إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المديرة العامة للبحث العلمي لـ"الصباح": النسيج الاقتصادي ليس له القدرة على استيعاب الكفاءات

  أكّدت المديرة العامة للبحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي سامية الشرفي قدور في حوار لـ"الصباح" أنّ الانتاج العلمي في تونس لم يتراجع لا من حيث الكم ولا من حيث النوع والجودة كما يتم الترويج لذلك. وأضافت أن البحث العلمي والجامعات التونسية لا تزال تحظى بمراتب دولية مشرفة جدا رغم بعض الصعوبات والمتغيرات، واعتبرت المديرة العامة للبحث العلمي أن الميزانية المخصصة لهذا المجال في تطور ايجابي منذ سنة 2017. وقالت محدثتنا ان عدد الدكاترة في تطور مستمر غير أن المشكل يكمن في النسيج الاقتصادي الذي ليس له القدرة على استيعاب هذه الكفاءات وبالتالي تحولت المسألة من نقطة قوة إلى نقطة ضعف وهذا ما قد يفسر هجرة الكفاءات.. وفيما يلي نصّ الحوار: * ماهي وضعية البحث العلمي اليوم في تونس وخاصة بعد الثورة؟ لدينا إلى حدّ هذه السنة 39 مركز بحث بعضها في إشراف مباشر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والبعض الآخر بإشراف مزدوج بين وزارات أخرى على غرار وزارة الصحة ووزارة الفلاحة. هذه المراكز من بينها مراكز تمارس البحث وأخرى تقوم بدراسات إلى جانب مراكز لدعم البحث. وعدد المراكز التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي هو 12 مركزا. بقية المراكز هي تحت إشراف وزارات أخرى وعددها 17 مركزا لدينا معها عقود بحث والمخابر الموجودة بها يقع تمويلها من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. * كم عدد هذه المخابر البحثية؟ 448 مخبر بحث منهم 68 صلب مراكز البحث والبقية موزعة على 13 جامعة. ويوجد أيضا 93 وحدة بحث و60 وحدة خاصة بالتجهيزات و26 وحدة مختصة و37 مدرسة دكتوراه. * كم تبلغ ميزانية البحث العلمي؟ ميزانية وزارة التعليم العالي مقسمة إلى أربعة برامج منها برنامج البحث العلمي الذي يبلغ تمويله الجملي 140,9 مليون دينار. * لماذا تراجعت ميزانية البحث؟ لا لم تتراجع، تطورت الميزانية منذ سنة 2017 فكانت تبلغ 89 مليون دينار أي بزيادة 58 بالمائة إلى حدود سنة 2021 وبالتالي لم تتراجع كما يتمّ الترويج له. وهذه الميزانية تتكون من التأجير بقيمة 56 مليون دينار وهو تأجير لمراكز البحث التابعة لوزارة التعليم العالي فقط أي التأجير بـ12 مركز بحث. أما ميزانية الاستثمار فتبلغ 74 مليون دينار. * ألا تبدو ميزانية التأجير مرتفعة جدا؟ هذه مسألة طبيعية وعادية بما أنه لدينا 22 ألف مدرس قار و12 ألف مدرس باحث. وبالتالي من المنطقي أن تكون الميزانية في هذا الباب مهمة. ولكن من المهم الاشارة والتذكير بأهمية ميزانية الاستثمار التي أشرت إليها سابقا وتتوزع إلى جملة من البرامج الخاصة بتمويل هذه الهياكل البحثية وعددها الجملي 570 هيكلا بتمويل 21,5 مليون دينار سنة 2021. * لكن هذه الميزانية لا تعد مهمة بل تراجعت جدا مقارنة بسنوات ما قبل الثورة، لماذا هذا التراجع؟ فعلا هناك تراجع، وهذه الميزانية الخاصة بالمخابر تقلصت إلى حدود سنة 2017 إلى 11,5 مليون دينار. * ما أسباب هذا التراجع؟ لا أدري، من الممكن كانت هناك أولويات بعد الثورة للدولة في قطاعي الأمن والدفاع. وربما كانت هناك ضرورة لتعزيز ميزانيات وزارات وبرامج دون أخرى بما تقتضيه ضرورات المرحلة في تلك السنوات. * ألا ترين هذا التقليص من الميزانية كانت له تداعيات كبيرة وسلبية منها هجرة الكفاءات والباحثين تراجع انتاج المخابر؟ قدمت كل المعطيات التي تثبت عكس ذلك رغم وجود بعض التداعيات السلبية، وإذا كان هناك أفكار مسبقة عن البحث العلمي فكل المؤشرات تدحضها وتنفيها. صحيح أنه كان تراجع لكن تمّ تدارك الأمر في السنوات الأخيرة. *  بماذا تفسرين هجرة الكفاءات والباحثين وما مدى صحة القول بأن الانتاج البحثي قد تراجع كما ونوعا؟ صحيح أن هناك هجرة للكفاءات، ولكن غير صحيح أن الانتاج العلمي قد تراجع كمّا ونوعا فحسب المؤشر العالمي للتجديد لسنة 2020 والذي تقوم به المنظمة الدولية للملكية الفكرية فإن تونس في المرتبة 65 من جملة 131 دولة. وبالنسبة لمرتبة تونس فيما يهمّ الكفاءات البحثية فإنا مرتبتنا هي 38 وهي رتبة مشرفة جدا. في هذا المؤشر الخاص نجد مؤشر المتخرجين في العلوم والتكنولوجيا مقارنة بعدد السكان تونس في هذا السياق ثاني دولة في العالم. *  ولكن هؤلاء الخريجون محالون على البطالة..؟؟ العدد كبير جدا، ومشكلتنا تكمن في النسيج الاقتصادي الذي ليس له القدرة على استيعاب هذه الكفاءات لا الدكاترة فحسب وإنما أيضا المهندسين والتقنيين وغيرهم. وبالتالي تحولت المسألة من نقطة قوة إلى نقطة ضعف وهذا ما يفسر هجرة الكفاءات. وأيضا عدد الدكاترة اليوم يفوق طاقة استيعاب الجامعة وطاقة استيعاب النسيج الاقتصادي والاجتماعي. *  فلماذا يتمّ قبولهم بالدكتوراه ثم فيما بعد إحالتهم على البطالة؟ لا ليس هذا، ولكن من الضروري أن يكون هناك توجه جديد كامل للدولة حتى تستوعب عدد الدكاترة سواء في المؤسسات الخاصة أو العامة. ما نريد تكريسه كتوجه أن الدكتور هو كفاءة بإمكانه إعطاء الإضافة في الادارات العمومية كما في المؤسسات الخاصة وفي كل الميادين. ولم لا التوجه إلى المبادرات الخاصة في الاختصاصات القادرة على ذلك. وهناك في هذا الخصوص العديد من المبادرات الخاصة التي تم بعثها وإحداثها. * إضافة إلى هذه المؤشرات العالمية، ماهي رتبة تونس فيما يخص الانتاج العلمي وصناعة المعرفة؟ في صناعة المعرفة تونس تُعد في المرتبة 38 في العالم، وصلب هذا المؤشر نجد الانتاج العلمي والتقني أي المنشورات العلمية والتقنية بالنسبة للدخل الوطني الخام فتونس مرتبتها 13. * وما تأثير ذلك على الواقع المعيشي وما الإضافة التي يمكن أن نلمسها من هذه المراتب، مختصون يؤكدون عكس ذلك وهناك حديث عن تراجع في الإنتاج العلمي وفي مستواه وقيمته؟ هذا غير صحيح والانتاج العلمي لم يتراجع، وهذا مثبت بالأرقام والاحصائيات. فمن 2010 إلى سنة 2019 عدد المنشورات تضاعف من أقل من 4 آلاف إلى ما يفوق 7 آلاف في السنة. * ما الإضافة من كل هذه الانتاجات العلمية وأي استفادة من كل ذلك؟ هناك البحث وهناك المساهمة في العلم وأيضا التأثير فمرتبة تونس 67 في العالم. فالوزارة قامت ببعث جملة من الآليات التنافسية بمعنى هناك تمويل خاص بمشاريع البحث وهو تمويل تنافسي. وففي سنة 2017 وضعت الوزارة ست أولويات في البحث ودعونا الأساتذة إلى الانخراط في هذه المشاريع. فتوجه الوزارة هو القيام ببحث علمي متميز وذي مردودية وجودة وقيمة مضافة عالية لتحقيق إشعاع دولي لتونس ويستجيب للتحديات المجتمعية ومتطلبات التنمية المستدامة بما يجعل البحث العلمي قاطرة لاقتصاد المعرفة. * كيف تم وضع الآليات الست؟ هل كان بطريقة تشاركية ووفق برنامج حكومي أم هي آليات رسمتها وزارة التعليم العالي فقط؟ قمنا باستشارة منذ سنة 2017 بالتشاور مع الوزارات الأخرى ومكونات المجتمع المدني كما تمت استشارة أكثر من ألفي مشارك من النقابات ومن منظمة الأعراف والمؤسسات الاقتصادية وأيضا مواطنين لمعرفة أولويات البحث التي يجب أن تكون منسجمة مع أولويات الاقتصاد وحاجيات الدولة. * ماهي كلفة هذه الآليات؟ كل سنة لدينا حوالي 10 مليون دينار خاصة بالمشاريع التنافسية الوطنية، وأيضا مشاريع دولية بكلفة تقدر بحوالي 8 مليون دينار ويشترط في كل مشروع وجود شريك اقتصادي لضمان نقل التكنولوجيا وتثمين البحث إلى جانب ضرورة وجود دكاترة وإلا طلبة في الدكتوراه. * هل هناك انخراط من المؤسسات الاقتصادية في هذا التوجه؟ نعم، ولكن من الممكن أن يكون أفضل من ذلك، فبالنظر إلى الظروف الاقتصادية اليوم كان من المفترض أن تكون هذه المتغيرات فرصة للمؤسسات للتفكير في التجديد وتحسين الانتاجية.  فهي فرصة للتقارب بين عالم المعرفة والتجديد وعالم الاقتصاد. * هل تم وضع مشاريع خاصة بالبحث في جائحة الكوفيد؟ طبعا، هناك 14 مشروعا منها مشاريع خاصة بالفحص والتشخيص، العلاجات والنمذجة، الوقاية وعلم الأوبئة وعلم الاجتماع النفسي، ومشاريع خاصة بآلات التنفس، ومشاريع خاصة بالجانب الجيني ودراسة الخاصية التونسية، ونحن بمتابعة لصيقة لهذه المشاريع بميزانية تبلغ 4 مليون دينار. ونحن بصدد تركيز مركز الموارد التكنولوجية بسيدي ثابت وهو عبارة عن سلسلة لانتاج مواد بيوتكنولوجية قد تكون خاصة بالأمراض أو التلاقيح. * أي برنامج وأي اجراءات وضعتها الوزارة للتقليص من هجرة الكفاءات؟ بالنسبة للدكاترة سيقع فتح 2400 خطة بالتعليم العالي على مدة ثلاث سنوات و300 خطة أستاذ مساعد، وبالنسبة لدكاترة هي عقود بحث فيها تغطية اجتماعية وتم الترفيع أيضا في المبلغ الأدنى 1300 دينار في الشهر وذلك في مؤسسات البحث. * ألا تعد 1300 دينار في الشهر أجرا متدنيا جدا لحامل شهادة الدكتوراه؟ لا هذا أجر محترم وهو الحد الأدنى ويمكن أن يبلغ أكثر من ذلك حسب المشاريع.. فهذا الراتب الشهري خاص بعقود المشاريع أو المخابر أو مدارس الدكتوراه. *ماهو التصنيف الدولي للجامعات التونسية المنخرطة في البحث العلمي؟ توجد 5 جامعات تونسية مصنفة في الترتيب الدولي بين 300 و600 في الانخراط في البحث العلمي في البحوث الخاصة في التنمية المستدامة وهو ترتيب مهمّ جدا. تونس أيضا لديها اختصاص الهندسة والتكنولوجيا فهي بين رتبة 100 إلى رتبة 400 حسب الاختصاص ففي علوم وتكنولوجيا التغذية رتبتنا بين 100 و150 وغيرها من التصنيفات الأخرى المشرفة. * ماهي المصاعب والإشكاليات التي يواجهها البحث العلمي رغم كل هذه التصنيفات؟ هناك مشكل التجهيزات والمعدات التي بدأت بالتقادم وليس لدينا الميزانية الكافية لتجديدها لكن في المقابل لدينا الميزانية الكافية الخاصة بالمشاريع لذلك نحث الباحثين على القيام بمشاريع بحث وتجديد. وأدعو المؤسسات الإقتصادية للانخراط في البحث العلمي والتجديد والعمل التشاركي مع الباحثين من أجل توجيه البحوث لحاجياتهم ولتحسين القيمة المضافة والتنافسية الاقتصادية التونسية، وفي تونس لدينا المهارات والكفاءات التي يمكن التوجه إليها عوضا عن طلب خبرات أجنبية. * أين التقصير حتى لا يكون هناك انخراط كاف من المؤسسات الاقتصادية في البحث العلمي؟ العديد من الأسباب قد تعود إلى آليات التواصل والتشبيك، من المهم التأكيد على أن هناك مهنا جديدة في البحث العلمي يجب إعطاؤها الإطار القانوني من ذلك مهنة التشبيك إلى جانب النظر في آليات العقود بين الباحث والشريك الاقتصادي التي أصبحت تتطلب الدقة والحكمة باعتبار ضرورة ضمان الحماية للباحث كما للشركة بخصوص الملكية الفكرية وهي إشكاليات مطروحة ويجب مناقشتها.

