إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حركات "شبابية" ترفع شعارات سياسية وتتبنى "حراك 25 جويلية".. تنظيمات مهيكلة.. أم مجرد فقّاعات سياسية؟

 

تونس- الصباح

تماهيا مع المتغيرات السياسية التي تمر بها البلاد منذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم 25 جويلية 2021 عن تدابير استثنائية تفعيلا للفصل 80 من الدستور قرر بموجبها تعليق نشاط البرلمان ونزع الحصانة البرلمانية عن أعضائه، وإقالة رئيس الحكومة،.. برزت في الفترة الأخيرة ظاهرة جديدة تمثلت في إعلان تأسيس مجموعة من الحركات تتزعمها  قيادات "شبابية" ترفع مطالب وشعارات سياسية، تدّعي استقلاليتها عن الأحزاب شكلا وتؤيد ضمنيا المسار التصحيحي لرئيس الجمهورية.

فبعد "المجلس الأعلى للشباب"، الذي أعلن عن نفسه يوم 18 جويلية الماضي، وادعى أنه وراء "حراك 25 جويلية" الذي كانت من أبرز مطالبه حل البرلمان، ثم برزت حركة ثانية شبابية تحمل اسم "الشارع يراقب ويقرر".. وظهرت قبل يومين مجموعة شبابية جديدة أطلقت على نفسها "التحالف الشبابي من أجل الديمقراطية"، قالت في ندوة صحفية أنها "منبثقة من تحركات 25 جويلية2021"...

من الواضح أن هذه الحركات الشبابية استغلت فراغا مؤقتا في الساحة السياسية الوطنية فرضه الوضع الراهن المشحون بمعاداة غير مسبوقة للمنظومة السياسية والحزبية التي نشأت خلال العشرية التي تلت ثورة الحرية والكرامة، وأيضا ضعف الأحزاب خاصة منها الكبرى والمهيكلة في صيغة تنظم وانتشار كلاسيكية.

كما استغلت المبادرات التي ظهرت في المشهد العام مدفوعة بما بات يعرف بحركة تصحيحية أو مشروع لإنقاذ الثورة الشبابية، يقودها رئيس الجمهورية قيس سعيد لم تتوضح ملامحه بعد، لكنه يطرح في خطوطه العريضة بناء على تصريحات سعيد نفسه، بديلا "ثوريا" عن منظومة ما قبل 14 جانفي 2011، وما بعد 25 جويلية 2021 "يقطع مع المنظومة السياسية والحزبية السائدة"..

ومعلوم أن مشروع سعيد ينبني على منظومة حكم مجلسي محلي لا تعتمد بالضرورة على أحزاب مهيكلة بقدر ما تعتمد على توجهات فكرية وقناعات سياسية غير تقليدية.. وبالتالي فإن تأسيس هذه الحركات قد يكون فرصة لبعض الحالمين في التموقع والفوز بمكان في المشهد السياسي الجديد متغذية من مزاج شعبي عام يدعم سعيد في قراراته ويعادي في الأغلب المنظومة الحزبية الحالية ويحملها مسؤولية الفشل في إدارة البلاد وحكمها وانتشار الفساد وسوء التصرف وتأخر مؤشرات التنمية..

حركات مهيكلة أم مجرد فقاعات؟

ويطرح بروز مثل هذه الحركات التي ترفع شعار الاستقلالية، وفي ظرف زمني قصير (40 يوما منذ إمساك رئيس الدولة بمقاليد السلطة وتعليق البرلمان)، وقربها من فكر سعيّد وتبنيها لمشروعه السياسي (رغم أنه ما يزال غامضا ولم يعلن عنه بشكل واضح وصريح)، تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء نشأة هذه الحركات، من يقف وراءها ويدعمها، ما علاقتها برئيس الجمهورية، وماهي دوافعها وأهدافها السياسية، هل هي مقدمة على تحوّل جذري في المشهد السياسي الوطني القائم منذ 2011 على التعددية الحزبية وعلى هيمنة الأحزاب في الحكم وإدارة شأن البلاد، وهل أنها حركات تخطط للمشاركة في انتخابات مبكرة تحت شعار الاستقلالية، أم أنها مجرد "فقاعات" قد تختفي في أول محطة انتخابية جدية؟

