يعيش العالم على وقع امتداد انتفاضة الجامعات الأمريكية من كولومبيا إلى هارفرد ويايل وغيرها من الجامعات العريقة وصولا إلى اكبر الجامعات الفرنسية والبريطانية والإيطالية وغيرها، انتفاضة عابرة للقارات أعادت إلى الأذهان ربيع الجامعات في ستينات القرن الماضي رفضا للعنصرية في أمريكا ورفضا لحرب فيتنام ورفضا للميز العنصري في جنوب إفريقيا.
ولئن تعددت شعاراتها اليوم فقد أجمعت على الانتصار لغزة في مواجهة محرقة القرن.. وقد وجب التأكيد على أن هذا الموقف لم يرتبط بالأقلية السود ولم يكن حبا في غزة أو تعلقا بالفلسطينيين أو في العرب، بل موقف جمع متظاهرين وأغلبهم من البيض، وهو أيضا موقف فرضته شريحة النخب والطلبة والمثقفين الرافضين للظلم والمعايير المزدوجة في التعاطي مع العدالة الدولية وقوانينها الانتقائية.
ولاشك أن هذه المظاهرات الاحتجاجية المستمرة رغم كل المظاهر القمعية التي لاحقتها من واشنطن إلى لندن وباريس والتي لا يبدو أن الدول المعنية التي تدعي حمل راية الحرية والديموقراطية استشرفت وقوعها أو توقعت أن تكتسي كل هذا الزخم، تأتي لتفضح الغرب وتكشف التناقضات الصارخة التي يعتمدها في التعاطي مع حق الشعوب في الحرية وتقرير المصير..
وإذا كانت هذه الاحتجاجات الطلابية التي بدأت ككرة الثلج انطلاقا من جامعة كولومبيا قبل أن تتدحرج إلى عشرات الجامعات في الغرب وتستقطب معها الأكاديميين والجامعيين الذين أعلنوا صراحة رفضهم ما يجري في غزة من إبادة جماعية ولكن أيضا وهنا مربط الفرس رفضوا الانحياز الأعمى والتطويع للقيم والمبادئ الكونية المشتركة وجعلها حقا للجلاد والمستبد على حساب الضحية..
ولعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أنه إزاء هذا السمو للجامعات الأمريكية وغيرها من الجامعات في الغرب ما يجعلنا في حيرة إزاء هذا الغياب المستفز للجامعات العربية والإسلامية عموما، والحيرة أيضا إزاء الحضور القوي للرأي العام في الغرب وهو الذي نراه لا يهدأ عن التظاهر ضد جرائم الاحتلال في غزة التي ذهب ضحيتها آلاف الضحايا والجرحى دون اعتبار للخراب والدمار الذي حول القطاع إلى مقبرة للأحياء..
وقد لا نبالغ إذا اعتبرنا وأن أحد أهم الأسباب وراء حضور الجامعات الأمريكية والأوروبية وغيرها في هذا الموقف الداعم للشعب الفلسطيني أنها ارتبطت بشعوب حية قادرة على التفكير والتمييز بين الحق والباطل ولا تقبل إلغاء العقول أو تكبيلها، تماما كما أن هذه المؤسسات التي تصنع قيادات المستقبل جعلت من التعليم رسالة معرفية تتجاوز حدود التلقين الببغائي للطلبة وتراهن لا على شحن العقول بالمعلومات التي سيسقطها الطالب من ذاكرته بمجرد التخرج ولكن تراهن على تلقين الطالب التفكير العميق وطرح الأسئلة الفلسفية الجدية وعدم الأخذ بالمسلمات في مواجهة كل الأزمات والملفات على عكس ما يحدث في أغلب الجامعات العربية التي راهنت على إعداد جيوش من حاملي الشهادات العليا المعطلين.. وهذا ما يتعين الانتباه إليه في انتفاضة الجامعات العابرة للقارات والتي دفعت الطلبة إلى رفض المعادلات المغلوطة التي يسوق لها رجال السياسة والمتحكمين في صنع القرار ورفعوا أصواتهم عاليا للتساؤل عن موقع وجدوى المؤسسات والقوانين الدولية وقيمة مبادئ الحرية والعدالة والمساواة إزاء القيم الإنسانية المشتركة وأسباب غيابها وعدم الالتزام بها عندما يتعلق الآمر بأطفال ونساء وشباب غزة الذين يبادون تحت أنظار العالم منذ أكثر من سبعة أشهر..
وهذا في الواقع الدرس الأهم مما يجري في تلك الجامعات التي يقود طلبتها اليوم الرأي العام الدولي للتحرر من السردية الإسرائيلية الزائفة ومن قيود شعار معاداة السامية كلما ارتفع صوت منتقدا جرائم الاحتلال الإسرائيلي.. تحرير العقول والارتقاء بالمجتمعات العربية إلى مستوى المواطنة شرط مفقود في جامعاتنا التي لا تزال مصنعا لجيوش من العاطلين بعقول جامدة في أغلبها...
اسيا العتروس
يعيش العالم على وقع امتداد انتفاضة الجامعات الأمريكية من كولومبيا إلى هارفرد ويايل وغيرها من الجامعات العريقة وصولا إلى اكبر الجامعات الفرنسية والبريطانية والإيطالية وغيرها، انتفاضة عابرة للقارات أعادت إلى الأذهان ربيع الجامعات في ستينات القرن الماضي رفضا للعنصرية في أمريكا ورفضا لحرب فيتنام ورفضا للميز العنصري في جنوب إفريقيا.
ولئن تعددت شعاراتها اليوم فقد أجمعت على الانتصار لغزة في مواجهة محرقة القرن.. وقد وجب التأكيد على أن هذا الموقف لم يرتبط بالأقلية السود ولم يكن حبا في غزة أو تعلقا بالفلسطينيين أو في العرب، بل موقف جمع متظاهرين وأغلبهم من البيض، وهو أيضا موقف فرضته شريحة النخب والطلبة والمثقفين الرافضين للظلم والمعايير المزدوجة في التعاطي مع العدالة الدولية وقوانينها الانتقائية.
ولاشك أن هذه المظاهرات الاحتجاجية المستمرة رغم كل المظاهر القمعية التي لاحقتها من واشنطن إلى لندن وباريس والتي لا يبدو أن الدول المعنية التي تدعي حمل راية الحرية والديموقراطية استشرفت وقوعها أو توقعت أن تكتسي كل هذا الزخم، تأتي لتفضح الغرب وتكشف التناقضات الصارخة التي يعتمدها في التعاطي مع حق الشعوب في الحرية وتقرير المصير..
وإذا كانت هذه الاحتجاجات الطلابية التي بدأت ككرة الثلج انطلاقا من جامعة كولومبيا قبل أن تتدحرج إلى عشرات الجامعات في الغرب وتستقطب معها الأكاديميين والجامعيين الذين أعلنوا صراحة رفضهم ما يجري في غزة من إبادة جماعية ولكن أيضا وهنا مربط الفرس رفضوا الانحياز الأعمى والتطويع للقيم والمبادئ الكونية المشتركة وجعلها حقا للجلاد والمستبد على حساب الضحية..
ولعلنا لا نبالغ إذا اعتبرنا أنه إزاء هذا السمو للجامعات الأمريكية وغيرها من الجامعات في الغرب ما يجعلنا في حيرة إزاء هذا الغياب المستفز للجامعات العربية والإسلامية عموما، والحيرة أيضا إزاء الحضور القوي للرأي العام في الغرب وهو الذي نراه لا يهدأ عن التظاهر ضد جرائم الاحتلال في غزة التي ذهب ضحيتها آلاف الضحايا والجرحى دون اعتبار للخراب والدمار الذي حول القطاع إلى مقبرة للأحياء..
وقد لا نبالغ إذا اعتبرنا وأن أحد أهم الأسباب وراء حضور الجامعات الأمريكية والأوروبية وغيرها في هذا الموقف الداعم للشعب الفلسطيني أنها ارتبطت بشعوب حية قادرة على التفكير والتمييز بين الحق والباطل ولا تقبل إلغاء العقول أو تكبيلها، تماما كما أن هذه المؤسسات التي تصنع قيادات المستقبل جعلت من التعليم رسالة معرفية تتجاوز حدود التلقين الببغائي للطلبة وتراهن لا على شحن العقول بالمعلومات التي سيسقطها الطالب من ذاكرته بمجرد التخرج ولكن تراهن على تلقين الطالب التفكير العميق وطرح الأسئلة الفلسفية الجدية وعدم الأخذ بالمسلمات في مواجهة كل الأزمات والملفات على عكس ما يحدث في أغلب الجامعات العربية التي راهنت على إعداد جيوش من حاملي الشهادات العليا المعطلين.. وهذا ما يتعين الانتباه إليه في انتفاضة الجامعات العابرة للقارات والتي دفعت الطلبة إلى رفض المعادلات المغلوطة التي يسوق لها رجال السياسة والمتحكمين في صنع القرار ورفعوا أصواتهم عاليا للتساؤل عن موقع وجدوى المؤسسات والقوانين الدولية وقيمة مبادئ الحرية والعدالة والمساواة إزاء القيم الإنسانية المشتركة وأسباب غيابها وعدم الالتزام بها عندما يتعلق الآمر بأطفال ونساء وشباب غزة الذين يبادون تحت أنظار العالم منذ أكثر من سبعة أشهر..
وهذا في الواقع الدرس الأهم مما يجري في تلك الجامعات التي يقود طلبتها اليوم الرأي العام الدولي للتحرر من السردية الإسرائيلية الزائفة ومن قيود شعار معاداة السامية كلما ارتفع صوت منتقدا جرائم الاحتلال الإسرائيلي.. تحرير العقول والارتقاء بالمجتمعات العربية إلى مستوى المواطنة شرط مفقود في جامعاتنا التي لا تزال مصنعا لجيوش من العاطلين بعقول جامدة في أغلبها...