6 أولويات وطنية للبحث العلمي

انطلقت الاستشارة الوطنية لتحديد أولويات البحث العلمي في نوفمبر 2016 واختتمت في ماي 2017، وتضمنت عدة محطات منها تنظيم استشارة واسعة على الشبكة العنكبوتية، بالاضافة إلى تنظيم ورشتين لمناقشة منهجية تحديد الأولويات تلاها مؤتمر وطني و3 ورشات جهوية ضمت ما يناهز الألفي مشارك عن كل المتدخلين من باحثين ومسؤولين وممثلين عن الوزارات وعن مؤسسات المحيط الاقتصادي والاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني. وتمثلت مخرجات الاستشارة في تحديد ست أولويات كبرى تنقسم كل أولوية إلى عدد من المحاور التفصيلية. هذه الأولويات الست هي الأمن المائي والطاقي والغذائي، المشروع المجتمعي والتعليم والثقافة والشباب، صحة المواطن، الانتقال الرقمي والصناعي، الحوكمة واللامركزية، الاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة.  

حاورتها: إيمان عبد اللطيف

             
  أكّدت المديرة العامة للبحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي سامية الشرفي قدور في حوار لـ"الصباح" أنّ الانتاج العلمي في تونس لم يتراجع لا من حيث الكم ولا من حيث النوع والجودة كما يتم الترويج لذلك. وأضافت أن البحث العلمي والجامعات التونسية لا تزال تحظى بمراتب دولية مشرفة جدا رغم بعض الصعوبات والمتغيرات، واعتبرت المديرة العامة للبحث العلمي أن الميزانية المخصصة لهذا المجال في تطور ايجابي منذ سنة 2017. وقالت محدثتنا ان عدد الدكاترة في تطور مستمر غير أن المشكل يكمن في النسيج الاقتصادي الذي ليس له القدرة على استيعاب هذه الكفاءات وبالتالي تحولت المسألة من نقطة قوة إلى نقطة ضعف وهذا ما قد يفسر هجرة الكفاءات.. وفيما يلي نصّ الحوار: * ماهي وضعية البحث العلمي اليوم في تونس وخاصة بعد الثورة؟ لدينا إلى حدّ هذه السنة 39 مركز بحث بعضها في إشراف مباشر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والبعض الآخر بإشراف مزدوج بين وزارات أخرى على غرار وزارة الصحة ووزارة الفلاحة. هذه المراكز من بينها مراكز تمارس البحث وأخرى تقوم بدراسات إلى جانب مراكز لدعم البحث. وعدد المراكز التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي هو 12 مركزا. بقية المراكز هي تحت إشراف وزارات أخرى وعددها 17 مركزا لدينا معها عقود بحث والمخابر الموجودة بها يقع تمويلها من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. * كم عدد هذه المخابر البحثية؟ 448 مخبر بحث منهم 68 صلب مراكز البحث والبقية موزعة على 13 جامعة. ويوجد أيضا 93 وحدة بحث و60 وحدة خاصة بالتجهيزات و26 وحدة مختصة و37 مدرسة دكتوراه. * كم تبلغ ميزانية البحث العلمي؟ ميزانية وزارة التعليم العالي مقسمة إلى أربعة برامج منها برنامج البحث العلمي الذي يبلغ تمويله الجملي 140,9 مليون دينار. * لماذا تراجعت ميزانية البحث؟ لا لم تتراجع، تطورت الميزانية منذ سنة 2017 فكانت تبلغ 89 مليون دينار أي بزيادة 58 بالمائة إلى حدود سنة 2021 وبالتالي لم تتراجع كما يتمّ الترويج له. وهذه الميزانية تتكون من التأجير بقيمة 56 مليون دينار وهو تأجير لمراكز البحث التابعة لوزارة التعليم العالي فقط أي التأجير بـ12 مركز بحث. أما ميزانية الاستثمار فتبلغ 74 مليون دينار. * ألا تبدو ميزانية التأجير مرتفعة جدا؟ هذه مسألة طبيعية وعادية بما أنه لدينا 22 ألف مدرس قار و12 ألف مدرس باحث. وبالتالي من المنطقي أن تكون الميزانية في هذا الباب مهمة. ولكن من المهم الاشارة والتذكير بأهمية ميزانية الاستثمار التي أشرت إليها سابقا وتتوزع إلى جملة من البرامج الخاصة بتمويل هذه الهياكل البحثية وعددها الجملي 570 هيكلا بتمويل 21,5 مليون دينار سنة 2021. * لكن هذه الميزانية لا تعد مهمة بل تراجعت جدا مقارنة بسنوات ما قبل الثورة، لماذا هذا التراجع؟ فعلا هناك تراجع، وهذه الميزانية الخاصة بالمخابر تقلصت إلى حدود سنة 2017 إلى 11,5 مليون دينار. * ما أسباب هذا التراجع؟ لا أدري، من الممكن كانت هناك أولويات بعد الثورة للدولة في قطاعي الأمن والدفاع. وربما كانت هناك ضرورة لتعزيز ميزانيات وزارات وبرامج دون أخرى بما تقتضيه ضرورات المرحلة في تلك السنوات. * ألا ترين هذا التقليص من الميزانية كانت له تداعيات كبيرة وسلبية منها هجرة الكفاءات والباحثين تراجع انتاج المخابر؟ قدمت كل المعطيات التي تثبت عكس ذلك رغم وجود بعض التداعيات السلبية، وإذا كان هناك أفكار مسبقة عن البحث العلمي فكل المؤشرات تدحضها وتنفيها. صحيح أنه كان تراجع لكن تمّ تدارك الأمر في السنوات الأخيرة. *  بماذا تفسرين هجرة الكفاءات والباحثين وما مدى صحة القول بأن الانتاج البحثي قد تراجع كما ونوعا؟ صحيح أن هناك هجرة للكفاءات، ولكن غير صحيح أن الانتاج العلمي قد تراجع كمّا ونوعا فحسب المؤشر العالمي للتجديد لسنة 2020 والذي تقوم به المنظمة الدولية للملكية الفكرية فإن تونس في المرتبة 65 من جملة 131 دولة. وبالنسبة لمرتبة تونس فيما يهمّ الكفاءات البحثية فإنا مرتبتنا هي 38 وهي رتبة مشرفة جدا. في هذا المؤشر الخاص نجد مؤشر المتخرجين في العلوم والتكنولوجيا مقارنة بعدد السكان تونس في هذا السياق ثاني دولة في العالم. *  ولكن هؤلاء الخريجون محالون على البطالة..؟؟ العدد كبير جدا، ومشكلتنا تكمن في النسيج الاقتصادي الذي ليس له القدرة على استيعاب هذه الكفاءات لا الدكاترة فحسب وإنما أيضا المهندسين والتقنيين وغيرهم. وبالتالي تحولت المسألة من نقطة قوة إلى نقطة ضعف وهذا ما يفسر هجرة الكفاءات. وأيضا عدد الدكاترة اليوم يفوق طاقة استيعاب الجامعة وطاقة استيعاب النسيج الاقتصادي والاجتماعي. *  فلماذا يتمّ قبولهم بالدكتوراه ثم فيما بعد إحالتهم على البطالة؟ لا ليس هذا، ولكن من الضروري أن يكون هناك توجه جديد كامل للدولة حتى تستوعب عدد الدكاترة سواء في المؤسسات الخاصة أو العامة. ما نريد تكريسه كتوجه أن الدكتور هو كفاءة بإمكانه إعطاء الإضافة في الادارات العمومية كما في المؤسسات الخاصة وفي كل الميادين. ولم لا التوجه إلى المبادرات الخاصة في الاختصاصات القادرة على ذلك. وهناك في هذا الخصوص العديد من المبادرات الخاصة التي تم بعثها وإحداثها. * إضافة إلى هذه المؤشرات العالمية، ماهي رتبة تونس فيما يخص الانتاج العلمي وصناعة المعرفة؟ في صناعة المعرفة تونس تُعد في المرتبة 38 في العالم، وصلب هذا المؤشر نجد الانتاج العلمي والتقني أي المنشورات العلمية والتقنية بالنسبة للدخل الوطني الخام فتونس مرتبتها 13. * وما تأثير ذلك على الواقع المعيشي وما الإضافة التي يمكن أن نلمسها من هذه المراتب، مختصون يؤكدون عكس ذلك وهناك حديث عن تراجع في الإنتاج العلمي وفي مستواه وقيمته؟ هذا غير صحيح والانتاج العلمي لم يتراجع، وهذا مثبت بالأرقام والاحصائيات. فمن 2010 إلى سنة 2019 عدد المنشورات تضاعف من أقل من 4 آلاف إلى ما يفوق 7 آلاف في السنة. * ما الإضافة من كل هذه الانتاجات العلمية وأي استفادة من كل ذلك؟ هناك البحث وهناك المساهمة في العلم وأيضا التأثير فمرتبة تونس 67 في العالم. فالوزارة قامت ببعث جملة من الآليات التنافسية بمعنى هناك تمويل خاص بمشاريع البحث وهو تمويل تنافسي. وففي سنة 2017 وضعت الوزارة ست أولويات في البحث ودعونا الأساتذة إلى الانخراط في هذه المشاريع. فتوجه الوزارة هو القيام ببحث علمي متميز وذي مردودية وجودة وقيمة مضافة عالية لتحقيق إشعاع دولي لتونس ويستجيب للتحديات المجتمعية ومتطلبات التنمية المستدامة بما يجعل البحث العلمي قاطرة لاقتصاد المعرفة. * كيف تم وضع الآليات الست؟ هل كان بطريقة تشاركية ووفق برنامج حكومي أم هي آليات رسمتها وزارة التعليم العالي فقط؟ قمنا باستشارة منذ سنة 2017 بالتشاور مع الوزارات الأخرى ومكونات المجتمع المدني كما تمت استشارة أكثر من ألفي مشارك من النقابات ومن منظمة الأعراف والمؤسسات الاقتصادية وأيضا مواطنين لمعرفة أولويات البحث التي يجب أن تكون منسجمة مع أولويات الاقتصاد وحاجيات الدولة. * ماهي كلفة هذه الآليات؟ كل سنة لدينا حوالي 10 مليون دينار خاصة بالمشاريع التنافسية الوطنية، وأيضا مشاريع دولية بكلفة تقدر بحوالي 8 مليون دينار ويشترط في كل مشروع وجود شريك اقتصادي لضمان نقل التكنولوجيا وتثمين البحث إلى جانب ضرورة وجود دكاترة وإلا طلبة في الدكتوراه. * هل هناك انخراط من المؤسسات الاقتصادية في هذا التوجه؟ نعم، ولكن من الممكن أن يكون أفضل من ذلك، فبالنظر إلى الظروف الاقتصادية اليوم كان من المفترض أن تكون هذه المتغيرات فرصة للمؤسسات للتفكير في التجديد وتحسين الانتاجية.  فهي فرصة للتقارب بين عالم المعرفة والتجديد وعالم الاقتصاد. * هل تم وضع مشاريع خاصة بالبحث في جائحة الكوفيد؟ طبعا، هناك 14 مشروعا منها مشاريع خاصة بالفحص والتشخيص، العلاجات والنمذجة، الوقاية وعلم الأوبئة وعلم الاجتماع النفسي، ومشاريع خاصة بآلات التنفس، ومشاريع خاصة بالجانب الجيني ودراسة الخاصية التونسية، ونحن بمتابعة لصيقة لهذه المشاريع بميزانية تبلغ 4 مليون دينار. ونحن بصدد تركيز مركز الموارد التكنولوجية بسيدي ثابت وهو عبارة عن سلسلة لانتاج مواد بيوتكنولوجية قد تكون خاصة بالأمراض أو التلاقيح. * أي برنامج وأي اجراءات وضعتها الوزارة للتقليص من هجرة الكفاءات؟ بالنسبة للدكاترة سيقع فتح 2400 خطة بالتعليم العالي على مدة ثلاث سنوات و300 خطة أستاذ مساعد، وبالنسبة لدكاترة هي عقود بحث فيها تغطية اجتماعية وتم الترفيع أيضا في المبلغ الأدنى 1300 دينار في الشهر وذلك في مؤسسات البحث. * ألا تعد 1300 دينار في الشهر أجرا متدنيا جدا لحامل شهادة الدكتوراه؟ لا هذا أجر محترم وهو الحد الأدنى ويمكن أن يبلغ أكثر من ذلك حسب المشاريع.. فهذا الراتب الشهري خاص بعقود المشاريع أو المخابر أو مدارس الدكتوراه. *ماهو التصنيف الدولي للجامعات التونسية المنخرطة في البحث العلمي؟ توجد 5 جامعات تونسية مصنفة في الترتيب الدولي بين 300 و600 في الانخراط في البحث العلمي في البحوث الخاصة في التنمية المستدامة وهو ترتيب مهمّ جدا. تونس أيضا لديها اختصاص الهندسة والتكنولوجيا فهي بين رتبة 100 إلى رتبة 400 حسب الاختصاص ففي علوم وتكنولوجيا التغذية رتبتنا بين 100 و150 وغيرها من التصنيفات الأخرى المشرفة. * ماهي المصاعب والإشكاليات التي يواجهها البحث العلمي رغم كل هذه التصنيفات؟ هناك مشكل التجهيزات والمعدات التي بدأت بالتقادم وليس لدينا الميزانية الكافية لتجديدها لكن في المقابل لدينا الميزانية الكافية الخاصة بالمشاريع لذلك نحث الباحثين على القيام بمشاريع بحث وتجديد. وأدعو المؤسسات الإقتصادية للانخراط في البحث العلمي والتجديد والعمل التشاركي مع الباحثين من أجل توجيه البحوث لحاجياتهم ولتحسين القيمة المضافة والتنافسية الاقتصادية التونسية، وفي تونس لدينا المهارات والكفاءات التي يمكن التوجه إليها عوضا عن طلب خبرات أجنبية. * أين التقصير حتى لا يكون هناك انخراط كاف من المؤسسات الاقتصادية في البحث العلمي؟ العديد من الأسباب قد تعود إلى آليات التواصل والتشبيك، من المهم التأكيد على أن هناك مهنا جديدة في البحث العلمي يجب إعطاؤها الإطار القانوني من ذلك مهنة التشبيك إلى جانب النظر في آليات العقود بين الباحث والشريك الاقتصادي التي أصبحت تتطلب الدقة والحكمة باعتبار ضرورة ضمان الحماية للباحث كما للشركة بخصوص الملكية الفكرية وهي إشكاليات مطروحة ويجب مناقشتها.

6 أولويات وطنية للبحث العلمي

انطلقت الاستشارة الوطنية لتحديد أولويات البحث العلمي في نوفمبر 2016 واختتمت في ماي 2017، وتضمنت عدة محطات منها تنظيم استشارة واسعة على الشبكة العنكبوتية، بالاضافة إلى تنظيم ورشتين لمناقشة منهجية تحديد الأولويات تلاها مؤتمر وطني و3 ورشات جهوية ضمت ما يناهز الألفي مشارك عن كل المتدخلين من باحثين ومسؤولين وممثلين عن الوزارات وعن مؤسسات المحيط الاقتصادي والاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني. وتمثلت مخرجات الاستشارة في تحديد ست أولويات كبرى تنقسم كل أولوية إلى عدد من المحاور التفصيلية. هذه الأولويات الست هي الأمن المائي والطاقي والغذائي، المشروع المجتمعي والتعليم والثقافة والشباب، صحة المواطن، الانتقال الرقمي والصناعي، الحوكمة واللامركزية، الاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة.  

حاورتها: إيمان عبد اللطيف

             

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews