إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

احتلّت المرتبة الرابعة إفريقيا ضمن البلدان الأقلّ عرضة للمخاطر وفق مؤشر «بازل».. تونس تكسب جولة أخرى في مواجهة جريمة غسل الأموال مع ضرورة اليقظة الدائمة

احتلّت تونس المرتبة الرابعة إفريقيا ضمن الدول الأقلّ تعرّضا لمخاطر غسل الأموال، وذلك وفق تصنيف تقرير مؤشّر بازل لمكافحة غسل الأموال لسنة 2025، والصادر عن معهد «بازل للحوكمة»، والذي اعتبر أن تونس من الدول الإفريقية الأقلّ عرضة لمخاطر غسل الأموال.

معهد «بازل للحوكمة» هو مركز عالمي مستقل وغير ربحي، مقره في سويسرا، يهدف إلى تعزيز الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد والجرائم المالية وغسل الأموال، من خلال تقديم الأبحاث والتدريب وأدوات عملية مثل مؤشّر بازل لمخاطر غسل الأموال، لمساعدة الحكومات والشركات على بناء أنظمة نزيهة وشفافة.

ويُعدّ مؤشّر بازل مقياسا تنظيميا دوليا مُصمّما لضمان الاستقرار المالي للبنوك وشركات التكنولوجيا المالية وغيرها من المؤسسات، ويهتمّ هذا المؤشّر بتقييم مخاطر غسل الأموال، الذي يُعدّ نموذجا تستخدمه المؤسسات المالية وغيرها لتقييم مستوى مخاطر غسل الأموال المرتبطة بمعاملات مالية معيّنة.

وتمّ تصنيف تونس في المرتبة الرابعة من بين 48 دولة إفريقية شملها التقييم، وهو ما يجعلها من بين أكثر الدول أمانا في القارّة، ويؤكّد كذلك قدرة المنظومة المالية الوطنية على مواجهة التحدّيات المالية، وفق ما يراه المختصّون. ورغم أهمية الترتيب القاري، إلا أنه على الصعيد العالمي ما زالت بعيدة عن مجموعة المائة دولة الأقلّ عرضة لمخاطر غسل الأموال، حيث احتلّت تونس المرتبة 119 من جملة 177 دولة شملها التصنيف، متقدّمة بفارق نسبي على عدد من الدول في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط الأكثر عرضة لمخاطر غسل الأموال.

ويستند تصنيف بازل إلى 17 مؤشّرا في عدّة مجالات تشمل جودة الإطار التشريعي والتنظيمي، ومستوى الشفافية، والمعايير المالية، والمساءلة العامة، والمخاطر القانونية. وتُعدّ بلدان مثل فنلندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد وسويسرا من أكثر الدول صلابة في هذا المجال، بما يضعها ضمن فئة المخاطر المنخفضة، وفق مؤشّر بازل.

ورغم أن تونس عاشت تجربة صعبة عندما أدرجتها مجموعة العمل الدولية ضمن القائمة السوداء للبلدان التي تُعدّ فيها مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب عالية في فيفري 2017، إلا أنها نجحت لاحقا في مغادرة هذه القائمة وتسجيل نقاط مهمّة في تقليص مخاطر غسل الأموال، وذلك من خلال عدّة خيارات، منها وضع إطار قانوني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يتماشى مع المعايير الدولية، بالإضافة إلى تشديد أعمال الرقابة على حركة الأموال والتمويلات ونجاعة عمل المؤسسات في هذا الإطار.

وكان آخر الإجراءات المتّخذة ما أعلنته هيئة السوق المالية في جانفي الماضي عن إحداث هيكل جديد يتولّى تأمين عمليات الحماية من غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلّح على الساحة المالية المحلية.

مكافحة غسل الأموال… معركة متواصلة!

تُعتبر لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي من أهمّ الهياكل التي تعمل على تكريس شفافية المعاملات المالية ومكافحة جريمة غسل الأموال. وهي تراقب كلّ المعاملات المالية مع الخارج بالنسبة للجمعيات والشركات وحتى الأفراد، باعتبارها جهاز رقابة مهمّته الأولى التوقّي من تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، وفي حال شكّت أية جهة إدارية أو أمنية أو قضائية في وجود تحويلات مالية، تقوم بإشعار لجنة التحاليل المالية التي تتولّى التحقّق من الشبهة قبل إحالة الملف إلى القضاء.

