إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في الأكاديمية البرلمانية.. جدل حول مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية

بحضور نخبة من الفنانين التونسيين نظم مجلس نواب الشعب أمس بقصر باردو يوما دراسيا بالأكاديمية البرلمانية حول مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنيّة، ودعا العديد من المشاركين فيه إلى التسريع في المصادقة على هذا المقترح لتلافي الفوضى في القطاع الفني الناجمة عن حالة الفراغ التشريعي وأكدوا أن النص المعروض أخذ حظه من النقاش وتمت صياغته بصفة تشاركية، وهناك في المقابل من انتقدوا مضامين بعض الفصول وطالبوا بمراجعتها منها على سبيل الذكر الفصل المتعلق بالعقد الفني لتعارضه مع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة أو الأحكام الخاصة بالأطفال التي من شأنها أن تؤدي إلى تراجع إقبال الأطفال على الدراسة والتحصيل العلمي مقابل تنمية الرغبة لديهم في جمع المال والشهرة.

وأكد بعضهم على ضرورة الاستماع إلى أصحاب الشأن وتوسيع دائرة المشمولين بنص مقترح القانون، وهناك من عبر عن استيائه من تهميش الفنانين الهواة في هذه المبادرة التشريعية، وأمطر الفنانون، نواب الشعب بوابل من المقترحات التي من شأنها أن تساهم في تجويد المبادرة على مستوى الشكل وعلى مستوى المضامين وهناك منهم من دعا إلى التوجه نحو إنشاء عمادة الفنانين في حين هناك من شدد على ضرورة ضمان حقوق المؤلف وتساءل البعض عن سبب عدم حضور ممثلين عن وزارة الثقافة أشغال اليوم الدراسي وأثاروا عديد المسائل منها موضوع الدعم.  أما النواب فقد أكدوا على أهمية المبادرة التشريعية المعروضة والتي هي عبارة عن قانون إطاري جامع من شأنه أن يكفل حقوق الفنان وينظم المهن الفنية ويشجع على الإبداع.   

  ويهدف مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية وفق ما نص عليه الفصل الأول إلى ضبط الوضعية القانونية للفنان بما يكفل حقوقه ويحدد واجباته ويضمن له المكانة التي يستحقها في المجتمع اعتبارا للأدوار الهامة التي يضطلع بها في تطوير الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. كما يهدف إلى تنظيم المهن الفنية بما يمكن منتسبيها من وضع قانوني يحفظ كرامتهم وينظم مجالات اشتغالهم ويضمن العناية بأوضاعهم المادية والاجتماعية والمهنية، ويرمي المقترح أيضا على دعم الحق في الإبداع فعلا وتلقّيا والإسهام في النهوض بالإنتاج الأدبي والفني في جميع أشكاله ومضامينه بما يدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وانفتاحها وتجددها.

وخلال افتتاح أشغال اليوم الدراسي عبر رئيس المجلس إبراهيم بودربالة عن رغبته في جعل الأكاديمية البرلمانية فضاء حرا تلتقي فيه الكفاءات لنقاش مشاريع القوانين الأساسية والمبادرات التشريعية للاستفادة من خبرة أهل الاختصاص سواء كانوا ممثلين عن الوزارات أو المنظمات أو النقابات حتى يتمكن عضو المجلس النيابي من الإلمام بجميع جوانب المشروع أو مقترح القانون المعروض قبل التصويت عليه. وأشار إلى أنه بالنظر إلى أهمية مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية  ارتأى المجلس دعوة أهل الاختصاص للإدلاء بدلوهم بكل موضوعية وصراحة. وعبر عن استعداد المجلس لقبول مقترحاتهم. وذكر أن الثقافة هي التي تخلق الشعوب وهي التي لها الدور الأساسي في صقل الفكر المجتمعي. وتفاعلا مع مداخلات عدد من الفنانين، أوضح بودربالة أن مقترح القانون المعروض يحتاج إلى تعميق النظر فيه وذكر أنه سيتم عما قريب بعث المحكمة الدستورية ويمكن للمحكمة الدستورية أن تبطل القانون إذا لم يضمن المساواة بين المواطنين.  

أما رئيس لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية باديس بلحاج علي وهي اللجنة المتعهدة بدراسة مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية فأشار إلى أن هذا المقترح يكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى الفنانين والمبدعين، لمساهمتهم في ترسيخ الموقع الثقافي والحضاري لتونس على الصعيد الدولي، ويرى رئيس اللجنة أن تطور الفن يعد من مؤشرات تقدم الشعوب ورقيها لأن الممارسة الفنية والإبداعية تعد رافعة اجتماعية. وبين أن المقترح هو اعتراف بالرسالة النبيلة للفنان وبأهمية دوره في تنمية الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسمو بالموقع الحضاري لبلاده، وذكّر بلحاج علي في مداخلته بأهداف مقترح القانون، وأضاف أن هذا المقترح  يتنزل في إطار تطبيق أحكام الدستور وخاصة الفصل 49 الذي ينص على أن «الحق في الثقافة مضمون وحرية الإبداع مضمونة وتشجع الدولة الإبداع الثقافي وتدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها بما يكرس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات»، وكذلك الفصل 46 المتعلق بالحق في العمل، وحسب قوله يستمد مقترح القانون مرجعيته الفكرية من المبادئ المضمنة في عدد من المواثيق والمعاهدات الدولية وخاصة توصية اليونسكو حول وضعية الفنان المؤرخة في 27 أكتوبر 1980 حيث أكدت هذه التوصية لأول مرة على حق الفنان في أن يعتبر إن أراد ذلك، عملا ثقافيا وأكدت أيضا على ضرورة إنشاء نظام ملائم يمكن الفنان من التمتع بكل المنافع القانونية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بوضعية العامل مع مراعاة خصوصيات نشاطه.  واستعرض رئيس اللجنة مسار إعداد مقترح القانون انطلاقا من الدراسة المنجزة سنة 2015 حول وضعية الفنان وإلى غاية مصادقة اللجنة عليه في صيغة معدلة في شهر أفريل 2025. وأضاف أن النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم المهن الفنية بتونس تتسم بالتشتت إذ يرجع بعضها إلى ثلاثين سنة مضت على غرار القانون عدد 32 لسنة 1969 المتعلق بإحداث بطاقة مهنية للاحتراف الفني والذي لم يعد يواكب التطورات التي تعرفها هذه الميادين سواء من حيث بروز أنماط فنية مستحدثة أو من حيث آليات إسناد بطاقات الاحتراف الفني التي تقوم على مبدأ الامتحان المهني الذي يحد من حرية الممارسة الفنية.

ولاحظ بلحاج علي أن تقييم نظام الضمان الاجتماعي للفنانين والمثقفين والمبدعين المحدث بالقانون عدد 104 لسنة 2002 كشف محدودية هذا النظام في توفير التغطية الاجتماعية الملائمة لمحترفي المهن الفنية بالنظر إلى أنه لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية النشاط الفني ويؤدي إلى إقصاء العديد من المنتسبين لهذا القطاع خاصة العرضيين منهم فضلا عن ضعف نسبة الانخراط بالنظام المذكور.

تفكك الإطار القانوني

ويرى عضو المكتب التنفيذي للإتحاد التونسي للتجارة والصناعة رشاد الشلي أن مقترح قانون الفنان والمهن الفنية يكتسي أهمية بالغة وذلك ليس فقط لأنه يهم المبدعين بل لأنه أيضا يعكس الإرادة السياسية التي تعبر عن مدى إيمان الدولة  بدور الثقافة والفن في بناء المجتمع وتعزيز الهوية الثقافية. وأشار إلى معاناة الفنان من تشتت الإطار القانوني الذي يضبط حقوقه وواجباته ووضعه الاجتماعي. ولاحظ أن مقترح القانون الحالي يكرس الاعتراف بالفن كمهنة وجاء لتحقيق جملة من الأهداف من بينها حماية الفنان وضمان الحق في الأجر العادل وتمكينه من تغطية اجتماعية وتقاعد وفيه سعي لمقاومة الهشاشة والعقود غير المنصفة. وأضاف أن من أهم مكاسبه إحداث بطاقة فنية وتمكين الفنان من الانخراط في المنظومة الاجتماعية وتنظيم العقود الفنية وحماية الفنان من العمل غير المنتظم والوساطة غير القانونية، واستدرك قائلا إنه رغم أهمية مقترح القانون، مازالت هناك عدة إشكاليات مطروحة في علاقة بالتغطية الاجتماعية وعدم وضوح نسب المساهمات ومصادر التمويل إضافة إلى معضلة تحميل الفنان أعباء مالية وتجاهل الواقع الاقتصادي للفنان وعدم مراعاة مشكل البطالة الموسمية وغياب دعم حقيقي في فترات الانقطاع عن العمل. وأشار إلى أن مقترح القانون لم يوضح إجراءات سحب البطاقة مما قد يجعله أداة تستخدم للحد من حرية التعبير. ولاحظ الشلي غياب نصوص ردعية في حالة عدم خلاص مستحقات الفنان والمبدع. وأضاف أنه يرى أن حقوق الفنان يجب أن تتعلق أيضا بحق إعادة البث وفسر أن هناك عديد المسلسلات تتم إعادة بثها بالقنوات التلفزيونية لكن الفنان لا يتقاضى مقابلا عن ذلك.  وذكر أن تطوير وضعية الفنان تتطلب تبسيط الإجراءات الإدارية وتعزيز دور الهياكل المهنية والنقابات وإشراك الفنان في وضع السياسة الثقافية والاعتراف بالفن كرافد من روافد التنمية الاقتصادية.

إنهاء حالة الفوضى

وأشارت الكاتبة العامة للنقابة الأساسية لمهن الفنون الدرامية نورهان بوزيان إلى أن مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية يعد حجر الزاوية للانتقال من حالة الفوضى والهشاشة إلى منطق الدولة والمأسسة. وذكرت أن الدستور أقر أن الحق في الثقافة مضمون وأن الدولة تشجع على الإبداع لكن يوجد فراغ تشريعي وهذا الفراغ خلق مفارقة صارخة. وذكرت أن المقترح ليس ترفا تشريعيا وليس منطلقا لطلب المنح والمساعدات بل هو مشروع يمكن من الانتقال من منطق الدولة الراعية إلى منطق الدولة التي تعترف بالفن كمهنة. ويعاني القطاع الفني حاليا حسب قولها من فراغ تشريعي وتشتت للنصوص أما مقترح القانون فيوفر نصا مرجعيا يضبط المفاهيم بدقة إذ يوجد فيه تعريف الفنان والمهن الفنية وغيرها من المفاهيم بما ينهي فوضى التأويلات الإدارية وفق نصوص ترتيبية، وذكرت أن هذا المقترح يعد ترجمة تشريعية لأحكام الدستور وتفعيلا لتوصية اليونسكو حول وضعية الفنان. وتحدثت بوزيان عن مسار إعداد مقترح القانون وفق منهجية البناء التشاركي وأكدت أن الصيغة الأخيرة تحظى بتوافق واسع جدا داخل الساحة الفنية لأنها ثمرة عمل جماعي ولأنها استوفت جميع مراحل النقاش صلب عشرات المنتديات فهذه الصيغة حسب قولها تمت المصادقة عليها من قبل وزارة الإشراف كما صادقت عليها لجنة الثقافة بالبرلمان السابق وتم تبنيها من قبل مجموعة كبيرة من نواب البرلمان الحالي  وعبرت عن تمسكها بمقترح القانون المعروض حاليا على أنظار مجلس نواب الشعب فهو حسب رأيها تجسيد لاستمرارية الدولة، ونبهت من أن أي محاولة لتقديم نسخ مشوهة تعد ضربا لمصالح الفنانين وهدرا للمسار التشريعي. وبخصوص البطاقة المهنية طمأنت نورهان بوزيان نواب الشعب  أنها لا تؤدي إلى تقييد حرية الإبداع بل هي من أجل تنظيم الممارسة المهنية، فمقترح القانون حسب رأيها يحمي حرية الإبداع وينظم المهنة ويوفر الاستقلالية. وذكرت أن إسناد البطاقة لا يخضع لمزاجية الإدارة بل تم التنصيص على أن يتم إسنادها من قبل لجنة مستقلة وفسرت أن حرية الإبداع مكفولة بالدستور لكن عند الحديث عن الفن كمورد رزق يصبح من الضروري تنظيمه وتعتبر البطاقة شهادة تسندها لجان فنية مستقلة منتخبة من أهل القطاع بهدف تنظيم السوق وحمايته من الدخلاء. وخلصت ممثلة النقابة الأساسية لمهن الفنون الدرامية إلى أن البطاقة هي جواز السفر نحو الحقوق وهي الضامنة لجودة المشهد الثقافي.

 وذكرت أن المبادرة التشريعية جاءت بحلول مبتكرة لتمويل منظومة الضمان الاجتماعي وهي لا تثقل كاهل ميزانية الدولة وتتمثل هذه الحلول في طابع المساهمة الفنية وهو  يساعد القطاع على تمويل نفسه بنفسه عبر حل تضامني مبتكر وتذهب عائدات الطابع لتمويل منظومة الضمان الاجتماعي، إضافة إلى تخصيص نسبة من مداخيل معلوم التشجيع على الإبداع للمساهمة في تمويل التغطية الاجتماعية لمحترفي المهن الفنية وذكرت أن المساهمة التضامنية ليست عقوبة بل هي تكريس للعدالة الاجتماعية وأشارت إلى أن مقترح القانون لا يكتفي بحماية الفنان بل يشمل التقنيين والإداريين في المجال الفني، كما أنه يفرق بين المحترف والهاوي وترى أن هذا التصنيف من شأنه أن يحمي من مشكل «تكسير الأسعار». كما يهدف مقترح القانون حسب قولها لتكريس السيادة الثقافية وترى بوزيان أن الأمن الثقافي لتونس يقتضي حماية السوق الوطنية وذكرت أنه تم صلب هذا المقترح التنصيص على تخصيص منشآت الاتصال السمعي البصري العمومية والخاصة نسبة لا تقل عن ستين بالمائة من بثها للمصنفات الوطنية من حيث التأليف والإنتاج والأداء وهذا الإجراء الملزم من شأنه أن يدعم الاستثمار في الإنتاج الدرامي والموسيقي وهو ما يضمن للفنان بث صورته في وطنه. وأكدت أن الرؤية الشاملة التي كرسها مقترح القانون لم تغفل عن الفنانين التشكيليين لذلك تم التنصيص على إجراء يسمح باقتناء أعمالهم الفنية لتزيين الفضاءات العمومية.. وبخصوص البعد الاقتصادي لمقترح القانون بينت أن المقترح يسعى إلى تغيير رؤية الدولة للثقافة لتكون الثقافة رافعة وهو يحمي من السوق الموازية مقابل توفير مناخ استثماري ويتم من خلاله تحرير الطاقات بالقطاع.

البطاقة المهنية

وتطرق أمين مال النقابة الوطنية المستقلة لمحترفي الفنون الدرامية جمال العروي في مداخلته للأحكام المتعلقة بالبطاقة المهنية الواردة صلب مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية وبين أن المقترح يعبر عن نوايا طيبة تسعى لتنظيم القطاع وتريد إحداث ما يسميه رئيس الجمهورية الثورة التشريعية لكن النوايا الحسنة قد تترك تشوهات على النص يصعب تداركها. وتساءل من سيحصل على البطاقة المهني أي بطاقة الاحتراف الفني وما هي شروط ومعايير منحها وسحبها والجهة المخولة لذلك وقال من هو الفنان المحترف وأجاب عن هذا السؤال أن الفنان المحترف هو كل فنان يتخذ من نشاطه الفني مورد رزقه وهذا يبدو منطقيا لكن للأسف يوجد في نفس مقترح القانون ما يتعارض مع هذا الطرح وفسر أنه يوجد تعارض بين تعريف الفنان المنصوص عليه بالفصل الثاني وبين ما هو منصوص عليه بالفصل الخامس المتعلق بالفنان المحترف كما جاء في الفصل 13 من مقترح القانون أن الآثار المترتبة على حصول الفنان المحترف غير المتفرغ على البطاقة المهنية لا تتعارض مع الأنظمة الخاصة بمهنته الأصلية ونص الفصل 14 على أن الفنان الحامل لبطاقة مهنية يتمتع بالأولوية في الحصول على دعم الدولة.. ولاحظ العروي أن خلط الفنان المحترف بالفنان العرضي يبدو واضحا وهناك نوايا تسعى للخلط بين المحترف وبين غير المحترف من اجل ترذيل بطاقة المحترف وتعويمها حتى لا تكون لها قيمة بما يسمح للمستفيدين منها باختراق القطاع الفني مع الحصول على نفس امتيازات الدعم العمومي وفسر أنه يوجد أساتذة وأطباء يقدمون مطالب للحصول على الدعم مثلهم مثل الفنان المتفرغ وهو ما يتعارض مع المواثيق الدولية للشغل إذ أنه لا يمكن الاستفادة في نفس الوقت من الامتيازات من المهنة الأصلية ومن المهنة العرضية. ودعا ممثل النقابة الوطنية المستقلة لمحترفي الفنون الدرامية إلى ضبط صفة الفنان المحترف بدقة صلب مقترح القانون فهو الوحيد المؤهل دون سواه لحمل بطاقة الاحتراف المهني التي هي شرط للحصول على دعم الدولة. وذكر أنه حتى لا يتم اتهام الفنانين المحترفين بالاقصائيين فهو يقترح إسناد بطاقة انتماء شرفية دون أن تخول لحاملها التمتع بالامتيازات التي يمنحها المشرع للفنان المحترف وتساءل هل أن الفنان المسرحي يتمتع بامتيازات موظف لذلك يرى أنه يجب إسناد بطاقة الاحتراف حصريا للفنان المحترف الذي يرتزق من المهنة.

تهميش الفنان  

وعبر ماهر الهمامي رئيس النقابة التونسية للمهن الموسيقية والمهن المجاورة عن معاناة الفنان في تونس من التهميش والحال أنه يحمل وجدان الشعب وثقافته وهويته وأشار إلى أن تونس هي البلد الوحيد في العالم التي مازالت للأسف دون قانون شامل بحمي الفنان والمهن الفنية والحال أنه أنجب عمالقة في الموسيقى والتمثيل والإبداع. وتحدث عن الصعوبات الاجتماعية القاسية التي يواجهها آلاف الفنانين والموسيقيين، من غياب منظومة حماية اجتماعية وتقلبات اقتصادية ومرض وفقدان مورد الرزق دون غطاء قانوني.

ويرى الهمامي أن مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية ليس مجرد نص بل هو نقطة مفصلية في التاريخ الثقافي للبلاد فهو قانون لا يحمي فقط البعد الاجتماعي بل ينظم حقوق الملكية والحقوق المجاورة ويعيد للمبدع حقه الطبيعي في كل نغمة وعزف وأداء. وأكد أن المبادرة تعد خطوة تشريعية ضرورية تهدف إلى تدعيم المنظومة التشريعية المنظمة للنشاط الفني وأعدت للاعتراف بأهمية الدور الذي يضطلع به الفنان في السمو بالموقع الحضاري لبلاده وتنمية الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وأضاف أن الغاية الأساسية لمقترح القانون المذكور تتمثل في توفير إطار ملائم لخصوصية الممارسة الفنية وضبط الوضعية القانونية للفنان بما يكفل حقوقه ويحدد واجباته. وعدد ماهر الهمامي مزايا مقترح القانون المعروض والمتمثلة في تعريف الفنان بشكل واضح وتنظيم شروط النفاذ للمهنة وتنظيم العلاقات التعاقدية إضافة إلى المزايا الاجتماعية والاقتصادية من تغطية اجتماعية والحق في التمتع بتأجير عادل، كما شجع المقترح على الإنتاج ونظم ممارسة الأنشطة الفنية من قبل الفنان الأجنبي المقيم وغير المقيم فضلا عن المزايا المعنوية إذ انه اعتبر الإبداع قيمة دستورية ونظم ممارسة الهواة وتضمن أحكاما تنظيمية منها اللامركزية والديمقراطية التشاركية وجاءت في المقترح أحكام أخرى لحماية الأطفال من الاستغلال والإساءة في الأعمال الفنية. وخلص إلى أن مقترح القانون لم يكتب في المكاتب المغلقة ولم يفرض على أهل القطاع بل تمت صياغته بصفة توافقية بين الفنانين أنفسهم بمختلف اختصاصاتهم ومشاريعهم وتجاربهم وهو بالتالي ثمرة جهد جماعي ومسار شفاف ومسؤول وأكد أن جهدهم لن يتوقف بتمرير القانون المذكور بل سيتم العمل مع جميع الهياكل على تطبيقه وتحويله إلى واقع حي.

تنظيم المهنة الفنية

وبين رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين وسام غرس الله بين أنه واكب مسار إعداد مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية طيلة عشر سنوات. وفسر سبب حضوره أشغال اليوم الدراسي بالرغبة في الدفاع عن كيفية تنظيم المهنة الفنية دون إفراغ الفعل الإبداعي من جوهره لبحث كيفية أن يتم تنظيم القانون دون اختزاله في بطاقة. وفسر أن المشكل لا يمكن في نقص الإبداع ونقص الطاقات الإبداعية بل في عدم الاعتراف بالفنان فهو حاضر في الفعل الفني لكنه مهمش في الواقع وهذا التهميش أنتج هشاشة مزمنة. وأكد أن أغلب الفنانين يعملون دون عقود، أما في قطاع الفنون التشكيلية فهذه الهشاشة تصبح حسب وصفه أكثر تعقيدا لأن الفنان ينتج على نفقته الخاصة ثم يبحث عن مواقع العرض وهناك فنان يقضي اشهرا عديدة في انجاز عمل دون ضمان عرضه أو بيعه. ولاحظ أن الفنان التشكيلي محاصر في سوق مغلقة وذكر أن عرض الأعمال في الخارج معقد وذهب إلى أبعد من ذلك وبين أن بعض الإدارات تعترف بعدم إلمامها بسبب المنع والتعطيل الذي يواجهه الفنان عند الرغبة في العرض بالخارج، وبين أن القطاع يعاني من أزمة متوارثة وحمل الفنانين مسؤولية هذه الأزمة بسبب اختلافاتهم التي لم يتمكنوا  من تجاوزها وهذا من بين أسباب تعطيل القانون. وذكر أنه  لا يمكن أيضا تجاهل تردد الوزارة وترك الفنانين في حالة ارتباك وبين أن داخل الوزارة يهيمن المنطق الإداري البحت ويتم تناسي أن الفنان هو أصل وجود هذا الهيكل. وقال إن مقترح  القانون جاء نتيجة تحرك أهل القطاع وساهم فيه فنانون وباحثون ووجد مساندة النواب فهو ثمرة نضال طويل، وهو يرى أن المقترح تضمن فصولا ايجابية منها الاعتراف بالفنان المحترف وتنظيم العلاقة التعاقدية لكن يبقى تفعيله رهينة الفلسفة التي ستدار بها البطاقة الفنية.

وأشار ممثل تعاونية الفنانين والمبدعين والتقنيين في المجال الثقافي مراد الشيخ إلى أنه واكب كتابة مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية  الذي يعد ثورة تفكير دام عشر سنوات وهو نتيجة ذكاء جماعي مشترك وذكر انه كان هناك خلاف حول البطاقة المهنية لكن هذه البطاقة ليست دلالة على أن المعني فنان من عدمه محترف أو غير محترف متفرغ أو غير متفرغ وإنما تسمح بالتعريف بالفنان عند إبرام العقد ولكي يكون هناك تأمين في حالة حصول حادث. وفسر أنه يجب قراءة النص في إطار رؤية شاملة. وذكر أن النصوص الترتيبية هي التي ستجعل البطاقة المهنية متلائمة مع طبيعة المهن الفنية. وتحدث عن دور التعاونية ذكر انه يجب سن هذا القانون وفي نفس الوقت يجب مواصلة تقديم العون للفنانين، واقترح تمتيع التعاونية من نسبة من معلوم طابع المساهمة الفنية المنصوص عليه بالفصل 31 من مقترح القانون وتمكينها من قدر من التمويل المنصوص عليه بالفصل 36 المتعلق بمداخيل معلوم التشجيع على الإبداع على معنى قانون الملكية الأدبية والفنية.

سعيدة بوهلال

في الأكاديمية البرلمانية..   جدل حول مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية

بحضور نخبة من الفنانين التونسيين نظم مجلس نواب الشعب أمس بقصر باردو يوما دراسيا بالأكاديمية البرلمانية حول مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنيّة، ودعا العديد من المشاركين فيه إلى التسريع في المصادقة على هذا المقترح لتلافي الفوضى في القطاع الفني الناجمة عن حالة الفراغ التشريعي وأكدوا أن النص المعروض أخذ حظه من النقاش وتمت صياغته بصفة تشاركية، وهناك في المقابل من انتقدوا مضامين بعض الفصول وطالبوا بمراجعتها منها على سبيل الذكر الفصل المتعلق بالعقد الفني لتعارضه مع القانون المتعلق بتنظيم عقود الشغل ومنع المناولة أو الأحكام الخاصة بالأطفال التي من شأنها أن تؤدي إلى تراجع إقبال الأطفال على الدراسة والتحصيل العلمي مقابل تنمية الرغبة لديهم في جمع المال والشهرة.

وأكد بعضهم على ضرورة الاستماع إلى أصحاب الشأن وتوسيع دائرة المشمولين بنص مقترح القانون، وهناك من عبر عن استيائه من تهميش الفنانين الهواة في هذه المبادرة التشريعية، وأمطر الفنانون، نواب الشعب بوابل من المقترحات التي من شأنها أن تساهم في تجويد المبادرة على مستوى الشكل وعلى مستوى المضامين وهناك منهم من دعا إلى التوجه نحو إنشاء عمادة الفنانين في حين هناك من شدد على ضرورة ضمان حقوق المؤلف وتساءل البعض عن سبب عدم حضور ممثلين عن وزارة الثقافة أشغال اليوم الدراسي وأثاروا عديد المسائل منها موضوع الدعم.  أما النواب فقد أكدوا على أهمية المبادرة التشريعية المعروضة والتي هي عبارة عن قانون إطاري جامع من شأنه أن يكفل حقوق الفنان وينظم المهن الفنية ويشجع على الإبداع.   

  ويهدف مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية وفق ما نص عليه الفصل الأول إلى ضبط الوضعية القانونية للفنان بما يكفل حقوقه ويحدد واجباته ويضمن له المكانة التي يستحقها في المجتمع اعتبارا للأدوار الهامة التي يضطلع بها في تطوير الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. كما يهدف إلى تنظيم المهن الفنية بما يمكن منتسبيها من وضع قانوني يحفظ كرامتهم وينظم مجالات اشتغالهم ويضمن العناية بأوضاعهم المادية والاجتماعية والمهنية، ويرمي المقترح أيضا على دعم الحق في الإبداع فعلا وتلقّيا والإسهام في النهوض بالإنتاج الأدبي والفني في جميع أشكاله ومضامينه بما يدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وانفتاحها وتجددها.

وخلال افتتاح أشغال اليوم الدراسي عبر رئيس المجلس إبراهيم بودربالة عن رغبته في جعل الأكاديمية البرلمانية فضاء حرا تلتقي فيه الكفاءات لنقاش مشاريع القوانين الأساسية والمبادرات التشريعية للاستفادة من خبرة أهل الاختصاص سواء كانوا ممثلين عن الوزارات أو المنظمات أو النقابات حتى يتمكن عضو المجلس النيابي من الإلمام بجميع جوانب المشروع أو مقترح القانون المعروض قبل التصويت عليه. وأشار إلى أنه بالنظر إلى أهمية مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية  ارتأى المجلس دعوة أهل الاختصاص للإدلاء بدلوهم بكل موضوعية وصراحة. وعبر عن استعداد المجلس لقبول مقترحاتهم. وذكر أن الثقافة هي التي تخلق الشعوب وهي التي لها الدور الأساسي في صقل الفكر المجتمعي. وتفاعلا مع مداخلات عدد من الفنانين، أوضح بودربالة أن مقترح القانون المعروض يحتاج إلى تعميق النظر فيه وذكر أنه سيتم عما قريب بعث المحكمة الدستورية ويمكن للمحكمة الدستورية أن تبطل القانون إذا لم يضمن المساواة بين المواطنين.  

أما رئيس لجنة السياحة والثقافة والخدمات والصناعات التقليدية باديس بلحاج علي وهي اللجنة المتعهدة بدراسة مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية فأشار إلى أن هذا المقترح يكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى الفنانين والمبدعين، لمساهمتهم في ترسيخ الموقع الثقافي والحضاري لتونس على الصعيد الدولي، ويرى رئيس اللجنة أن تطور الفن يعد من مؤشرات تقدم الشعوب ورقيها لأن الممارسة الفنية والإبداعية تعد رافعة اجتماعية. وبين أن المقترح هو اعتراف بالرسالة النبيلة للفنان وبأهمية دوره في تنمية الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسمو بالموقع الحضاري لبلاده، وذكّر بلحاج علي في مداخلته بأهداف مقترح القانون، وأضاف أن هذا المقترح  يتنزل في إطار تطبيق أحكام الدستور وخاصة الفصل 49 الذي ينص على أن «الحق في الثقافة مضمون وحرية الإبداع مضمونة وتشجع الدولة الإبداع الثقافي وتدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وتجددها بما يكرس قيم التسامح ونبذ العنف والانفتاح على مختلف الثقافات»، وكذلك الفصل 46 المتعلق بالحق في العمل، وحسب قوله يستمد مقترح القانون مرجعيته الفكرية من المبادئ المضمنة في عدد من المواثيق والمعاهدات الدولية وخاصة توصية اليونسكو حول وضعية الفنان المؤرخة في 27 أكتوبر 1980 حيث أكدت هذه التوصية لأول مرة على حق الفنان في أن يعتبر إن أراد ذلك، عملا ثقافيا وأكدت أيضا على ضرورة إنشاء نظام ملائم يمكن الفنان من التمتع بكل المنافع القانونية والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بوضعية العامل مع مراعاة خصوصيات نشاطه.  واستعرض رئيس اللجنة مسار إعداد مقترح القانون انطلاقا من الدراسة المنجزة سنة 2015 حول وضعية الفنان وإلى غاية مصادقة اللجنة عليه في صيغة معدلة في شهر أفريل 2025. وأضاف أن النصوص القانونية المتعلقة بتنظيم المهن الفنية بتونس تتسم بالتشتت إذ يرجع بعضها إلى ثلاثين سنة مضت على غرار القانون عدد 32 لسنة 1969 المتعلق بإحداث بطاقة مهنية للاحتراف الفني والذي لم يعد يواكب التطورات التي تعرفها هذه الميادين سواء من حيث بروز أنماط فنية مستحدثة أو من حيث آليات إسناد بطاقات الاحتراف الفني التي تقوم على مبدأ الامتحان المهني الذي يحد من حرية الممارسة الفنية.

ولاحظ بلحاج علي أن تقييم نظام الضمان الاجتماعي للفنانين والمثقفين والمبدعين المحدث بالقانون عدد 104 لسنة 2002 كشف محدودية هذا النظام في توفير التغطية الاجتماعية الملائمة لمحترفي المهن الفنية بالنظر إلى أنه لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية النشاط الفني ويؤدي إلى إقصاء العديد من المنتسبين لهذا القطاع خاصة العرضيين منهم فضلا عن ضعف نسبة الانخراط بالنظام المذكور.

تفكك الإطار القانوني

ويرى عضو المكتب التنفيذي للإتحاد التونسي للتجارة والصناعة رشاد الشلي أن مقترح قانون الفنان والمهن الفنية يكتسي أهمية بالغة وذلك ليس فقط لأنه يهم المبدعين بل لأنه أيضا يعكس الإرادة السياسية التي تعبر عن مدى إيمان الدولة  بدور الثقافة والفن في بناء المجتمع وتعزيز الهوية الثقافية. وأشار إلى معاناة الفنان من تشتت الإطار القانوني الذي يضبط حقوقه وواجباته ووضعه الاجتماعي. ولاحظ أن مقترح القانون الحالي يكرس الاعتراف بالفن كمهنة وجاء لتحقيق جملة من الأهداف من بينها حماية الفنان وضمان الحق في الأجر العادل وتمكينه من تغطية اجتماعية وتقاعد وفيه سعي لمقاومة الهشاشة والعقود غير المنصفة. وأضاف أن من أهم مكاسبه إحداث بطاقة فنية وتمكين الفنان من الانخراط في المنظومة الاجتماعية وتنظيم العقود الفنية وحماية الفنان من العمل غير المنتظم والوساطة غير القانونية، واستدرك قائلا إنه رغم أهمية مقترح القانون، مازالت هناك عدة إشكاليات مطروحة في علاقة بالتغطية الاجتماعية وعدم وضوح نسب المساهمات ومصادر التمويل إضافة إلى معضلة تحميل الفنان أعباء مالية وتجاهل الواقع الاقتصادي للفنان وعدم مراعاة مشكل البطالة الموسمية وغياب دعم حقيقي في فترات الانقطاع عن العمل. وأشار إلى أن مقترح القانون لم يوضح إجراءات سحب البطاقة مما قد يجعله أداة تستخدم للحد من حرية التعبير. ولاحظ الشلي غياب نصوص ردعية في حالة عدم خلاص مستحقات الفنان والمبدع. وأضاف أنه يرى أن حقوق الفنان يجب أن تتعلق أيضا بحق إعادة البث وفسر أن هناك عديد المسلسلات تتم إعادة بثها بالقنوات التلفزيونية لكن الفنان لا يتقاضى مقابلا عن ذلك.  وذكر أن تطوير وضعية الفنان تتطلب تبسيط الإجراءات الإدارية وتعزيز دور الهياكل المهنية والنقابات وإشراك الفنان في وضع السياسة الثقافية والاعتراف بالفن كرافد من روافد التنمية الاقتصادية.

إنهاء حالة الفوضى

وأشارت الكاتبة العامة للنقابة الأساسية لمهن الفنون الدرامية نورهان بوزيان إلى أن مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية يعد حجر الزاوية للانتقال من حالة الفوضى والهشاشة إلى منطق الدولة والمأسسة. وذكرت أن الدستور أقر أن الحق في الثقافة مضمون وأن الدولة تشجع على الإبداع لكن يوجد فراغ تشريعي وهذا الفراغ خلق مفارقة صارخة. وذكرت أن المقترح ليس ترفا تشريعيا وليس منطلقا لطلب المنح والمساعدات بل هو مشروع يمكن من الانتقال من منطق الدولة الراعية إلى منطق الدولة التي تعترف بالفن كمهنة. ويعاني القطاع الفني حاليا حسب قولها من فراغ تشريعي وتشتت للنصوص أما مقترح القانون فيوفر نصا مرجعيا يضبط المفاهيم بدقة إذ يوجد فيه تعريف الفنان والمهن الفنية وغيرها من المفاهيم بما ينهي فوضى التأويلات الإدارية وفق نصوص ترتيبية، وذكرت أن هذا المقترح يعد ترجمة تشريعية لأحكام الدستور وتفعيلا لتوصية اليونسكو حول وضعية الفنان. وتحدثت بوزيان عن مسار إعداد مقترح القانون وفق منهجية البناء التشاركي وأكدت أن الصيغة الأخيرة تحظى بتوافق واسع جدا داخل الساحة الفنية لأنها ثمرة عمل جماعي ولأنها استوفت جميع مراحل النقاش صلب عشرات المنتديات فهذه الصيغة حسب قولها تمت المصادقة عليها من قبل وزارة الإشراف كما صادقت عليها لجنة الثقافة بالبرلمان السابق وتم تبنيها من قبل مجموعة كبيرة من نواب البرلمان الحالي  وعبرت عن تمسكها بمقترح القانون المعروض حاليا على أنظار مجلس نواب الشعب فهو حسب رأيها تجسيد لاستمرارية الدولة، ونبهت من أن أي محاولة لتقديم نسخ مشوهة تعد ضربا لمصالح الفنانين وهدرا للمسار التشريعي. وبخصوص البطاقة المهنية طمأنت نورهان بوزيان نواب الشعب  أنها لا تؤدي إلى تقييد حرية الإبداع بل هي من أجل تنظيم الممارسة المهنية، فمقترح القانون حسب رأيها يحمي حرية الإبداع وينظم المهنة ويوفر الاستقلالية. وذكرت أن إسناد البطاقة لا يخضع لمزاجية الإدارة بل تم التنصيص على أن يتم إسنادها من قبل لجنة مستقلة وفسرت أن حرية الإبداع مكفولة بالدستور لكن عند الحديث عن الفن كمورد رزق يصبح من الضروري تنظيمه وتعتبر البطاقة شهادة تسندها لجان فنية مستقلة منتخبة من أهل القطاع بهدف تنظيم السوق وحمايته من الدخلاء. وخلصت ممثلة النقابة الأساسية لمهن الفنون الدرامية إلى أن البطاقة هي جواز السفر نحو الحقوق وهي الضامنة لجودة المشهد الثقافي.

 وذكرت أن المبادرة التشريعية جاءت بحلول مبتكرة لتمويل منظومة الضمان الاجتماعي وهي لا تثقل كاهل ميزانية الدولة وتتمثل هذه الحلول في طابع المساهمة الفنية وهو  يساعد القطاع على تمويل نفسه بنفسه عبر حل تضامني مبتكر وتذهب عائدات الطابع لتمويل منظومة الضمان الاجتماعي، إضافة إلى تخصيص نسبة من مداخيل معلوم التشجيع على الإبداع للمساهمة في تمويل التغطية الاجتماعية لمحترفي المهن الفنية وذكرت أن المساهمة التضامنية ليست عقوبة بل هي تكريس للعدالة الاجتماعية وأشارت إلى أن مقترح القانون لا يكتفي بحماية الفنان بل يشمل التقنيين والإداريين في المجال الفني، كما أنه يفرق بين المحترف والهاوي وترى أن هذا التصنيف من شأنه أن يحمي من مشكل «تكسير الأسعار». كما يهدف مقترح القانون حسب قولها لتكريس السيادة الثقافية وترى بوزيان أن الأمن الثقافي لتونس يقتضي حماية السوق الوطنية وذكرت أنه تم صلب هذا المقترح التنصيص على تخصيص منشآت الاتصال السمعي البصري العمومية والخاصة نسبة لا تقل عن ستين بالمائة من بثها للمصنفات الوطنية من حيث التأليف والإنتاج والأداء وهذا الإجراء الملزم من شأنه أن يدعم الاستثمار في الإنتاج الدرامي والموسيقي وهو ما يضمن للفنان بث صورته في وطنه. وأكدت أن الرؤية الشاملة التي كرسها مقترح القانون لم تغفل عن الفنانين التشكيليين لذلك تم التنصيص على إجراء يسمح باقتناء أعمالهم الفنية لتزيين الفضاءات العمومية.. وبخصوص البعد الاقتصادي لمقترح القانون بينت أن المقترح يسعى إلى تغيير رؤية الدولة للثقافة لتكون الثقافة رافعة وهو يحمي من السوق الموازية مقابل توفير مناخ استثماري ويتم من خلاله تحرير الطاقات بالقطاع.

البطاقة المهنية

وتطرق أمين مال النقابة الوطنية المستقلة لمحترفي الفنون الدرامية جمال العروي في مداخلته للأحكام المتعلقة بالبطاقة المهنية الواردة صلب مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية وبين أن المقترح يعبر عن نوايا طيبة تسعى لتنظيم القطاع وتريد إحداث ما يسميه رئيس الجمهورية الثورة التشريعية لكن النوايا الحسنة قد تترك تشوهات على النص يصعب تداركها. وتساءل من سيحصل على البطاقة المهني أي بطاقة الاحتراف الفني وما هي شروط ومعايير منحها وسحبها والجهة المخولة لذلك وقال من هو الفنان المحترف وأجاب عن هذا السؤال أن الفنان المحترف هو كل فنان يتخذ من نشاطه الفني مورد رزقه وهذا يبدو منطقيا لكن للأسف يوجد في نفس مقترح القانون ما يتعارض مع هذا الطرح وفسر أنه يوجد تعارض بين تعريف الفنان المنصوص عليه بالفصل الثاني وبين ما هو منصوص عليه بالفصل الخامس المتعلق بالفنان المحترف كما جاء في الفصل 13 من مقترح القانون أن الآثار المترتبة على حصول الفنان المحترف غير المتفرغ على البطاقة المهنية لا تتعارض مع الأنظمة الخاصة بمهنته الأصلية ونص الفصل 14 على أن الفنان الحامل لبطاقة مهنية يتمتع بالأولوية في الحصول على دعم الدولة.. ولاحظ العروي أن خلط الفنان المحترف بالفنان العرضي يبدو واضحا وهناك نوايا تسعى للخلط بين المحترف وبين غير المحترف من اجل ترذيل بطاقة المحترف وتعويمها حتى لا تكون لها قيمة بما يسمح للمستفيدين منها باختراق القطاع الفني مع الحصول على نفس امتيازات الدعم العمومي وفسر أنه يوجد أساتذة وأطباء يقدمون مطالب للحصول على الدعم مثلهم مثل الفنان المتفرغ وهو ما يتعارض مع المواثيق الدولية للشغل إذ أنه لا يمكن الاستفادة في نفس الوقت من الامتيازات من المهنة الأصلية ومن المهنة العرضية. ودعا ممثل النقابة الوطنية المستقلة لمحترفي الفنون الدرامية إلى ضبط صفة الفنان المحترف بدقة صلب مقترح القانون فهو الوحيد المؤهل دون سواه لحمل بطاقة الاحتراف المهني التي هي شرط للحصول على دعم الدولة. وذكر أنه حتى لا يتم اتهام الفنانين المحترفين بالاقصائيين فهو يقترح إسناد بطاقة انتماء شرفية دون أن تخول لحاملها التمتع بالامتيازات التي يمنحها المشرع للفنان المحترف وتساءل هل أن الفنان المسرحي يتمتع بامتيازات موظف لذلك يرى أنه يجب إسناد بطاقة الاحتراف حصريا للفنان المحترف الذي يرتزق من المهنة.

تهميش الفنان  

وعبر ماهر الهمامي رئيس النقابة التونسية للمهن الموسيقية والمهن المجاورة عن معاناة الفنان في تونس من التهميش والحال أنه يحمل وجدان الشعب وثقافته وهويته وأشار إلى أن تونس هي البلد الوحيد في العالم التي مازالت للأسف دون قانون شامل بحمي الفنان والمهن الفنية والحال أنه أنجب عمالقة في الموسيقى والتمثيل والإبداع. وتحدث عن الصعوبات الاجتماعية القاسية التي يواجهها آلاف الفنانين والموسيقيين، من غياب منظومة حماية اجتماعية وتقلبات اقتصادية ومرض وفقدان مورد الرزق دون غطاء قانوني.