المثير للانتباه، وفي انتظار أن تتوضح أكثر مستقبل هذه الحركات وطبيعة توجهاتها الفكرية والسياسية، وما إذا كانت ستصمد وتستمر حتى تكون قادرة على منافسة تيارات وتوجهات حزبية أخرى أو مستقلة.. هو أن هذه المبادرات والحركات الشبابية التي أعلنت عن وجودها مباشرة بعد إعلان رئيس الدولة قيس سعيد عن تفعيل الفصل 80 من الدستور، تشترك في أربعةمحاور:

أوّلا، أن مؤسسيها هم في الظاهر من الشباب. ثانيا تشترك في تأكيدها على أنها مستقلة عن الأحزاب، ثالثا، في رفعها تقريبا لمطالب سياسية متشابهة، مثل دعواتها إلى إجراء انتخابات مبكرة وتنقيح المنظومة الانتخابية. ورابعا، في الغموض الذي يحيط بظروف نشأتها، وخامسا، في عدم تبني رئيس الجمهورية أو دعمه لأي منها رغم أن بعضها تدعي أنها تتحدث باسمه.

في المقابل فإن لكل مبادرة وحركة خاصية مختلفة، إذ ليست جلها تطالب بتغيير النظام السياسي، كما أن بعضها يدعم سعيد في قراراته في محاربة الفساد وحل البرلمان، في حين أن بعضها الآخر لا تدعم سعيد صراحة في اعتزامه تغيير النظام السياسي في تونس، وتنتقد بشدة بعض قراراته.

طموحات سياسية

ومع ذلك، ورغم الحماسة التي بدت على مؤسسيها، فإنه لا يمكن التكهن بأن هذه الحركات سيكون لها شأن في الخارطة السياسية الجديدة المتوقع أن تتشكل في الفترة الانتقالية الجديدة والتي مدارها أو محورها الأساسي هو القطع مع المنظومة الحزبية لما قبل 25 جويلية، لعدة أسباب منها:

أن هذه المبادرات "الشبابية" ما تزال قيد التأسيس وغير معروفة للعموم وتنشط في الغالب على شبكات التواصل الاجتماعي، لا يعلم تحديدا إن كانت تتمتع بتمويل أو قادرة على تأطير نفسها والانتشار واستقطاب الشبان وخاصة جمهور الناخبين. إذ من الواضح جدا أن لها طموحات كبيرة في المشاركة في الشأن العام وفي الحياة السياسية بشكل عام..

كما أن تجارب سياسية مشابهة سابقة قريبة في الزمن راهنت على الاستقلالية السياسية لكنها لم تعول كثيرا على الوعي الشبابي أو على أصواتهم. وأثبتت على الأقل في محطتين انتخابيتين نسبية نجاحها.

ففي الانتخابات البلدية لسنة 2018 مثلا فاز المستقلون بأغلبية مقاعد المجالس البلدية وتراجعت القائمات الحزبية. لكن ومع ذلك اتضح فيها بعد أن غالبية القائمات المستقلة التي فازت بأغلبية المقاعد البلدية إما لم تكن مستقلة، أو دخلت في متاهات التحالف مع قائمات حزبية مهيمنة ثم ذابت فيها، كما انحلت قائمات مستقلة أخرى ودب الخلاف في أعضائها..

أما التجربة الثانية، للقائمات المستقلة، فكانت في انتخابات التشريعية لسنة 2019 التي عرفت مشاركة نسبية لقائمات وائتلافات مستقلة وشبابية في نفس الوقت، حتى بعضها سوق سياسيا وتبنى مشروع قيس سعيد على غرار قائمات "الشعب يريد" التي تحولت فيما بعد إلى حزب، أو قائمات "من أجل تأسيس جديد" وغيرها.. لكن جلها فشلت في حصد مقاعد بالبرلمان..

علما أن رئاسة الجمهورية، كانت قد نفت في بيان سابق لقرارات 25 جويلية، تبنيها لأي حركة أو حزب أو تيار سياسي، وقال بيان صدر عن الرئاسة في شهر مارس من سنة 2021: أن" رئيس الجمهورية لم ينتم لأي حزب ولم يكن وراء تكوين أي حزب ولا نية له على الإطلاق في إنشاء تنظيم حزبي. وليس لأي كان الحق في أن يحشر رئيس الدولة في أي تنظيم مهما كان شكله".

فهل تعمل الحركات الجديدة على إعادة التموقع مستفيدة من دروس الماضي ومن فرص الحاضر ومن مزاج شعبي عام معاد للأحزاب، وما يمكن أن يمنحها القانون الانتخابي الجديد من تسهيلات قد تجعلها في ممر مفتوح في محطة انتخابية مقبلة؟

فمثلا مبادرة "التحالف الشبابي من أجل الديمقراطية" التي أطلقتها مجموعة من الشباب الناشطين في المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، يوم 7 سبتمبر الجاري، تعتبر على لسان مؤسسيها الشبان أن  كل الأحزاب المشاركة في الحكم بعد 2011  ساهمت في خيبة الأمل التي  يعيشها الشباب التونسي اليوم. كما دعت الأحزاب إلى الانسحاب والتحول إلى صفوف المعارضة وتمنح الفرصة للشباب.

وفما يتعلق بما حدث يوم 25 جويلية، اعتبر الشباب المؤسسين تلك الأحداث لحظة تاريخية كانت تونس في حاجة إليها، ولكن بعد ذلك التاريخ أصبحت الأوضاع تتسم بالضبابية وطالبوا بخارطة طريق واضحة، معلنين عدم مساندتهم لكل القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية وأكدوا أن لديهم بعض التحفظات على تجميع السلط، وتخوفهم مما أسموه "التضييق على الحريات" في الفترة الأخيرة. كما دعا مؤسسي التحالف الشبابي، رئيس الدولة إلى الإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ وطني للخروج من الأزمة الاقتصادية مع التأكيد على الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة وتغيير القانون الانتخابي..

أما حراك "الشعب يراقب ويقرر" فإن ظروف الإعلان عنها وعلاقة بما يسمى حراك 25 جويلية ما تزال غامضة. ولا يعلم يقينا من يقف وراءها وماهي أهدافها وهل هي موجودة فعلا ام تم حلها، فقد كان مبرمجًا أن تنعقد ندوة صحفية لهذه المجموعة الشبابية بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بتاريخ 18 جويلية. إلا أن النقابة عبرت، عن رفضها "إقحامها في أي صراع سياسي واستغلال مقرها من قبل جهات مشبوهة تحاول استغلال التحركات العفوية للشعب التونسي التي دعمتها النقابة يوم 25 جويلية لتحقيق غايات وأهداف غير معلومة"، وفق وصفها.

وأكدت النقابة في بيان لها، وجود "مغالطات ومحاولات تشويهها من قبل مجموعة من الأفراد تدعي أنها تمثل حراك 25 جويلية"، موضحة أن شخصًا اتصل بالنقابة قدم نفسه بأنه يمثل منظمة من المجتمع المدني تطلق على نفسها اسم منظمة "الشارع يراقب ويقرر".

واستدركتأنه "حين تم توجيه الدعوة تبين أن هذه المجموعة تقدم نفسها متحدثة باسم حراك 25 جويلية، ونظرًا للجدل الذي لحق الندوة الصحفية الأولى من قبل مجموعة أيضًا تقدم نفسها بنفس الصفة وتم التبرؤ منها، وبما أنها (النقابة) ترفض إقحامها في أي صراع سياسي وترفض استغلال مقرها من قبل جهات مشبوهة تحاول استغلال التحركات العفوية للشعب التونسي لتحقيق غايات وأهداف غير معلومة، تم إعلامهم برفض تمكينهم من القاعة".

أما المجلس الأعلى للشباب الذي أعلن عن نفسه في ندوة صحفية مثير للجدل يوم 7 أوت 2021، فقد أثار جدلا اعلاميا وسياسيا عن طبيعته وأهدافه ومن يقف وراءه. خاصة أن بعض القيادات التي ظهرت في اللقاء الصحفي الأول يبدو أنها محسوبة على تيارات حزبية وسياسية معادية توجهات رئيس الجمهورية قيس سعيد رغم أنّ "الحراك" يدّعي أنه يمثله.

وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صوار للندوة التي نظمها "المجلس الأعلى لحراك 25 جويلية"، والتي ضمت وجوها عرفت بمواقفها المضادة لقيس سعيد على غرار الناشط السياسي ماهر الخشناوي، الذي ثبت قربه لحزب قلب تونس، والدليل على ذلك أنه ما يسمى "المجلس الأعلى للشباب" قرر إعفاء الخشناوي من تمثيل المجلس، في اليوم الموالي مؤكدا أنه ليس له قياديين أو هياكل تمثيلية له..؟

رفيق بن عبد الله

حركات "شبابية" ترفع شعارات سياسية وتتبنى "حراك 25 جويلية".. تنظيمات مهيكلة.. أم مجرد فقّاعات سياسية؟

 

تونس- الصباح

تماهيا مع المتغيرات السياسية التي تمر بها البلاد منذ إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد يوم 25 جويلية 2021 عن تدابير استثنائية تفعيلا للفصل 80 من الدستور قرر بموجبها تعليق نشاط البرلمان ونزع الحصانة البرلمانية عن أعضائه، وإقالة رئيس الحكومة،.. برزت في الفترة الأخيرة ظاهرة جديدة تمثلت في إعلان تأسيس مجموعة من الحركات تتزعمها  قيادات "شبابية" ترفع مطالب وشعارات سياسية، تدّعي استقلاليتها عن الأحزاب شكلا وتؤيد ضمنيا المسار التصحيحي لرئيس الجمهورية.

فبعد "المجلس الأعلى للشباب"، الذي أعلن عن نفسه يوم 18 جويلية الماضي، وادعى أنه وراء "حراك 25 جويلية" الذي كانت من أبرز مطالبه حل البرلمان، ثم برزت حركة ثانية شبابية تحمل اسم "الشارع يراقب ويقرر".. وظهرت قبل يومين مجموعة شبابية جديدة أطلقت على نفسها "التحالف الشبابي من أجل الديمقراطية"، قالت في ندوة صحفية أنها "منبثقة من تحركات 25 جويلية2021"...

من الواضح أن هذه الحركات الشبابية استغلت فراغا مؤقتا في الساحة السياسية الوطنية فرضه الوضع الراهن المشحون بمعاداة غير مسبوقة للمنظومة السياسية والحزبية التي نشأت خلال العشرية التي تلت ثورة الحرية والكرامة، وأيضا ضعف الأحزاب خاصة منها الكبرى والمهيكلة في صيغة تنظم وانتشار كلاسيكية.

كما استغلت المبادرات التي ظهرت في المشهد العام مدفوعة بما بات يعرف بحركة تصحيحية أو مشروع لإنقاذ الثورة الشبابية، يقودها رئيس الجمهورية قيس سعيد لم تتوضح ملامحه بعد، لكنه يطرح في خطوطه العريضة بناء على تصريحات سعيد نفسه، بديلا "ثوريا" عن منظومة ما قبل 14 جانفي 2011، وما بعد 25 جويلية 2021 "يقطع مع المنظومة السياسية والحزبية السائدة"..

ومعلوم أن مشروع سعيد ينبني على منظومة حكم مجلسي محلي لا تعتمد بالضرورة على أحزاب مهيكلة بقدر ما تعتمد على توجهات فكرية وقناعات سياسية غير تقليدية.. وبالتالي فإن تأسيس هذه الحركات قد يكون فرصة لبعض الحالمين في التموقع والفوز بمكان في المشهد السياسي الجديد متغذية من مزاج شعبي عام يدعم سعيد في قراراته ويعادي في الأغلب المنظومة الحزبية الحالية ويحملها مسؤولية الفشل في إدارة البلاد وحكمها وانتشار الفساد وسوء التصرف وتأخر مؤشرات التنمية..

حركات مهيكلة أم مجرد فقاعات؟

ويطرح بروز مثل هذه الحركات التي ترفع شعار الاستقلالية، وفي ظرف زمني قصير (40 يوما منذ إمساك رئيس الدولة بمقاليد السلطة وتعليق البرلمان)، وقربها من فكر سعيّد وتبنيها لمشروعه السياسي (رغم أنه ما يزال غامضا ولم يعلن عنه بشكل واضح وصريح)، تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء نشأة هذه الحركات، من يقف وراءها ويدعمها، ما علاقتها برئيس الجمهورية، وماهي دوافعها وأهدافها السياسية، هل هي مقدمة على تحوّل جذري في المشهد السياسي الوطني القائم منذ 2011 على التعددية الحزبية وعلى هيمنة الأحزاب في الحكم وإدارة شأن البلاد، وهل أنها حركات تخطط للمشاركة في انتخابات مبكرة تحت شعار الاستقلالية، أم أنها مجرد "فقاعات" قد تختفي في أول محطة انتخابية جدية؟

المثير للانتباه، وفي انتظار أن تتوضح أكثر مستقبل هذه الحركات وطبيعة توجهاتها الفكرية والسياسية، وما إذا كانت ستصمد وتستمر حتى تكون قادرة على منافسة تيارات وتوجهات حزبية أخرى أو مستقلة.. هو أن هذه المبادرات والحركات الشبابية التي أعلنت عن وجودها مباشرة بعد إعلان رئيس الدولة قيس سعيد عن تفعيل الفصل 80 من الدستور، تشترك في أربعةمحاور:

أوّلا، أن مؤسسيها هم في الظاهر من الشباب. ثانيا تشترك في تأكيدها على أنها مستقلة عن الأحزاب، ثالثا، في رفعها تقريبا لمطالب سياسية متشابهة، مثل دعواتها إلى إجراء انتخابات مبكرة وتنقيح المنظومة الانتخابية. ورابعا، في الغموض الذي يحيط بظروف نشأتها، وخامسا، في عدم تبني رئيس الجمهورية أو دعمه لأي منها رغم أن بعضها تدعي أنها تتحدث باسمه.

في المقابل فإن لكل مبادرة وحركة خاصية مختلفة، إذ ليست جلها تطالب بتغيير النظام السياسي، كما أن بعضها يدعم سعيد في قراراته في محاربة الفساد وحل البرلمان، في حين أن بعضها الآخر لا تدعم سعيد صراحة في اعتزامه تغيير النظام السياسي في تونس، وتنتقد بشدة بعض قراراته.

طموحات سياسية

ومع ذلك، ورغم الحماسة التي بدت على مؤسسيها، فإنه لا يمكن التكهن بأن هذه الحركات سيكون لها شأن في الخارطة السياسية الجديدة المتوقع أن تتشكل في الفترة الانتقالية الجديدة والتي مدارها أو محورها الأساسي هو القطع مع المنظومة الحزبية لما قبل 25 جويلية، لعدة أسباب منها:

أن هذه المبادرات "الشبابية" ما تزال قيد التأسيس وغير معروفة للعموم وتنشط في الغالب على شبكات التواصل الاجتماعي، لا يعلم تحديدا إن كانت تتمتع بتمويل أو قادرة على تأطير نفسها والانتشار واستقطاب الشبان وخاصة جمهور الناخبين. إذ من الواضح جدا أن لها طموحات كبيرة في المشاركة في الشأن العام وفي الحياة السياسية بشكل عام..

كما أن تجارب سياسية مشابهة سابقة قريبة في الزمن راهنت على الاستقلالية السياسية لكنها لم تعول كثيرا على الوعي الشبابي أو على أصواتهم. وأثبتت على الأقل في محطتين انتخابيتين نسبية نجاحها.

ففي الانتخابات البلدية لسنة 2018 مثلا فاز المستقلون بأغلبية مقاعد المجالس البلدية وتراجعت القائمات الحزبية. لكن ومع ذلك اتضح فيها بعد أن غالبية القائمات المستقلة التي فازت بأغلبية المقاعد البلدية إما لم تكن مستقلة، أو دخلت في متاهات التحالف مع قائمات حزبية مهيمنة ثم ذابت فيها، كما انحلت قائمات مستقلة أخرى ودب الخلاف في أعضائها..

أما التجربة الثانية، للقائمات المستقلة، فكانت في انتخابات التشريعية لسنة 2019 التي عرفت مشاركة نسبية لقائمات وائتلافات مستقلة وشبابية في نفس الوقت، حتى بعضها سوق سياسيا وتبنى مشروع قيس سعيد على غرار قائمات "الشعب يريد" التي تحولت فيما بعد إلى حزب، أو قائمات "من أجل تأسيس جديد" وغيرها.. لكن جلها فشلت في حصد مقاعد بالبرلمان..

علما أن رئاسة الجمهورية، كانت قد نفت في بيان سابق لقرارات 25 جويلية، تبنيها لأي حركة أو حزب أو تيار سياسي، وقال بيان صدر عن الرئاسة في شهر مارس من سنة 2021: أن" رئيس الجمهورية لم ينتم لأي حزب ولم يكن وراء تكوين أي حزب ولا نية له على الإطلاق في إنشاء تنظيم حزبي. وليس لأي كان الحق في أن يحشر رئيس الدولة في أي تنظيم مهما كان شكله".

