لابد من الإسراع في إصدار مجلتي الاستثمار والصرف الجديدتين
بقلم:ريم بالخذيري
من المنتدى الصيني العربي في دورته العاشرة والذي احتضنته بكين يوم30 ماي المنقضي الى أول قمة كورية - أفريقية، والتي انعقد تحت شعار «المستقبل الذى نصنعه معًا: النمو المشترك والاستدامة والتضامن»والتي احتضنتها العاصمة سيول من 3 إلى 6 جوان الجاري. وقبلها القمة العربية الصينية التي نظّمت في الرياض في شهر ديسمبر 2022. بدا واضحا أنّ العلاقات التجارية الدولية في طور جديد من التشكل في الجغرافيا وفي التاريخ .
فالنمور الآسيوية والتنين الصيني أصبحا واقعا ماليا وصناعيا واقتصاديا لا يمكن تجاهله وقد كسروا بالفعل أحادية القطب الواحد التي حكمت العالم منذ تفتّت الاتحاد السوفياتي في25 ديسمبر 1990 وانفراد الولايات المتحدة الامريكية و شركاؤها من الغرب بتحديد النظام العالمي المالي .
من هنا نفهم الزخم الكبير الذي بدأ يحكم علاقات هذه القوى الجديدة الصاعدة بالدول العربية وكذلك بالدول الافريقية وهي التي أغلبها مستعمرات قديمة وأسواق استهلاكية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية وللدول الأوربية الحليفة اقتصاديا لها .
وما كان لهذه التحولات أن تستمر وأن تنجح النمور والتنين في افتكاك جزء من تلك الأسواق المتحدّث عنها دون أن تكون لها مقوّمات ذلك من صناعة ومال واستثمار وما كان للعرب والافارقة أن يفتحوا جزءا من أسواقهم دون العروض المغرية التي توفرها بكين وتايوان، وسنغافورة، وهونج كونج، وكوريا الجنوبية. فهي مجتمعة تتحوز على مساهمة في النمو الاقتصادي العالمي بواقع 40 بالمائة وهو رقم مهم لا يمكن تجاهله ووجب استغلاله من طرف العرب وخاصة تونس منها ؟
النمور الاسيوية
تعدّ كوريا الجنوبية أبرز ركائزه وهي التي احتضنت مثلما أشرنا الى ذلك أول قمة كورية افريقية وشاركت فيها تونس بوفد رفيع المستوى على رأسه كان رئيس الحكومة وعدد من الوزراء وتم خلالها توقيع ما يقرب من 50 اتفاقية مبدئية بين كوريا والدول الأفريقية بهدف تعزيز التعاون في مجالات التجارة والطاقة والمعادن الهامة ومجموعة واسعة من المجالات الصناعية والاقتصادية الأخرى. و من المؤكد أنه سيكون لبلادنا نصيب منها لكن الأهم من ذلك هو سياسة الانفتاح على هذه الأسواق توريدا وتصديرا .
والنمور الأسيوية الأربعة مصطلح اقتصادي أطلق على اقتصادات كل من كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ. وقد شهدت اقتصادات تلك الدول في الفترة ما بين أوائل الستينيات والتسعينيات، قفزة اقتصادية وعمليات تصنيع سريعة وحققت معدلات نمو عالية بشكل استثنائي ناهزت10% سنويا.
ومع حلول الألفية الثانية ،غادرت تلك الاقتصادات حيز الدول النامية إلى الدول المتقدمة ذات الاقتصادات عالية الدخل، وتخصصوا في مجالات تنافسية. فأصبحت هونغ كونغ وسنغافورة من المراكز المالية الرائدة في العالم، في حين أصبحت كوريا الجنوبية وتايوان من رواد تصنيع المكونات والأجهزة الإلكترونية. لذلك تعد تجربتهم الاقتصادية الناجحة بمثابة نماذج يحتذى بها للعديد من دول أشبال النمور، وهم إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند.
وبالتالي من المهم لتونس و للاقتصادات الشبيهة الاقتداء بهذه التجارب وتدعيم الشراكات الاستراتيجية معها في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية .
وفي عام 1993، أرجع تقرير البنك الدولي الفضل في معجزة النمور إلى السياسات النيوليبرالية التي تسببت في ازدهار الاقتصاد بتطوير التصنيع الموجه بالصادرات وخفض الضرائب وتحسين مستوى دخل الفرد.
