تُحيي تونس اليوم السبت 3 ماي 2025 اليوم الوطني للدبلوماسية، الموافق للذكرى 69 لإحداث وزارة الشؤون الخارجية التونسيّة.
وأُحدثت وزارة الشؤون الخارجية وفقا للأمر العليّ عدد 119 لسنة 1956 المؤرخ في 3 ماي 1956، والمتعلق بإعادة تنظيم وزارة الخارجية.
وتتولّى هذه الوزارة، التي وقع سنة 2020 تعديل اسمها ليصبح "وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج"، تنفيذ السياسة الخارجية للدّولة التي يضبطها رئيس الجمهورية، وتسهر على حماية المصالح العليا لتونس وللتونسيين المقيمين في الخارج ورعايتها.
وتنفذ الدبلوماسية التونسية مهامها "استنادا إلى جملة من الثوابت الوطنية التي تشكّل الإطار العام للعمل الدّبلوماسي ومنهجه في خدمة المصالح العليا لتونس على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف وتعزيز حضورها على الساحتين الإقليمية والدولية"، حسب تعريفها على الموقع الالكتروني لوزارة الشؤون الخارجيّة.
وفي هذا الإطار، قال المؤرّخ الهادي جلاّب، مدير عام مؤسّسة الأرشيف الوطني، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (وات)، إنّ "الدّبلوماسية التونسية كانت ناجحة منذ انطلاقها مباشرة بعد الاستقلال وتميّزت بإشعاع دولي فريد رغم حداثتها".
وتابع قوله ذاكرا أمثلة على ذلك "لقد شاركت تونس، وهي عضو في الجمعية العامّة للأمم المتحدة في أكتوبر 1956، في تحقيق دولي بخصوص التدخّل السوفييتي في المجر، ووقع انتخاب المنجي سليم في جانفي 1957 في اللجنة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة حول المسألة المجرية .. كما كان ممثلا دائما لتونس في مجلس الأمن بين جانفي 1959 وديسمبر 1960".
وعلى الرغم من ذلك، "نجحت تونس حتى موفى 1956-1957 في الحصول على اعتراف أكثر من ستين دولة من بين 80 دولة في العالم أنداك، وفق المتحدث.
وذكر جلاب أنه في 22 مارس 1956 اعترفت الولايات المتحدة باستقلال تونس وتلاها اعتراف الاتحاد السوفياتي مباشرة في أفريل 1956 بالإضافة إلي عدد كبير من الدول الأوروبية، من بينها بريطانيا العظمى وألمانيا الفيدرالية وكل البلدان الاسكندنافية، فضلا عن مجمل الدول العربية والإسلامية، معتبرا ذلك "انجازا كبيرا يحسب لدولة الاستقلال الفتية".
كما ذكّر بأنه "منذ أن تولّي الزّعيم الحبيب بورقيبة رئاسة الحكومة التونسية في أفريل 1956، انطلق في وضع أسس الدّولة المستقلة وانتزاع صلاحيات ومقومات الدولة الوطنية الجديدة من سلطات الحماية الفرنسية، حيث طالب فرنسا، بمناسبة إحداث وزارة الخارجية في 3 ماي 1956 أي بعد 18 يوما فقط من استلامه مقاليد الحكم، بقبول مبدأ تعيين سفراء تونسيين بالخارج دون انتظار، كخطوة أولى للاعتراف الفعلي بالسيادة التونسية.
وأضاف المؤرخ الهادي جلاب أن بورقيبة "عمل جاهدا على الانخراط السريع في المنظمات الدولية مثل اليونسكو بباريس ومنظمة الأمم المتحدة في نيويورك قصد تأكيد وإبراز معالم السيادة التونسية ومبدأ استقلالها الفعلي".
وقال إنّ الدّبلوماسيّة كانت في عمل دؤوب بعد الاستقلال لتثبيت دعائم وجودها ومشاركتها في الشّأن الدّولي، ومن ذلك نجاح تونس في انتخاب المنجي سليم في فيفري 1961 رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة، فضلا عن مساهمة تونس في فترتي الستينات والسّبعينات في تأسيس عدد من المنظّمات الدّولية على غرار حركة عدم الانحياز سنة 1961 ومنظّمة الوحدة الإفريقيّة سنة 1963 ومنظمة البلدان الفرنكفونيّة سنة 1970.
وأبرز أنّ "تونس كانت الملجأ الآمن للزّعماء الأفارقة ودعمهم مادّيا وسياسيّا ليحقّقوا الاستقلال في بلدانهم".
واعتبر جلاّب أنّه "على الرّغم من بعض الفترات التي عرفت فيها الدبلوماسية التونسية بعض الهزّات والتّوترات على غرار أزمة 1965 بعد خطاب الرئيس الحبيب بورقيبة في أريحا (فلسطين) وحرق السّفارة التونسية في القاهرة (مصر)، فإنّها خيّرت منذ البداية أن تكون سياساتها متوازنة قائمة على كسب الأصدقاء والبحث عن مصلحة تونس السياسية والاقتصاديّة، فتجدها دائما ترنو إلى التّوازن في سياساتها الخارجيّة وإلى احترام سيادة الدّول وبالمثل رفض التدخّل في سياساتها"، ملاحظا أنّ تونس بقيت متمسّكة بهذه الثّوابت منذ الاستقلال إلى اليوم.
وترتكز السياسة الخارجية التونسية على جملة من المبادئ، وهي "الحفاظ على المصالح العليا للوطن والتمسك بمبدأ السيادة الوطنية ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول والالتزام بإقامة علاقات ثنائية وفق مبدأ الاحترام المتبادل والتمسّك بالشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين والتمسّك بالأساليب السلمية لتسوية الخلافات والنزاعات ونُصرة القضايا العادلة والقيم الكونيّة وتعزيز التضامن بين الدول والشعوب".
ووقع تضمين هذه المبادئ في دستور 2022، الذي نص في توطئته على "رفض تونس الدخول في تحالفات في الخارج ورفضها التدخل في شؤونها الداخلية وتمسّكها بالشرعية الدولية وانتصارها للحقوق المشروعة للشعوب التي من حقّها، وفق هذه الشرعية، أن تقرر مصيرها بنفسها وأوّلها حق الشعب الفلسطيني في أرضه السليبة وإقامة دولته عليها بعد تحريرها وعاصمتها القدس الشريف".
وتعزّزت الدّبلوماسية التونسية سنة 2019 بإنشاء الأكاديمية الدبلوماسية الدولية تحت رعاية وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، بموجب مرسوم حكومي صدر في 24 جويلية 2019، وهي "مؤسسة للتدريب الدبلوماسي والدراسات والبحوث في خدمة مصالح تونس، بهدف تعزيز دورها وموقعها على المستوى الإقليمي والدولي".
كما "تعالج، بناءً على طلب السلطات التونسية، قضايا استراتيجية ذات أهمية حيوية على المستويين الإقليمي والدولي"، حسب تعريفها على موقعها الرّسمي.
وتعد الأكاديمية الدبلوماسية الدولية "مركزًا للمعرفة في مجال التدريب وبناء القدرات وتطوير المهارات والخبرة والقيادة في مجال العلاقات الدولية".
وتهدف أيضًا إلى تعزيز المهارات وتطوير قدرة الدبلوماسيين التونسيين على مواجهة التحديات الحالية، بوصفها مركزًا للاستكشاف والتفكير الاستراتيجي، وتعمل على توجيه أبحاثها ودراساتها نحو القضايا العالمية والأساسية التي تطرح نفسها اليوم على الساحتين الإقليمية والدولية، وخصوصا تلك المتعلقة بالمصالح العليا لتونس على المستويين القارّي والدّولي.
وات