فهل تعمل الحركات الجديدة على إعادة التموقع مستفيدة من دروس الماضي ومن فرص الحاضر ومن مزاج شعبي عام معاد للأحزاب، وما يمكن أن يمنحها القانون الانتخابي الجديد من تسهيلات قد تجعلها في ممر مفتوح في محطة انتخابية مقبلة؟

فمثلا مبادرة "التحالف الشبابي من أجل الديمقراطية" التي أطلقتها مجموعة من الشباب الناشطين في المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، يوم 7 سبتمبر الجاري، تعتبر على لسان مؤسسيها الشبان أن  كل الأحزاب المشاركة في الحكم بعد 2011  ساهمت في خيبة الأمل التي  يعيشها الشباب التونسي اليوم. كما دعت الأحزاب إلى الانسحاب والتحول إلى صفوف المعارضة وتمنح الفرصة للشباب.

وفما يتعلق بما حدث يوم 25 جويلية، اعتبر الشباب المؤسسين تلك الأحداث لحظة تاريخية كانت تونس في حاجة إليها، ولكن بعد ذلك التاريخ أصبحت الأوضاع تتسم بالضبابية وطالبوا بخارطة طريق واضحة، معلنين عدم مساندتهم لكل القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية وأكدوا أن لديهم بعض التحفظات على تجميع السلط، وتخوفهم مما أسموه "التضييق على الحريات" في الفترة الأخيرة. كما دعا مؤسسي التحالف الشبابي، رئيس الدولة إلى الإسراع بتشكيل حكومة إنقاذ وطني للخروج من الأزمة الاقتصادية مع التأكيد على الدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة وتغيير القانون الانتخابي..

أما حراك "الشعب يراقب ويقرر" فإن ظروف الإعلان عنها وعلاقة بما يسمى حراك 25 جويلية ما تزال غامضة. ولا يعلم يقينا من يقف وراءها وماهي أهدافها وهل هي موجودة فعلا ام تم حلها، فقد كان مبرمجًا أن تنعقد ندوة صحفية لهذه المجموعة الشبابية بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بتاريخ 18 جويلية. إلا أن النقابة عبرت، عن رفضها "إقحامها في أي صراع سياسي واستغلال مقرها من قبل جهات مشبوهة تحاول استغلال التحركات العفوية للشعب التونسي التي دعمتها النقابة يوم 25 جويلية لتحقيق غايات وأهداف غير معلومة"، وفق وصفها.

وأكدت النقابة في بيان لها، وجود "مغالطات ومحاولات تشويهها من قبل مجموعة من الأفراد تدعي أنها تمثل حراك 25 جويلية"، موضحة أن شخصًا اتصل بالنقابة قدم نفسه بأنه يمثل منظمة من المجتمع المدني تطلق على نفسها اسم منظمة "الشارع يراقب ويقرر".

واستدركتأنه "حين تم توجيه الدعوة تبين أن هذه المجموعة تقدم نفسها متحدثة باسم حراك 25 جويلية، ونظرًا للجدل الذي لحق الندوة الصحفية الأولى من قبل مجموعة أيضًا تقدم نفسها بنفس الصفة وتم التبرؤ منها، وبما أنها (النقابة) ترفض إقحامها في أي صراع سياسي وترفض استغلال مقرها من قبل جهات مشبوهة تحاول استغلال التحركات العفوية للشعب التونسي لتحقيق غايات وأهداف غير معلومة، تم إعلامهم برفض تمكينهم من القاعة".

أما المجلس الأعلى للشباب الذي أعلن عن نفسه في ندوة صحفية مثير للجدل يوم 7 أوت 2021، فقد أثار جدلا اعلاميا وسياسيا عن طبيعته وأهدافه ومن يقف وراءه. خاصة أن بعض القيادات التي ظهرت في اللقاء الصحفي الأول يبدو أنها محسوبة على تيارات حزبية وسياسية معادية توجهات رئيس الجمهورية قيس سعيد رغم أنّ "الحراك" يدّعي أنه يمثله.

وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صوار للندوة التي نظمها "المجلس الأعلى لحراك 25 جويلية"، والتي ضمت وجوها عرفت بمواقفها المضادة لقيس سعيد على غرار الناشط السياسي ماهر الخشناوي، الذي ثبت قربه لحزب قلب تونس، والدليل على ذلك أنه ما يسمى "المجلس الأعلى للشباب" قرر إعفاء الخشناوي من تمثيل المجلس، في اليوم الموالي مؤكدا أنه ليس له قياديين أو هياكل تمثيلية له..؟

رفيق بن عبد الله

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews