العرض، قد فقد حريته وصار السجن الحقيقي أهون بالنسبة له من هذه الحياة التي فقد فيها انسانيته وصار قطعة للفرجة. وقد تقمص الممثل البلجيكي كون دو باو دور الرسام الغريب الذي يعتمد على تقنيات غريبة في الرسم، حتى أن مرسمه تحول إلى عبارة عن غرفة بيضاء أو غرفة عمليات، كما ظهر هو بدوره بلباس الجراح في عدد من المشاهد، باتقان شديد وكان مبهرا في آدائه. لم تتوقف الكاميرا طويلا على مراحل رسم الفيزا على ظهر الفتى السوري الذي تفننت الكاميرا في نقل تصوير تفاصيل بدنه الرياضي المصقول، غير أنها لمحت أن العملية ( الرسم على الظهر) صعبة وموجعة تمارس على طريقة الوشم الدائم. ولعل من نقاط قوة هذا الفيلم هو التصوير. فالمشاهد كانت ناطقة وجميلة جدا إلى حد الابهار. مقابل ذلك لا   يمكن أن نقول إن كل مشاهد الفيلم كانت بنفس القوة. بل كانت هناك مشاهد ضعيفة واخرى غير مقنعة، ونشير مثلا إلى  أن المخرجة لم تستطع أن تقنعنا بقوة المشاعر بين بطلي الفيلم، سام علي الذي كان وجهته بلجيكا اساسا من اجل اللحاق بحبيبته  ( قامت بدورها الممثلة الفرنسية ديا ليان) هناك، وعبير،  الفناة الجميلة ذات العينين الملونتين. شيء ما بقي غامضا في هذه العلاقة رغم الدموع السخية التي ذرفتها البنت في عدة مشاهد، وقد حال دون تحويل قصة الحب في هذا الفيلم إلى قصة مؤثرة فعلا. أما النهاية فكانت مصطنعة وغير مقنعة لمن كان يتوقع شيئا اقوى من ذلك بكثير. فقد انتهى الفيلم نهاية سعيدة. فبعد الفاجعة ودموع مونيكا بلوتشي وهي تشاهد مقتل الشاب سام علي على  يد الدواعش بمنطقة الرقة، موطنه الذي عاد إليه بعد مغامرته في بلجكيا، وبعد أن تم اعلامنا بأن جلد الشاب الذي يحمل الرسمة التي بيعت في المزاد العلني بخمسة مليون دولار، وضعته الجماعة الارهابية للبيع، نكتشف أن العملية هي مجرد مسرحية. فقد دبر الفنان البلجيكي حيلة وأوهم الناس بأن سام علي قتل فعلا، في حين نشاهده فيما بعد  يعيش بسلام في منزله الريفي وحوله  بعض الحيوانات الأليفة وذلك الطاووس المتبختر والقطة التي ظهرت معه منذ أول مشهد له قبل ايقافه من السلطات السورية وأخذه للتحقيق وطبعا حبيبته التي هجرت زوجها الذي تم اظهاره في ابشع صورة وذلك انسجاما مع الموقف الواضح من كل ما يرمز إلى السلطات السورية ونظام بشار الأسد. كل ما في الأمر أن الفنان البلجيكي  استعمل خلايا الشاب السوري لنسج جلد جديد وطبع عليه نفس الرسم وأوهم العالم بأن اللوحة الذي علقت في المتحف بعد وضعها في إطار بكل عناية اصلية وانه يجود داخل الإطار جلد الشاب الذي باع ظهره. وقد كانت المكالمة الهاتفية التي جمعت بين الفتى والرسام كفيلة، بكشف كل ذلك. ولنا أن نشير وبأنه رغم ان المخرجة استطاعت أن تقدم عملا فنيا متقنا، حيث كانت الصورة في الفيلم احدى نقاط  القوة في العمل، كما أن أداء الممثلين، جميعهم تقريبا كان جيدا جدا، ورغم أنها عالجت قضية حارقة وهي قضية  الفروقات بين الشمال والجنوب وكذلك قضية الحرية التي تبقى القيمة التي يسعى وراءها الجميع، دون أن يطالوها جميعهم في نهاية الأمر، فإننا كجمهور تونسي نتوقع دائما من عمل سينمائي تونسي من انتاج تونسي ولو كان بالشراكة مع اطراف اجنبية، أن ينبع من البيئة التونسية، وأن ينقل المناخات التونسية، لا نستطيع إلا أن نشعر بالغربة ازاءه. فاللهجة السورية وان كانت جميلة وايقاعاتها حلوة واللغة الانقليزية وإن كانت لغة عالمية والفرنسية التي نفهمها جيدا، فإنها جميعها  تجعلنا نضع مسافة بيننا وبين هذا الفيلم وكأننا نشاهد أي عمل أجنبي.  نقر بقيمته، لكننا لا نستطيع أن نقول إنه يعبر عنا.

حياة السايب

   
من فاته عرض فيلم " الرجل الذي باع ظهره " للمخرجة كوثر بن هنية في أيام قرطاج السينمائية في نسختها الأخيرة، يمكنه أن يتدارك أمره لأن الفيلم جدير بالمشاهدة لجماليته ولما يثيره من قضايا جدية وآنية، وهو يخرج للقاعات السينمائية  التونسية هذا اليوم في انتظار توزيعه في اكثر من عشرين دولة أجنبية وفق ما تم الاعلان عنه أمس خلال عرضه أمام جمع من الاعلاميين في مدينة الثقافة بالعاصمة. وإن كان الفيلم قد توج  بعدد من الجوائز الهامة لعل ابرزها جائزة افضل فيلم عربي في مهرجان الجونة بمصر وجائزة افضل آداء تمثيلي  لبطله السوري يحيى مهايني في مهرجان البندقية السينمائي الدولي، فإنه قد يحقق المفاجأة الكبرى بحصوله على جائزة اوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وهو الفيلم الوحيد من المنطقة العربية الذي بقي في السباق في هوليود وله حظوظ وافرة للفوز بالجائزة. نأتي الآن لهوية هذا الفيلم الذي هو من انتاج شركتي سنينتيلي فيلم للانتاج وتوزعه هكا للانتاج، وقد نال دعما اجنبيا ومن مهرجان الجونة لما كان في مرحلة الإعداد. فالفيلم وإن كان يمثل تونس في مهرجانات عالمية وقد يكتب له الفوز بالأوسكار باسم تونس، إلا أن احداثه لا تتعلق بتونس ولا شيء في الفيلم له علاقة بتونس من قريب أو بعيد، ما عدا هوية المخرجة كوثر بن هنية التونسية. صحيح أن كوثر بن هنية التي لها اليوم في رصيدها تجارب ناجحة على غرار  فيلمي "على كف عفريت" و"زينب تكره الثلج" وافلام قصيرة وافلام وثائقية أبرزها شلاط تونس، سبق واعلنت أنها بصدد اعداد فيلم حول المعاناة السورية بسبب الحرب الاهلية التي اندلعت بسوريا منذ 2011، لكن كنا نعتقد أنه سيكون هناك على الاقل خيطر رابط مع تونس  وهو ما غاب تماما. ربما تعنينا القصة كمواطنين في هذا العالم، نتفاعل مع الحكايات المؤثرة التي يمكن أن يعيشها اي مواطن في اي زواية من الكرة الأرضية، أو لأننا نتعاطف مع القضية السورية لكن، حتى في هذه المسألة يمكن مناقشة الأمر. فالحرية التي تكلم عنها بطل العمل في بداية مشاهد الفيلم والتي بدا واضحا أنه يعني بها التحرر من قبضة النظام السوري   فيها نظر. فبعد تطور الأحداث في سوريا، تبين أن القضية ليست قضية حرية ثورة شعبية للتخلص من نظام بشار الأسد الذي ظهرت صوره في هذا الفيلم لترمز إلى التسلط والقمع، بقدر ما كانت محاولة من الخارج  لتقسيم هذا البلد العربي وتدميره وتحويله إلى مرتع للمليشيات وللعصابات والجماعات المتطرفة وكسر شوكته أمام العدو الصهيوني الذي استغل هذه الاحداث للتدخل بشكل سافر في هذا البلد العربي. تدور أحداث الفيلم ( من انتاج 2020) التي استلهمتها المخرجة من قصة حقيقية، قصة  رجل يدعى تيم شتاينر منح ظهره إلى رسام ليرسم عليه لوحة حية ووافق على أن يعرض نفسه في معارض ومتاحف من وقت لآخر مقابل نسبة من الارباح، حول شاب سوري هرب من مركز امن بلاده  اثناء التحقيق بعد رواج فيديو على الانترنيت يتحدث فيه الشاب في غمرة الفرح بموافقة حبيبته على الزواج منه عن الحرية في بلاده. كان ذلك في بداية الاحداث التي شهدتها سوريا وصورت في البداية على أنها ثورة ضد النظام الديكتاتوري قبل أن تأخذ منعرجا آخر وتتحول إلى حرب اهلية دموية. الشاب الذي يقوم بدوره الممثل السوري يحيى مهايني يمر أولا عبر بيروت قبل أن يتحول إلى أوروبا وتحديدا إلى بلجيكا  لهدفين مزدوجين. الأول الفرار من شرطة بلاده والثاني اللحاق بحبيبته المهاجرة هي بدورها بعد اندلاع الاحداث في سوريا. وعلى الرغم من اعتبار التنصيص على أن النجمة الايطالية مونيكا بلوتشي ضيفة شرف في الفيلم إلا أنها لعبت أحد أدوار البطولة وظهرت في أغلب مشاهد الفيلم منذ أن تحولت الأحداث إلى بيروت ثم بلجيكا، وكان حضورها طاغيا. فقد  ركزت الكاميرا على قامتها وتفاصيل وجهها وتعقبتها في كل خطوة بعين المنبهر.  وكان واضحا أن كوثر بن هنية منشرحة جدا، وسعيدة بحضور مونيكا بلوتشي البهي في فيلمها ولم تستطع اخفاء علامات الفرح والرضاء، بل نقلتها إلى المتفرج الذي يجد نفسه بدوره يتابع باهتمام، حركات وسكنات مونيكا بلوتشي التي اضطلعت بدور مديرة أعمال فنان بلجيكي شهير استأجر ظهر الشاب السوري  ليرسم عليه لوحة مقابل مساعدته في التحول إلى بلجيكا، أين تقطن حبيبته عبير  بعد زواجه من مواطن سوري يشتغل بسفارة بلاده ببلجيكا. والجميل في هذا الفيلم هو أن اغلب مشاهده تم تصويرها داخل المتاحف وفي اروقة العرض. فالفن التشكيلي في قلب الأحداث. وقد نجحت المخرجة في تقديم صورة  حول أهمية الفن في المجتمعات الغربية وفي بلجيكا تحديدا حيث يعتبر الفن التشكيلي قديما وحديثا  حاضرا بقوة في حياة المواطن. وقد فهم اغلب النقاد ومنذ العروض الأولى للفيلم أن كوثر بن هنية ارادت من خلال قصة الفيلم أن تعالج موضوع الحرية بأدوات السينما. فالحرية التي يخال الكثيرون من شباب العالم المتخلف على غرار الشاب السوري سام علي الذي فهم بعد مغامرته في اوروبا أن السعادة الحقيقية هي العودة إلى ارضه وحتى من هم اقل شبابا، وخاصة في بلدان مثل سوريا أو فلسطين التي ذكرتا في الفيلم، وفقد  فيها المواطن حريته بسبب الحروب والنزاعات المسلحة، أنها مرتبطة بفيزا ( تأشيرة) من الاتحاد الأوروبي ما هي في نهاية الأمر إلا مجرد وهم. فسام علي بطل الفيلم منح ظهره ليرسم عليه الفنان البلجيكي جيفري غودفري التأشيرة التي يمنحها الاتحاد الاوروبي المعروفة بفيزا شنغان والتي تعتبر في عرف الساعين إلى الحصول عليها عبارة عن بوابة الدخول إلى الجنة، غير أنه يتفطن إلى أنه وهو يباع ويشترى ويطلب منه أن يتحول إلى جماد في المتاحف واروقة العرض، قد فقد حريته وصار السجن الحقيقي أهون بالنسبة له من هذه الحياة التي فقد فيها انسانيته وصار قطعة للفرجة. وقد تقمص الممثل البلجيكي كون دو باو دور الرسام الغريب الذي يعتمد على تقنيات غريبة في الرسم، حتى أن مرسمه تحول إلى عبارة عن غرفة بيضاء أو غرفة عمليات، كما ظهر هو بدوره بلباس الجراح في عدد من المشاهد، باتقان شديد وكان مبهرا في آدائه. لم تتوقف الكاميرا طويلا على مراحل رسم الفيزا على ظهر الفتى السوري الذي تفننت الكاميرا في نقل تصوير تفاصيل بدنه الرياضي المصقول، غير أنها لمحت أن العملية ( الرسم على الظهر) صعبة وموجعة تمارس على طريقة الوشم الدائم. ولعل من نقاط قوة هذا الفيلم هو التصوير. فالمشاهد كانت ناطقة وجميلة جدا إلى حد الابهار. مقابل ذلك لا   يمكن أن نقول إن كل مشاهد الفيلم كانت بنفس القوة. بل كانت هناك مشاهد ضعيفة واخرى غير مقنعة، ونشير مثلا إلى  أن المخرجة لم تستطع أن تقنعنا بقوة المشاعر بين بطلي الفيلم، سام علي الذي كان وجهته بلجيكا اساسا من اجل اللحاق بحبيبته  ( قامت بدورها الممثلة الفرنسية ديا ليان) هناك، وعبير،  الفناة الجميلة ذات العينين الملونتين. شيء ما بقي غامضا في هذه العلاقة رغم الدموع السخية التي ذرفتها البنت في عدة مشاهد، وقد حال دون تحويل قصة الحب في هذا الفيلم إلى قصة مؤثرة فعلا. أما النهاية فكانت مصطنعة وغير مقنعة لمن كان يتوقع شيئا اقوى من ذلك بكثير. فقد انتهى الفيلم نهاية سعيدة. فبعد الفاجعة ودموع مونيكا بلوتشي وهي تشاهد مقتل الشاب سام علي على  يد الدواعش بمنطقة الرقة، موطنه الذي عاد إليه بعد مغامرته في بلجكيا، وبعد أن تم اعلامنا بأن جلد الشاب الذي يحمل الرسمة التي بيعت في المزاد العلني بخمسة مليون دولار، وضعته الجماعة الارهابية للبيع، نكتشف أن العملية هي مجرد مسرحية. فقد دبر الفنان البلجيكي حيلة وأوهم الناس بأن سام علي قتل فعلا، في حين نشاهده فيما بعد  يعيش بسلام في منزله الريفي وحوله  بعض الحيوانات الأليفة وذلك الطاووس المتبختر والقطة التي ظهرت معه منذ أول مشهد له قبل ايقافه من السلطات السورية وأخذه للتحقيق وطبعا حبيبته التي هجرت زوجها الذي تم اظهاره في ابشع صورة وذلك انسجاما مع الموقف الواضح من كل ما يرمز إلى السلطات السورية ونظام بشار الأسد. كل ما في الأمر أن الفنان البلجيكي  استعمل خلايا الشاب السوري لنسج جلد جديد وطبع عليه نفس الرسم وأوهم العالم بأن اللوحة الذي علقت في المتحف بعد وضعها في إطار بكل عناية اصلية وانه يجود داخل الإطار جلد الشاب الذي باع ظهره. وقد كانت المكالمة الهاتفية التي جمعت بين الفتى والرسام كفيلة، بكشف كل ذلك. ولنا أن نشير وبأنه رغم ان المخرجة استطاعت أن تقدم عملا فنيا متقنا، حيث كانت الصورة في الفيلم احدى نقاط  القوة في العمل، كما أن أداء الممثلين، جميعهم تقريبا كان جيدا جدا، ورغم أنها عالجت قضية حارقة وهي قضية  الفروقات بين الشمال والجنوب وكذلك قضية الحرية التي تبقى القيمة التي يسعى وراءها الجميع، دون أن يطالوها جميعهم في نهاية الأمر، فإننا كجمهور تونسي نتوقع دائما من عمل سينمائي تونسي من انتاج تونسي ولو كان بالشراكة مع اطراف اجنبية، أن ينبع من البيئة التونسية، وأن ينقل المناخات التونسية، لا نستطيع إلا أن نشعر بالغربة ازاءه. فاللهجة السورية وان كانت جميلة وايقاعاتها حلوة واللغة الانقليزية وإن كانت لغة عالمية والفرنسية التي نفهمها جيدا، فإنها جميعها  تجعلنا نضع مسافة بيننا وبين هذا الفيلم وكأننا نشاهد أي عمل أجنبي.  نقر بقيمته، لكننا لا نستطيع أن نقول إنه يعبر عنا.

حياة السايب

   

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews