إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

2021.. سنة الزلازل السياسية والهزات الارتدادية

تونس – الصباح

ستبقى سنة 2021 سنة مفصلية وتاريخ فاصل في مرحلة ما بعد الثورة بالنظر الى التبعات والتداعيات التي ستكون لها في السنوات القادمة وبالنظر إلى الأحداث الهامة والاستثنائية، التي شهدتها خاصة على المستوى السياسي..، حيث كانت سنة التحوّلات العميقة التي غيّرت ملامح المشهد السياسي بالكامل..، وكذلك سنة المجازفات الكبرى والتي لا نعرف بعد أين ستنتهي بنا.

كما كانت سنة 2021 على المستوى السياسي،امتدادا او نتيجة لكل الأزمات العاصفة التي شهدتها سنة 2020، لنمر من سنة الأزمات الكبرى الى سنة المتغيرات العميقة والنتائج المباشرة لكل الازمات والخيبات والفشل الحكومي المطبق.. وكما بدأت السنة المنقضية بصراعات كسر عظام ومرور بالقوة، بداية مع أزمة التحوير الوزاري المعلق مع حكومة مشيشي لتنتهي كذلك بأزمة متعددة الأبعاد وبين كل الفاعلين السياسيين.

ولو أردنا أن نضع عنوانا لسنة 2021 سيكون دون أدنى شك سنة المتغيرات السياسية الكبرى والزلازل المدوية والهزات الارتدادية  والمجازفة التاريخية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد من خلال إعلان إجراءات 25 جويلية وإصداره للأمر الرئاسي 117 وإصراره على فرض واقع سياسي جديد بالتوجه نحو صياغة دستور جديد للبلاد ومراجعة القانون الانتخابي ووضع قواعد جديدة للعبة الديمقراطية قبل المرور الى انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر القادم..وهي الإجراءات المختلف عليها اليوم بين أغلب الفاعلين السياسيين والمنظمات الوطنية والتي يعتبرها البعض »انقلابا «على المسار السياسي والدستوري.. وهذا الاختلاف العميق والتباين الكبير في وجهات النظر غذّى المشهد بالكثير من الاحتقان والفرقة والصراع.. دون ثقة كبيرة في تحسن المناخ السياسي في قادم الاشهر حيث من التوقع أن تشهد السنة القادمة، مناخات سياسية أكثر تعفّنا!

التحوير الوزاري.. الخطيئة الأصلية!

في جانفي 2021 أعلن رئيس الحكومة السابق هشام مشيشي عن تعديل وزاري شمل 11 حقيبة وزارية.. وكان هذا الإعلان بداية الجبهة التي فّتحت بين الرئيس ورئيس الحكومة وانتهت بإعلان رئيس الجمهورية في عيد الجمهورية إقالة الحكومة.. وتلك الأزمة كان منطلقها اقالة ما يسمى بالوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية في الحكومة واتخاذ هشام مشيشي لذلك القرار دون العودة الى قيس سعيد وتحت ضغط من التحالف البرلماني المتكون من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة بعد ان نجحوا في سحب رئيس الحكومة إلى صفهم في مواجهة مع رئيس الجمهورية رغم أن هشام مشيشي كان اختيار سعيد ورجله الذي راهن عليه في قيادة حكومة الرئيس 2.

وأمام محاولة المرور بالقوة وانتهاج سياسية الامر الواقع من طرف هشام مشيشي أتى رد الفعل سريعا من طرف قيس سعيد الذي رفض قبول الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية رغم نيلهم لثقة مجلس نواب الشعب، مبررا ذلك بأن بعض الوزراء تعلقت بهم شبهات فساد وان هناك خللا في إجراءات اقتراحهم منذ البداية.

بداية المواجهة المباشرة

في أفريل 2021، رفض قيس سعيد إصدار قانون أساسي يتعلق بإنشاء محكمة دستورية، مبررا ذلك بتجاوز الآجال الدستورية وهو أجل سنة من المصادقة على الدستور، كما رفض أي تعديل دستوري يتعلق بهذا الموضوع بحجة أنه لا يمكن تعديل القانون الأساسي دون موافقة المحكمة الدستورية ودعا إلى اعتماد نص جديد يؤسس لنظام رئاسي وديمقراطية مباشرة للبرلمان أو العودة إلى الدستور التونسي لعام 1959.

فضيحة اجتماع الحمامات تعجّل بنهاية مشيشي  

يوم 17 جويلية الماضي كان من المنتظر ان تعقد جلسة للاستماع للحكومة حول الوضع الوبائي الذي كان يفتك بالبلاد مع التزايد المخيف لعدد الاصابات بفيروس كورونا بالإضافة الى بلوغ معدلات الوفيات اليومية أرقاما مفزعة وعجز منظومة الصحة على مواجهة الازمة الوبائية خاصة في غياب التلاقيح..، لكن رئاسة المجلس وبشكل مفاجئ قررت تأجيل الجلسة بعد اعتذار الحكومة:"لالتزامات طارئة".. وإذا كان هذا الأمر قد يحصل وحصل مع حكومات سابقة الا أن الصدمة التي هزت الرأي العام ووضعت البلاد على كف عفريت كانت تلك الصورة التي نشرها وزير النقل معز شقشوق في نفس اليوم الذي كان من المقرر اجراء جلسة الاستماع البرلمانية وأظهرت ما هي التزامات الحكومة الطارئة وهي بالأساس عطلة نهاية اسبوع للاستجمام بأحد نزل الحمامات والموتى جراء أزمة كوفيد يشيعون يوميا بالمئات إلى المقابر.

وقد أثارت الصورة المتداولة استنكار التونسيين ففي الوقت الذي تعيش فيه المستشفيات أزمة أكسيجين ويموت المئات بسبب فيروس قاتل وفتاك، فضل الوزراء ومن بينهم رئيس الحكومة الاستجمام على شواطئ الحمامات.

tunisian.jpg

25 جويلية.. اليوم المشهود

كانت بداية ذلك اليوم تشتعل غضبا من وضع صحي كارثي ووضع سياسي مفكك وحكومة في غيبوبة وبرلمان منشغل بحساباته وبمعركته مع رئيس الجمهورية فيما يموت يوميا مئات التونسيين وبلغت المستشفيات والمصحات طاقة استيعابها القصوى وأصبحت عاجزة عن استقبال مرضى جدد بالإضافة إلى أزمة الأوكسجين المفقود.

ذلك اليوم الذي بدأ باحتجاجات شعبية عفوية وغير مؤطرة بلغت حد حرق بعض مقرات حركة النهضة.. وانتهى باتخاذ قيس سعيد اجراءات ستبقى تاريخية بالنظر الى تبعاتها وما أثارته بعد ذلك من جدل، حيث أعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد عن اقالة الحكومة وقد أجبر بعد ذلك بيوم رئيس الحكومة على تقديم استقالته، في تدوينة له مقتضبة على صفحته الرسمية ليختفي بعد ذلك من المشهد السياسي تماما..، وقد اجتمع ليلتها قيس سعيد بقادة الجيوش الثلاثة واعلن عن تفعيل الفصل 80 من الدستور والدخول في مرحلة التدابير الاستثنائية بإنهاء مهام رئيس الحكومة وتجميد عمل البرلمان.

 واستند رئيس الجمهورية في قراراته المتخذة إلى الفصل 80 من الدستور الذي ينص على أنه  »لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية"، ولكن غياب المحكمة الدستورية لم يمنع قيس سعيد من اتخاذ تلك التدابير الاستثنائية.

إقالات واعتقالات

يوم 26 جويلية أقال سعيد وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالوكالة حسناء بن سليمان، كما أعلن حظر تجول لمدة شهر بداية من 26 جويلية إلى 27 أوت من 26 جويلية إلى 27 أوت 2021.

وفي 30 جويلية تم سجن النائب ورئيس قائمة أمل وعمل المستقلة ياسين العياري على خلفية حكم سابق كان قد أصدره القضاء العسكري في حقه سنة 2018 بتهمة انتقاد الجيش..،وكان العياري من المنتقدين لإجراءات 25 جويلية حيث كان ينشر انتقادات لاذعة ضد قيس سعيد واعتبر أن تلك الإجراءات هي انقلاب على الدستور وذلك بعد تجريده من الحصانة البرلمانية بعد إعلان رئيس الجمهورية تعليق عمل مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن كل النواب، وقد تم إخلاء سبيله بعد ذلك يوم 22 سبتمبر.

وبعد اعتقال العياري بوقت قصير تم اعتقال ماهر زيد بعد أن حكم عليه في 2018 بالسجن لمدة عامين بتهمة إهانة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي..، بالإضافة إلى أن شهر أوت الماضي شهد وضع عدة شخصيات تحت الاقامة الجبرية ومنهم رئيس لجنة مكافحة الفساد السابق شوقي الطبيب ووزير النقل السابق أنور معروف وعدد من مستشاري رئيس الحكومة هشام مشيشي، كما تم سجن عدد من النواب منهم سيف الدين مخلوف ونضال سعودي وفيصل التبيني.

ويوم 24 أوت وبعد انتهاء مدة الـ30 يوما أصدر سعيد قرارا بتمديد فترة التدابير الاستثنائية التي أعلنها في شهر جويلية على الرغم من أن الدستور ينص على أنه لا يمكن تعليق البرلمان إلا لمدة شهر، قابلة للتمديد بقرار معلل مما أثار الكثير من السجال والمواقف المنتقدة وقتها.

الأمر 117 والوضعية السياسية غير المسبوقة

في 22 سبتمبر 2021 أصدر الرئيس قيس سعيد الأمر الرئاسي 117 المتعلق بتنظيم مرحلة التدابير الاستثنائية سياسيا واعتبر هذا الأمر سابقة سياسية حيث لم يحدث وان جمع رئيس الجمهورية كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية في يده بذلك الشكل وقد كان هذا الأمر سببا في أن تشهد البلاد بعد ذلك سلسلة من التحركات الاحتجاجية من طرف عدد كبير من القوى السياسية ومن بينها أحزاب كانت مؤيدة لمسار 25 جويلية.

وقد نص الأمر الرئاسي على تعليق بابي السلطة التنفيذية والتشريعية لدستور 2014 ومواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.

كما نص الامر على مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة القوانين الدستورية. ونص أيضا على تولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بـ"الإصلاحات السياسية" بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي. كما منح هذا الأمر صلاحية اصدار المراسيم لرئيس الجمهورية وهذه المراسيم غير قابلة للطعن فيها.

 امرأة على رأس الحكومة.. لأول مرة

في  29 سبتمبر 1921، تم تعيين نجلاء بودن في منصب رئيسة الحكزمة،  وهي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين امرأة في هذا المنصب في تونس والوطن العربي، ورغم أن نجلاء بودن لم تكن اسما سياسيا او حقوقيا معروفا الا انها نجحت في نيل ثقة سعيد والذي يقود اليوم السلطة التنفيذية ويشرف على اجتماع المجالس الوزارية.

التسقيف الزمني لمرحلة التدابير الاستثنائية    

بعد مطالبات ملحة من الأحزاب والمنظمات الوطنية  تطالب بضرورة التسقيف الزمني لمرحلة التدابير الاستثنائية، أعلن قيس سعيد يوم 13 ديسمبر الجاري عن إجراءات جديدة تضمنت الاعلان عن استفتاء شعبي في 25 جويلية 2022 بعد إجراء استشارة وطنية بشان مراجعة قانون الانتخابات والدستور، كما أعلن أن موعد الانتخابات القادمة ستكون يوم 17 ديسمبر 2022 والإبقاء على البرلمان مجمدا الى حين إجراء تلك الانتخابات.. وهو القرار الذي أثار انتقادات واسعة من طرف المعارضين لإجراءات قيس سعيد حيث دخل بعض النشطاء في حراك »مواطنون ضد الانقلاب «في إضراب جوع رفضا لتغيير النظام السياسي والانتخابي بشكل منفرد من رئيس الجمهورية.

منية العرفاوي

2021.. سنة الزلازل السياسية والهزات الارتدادية

تونس – الصباح

ستبقى سنة 2021 سنة مفصلية وتاريخ فاصل في مرحلة ما بعد الثورة بالنظر الى التبعات والتداعيات التي ستكون لها في السنوات القادمة وبالنظر إلى الأحداث الهامة والاستثنائية، التي شهدتها خاصة على المستوى السياسي..، حيث كانت سنة التحوّلات العميقة التي غيّرت ملامح المشهد السياسي بالكامل..، وكذلك سنة المجازفات الكبرى والتي لا نعرف بعد أين ستنتهي بنا.

كما كانت سنة 2021 على المستوى السياسي،امتدادا او نتيجة لكل الأزمات العاصفة التي شهدتها سنة 2020، لنمر من سنة الأزمات الكبرى الى سنة المتغيرات العميقة والنتائج المباشرة لكل الازمات والخيبات والفشل الحكومي المطبق.. وكما بدأت السنة المنقضية بصراعات كسر عظام ومرور بالقوة، بداية مع أزمة التحوير الوزاري المعلق مع حكومة مشيشي لتنتهي كذلك بأزمة متعددة الأبعاد وبين كل الفاعلين السياسيين.

ولو أردنا أن نضع عنوانا لسنة 2021 سيكون دون أدنى شك سنة المتغيرات السياسية الكبرى والزلازل المدوية والهزات الارتدادية  والمجازفة التاريخية التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد من خلال إعلان إجراءات 25 جويلية وإصداره للأمر الرئاسي 117 وإصراره على فرض واقع سياسي جديد بالتوجه نحو صياغة دستور جديد للبلاد ومراجعة القانون الانتخابي ووضع قواعد جديدة للعبة الديمقراطية قبل المرور الى انتخابات تشريعية مبكرة في ديسمبر القادم..وهي الإجراءات المختلف عليها اليوم بين أغلب الفاعلين السياسيين والمنظمات الوطنية والتي يعتبرها البعض »انقلابا «على المسار السياسي والدستوري.. وهذا الاختلاف العميق والتباين الكبير في وجهات النظر غذّى المشهد بالكثير من الاحتقان والفرقة والصراع.. دون ثقة كبيرة في تحسن المناخ السياسي في قادم الاشهر حيث من التوقع أن تشهد السنة القادمة، مناخات سياسية أكثر تعفّنا!

التحوير الوزاري.. الخطيئة الأصلية!

في جانفي 2021 أعلن رئيس الحكومة السابق هشام مشيشي عن تعديل وزاري شمل 11 حقيبة وزارية.. وكان هذا الإعلان بداية الجبهة التي فّتحت بين الرئيس ورئيس الحكومة وانتهت بإعلان رئيس الجمهورية في عيد الجمهورية إقالة الحكومة.. وتلك الأزمة كان منطلقها اقالة ما يسمى بالوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية في الحكومة واتخاذ هشام مشيشي لذلك القرار دون العودة الى قيس سعيد وتحت ضغط من التحالف البرلماني المتكون من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة بعد ان نجحوا في سحب رئيس الحكومة إلى صفهم في مواجهة مع رئيس الجمهورية رغم أن هشام مشيشي كان اختيار سعيد ورجله الذي راهن عليه في قيادة حكومة الرئيس 2.

وأمام محاولة المرور بالقوة وانتهاج سياسية الامر الواقع من طرف هشام مشيشي أتى رد الفعل سريعا من طرف قيس سعيد الذي رفض قبول الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية رغم نيلهم لثقة مجلس نواب الشعب، مبررا ذلك بأن بعض الوزراء تعلقت بهم شبهات فساد وان هناك خللا في إجراءات اقتراحهم منذ البداية.

بداية المواجهة المباشرة

في أفريل 2021، رفض قيس سعيد إصدار قانون أساسي يتعلق بإنشاء محكمة دستورية، مبررا ذلك بتجاوز الآجال الدستورية وهو أجل سنة من المصادقة على الدستور، كما رفض أي تعديل دستوري يتعلق بهذا الموضوع بحجة أنه لا يمكن تعديل القانون الأساسي دون موافقة المحكمة الدستورية ودعا إلى اعتماد نص جديد يؤسس لنظام رئاسي وديمقراطية مباشرة للبرلمان أو العودة إلى الدستور التونسي لعام 1959.

فضيحة اجتماع الحمامات تعجّل بنهاية مشيشي  

يوم 17 جويلية الماضي كان من المنتظر ان تعقد جلسة للاستماع للحكومة حول الوضع الوبائي الذي كان يفتك بالبلاد مع التزايد المخيف لعدد الاصابات بفيروس كورونا بالإضافة الى بلوغ معدلات الوفيات اليومية أرقاما مفزعة وعجز منظومة الصحة على مواجهة الازمة الوبائية خاصة في غياب التلاقيح..، لكن رئاسة المجلس وبشكل مفاجئ قررت تأجيل الجلسة بعد اعتذار الحكومة:"لالتزامات طارئة".. وإذا كان هذا الأمر قد يحصل وحصل مع حكومات سابقة الا أن الصدمة التي هزت الرأي العام ووضعت البلاد على كف عفريت كانت تلك الصورة التي نشرها وزير النقل معز شقشوق في نفس اليوم الذي كان من المقرر اجراء جلسة الاستماع البرلمانية وأظهرت ما هي التزامات الحكومة الطارئة وهي بالأساس عطلة نهاية اسبوع للاستجمام بأحد نزل الحمامات والموتى جراء أزمة كوفيد يشيعون يوميا بالمئات إلى المقابر.

وقد أثارت الصورة المتداولة استنكار التونسيين ففي الوقت الذي تعيش فيه المستشفيات أزمة أكسيجين ويموت المئات بسبب فيروس قاتل وفتاك، فضل الوزراء ومن بينهم رئيس الحكومة الاستجمام على شواطئ الحمامات.

tunisian.jpg

25 جويلية.. اليوم المشهود

كانت بداية ذلك اليوم تشتعل غضبا من وضع صحي كارثي ووضع سياسي مفكك وحكومة في غيبوبة وبرلمان منشغل بحساباته وبمعركته مع رئيس الجمهورية فيما يموت يوميا مئات التونسيين وبلغت المستشفيات والمصحات طاقة استيعابها القصوى وأصبحت عاجزة عن استقبال مرضى جدد بالإضافة إلى أزمة الأوكسجين المفقود.

ذلك اليوم الذي بدأ باحتجاجات شعبية عفوية وغير مؤطرة بلغت حد حرق بعض مقرات حركة النهضة.. وانتهى باتخاذ قيس سعيد اجراءات ستبقى تاريخية بالنظر الى تبعاتها وما أثارته بعد ذلك من جدل، حيث أعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد عن اقالة الحكومة وقد أجبر بعد ذلك بيوم رئيس الحكومة على تقديم استقالته، في تدوينة له مقتضبة على صفحته الرسمية ليختفي بعد ذلك من المشهد السياسي تماما..، وقد اجتمع ليلتها قيس سعيد بقادة الجيوش الثلاثة واعلن عن تفعيل الفصل 80 من الدستور والدخول في مرحلة التدابير الاستثنائية بإنهاء مهام رئيس الحكومة وتجميد عمل البرلمان.

 واستند رئيس الجمهورية في قراراته المتخذة إلى الفصل 80 من الدستور الذي ينص على أنه  »لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية"، ولكن غياب المحكمة الدستورية لم يمنع قيس سعيد من اتخاذ تلك التدابير الاستثنائية.

إقالات واعتقالات

يوم 26 جويلية أقال سعيد وزير الدفاع إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالوكالة حسناء بن سليمان، كما أعلن حظر تجول لمدة شهر بداية من 26 جويلية إلى 27 أوت من 26 جويلية إلى 27 أوت 2021.

وفي 30 جويلية تم سجن النائب ورئيس قائمة أمل وعمل المستقلة ياسين العياري على خلفية حكم سابق كان قد أصدره القضاء العسكري في حقه سنة 2018 بتهمة انتقاد الجيش..،وكان العياري من المنتقدين لإجراءات 25 جويلية حيث كان ينشر انتقادات لاذعة ضد قيس سعيد واعتبر أن تلك الإجراءات هي انقلاب على الدستور وذلك بعد تجريده من الحصانة البرلمانية بعد إعلان رئيس الجمهورية تعليق عمل مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة عن كل النواب، وقد تم إخلاء سبيله بعد ذلك يوم 22 سبتمبر.

وبعد اعتقال العياري بوقت قصير تم اعتقال ماهر زيد بعد أن حكم عليه في 2018 بالسجن لمدة عامين بتهمة إهانة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي..، بالإضافة إلى أن شهر أوت الماضي شهد وضع عدة شخصيات تحت الاقامة الجبرية ومنهم رئيس لجنة مكافحة الفساد السابق شوقي الطبيب ووزير النقل السابق أنور معروف وعدد من مستشاري رئيس الحكومة هشام مشيشي، كما تم سجن عدد من النواب منهم سيف الدين مخلوف ونضال سعودي وفيصل التبيني.

ويوم 24 أوت وبعد انتهاء مدة الـ30 يوما أصدر سعيد قرارا بتمديد فترة التدابير الاستثنائية التي أعلنها في شهر جويلية على الرغم من أن الدستور ينص على أنه لا يمكن تعليق البرلمان إلا لمدة شهر، قابلة للتمديد بقرار معلل مما أثار الكثير من السجال والمواقف المنتقدة وقتها.

الأمر 117 والوضعية السياسية غير المسبوقة

في 22 سبتمبر 2021 أصدر الرئيس قيس سعيد الأمر الرئاسي 117 المتعلق بتنظيم مرحلة التدابير الاستثنائية سياسيا واعتبر هذا الأمر سابقة سياسية حيث لم يحدث وان جمع رئيس الجمهورية كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية في يده بذلك الشكل وقد كان هذا الأمر سببا في أن تشهد البلاد بعد ذلك سلسلة من التحركات الاحتجاجية من طرف عدد كبير من القوى السياسية ومن بينها أحزاب كانت مؤيدة لمسار 25 جويلية.

وقد نص الأمر الرئاسي على تعليق بابي السلطة التنفيذية والتشريعية لدستور 2014 ومواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.

كما نص الامر على مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة القوانين الدستورية. ونص أيضا على تولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بـ"الإصلاحات السياسية" بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي. كما منح هذا الأمر صلاحية اصدار المراسيم لرئيس الجمهورية وهذه المراسيم غير قابلة للطعن فيها.

 امرأة على رأس الحكومة.. لأول مرة

في  29 سبتمبر 1921، تم تعيين نجلاء بودن في منصب رئيسة الحكزمة،  وهي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين امرأة في هذا المنصب في تونس والوطن العربي، ورغم أن نجلاء بودن لم تكن اسما سياسيا او حقوقيا معروفا الا انها نجحت في نيل ثقة سعيد والذي يقود اليوم السلطة التنفيذية ويشرف على اجتماع المجالس الوزارية.

التسقيف الزمني لمرحلة التدابير الاستثنائية    

بعد مطالبات ملحة من الأحزاب والمنظمات الوطنية  تطالب بضرورة التسقيف الزمني لمرحلة التدابير الاستثنائية، أعلن قيس سعيد يوم 13 ديسمبر الجاري عن إجراءات جديدة تضمنت الاعلان عن استفتاء شعبي في 25 جويلية 2022 بعد إجراء استشارة وطنية بشان مراجعة قانون الانتخابات والدستور، كما أعلن أن موعد الانتخابات القادمة ستكون يوم 17 ديسمبر 2022 والإبقاء على البرلمان مجمدا الى حين إجراء تلك الانتخابات.. وهو القرار الذي أثار انتقادات واسعة من طرف المعارضين لإجراءات قيس سعيد حيث دخل بعض النشطاء في حراك »مواطنون ضد الانقلاب «في إضراب جوع رفضا لتغيير النظام السياسي والانتخابي بشكل منفرد من رئيس الجمهورية.

منية العرفاوي