ويرى الهمامي أن مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية ليس مجرد نص بل هو نقطة مفصلية في التاريخ الثقافي للبلاد فهو قانون لا يحمي فقط البعد الاجتماعي بل ينظم حقوق الملكية والحقوق المجاورة ويعيد للمبدع حقه الطبيعي في كل نغمة وعزف وأداء. وأكد أن المبادرة تعد خطوة تشريعية ضرورية تهدف إلى تدعيم المنظومة التشريعية المنظمة للنشاط الفني وأعدت للاعتراف بأهمية الدور الذي يضطلع به الفنان في السمو بالموقع الحضاري لبلاده وتنمية الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وأضاف أن الغاية الأساسية لمقترح القانون المذكور تتمثل في توفير إطار ملائم لخصوصية الممارسة الفنية وضبط الوضعية القانونية للفنان بما يكفل حقوقه ويحدد واجباته. وعدد ماهر الهمامي مزايا مقترح القانون المعروض والمتمثلة في تعريف الفنان بشكل واضح وتنظيم شروط النفاذ للمهنة وتنظيم العلاقات التعاقدية إضافة إلى المزايا الاجتماعية والاقتصادية من تغطية اجتماعية والحق في التمتع بتأجير عادل، كما شجع المقترح على الإنتاج ونظم ممارسة الأنشطة الفنية من قبل الفنان الأجنبي المقيم وغير المقيم فضلا عن المزايا المعنوية إذ انه اعتبر الإبداع قيمة دستورية ونظم ممارسة الهواة وتضمن أحكاما تنظيمية منها اللامركزية والديمقراطية التشاركية وجاءت في المقترح أحكام أخرى لحماية الأطفال من الاستغلال والإساءة في الأعمال الفنية. وخلص إلى أن مقترح القانون لم يكتب في المكاتب المغلقة ولم يفرض على أهل القطاع بل تمت صياغته بصفة توافقية بين الفنانين أنفسهم بمختلف اختصاصاتهم ومشاريعهم وتجاربهم وهو بالتالي ثمرة جهد جماعي ومسار شفاف ومسؤول وأكد أن جهدهم لن يتوقف بتمرير القانون المذكور بل سيتم العمل مع جميع الهياكل على تطبيقه وتحويله إلى واقع حي.

تنظيم المهنة الفنية

وبين رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين وسام غرس الله بين أنه واكب مسار إعداد مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية طيلة عشر سنوات. وفسر سبب حضوره أشغال اليوم الدراسي بالرغبة في الدفاع عن كيفية تنظيم المهنة الفنية دون إفراغ الفعل الإبداعي من جوهره لبحث كيفية أن يتم تنظيم القانون دون اختزاله في بطاقة. وفسر أن المشكل لا يمكن في نقص الإبداع ونقص الطاقات الإبداعية بل في عدم الاعتراف بالفنان فهو حاضر في الفعل الفني لكنه مهمش في الواقع وهذا التهميش أنتج هشاشة مزمنة. وأكد أن أغلب الفنانين يعملون دون عقود، أما في قطاع الفنون التشكيلية فهذه الهشاشة تصبح حسب وصفه أكثر تعقيدا لأن الفنان ينتج على نفقته الخاصة ثم يبحث عن مواقع العرض وهناك فنان يقضي اشهرا عديدة في انجاز عمل دون ضمان عرضه أو بيعه. ولاحظ أن الفنان التشكيلي محاصر في سوق مغلقة وذكر أن عرض الأعمال في الخارج معقد وذهب إلى أبعد من ذلك وبين أن بعض الإدارات تعترف بعدم إلمامها بسبب المنع والتعطيل الذي يواجهه الفنان عند الرغبة في العرض بالخارج، وبين أن القطاع يعاني من أزمة متوارثة وحمل الفنانين مسؤولية هذه الأزمة بسبب اختلافاتهم التي لم يتمكنوا  من تجاوزها وهذا من بين أسباب تعطيل القانون. وذكر أنه  لا يمكن أيضا تجاهل تردد الوزارة وترك الفنانين في حالة ارتباك وبين أن داخل الوزارة يهيمن المنطق الإداري البحت ويتم تناسي أن الفنان هو أصل وجود هذا الهيكل. وقال إن مقترح  القانون جاء نتيجة تحرك أهل القطاع وساهم فيه فنانون وباحثون ووجد مساندة النواب فهو ثمرة نضال طويل، وهو يرى أن المقترح تضمن فصولا ايجابية منها الاعتراف بالفنان المحترف وتنظيم العلاقة التعاقدية لكن يبقى تفعيله رهينة الفلسفة التي ستدار بها البطاقة الفنية.

وأشار ممثل تعاونية الفنانين والمبدعين والتقنيين في المجال الثقافي مراد الشيخ إلى أنه واكب كتابة مقترح القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية  الذي يعد ثورة تفكير دام عشر سنوات وهو نتيجة ذكاء جماعي مشترك وذكر انه كان هناك خلاف حول البطاقة المهنية لكن هذه البطاقة ليست دلالة على أن المعني فنان من عدمه محترف أو غير محترف متفرغ أو غير متفرغ وإنما تسمح بالتعريف بالفنان عند إبرام العقد ولكي يكون هناك تأمين في حالة حصول حادث. وفسر أنه يجب قراءة النص في إطار رؤية شاملة. وذكر أن النصوص الترتيبية هي التي ستجعل البطاقة المهنية متلائمة مع طبيعة المهن الفنية. وتحدث عن دور التعاونية ذكر انه يجب سن هذا القانون وفي نفس الوقت يجب مواصلة تقديم العون للفنانين، واقترح تمتيع التعاونية من نسبة من معلوم طابع المساهمة الفنية المنصوص عليه بالفصل 31 من مقترح القانون وتمكينها من قدر من التمويل المنصوص عليه بالفصل 36 المتعلق بمداخيل معلوم التشجيع على الإبداع على معنى قانون الملكية الأدبية والفنية.

سعيدة بوهلال