مع إعلان فوزه في سباق العمدة، دخل زهران ممداني التاريخ كأول مسلم من أصول أفريقية آسيوية يتولى قيادة مدينة نيويورك، وأكثر الشخصيات إثارة للجدل في المشهد السياسي الأمريكي.
صعوده المفاجئ لم يكن مجرد فوز انتخابي، بل نتيجة تحوّل اجتماعي وثقافي يعيد رسم ملامح المدينة التي طالما كانت مرآة لتنوّع أمريكا وصراعاتها الداخلية. جذور مختلفة.. ورؤية جديدة ولد ممداني في أوغندا عام 1991 لعائلة هندية الأصل، قبل أن تنتقل أسرته إلى نيويورك في طفولته. تخرّج في جامعة كوينز، وعمل في تنظيم الحملات المجتمعية والدفاع عن حقوق الإسكان والمهاجرين. انتُخب عام 2020 عضوًا في جمعية ولاية نيويورك، وبرز كأحد الأصوات التقدمية في الحزب الديمقراطي، قبل أن يعلن ترشحه لمنصب العمدة على برنامج يرفع شعار “مدينة للجميع، لا للأثرياء فقط». يرى مؤيدوه أنه يمثل «الجيل الجديد من القيادة المحلية» شاب، تقدّمي، صريح، يحمل هموم الطبقة العاملة ويواجه لوبيات المال والإسكان. أما خصومه فيصفونه بأنه «اشتراكي متهوّر» يسعى لتجريب سياسات لا تناسب اقتصاد مدينة عملاقة مثل نيويورك. برنامج يلامس الشارع يعِد ممداني بتجميد الإيجارات، وتوسيع النقل العام المجاني، وفرض ضرائب إضافية على الأثرياء لتمويل الخدمات العامة. كما يربط بين العدالة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، مؤكدًا أن «نيويورك لن تكون مدينة عادلة طالما السكن امتياز للأغنياء». سياسيًا، لا يخفي ممداني مواقفه الحادة تجاه السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصًا موقفه من الحرب على غزة، إذ وصف ما يجري بأنه «إبادة جماعية»، داعيًا إلى وقف الدعم غير المشروط لإسرائيل. هذه المواقف جعلته رمزًا لدى شريحة من الشباب التقدّميين، وفي الوقت نفسه هدفًا سهلاً للهجوم من اليمين المحافظ. وقد اتخذ ممداني موقفا تصادميا مباشرا ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء حديثه لأنصاره بعد فوزه برئاسة بلدية نيويورك. وقال ممداني في حي بروكلين بنيويورك «في هذه اللحظة من الظلام السياسي، ستكون نيويورك هي النور». ووجه ممداني حديثه مباشرة لترامب، الذي تتخذ إدارته إجراءات حاسمة ضد الذين يدخلون البلاد بصورة غير قانونية. وقال : «نيويورك ستبقى مدينة المهاجرين، مدينة قام ببنائها المهاجرون، ويدعمها المهاجرون، وابتداء من الليلة، يقودها مهاجر». مضيفا «لذلك أسمعني أيها الرئيس ترامب عندما أقول، لكي تصل إلى أي منا، يجب أن تتجاوزنا جميعا». بعد تصريحاته ومواقفه، يواجه العمدة الجديد تحديًا: كيف يُبقي على شعبيته التقدمية دون أن يصطدم بمؤسسات المدينة والمصالح الاقتصادية الكبرى؟ وكيف يحوّل خطاب العدالة إلى سياسات عملية في مدينة يعاني نصف سكانها من أزمة سكن متفاقمة؟ نجاحه – أو إخفاقه – لن يكون مجرد مسألة محلية، بل مؤشرًا على مستقبل التيار التقدّمي داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي. رد فعل ترامب.. لم يمرّ فوز ممداني بهدوء في معسكر اليمين. فقد وصفه الرئيس السابق دونالد ترامب بأنه «شيوعي مجنون» و«خطر على مستقبل المدينة»، مهددًا بقطع التمويل الفيدرالي عن نيويورك إذا مضت في «هذا الاتجاه الخطير» ، على حد تعبيره. ردّ ممداني كان مقتضبًا وواثقًا: «ترامب لا يخيفنا، نيويورك اختارت الأمل على الخوف». ويجسد ممداني كل ما يقف ترامب ضده: التنوّع، التقدّمية، والانفتاح على المهاجرين. بين دعم شعبي واسع وتشكيك سياسي متصاعد، يقف زهران ممداني اليوم عند مفترق طرق. فإما أن ينجح في تحويل رياح التغيير إلى سياسة فعالة تعيد الثقة بالقيادة المحلية، أو يتعثّر تحت ضغط المؤسسات والخصوم. لكن المؤكد أن فوزه – بما أثاره من جدل – كشف عن تحوّل عميق في وعي الناخب الأمريكي، وأن مدينة نيويورك، التي لطالما كانت مرآة للمجتمع الأمريكي، بدأت تعكس وجهاً جديداً أكثر شباباً وجرأة على الحلم.
منال العابدي
مع إعلان فوزه في سباق العمدة، دخل زهران ممداني التاريخ كأول مسلم من أصول أفريقية آسيوية يتولى قيادة مدينة نيويورك، وأكثر الشخصيات إثارة للجدل في المشهد السياسي الأمريكي.
صعوده المفاجئ لم يكن مجرد فوز انتخابي، بل نتيجة تحوّل اجتماعي وثقافي يعيد رسم ملامح المدينة التي طالما كانت مرآة لتنوّع أمريكا وصراعاتها الداخلية. جذور مختلفة.. ورؤية جديدة ولد ممداني في أوغندا عام 1991 لعائلة هندية الأصل، قبل أن تنتقل أسرته إلى نيويورك في طفولته. تخرّج في جامعة كوينز، وعمل في تنظيم الحملات المجتمعية والدفاع عن حقوق الإسكان والمهاجرين. انتُخب عام 2020 عضوًا في جمعية ولاية نيويورك، وبرز كأحد الأصوات التقدمية في الحزب الديمقراطي، قبل أن يعلن ترشحه لمنصب العمدة على برنامج يرفع شعار “مدينة للجميع، لا للأثرياء فقط». يرى مؤيدوه أنه يمثل «الجيل الجديد من القيادة المحلية» شاب، تقدّمي، صريح، يحمل هموم الطبقة العاملة ويواجه لوبيات المال والإسكان. أما خصومه فيصفونه بأنه «اشتراكي متهوّر» يسعى لتجريب سياسات لا تناسب اقتصاد مدينة عملاقة مثل نيويورك. برنامج يلامس الشارع يعِد ممداني بتجميد الإيجارات، وتوسيع النقل العام المجاني، وفرض ضرائب إضافية على الأثرياء لتمويل الخدمات العامة. كما يربط بين العدالة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، مؤكدًا أن «نيويورك لن تكون مدينة عادلة طالما السكن امتياز للأغنياء». سياسيًا، لا يخفي ممداني مواقفه الحادة تجاه السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصًا موقفه من الحرب على غزة، إذ وصف ما يجري بأنه «إبادة جماعية»، داعيًا إلى وقف الدعم غير المشروط لإسرائيل. هذه المواقف جعلته رمزًا لدى شريحة من الشباب التقدّميين، وفي الوقت نفسه هدفًا سهلاً للهجوم من اليمين المحافظ. وقد اتخذ ممداني موقفا تصادميا مباشرا ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء حديثه لأنصاره بعد فوزه برئاسة بلدية نيويورك. وقال ممداني في حي بروكلين بنيويورك «في هذه اللحظة من الظلام السياسي، ستكون نيويورك هي النور». ووجه ممداني حديثه مباشرة لترامب، الذي تتخذ إدارته إجراءات حاسمة ضد الذين يدخلون البلاد بصورة غير قانونية. وقال : «نيويورك ستبقى مدينة المهاجرين، مدينة قام ببنائها المهاجرون، ويدعمها المهاجرون، وابتداء من الليلة، يقودها مهاجر». مضيفا «لذلك أسمعني أيها الرئيس ترامب عندما أقول، لكي تصل إلى أي منا، يجب أن تتجاوزنا جميعا». بعد تصريحاته ومواقفه، يواجه العمدة الجديد تحديًا: كيف يُبقي على شعبيته التقدمية دون أن يصطدم بمؤسسات المدينة والمصالح الاقتصادية الكبرى؟ وكيف يحوّل خطاب العدالة إلى سياسات عملية في مدينة يعاني نصف سكانها من أزمة سكن متفاقمة؟ نجاحه – أو إخفاقه – لن يكون مجرد مسألة محلية، بل مؤشرًا على مستقبل التيار التقدّمي داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي. رد فعل ترامب.. لم يمرّ فوز ممداني بهدوء في معسكر اليمين. فقد وصفه الرئيس السابق دونالد ترامب بأنه «شيوعي مجنون» و«خطر على مستقبل المدينة»، مهددًا بقطع التمويل الفيدرالي عن نيويورك إذا مضت في «هذا الاتجاه الخطير» ، على حد تعبيره. ردّ ممداني كان مقتضبًا وواثقًا: «ترامب لا يخيفنا، نيويورك اختارت الأمل على الخوف». ويجسد ممداني كل ما يقف ترامب ضده: التنوّع، التقدّمية، والانفتاح على المهاجرين. بين دعم شعبي واسع وتشكيك سياسي متصاعد، يقف زهران ممداني اليوم عند مفترق طرق. فإما أن ينجح في تحويل رياح التغيير إلى سياسة فعالة تعيد الثقة بالقيادة المحلية، أو يتعثّر تحت ضغط المؤسسات والخصوم. لكن المؤكد أن فوزه – بما أثاره من جدل – كشف عن تحوّل عميق في وعي الناخب الأمريكي، وأن مدينة نيويورك، التي لطالما كانت مرآة للمجتمع الأمريكي، بدأت تعكس وجهاً جديداً أكثر شباباً وجرأة على الحلم.