وتُلزم مجموعة العمل المالي كلّ الدول بأن تكون لها مؤسسات مثل لجنة التحاليل المالية، وأن تمتلك تلك اللجنة الموارد البشرية والمالية والتنفيذية اللازمة للقيام بدورها. وبعد إدراج تونس في القائمة الرمادية بعد السوداء للبلدان الأكثر عرضة لغسل الأموال، قامت اللجنة بدور كبير في سنة 2019 لإخراج تونس من القائمة، حيث اتّخذت كلّ الإجراءات اللازمة في اتجاه تحقيق تطابق المنظومة القانونية التونسية في شتّى المجالات مع توصيات مجموعة العمل المالي (GAFI) والمعايير الدولية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب ومنع غسل الأموال. وتواصل العمل لاحقا على أكثر من مستوى لحماية تونس من مخاطر غسل الأموال وضمان عدم الرجوع إلى تلك القائمة السوداء. وكان آخر الإجراءات المتّخذة ما قامت به هيئة السوق المالية التونسية في إطار تعزيز المحاذير من مخاطر غسل الأموال في شهر جانفي القادم، عندما أعلنت عن إحداث هيكل سيتولّى تأمين عمليات الحماية من غسل الأموال وتمويل الإرهاب والحدّ من انتشار التسلّح على الساحة المالية المحلية. وقالت الهيئة، وفق بلاغ أصدرته حينها، إن «هذا الهيكل يهدف إلى تعزيز جاهزية الهيئة للتعامل مع المخاطر ذات الصلة وضمان الالتزام بالمعايير الدولية وأفضل الممارسات في هذا المجال، وسيكون مرتبطا إداريا برئيس الهيئة».

ورغم أن مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب قائمة في كلّ الدول، وتونس لها أجهزة رقابة صلبة كالبنك المركزي التونسي وأخرى قضائية، غير أن الهيكل الذي أحدثته هيئة السوق المالية يُعدّ تعزيزا لهذه الهياكل، وهو تعزيز مهم يهدف للتصدّي لأي مخاطر، لاسيما في ظلّ تطوّر طرق غسل الأموال في العالم، حيث يعزّز هذا الهيكل حماية المستثمرين وجلبهم إلى السوق المالية بوصفها ساحة تداول آمنة.

ويتولّى الهيكل الجديد مهام توجيه أعمال التفقد والمراقبة على المتدخّلين الخاضعين لرقابة الهيئة، بناء على المنهج القائم على المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلّح، إلى جانب تحقيق الاستجابة السريعة للتطوّرات القانونية والمالية ذات العلاقة.

وفي بداية أكتوبر الماضي، أصدر البنك المركزي التونسي تعليمات إلى البنوك والمؤسسات المالية لمزيد من اليقظة، وذلك إثر صدور نتائج تحيين التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب للفترة الممتدّة من سنة 2022 إلى سنة 2024. كما دعا المركزي التونسي البنوك، في بلاغ الجمعة الماضي، إلى بذل العناية اللازمة للتوقّي من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال تعزيز منظومة الامتثال واتخاذ جميع التدابير الضرورية لضمان التطبيق الأمثل لمعايير العناية الواجبة، والعمل على تحديث برامج التكوين المتعلّقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بما يدعم تطوير الكفاءة المهنية للإطارات وللأعوان.

وكانت تونس قد أُدرجت ضمن القائمة السوداء للبلدان التي تُعدّ فيها مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب عالية في فيفري 2017، ثمّ في القائمة الرمادية في أكتوبر 2018. ومنذ ذلك التاريخ وضعت الحكومة خطّة عمل أُقرّت خلال مجلس وزاري في بداية 2018، وتألفت لجنة لدعم المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قبل أن تخرج تونس من القائمة في أكتوبر 2019.

وفي تلك الفترة واجهت الدولة صعوبات كبيرة في جلب المستثمرين، حيث اعتبرت مفوضية الاتحاد الأوروبي أن تونس دولة تتضمّن مخاطر عالية متعلّقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما صنّفت مجموعة العمل المالي تونس ضمن القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وقد دفع التصنيف السلبي الحكومة إلى إجراء إصلاحات تشريعية وهيكلية لتجاوز النقص في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عبر تركيز السجل الوطني للمؤسسات، إلى جانب إصدار المعايير المهنية المتعلّقة بالتزامات الخبراء المحاسبين فيما يتعلّق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإعداد أدلّة للمراقبين المعنيين بالرقابة على المهن المالية وغير المالية، فضلا عن إصدار القائمة الوطنية للعناصر الإرهابية والتنظيمات الإرهابية وتجميد أموال وأصول تلك العناصر.

خارج القائمة السوداء

وفي 18 أكتوبر 2019، قرّرت مجموعة العمل المالي، خلال اجتماعها المنعقد بباريس، إخراج تونس رسميا من القائمة السوداء للبلدان التي تُعدّ فيها مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب عالية. وقد اعتبرت المجموعة «أنّ الحكومة التونسية أوفت بالتزاماتها فيما يتعلّق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب». ونجحت بذلك اللجنة التي تمّ تشكيلها وترأسها المستشار الاقتصادي السابق لرئيس الحكومة فيصل دربال، بالتعاون مع لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي، في مهامها بعد أن اتّخذت في ظرف قياسي لا يتجاوز 17 شهرًا كلّ الإجراءات اللازمة في اتجاه تحقيق تطابق المنظومة القانونية التونسية في شتّى المجالات مع توصيات مجموعة العمل المالي والمعايير الدولية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب ومنع غسل الأموال.

وكلّ الإجراءات التي اتّخذتها تونس خلال السنوات الماضية هي التي حسّنت تصنيفها ضمن الدول الإفريقية الأقلّ مخاطر في غسل الأموال، غير أن طبيعة هذه الجريمة وتأثيراتها السلبية على الاستقرار الاقتصادي تتطلّب جهدا متواصلا للحدّ منها.

منية العرفاوي

احتلّت المرتبة الرابعة إفريقيا ضمن البلدان الأقلّ عرضة للمخاطر وفق مؤشر «بازل»..   تونس تكسب جولة أخرى في مواجهة جريمة غسل الأموال مع ضرورة اليقظة الدائمة

احتلّت تونس المرتبة الرابعة إفريقيا ضمن الدول الأقلّ تعرّضا لمخاطر غسل الأموال، وذلك وفق تصنيف تقرير مؤشّر بازل لمكافحة غسل الأموال لسنة 2025، والصادر عن معهد «بازل للحوكمة»، والذي اعتبر أن تونس من الدول الإفريقية الأقلّ عرضة لمخاطر غسل الأموال.

معهد «بازل للحوكمة» هو مركز عالمي مستقل وغير ربحي، مقره في سويسرا، يهدف إلى تعزيز الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد والجرائم المالية وغسل الأموال، من خلال تقديم الأبحاث والتدريب وأدوات عملية مثل مؤشّر بازل لمخاطر غسل الأموال، لمساعدة الحكومات والشركات على بناء أنظمة نزيهة وشفافة.

ويُعدّ مؤشّر بازل مقياسا تنظيميا دوليا مُصمّما لضمان الاستقرار المالي للبنوك وشركات التكنولوجيا المالية وغيرها من المؤسسات، ويهتمّ هذا المؤشّر بتقييم مخاطر غسل الأموال، الذي يُعدّ نموذجا تستخدمه المؤسسات المالية وغيرها لتقييم مستوى مخاطر غسل الأموال المرتبطة بمعاملات مالية معيّنة.

وتمّ تصنيف تونس في المرتبة الرابعة من بين 48 دولة إفريقية شملها التقييم، وهو ما يجعلها من بين أكثر الدول أمانا في القارّة، ويؤكّد كذلك قدرة المنظومة المالية الوطنية على مواجهة التحدّيات المالية، وفق ما يراه المختصّون. ورغم أهمية الترتيب القاري، إلا أنه على الصعيد العالمي ما زالت بعيدة عن مجموعة المائة دولة الأقلّ عرضة لمخاطر غسل الأموال، حيث احتلّت تونس المرتبة 119 من جملة 177 دولة شملها التصنيف، متقدّمة بفارق نسبي على عدد من الدول في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط الأكثر عرضة لمخاطر غسل الأموال.

ويستند تصنيف بازل إلى 17 مؤشّرا في عدّة مجالات تشمل جودة الإطار التشريعي والتنظيمي، ومستوى الشفافية، والمعايير المالية، والمساءلة العامة، والمخاطر القانونية. وتُعدّ بلدان مثل فنلندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد وسويسرا من أكثر الدول صلابة في هذا المجال، بما يضعها ضمن فئة المخاطر المنخفضة، وفق مؤشّر بازل.

ورغم أن تونس عاشت تجربة صعبة عندما أدرجتها مجموعة العمل الدولية ضمن القائمة السوداء للبلدان التي تُعدّ فيها مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب عالية في فيفري 2017، إلا أنها نجحت لاحقا في مغادرة هذه القائمة وتسجيل نقاط مهمّة في تقليص مخاطر غسل الأموال، وذلك من خلال عدّة خيارات، منها وضع إطار قانوني لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يتماشى مع المعايير الدولية، بالإضافة إلى تشديد أعمال الرقابة على حركة الأموال والتمويلات ونجاعة عمل المؤسسات في هذا الإطار.

وكان آخر الإجراءات المتّخذة ما أعلنته هيئة السوق المالية في جانفي الماضي عن إحداث هيكل جديد يتولّى تأمين عمليات الحماية من غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلّح على الساحة المالية المحلية.

مكافحة غسل الأموال… معركة متواصلة!

تُعتبر لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي من أهمّ الهياكل التي تعمل على تكريس شفافية المعاملات المالية ومكافحة جريمة غسل الأموال. وهي تراقب كلّ المعاملات المالية مع الخارج بالنسبة للجمعيات والشركات وحتى الأفراد، باعتبارها جهاز رقابة مهمّته الأولى التوقّي من تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، وفي حال شكّت أية جهة إدارية أو أمنية أو قضائية في وجود تحويلات مالية، تقوم بإشعار لجنة التحاليل المالية التي تتولّى التحقّق من الشبهة قبل إحالة الملف إلى القضاء.

وتُلزم مجموعة العمل المالي كلّ الدول بأن تكون لها مؤسسات مثل لجنة التحاليل المالية، وأن تمتلك تلك اللجنة الموارد البشرية والمالية والتنفيذية اللازمة للقيام بدورها. وبعد إدراج تونس في القائمة الرمادية بعد السوداء للبلدان الأكثر عرضة لغسل الأموال، قامت اللجنة بدور كبير في سنة 2019 لإخراج تونس من القائمة، حيث اتّخذت كلّ الإجراءات اللازمة في اتجاه تحقيق تطابق المنظومة القانونية التونسية في شتّى المجالات مع توصيات مجموعة العمل المالي (GAFI) والمعايير الدولية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب ومنع غسل الأموال. وتواصل العمل لاحقا على أكثر من مستوى لحماية تونس من مخاطر غسل الأموال وضمان عدم الرجوع إلى تلك القائمة السوداء. وكان آخر الإجراءات المتّخذة ما قامت به هيئة السوق المالية التونسية في إطار تعزيز المحاذير من مخاطر غسل الأموال في شهر جانفي القادم، عندما أعلنت عن إحداث هيكل سيتولّى تأمين عمليات الحماية من غسل الأموال وتمويل الإرهاب والحدّ من انتشار التسلّح على الساحة المالية المحلية. وقالت الهيئة، وفق بلاغ أصدرته حينها، إن «هذا الهيكل يهدف إلى تعزيز جاهزية الهيئة للتعامل مع المخاطر ذات الصلة وضمان الالتزام بالمعايير الدولية وأفضل الممارسات في هذا المجال، وسيكون مرتبطا إداريا برئيس الهيئة».

ورغم أن مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب قائمة في كلّ الدول، وتونس لها أجهزة رقابة صلبة كالبنك المركزي التونسي وأخرى قضائية، غير أن الهيكل الذي أحدثته هيئة السوق المالية يُعدّ تعزيزا لهذه الهياكل، وهو تعزيز مهم يهدف للتصدّي لأي مخاطر، لاسيما في ظلّ تطوّر طرق غسل الأموال في العالم، حيث يعزّز هذا الهيكل حماية المستثمرين وجلبهم إلى السوق المالية بوصفها ساحة تداول آمنة.

ويتولّى الهيكل الجديد مهام توجيه أعمال التفقد والمراقبة على المتدخّلين الخاضعين لرقابة الهيئة، بناء على المنهج القائم على المخاطر في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلّح، إلى جانب تحقيق الاستجابة السريعة للتطوّرات القانونية والمالية ذات العلاقة.

وفي بداية أكتوبر الماضي، أصدر البنك المركزي التونسي تعليمات إلى البنوك والمؤسسات المالية لمزيد من اليقظة، وذلك إثر صدور نتائج تحيين التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب للفترة الممتدّة من سنة 2022 إلى سنة 2024. كما دعا المركزي التونسي البنوك، في بلاغ الجمعة الماضي، إلى بذل العناية اللازمة للتوقّي من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال تعزيز منظومة الامتثال واتخاذ جميع التدابير الضرورية لضمان التطبيق الأمثل لمعايير العناية الواجبة، والعمل على تحديث برامج التكوين المتعلّقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بما يدعم تطوير الكفاءة المهنية للإطارات وللأعوان.

وكانت تونس قد أُدرجت ضمن القائمة السوداء للبلدان التي تُعدّ فيها مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب عالية في فيفري 2017، ثمّ في القائمة الرمادية في أكتوبر 2018. ومنذ ذلك التاريخ وضعت الحكومة خطّة عمل أُقرّت خلال مجلس وزاري في بداية 2018، وتألفت لجنة لدعم المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قبل أن تخرج تونس من القائمة في أكتوبر 2019.

وفي تلك الفترة واجهت الدولة صعوبات كبيرة في جلب المستثمرين، حيث اعتبرت مفوضية الاتحاد الأوروبي أن تونس دولة تتضمّن مخاطر عالية متعلّقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما صنّفت مجموعة العمل المالي تونس ضمن القائمة السوداء للدول الأكثر عرضة لمخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وقد دفع التصنيف السلبي الحكومة إلى إجراء إصلاحات تشريعية وهيكلية لتجاوز النقص في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عبر تركيز السجل الوطني للمؤسسات، إلى جانب إصدار المعايير المهنية المتعلّقة بالتزامات الخبراء المحاسبين فيما يتعلّق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإعداد أدلّة للمراقبين المعنيين بالرقابة على المهن المالية وغير المالية، فضلا عن إصدار القائمة الوطنية للعناصر الإرهابية والتنظيمات الإرهابية وتجميد أموال وأصول تلك العناصر.

خارج القائمة السوداء

وفي 18 أكتوبر 2019، قرّرت مجموعة العمل المالي، خلال اجتماعها المنعقد بباريس، إخراج تونس رسميا من القائمة السوداء للبلدان التي تُعدّ فيها مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب عالية. وقد اعتبرت المجموعة «أنّ الحكومة التونسية أوفت بالتزاماتها فيما يتعلّق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب». ونجحت بذلك اللجنة التي تمّ تشكيلها وترأسها المستشار الاقتصادي السابق لرئيس الحكومة فيصل دربال، بالتعاون مع لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي، في مهامها بعد أن اتّخذت في ظرف قياسي لا يتجاوز 17 شهرًا كلّ الإجراءات اللازمة في اتجاه تحقيق تطابق المنظومة القانونية التونسية في شتّى المجالات مع توصيات مجموعة العمل المالي والمعايير الدولية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب ومنع غسل الأموال.

وكلّ الإجراءات التي اتّخذتها تونس خلال السنوات الماضية هي التي حسّنت تصنيفها ضمن الدول الإفريقية الأقلّ مخاطر في غسل الأموال، غير أن طبيعة هذه الجريمة وتأثيراتها السلبية على الاستقرار الاقتصادي تتطلّب جهدا متواصلا للحدّ منها.

منية العرفاوي