ويرى خبراء الاقتصاد أن سبب نمو اقتصادات النمور الآسيوية الأربعة (المعجزة الآسيوية) حتى الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 هو سياساتها الموجهة نحو التصدير وسياسات التنمية القوية. وقد ساهمت تلك السياسات في تحقيق نمو مستديم سريع وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. في حين يرجع البنك الدولي تلك المعجزة إلى سياستين إنمائيتين رئيسيتين هما تراكم العوامل وأسلوب إدارة الاقتصاد الكلي.
وفي عام 2018، شكل الاقتصاد المشترك للنمور الآسيوية الأربعة ما يعادل 3.46% من الاقتصاد العالمي بناتج محلي إجمالي تجاوز 2,932 مليار دولار أمريكي. فبلغ في هونغ كونغ 363.03 مليار دولار أمريكي ما يعادل 0.428% من الاقتصاد العالمي، وفي سنغافورة 361.1 مليار دولار أمريكي ما يعادل 0.426% من الاقتصاد العالمي، وفي كوريا الجنوبية 1,619.42 مليار دولار أمريكي ما يعادل 1.911% من الاقتصاد العالمي، وفي تايوان 589.39 مليار دولار أمريكي ما يعادل 0.696% من الاقتصاد العالمي.
سرّ تطور هذه البلدان هو تركيزها على الاستثمار بكثافة في بنيتها التحتية وتطوير التعليم والتكوين المهني .وقد أصبحت تلك البلدان من أهم المراكز التعليمية العالمية حيث حلّت سنغفورة مثلا في المرتبة الأولى عالميا في جودة التعليم سنة 2018 والى اليوم لاتزال ضمن كوكبة الطليعة. ونسبة المتعلمين فيه 95 بالمائة الى جانب كوريا الجنوبية التي بلغت نسبة التعليم فيها 92 بالمائة.
التنين الصيني
هو كائن أسطوري في المخيال الشعبي تحوّل الى كائن حقيقي في الاقتصاد والصناعة حيث تمكنت الصين من التحول من دولة فقيرة إلى دولة غنية وقوية وهي اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية ويصرّ عدد من الخبراء على أنها أضحت القوة الأولى خلال السنوات الأخيرة .
فالعمل والتفاني فيه وحبّ الانتماء والرغبة في اكتساب القوة فضلا عن المرونة المالية، والاستقرار السياسي والأمني واليد العاملة المتنوعة وخطوط النقل السريع، والموانئ الحديثة، هي أبرز مفاتيح أسرار النهضة في بلد المليار ونصف نسمة.
فقد تحولت في غضون 45 عاما تقريبا، من بلد يعاني تسعين بالمائة من سكانه الفقر المدقع إلى أكبر اقتصاد صناعي في العالم.
كما استطاعت بمعجزة بشرية مذهلة انتشال 850 مليون شخص حينها من الخصاصة والامية وليتحول هذا العدد الضخم من السكان من عبء على الحكومة الصينية بمتطلباتهم الحياتية من توفير للغذاء والخدمات الصحية والتعليمية وتوفير البنية التحتية الى قوة إنتاجية هائلة تغزو صناعاتهم العالم بأسره .
واليوم تساهم الصين بأكثر من 30 بالمائة من النمو الاقتصادي العالمي. وبعض الأرقام تترجم ذلك حيث تعدّ أكبر مصدر للبضائع في العالم بإجمالي قيمة صادرات يتجاوز 2.450 تريليون دولار أمريكي في عام 2018. وبلغ الناتج الإجمالي في عام 2018 ،13.6 تريليون دولار لتكون الدولة الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
يبلغ معدل متوسط العمر 76.7 عاما وفق احصائية عام 2018 .أما معدل الأمية في الصين للفئة العمرية ما بين 15-45 عاما 3.58% .
ويعيش 10بالمائة فقط اليوم تحت خط الفقر المدقع . فيما بلغ متوسط دخل الفرد في عام 2018 حوالي 9500 ألف دولار .
تونس والنمور والتنين
لم تكن تونس خلال الثلاثة عقود الفارطة والى السنوات القليلة الفارطة مهتمّة بهذه الدول وبالتعامل التجاري معها وان حدث فهو ميزان مختل كليّا لصالح هذه الدول اذا يبلغ مثلا مع الصين وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي نسبة 46 % أي بحجم 708 مليون دينار.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين تونس وكوريا الجنوبية خلال سنة 2023 ما لا يقل عن 724 مليون دينار وفق مركز النهوض بالصادرات. وبلغت الصادرات التونسية إلى كوريا الجنوبية 91 مليون دينار نهاية عام 2022 مسجلة زيادة بنسبة 30٪ مقارنة بعام 2021.
وبحسب أرقام لمركز النهوض بالصادرات، فإن نسبة التصدير من تونس نحو كوريا الجنوبية بلغت 91 مليون دينار خلال 2022 أي بتطور قدر بـ30 بالمائة مقارنة بسنة 2021 في حين بلغت قيمة الواردات 600 مليون دينار أي بانخفاض قدر بـ 92.2 بالمائة سنة 2022 مقارنة بسنة 2021 .
وتبقى هذه الأرقام محتشمة ولا تعكس الاستفادة العالمية من هذه القوى وبالتالي فان إعادة انعاش العلاقات الاقتصادية لتونس معها أمر حيوي ولابدّ أن يتم متابعة الزيارات الأخيرة لرئيس الجمهورية الى الصين وكذلك مشاركة رئيس الحكومة في القمة الكورية الافريقية.
والتأكيد سيكون ربّما في الزيارة المنتظرة التي سيؤديها الرئيس الصيني الى بلادنا فوائد..
هذا على المستوى السياسي امّا على المستوى العملي فلابد من الإسراع في اصدار مجلتي الاستثمار والصرف الجديدتين ولابدّ ان تحملا ثورة تشريعية حقيقية تقطع مع الروتين الإداري المعطل للاستثمار الخارجي وللتصدير .
كما انّه من المهم إضفاء أقصى درجات المرونة على النظام البنكي في تونس والتحويلات عبر المنصات الرقمية الحديثة فذلك يفتح مجالا واسعا لشبابنا من الكفاءات والشركات للعمل عن بعد في هذه الأسواق والإفادة والاستفادة منها.
ويبقى الأهم هو القطع نهائيا في التعامل مع هذه القوى ومع بقية الأسواق العالمية مع سياسة "الورقة والقلم" التي لاتزال تتحكم في الإدارة التونسية واعتماد التكنولوجيا الرقمية في كل المعاملات.
فدون ذلك من المستحيل مجاراة نسق هذه القوى وإيجاد مكان في أسواقها.
لابد من الإسراع في إصدار مجلتي الاستثمار والصرف الجديدتين
بقلم:ريم بالخذيري
من المنتدى الصيني العربي في دورته العاشرة والذي احتضنته بكين يوم30 ماي المنقضي الى أول قمة كورية - أفريقية، والتي انعقد تحت شعار «المستقبل الذى نصنعه معًا: النمو المشترك والاستدامة والتضامن»والتي احتضنتها العاصمة سيول من 3 إلى 6 جوان الجاري. وقبلها القمة العربية الصينية التي نظّمت في الرياض في شهر ديسمبر 2022. بدا واضحا أنّ العلاقات التجارية الدولية في طور جديد من التشكل في الجغرافيا وفي التاريخ .
فالنمور الآسيوية والتنين الصيني أصبحا واقعا ماليا وصناعيا واقتصاديا لا يمكن تجاهله وقد كسروا بالفعل أحادية القطب الواحد التي حكمت العالم منذ تفتّت الاتحاد السوفياتي في25 ديسمبر 1990 وانفراد الولايات المتحدة الامريكية و شركاؤها من الغرب بتحديد النظام العالمي المالي .
من هنا نفهم الزخم الكبير الذي بدأ يحكم علاقات هذه القوى الجديدة الصاعدة بالدول العربية وكذلك بالدول الافريقية وهي التي أغلبها مستعمرات قديمة وأسواق استهلاكية كبرى للولايات المتحدة الأمريكية وللدول الأوربية الحليفة اقتصاديا لها .
وما كان لهذه التحولات أن تستمر وأن تنجح النمور والتنين في افتكاك جزء من تلك الأسواق المتحدّث عنها دون أن تكون لها مقوّمات ذلك من صناعة ومال واستثمار وما كان للعرب والافارقة أن يفتحوا جزءا من أسواقهم دون العروض المغرية التي توفرها بكين وتايوان، وسنغافورة، وهونج كونج، وكوريا الجنوبية. فهي مجتمعة تتحوز على مساهمة في النمو الاقتصادي العالمي بواقع 40 بالمائة وهو رقم مهم لا يمكن تجاهله ووجب استغلاله من طرف العرب وخاصة تونس منها ؟
النمور الاسيوية
تعدّ كوريا الجنوبية أبرز ركائزه وهي التي احتضنت مثلما أشرنا الى ذلك أول قمة كورية افريقية وشاركت فيها تونس بوفد رفيع المستوى على رأسه كان رئيس الحكومة وعدد من الوزراء وتم خلالها توقيع ما يقرب من 50 اتفاقية مبدئية بين كوريا والدول الأفريقية بهدف تعزيز التعاون في مجالات التجارة والطاقة والمعادن الهامة ومجموعة واسعة من المجالات الصناعية والاقتصادية الأخرى. و من المؤكد أنه سيكون لبلادنا نصيب منها لكن الأهم من ذلك هو سياسة الانفتاح على هذه الأسواق توريدا وتصديرا .
والنمور الأسيوية الأربعة مصطلح اقتصادي أطلق على اقتصادات كل من كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونغ كونغ. وقد شهدت اقتصادات تلك الدول في الفترة ما بين أوائل الستينيات والتسعينيات، قفزة اقتصادية وعمليات تصنيع سريعة وحققت معدلات نمو عالية بشكل استثنائي ناهزت10% سنويا.
ومع حلول الألفية الثانية ،غادرت تلك الاقتصادات حيز الدول النامية إلى الدول المتقدمة ذات الاقتصادات عالية الدخل، وتخصصوا في مجالات تنافسية. فأصبحت هونغ كونغ وسنغافورة من المراكز المالية الرائدة في العالم، في حين أصبحت كوريا الجنوبية وتايوان من رواد تصنيع المكونات والأجهزة الإلكترونية. لذلك تعد تجربتهم الاقتصادية الناجحة بمثابة نماذج يحتذى بها للعديد من دول أشبال النمور، وهم إندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلاند.
وبالتالي من المهم لتونس و للاقتصادات الشبيهة الاقتداء بهذه التجارب وتدعيم الشراكات الاستراتيجية معها في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية .
وفي عام 1993، أرجع تقرير البنك الدولي الفضل في معجزة النمور إلى السياسات النيوليبرالية التي تسببت في ازدهار الاقتصاد بتطوير التصنيع الموجه بالصادرات وخفض الضرائب وتحسين مستوى دخل الفرد.
ويرى خبراء الاقتصاد أن سبب نمو اقتصادات النمور الآسيوية الأربعة (المعجزة الآسيوية) حتى الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 هو سياساتها الموجهة نحو التصدير وسياسات التنمية القوية. وقد ساهمت تلك السياسات في تحقيق نمو مستديم سريع وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. في حين يرجع البنك الدولي تلك المعجزة إلى سياستين إنمائيتين رئيسيتين هما تراكم العوامل وأسلوب إدارة الاقتصاد الكلي.
وفي عام 2018، شكل الاقتصاد المشترك للنمور الآسيوية الأربعة ما يعادل 3.46% من الاقتصاد العالمي بناتج محلي إجمالي تجاوز 2,932 مليار دولار أمريكي. فبلغ في هونغ كونغ 363.03 مليار دولار أمريكي ما يعادل 0.428% من الاقتصاد العالمي، وفي سنغافورة 361.1 مليار دولار أمريكي ما يعادل 0.426% من الاقتصاد العالمي، وفي كوريا الجنوبية 1,619.42 مليار دولار أمريكي ما يعادل 1.911% من الاقتصاد العالمي، وفي تايوان 589.39 مليار دولار أمريكي ما يعادل 0.696% من الاقتصاد العالمي.
سرّ تطور هذه البلدان هو تركيزها على الاستثمار بكثافة في بنيتها التحتية وتطوير التعليم والتكوين المهني .وقد أصبحت تلك البلدان من أهم المراكز التعليمية العالمية حيث حلّت سنغفورة مثلا في المرتبة الأولى عالميا في جودة التعليم سنة 2018 والى اليوم لاتزال ضمن كوكبة الطليعة. ونسبة المتعلمين فيه 95 بالمائة الى جانب كوريا الجنوبية التي بلغت نسبة التعليم فيها 92 بالمائة.
التنين الصيني
هو كائن أسطوري في المخيال الشعبي تحوّل الى كائن حقيقي في الاقتصاد والصناعة حيث تمكنت الصين من التحول من دولة فقيرة إلى دولة غنية وقوية وهي اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية ويصرّ عدد من الخبراء على أنها أضحت القوة الأولى خلال السنوات الأخيرة .
فالعمل والتفاني فيه وحبّ الانتماء والرغبة في اكتساب القوة فضلا عن المرونة المالية، والاستقرار السياسي والأمني واليد العاملة المتنوعة وخطوط النقل السريع، والموانئ الحديثة، هي أبرز مفاتيح أسرار النهضة في بلد المليار ونصف نسمة.
فقد تحولت في غضون 45 عاما تقريبا، من بلد يعاني تسعين بالمائة من سكانه الفقر المدقع إلى أكبر اقتصاد صناعي في العالم.
كما استطاعت بمعجزة بشرية مذهلة انتشال 850 مليون شخص حينها من الخصاصة والامية وليتحول هذا العدد الضخم من السكان من عبء على الحكومة الصينية بمتطلباتهم الحياتية من توفير للغذاء والخدمات الصحية والتعليمية وتوفير البنية التحتية الى قوة إنتاجية هائلة تغزو صناعاتهم العالم بأسره .
واليوم تساهم الصين بأكثر من 30 بالمائة من النمو الاقتصادي العالمي. وبعض الأرقام تترجم ذلك حيث تعدّ أكبر مصدر للبضائع في العالم بإجمالي قيمة صادرات يتجاوز 2.450 تريليون دولار أمريكي في عام 2018. وبلغ الناتج الإجمالي في عام 2018 ،13.6 تريليون دولار لتكون الدولة الثانية على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
يبلغ معدل متوسط العمر 76.7 عاما وفق احصائية عام 2018 .أما معدل الأمية في الصين للفئة العمرية ما بين 15-45 عاما 3.58% .
ويعيش 10بالمائة فقط اليوم تحت خط الفقر المدقع . فيما بلغ متوسط دخل الفرد في عام 2018 حوالي 9500 ألف دولار .
تونس والنمور والتنين
لم تكن تونس خلال الثلاثة عقود الفارطة والى السنوات القليلة الفارطة مهتمّة بهذه الدول وبالتعامل التجاري معها وان حدث فهو ميزان مختل كليّا لصالح هذه الدول اذا يبلغ مثلا مع الصين وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي نسبة 46 % أي بحجم 708 مليون دينار.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين تونس وكوريا الجنوبية خلال سنة 2023 ما لا يقل عن 724 مليون دينار وفق مركز النهوض بالصادرات. وبلغت الصادرات التونسية إلى كوريا الجنوبية 91 مليون دينار نهاية عام 2022 مسجلة زيادة بنسبة 30٪ مقارنة بعام 2021.
وبحسب أرقام لمركز النهوض بالصادرات، فإن نسبة التصدير من تونس نحو كوريا الجنوبية بلغت 91 مليون دينار خلال 2022 أي بتطور قدر بـ30 بالمائة مقارنة بسنة 2021 في حين بلغت قيمة الواردات 600 مليون دينار أي بانخفاض قدر بـ 92.2 بالمائة سنة 2022 مقارنة بسنة 2021 .
وتبقى هذه الأرقام محتشمة ولا تعكس الاستفادة العالمية من هذه القوى وبالتالي فان إعادة انعاش العلاقات الاقتصادية لتونس معها أمر حيوي ولابدّ أن يتم متابعة الزيارات الأخيرة لرئيس الجمهورية الى الصين وكذلك مشاركة رئيس الحكومة في القمة الكورية الافريقية.
والتأكيد سيكون ربّما في الزيارة المنتظرة التي سيؤديها الرئيس الصيني الى بلادنا فوائد..
هذا على المستوى السياسي امّا على المستوى العملي فلابد من الإسراع في اصدار مجلتي الاستثمار والصرف الجديدتين ولابدّ ان تحملا ثورة تشريعية حقيقية تقطع مع الروتين الإداري المعطل للاستثمار الخارجي وللتصدير .
كما انّه من المهم إضفاء أقصى درجات المرونة على النظام البنكي في تونس والتحويلات عبر المنصات الرقمية الحديثة فذلك يفتح مجالا واسعا لشبابنا من الكفاءات والشركات للعمل عن بعد في هذه الأسواق والإفادة والاستفادة منها.
ويبقى الأهم هو القطع نهائيا في التعامل مع هذه القوى ومع بقية الأسواق العالمية مع سياسة "الورقة والقلم" التي لاتزال تتحكم في الإدارة التونسية واعتماد التكنولوجيا الرقمية في كل المعاملات.
فدون ذلك من المستحيل مجاراة نسق هذه القوى وإيجاد مكان في أسواقها.