إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سعد زغلول زعيم الأمّة الذي دمّر حياته بلعب القمار

بقلم : محمّد المي

لعلّني بكتابة هذا المقال أريد التخلّص من صدمتي النفسيّة وأنا أطالع مذكّرات زعيم الأمة المصريّة سعد زغلول البطل القومي الذي صوّرته الروايات والأغاني الشعبية وردّدت ذكره حتى الحكايات الشعبيّة التي نسجها المخيال الشعبي عن صورة الزّعيم السياسي .

 أليس للزّعماء الحقّ في أن تكون لهم حياة خاصّة ؟ أليسوا بشرا ومن حقّهم أن يخطئوا ويضعفوا ؟ هل وعينا هو المسؤول عن أوهامنا ؟ أم إصرارنا على الجهل وعدم المعرفة ؟ كلّها أسئلة راودت فكري وظني كما قال الشاعر وأنا أتصفّح مذكّرات سعد زغلول .

      هذه المذكّرات نشرتها الهيئة العامّة لدار الكتب والوثائق القوميّة (مركز تاريخ مصر المعاصر) ’ الهيئة المصرية العامّة للكتاب وقام بتحقيقها المؤرّخ المصري الدكتور عبد العظيم رمضان ونشر المجلّد الأول منها سنة 1987 ونشر المجلد التاسع والأخير سنة 1998 وكان أول من تشجّع وأقدم على نشرها هو الشاعر الكبير صلاح عبد الصّبور عندما تولّى رئاسة هيئة الكتاب بمصر ولاقى نشرها اعتراضا كبيرا من طرف الورثة والوفديين والسعديين غير أن تاريخ مصر ورجالاتها أكبر من كلّ هؤلاء وكان لا بدّ من إنارة الحقيقة وضرورة تعريف الأمّة بطبيعة الذين حكموها وقادوا شعوبها وحوّلوا مصائرهم ...الخ

    سعد زغلول نفسه كان متخوّفا من نشر يومياته / مذكّراته حيث قال : " ويل لي من الذين يطالعون من بعدي هذه المذكّرات " ( ص1581 ) - تمتد هذه المذكرات على 3190 ص-

   في هذه المذكرات أو اليوميات ولست هنا مختصّا في تحديد الأجناس وتصنيفها المهم أنها نشرت تحت عنوان : "مذكّرات " والحقّ أنها يوميّات كان يسجّل فيها سعد ما قام به في يومه وكانت ستندثر لولا زوجته التي أنقذتها من التلف وحافظت عليها وتم إيداعها ببنك مصر الذي أحالها فيما بعد إلى دار الكتب وتألّفت لجنة تصدّت لتحقيقها ومراجعتها بإشراف المؤرّخ عبد العظيم رمضان .

     صدرت المذكرات بمقدّمة طويلة تناولت الغامض والملتبس في حياة زعيم الأمّة سعد زغلول وهناك الكثير ممّا سيصدم قارئها عن هذا الزعيم وسأشير إلى بعضها في هذا هنا كمسألة إدمان سعد على لعب القمار والخسارات التي تسبّبت له في حياته

ففي مذكرة 25 نوفمبر1917 يقول :

   " بعد أن انقضت جلسة الجامعة، ذهبت الى النّادي . وبعد أن تفرّجت على لاعبي الورق اشتركت في اللعب معهم .  وكنت صغيرا، فخسرت ما يقرب من 15 جنيه، فعزّ عليّ ذلك ، وأن أعود إلى المنزل خاسرا، فبعثت استحضر الفيش (يقصد فيش اللّعب) وأخبر بعدم انتظاري في العشاء، ونويت أن أتعشّى في النّادي.

   وانتقلت من اللّعب الصّغير إلى الكبير وصرت ما بين كسب وخسارة إلى السّاعة الواحدة ’ حيث قطعتُ اللّعب عن مكسب 33 جنيه .

   وقد وجدتُ امرأتي جالسة في انتظاري ولامتني لوما شديدا وكانت تبكي فهدّأتها وأكدتُ لها الأيمان أنّي ما لعبت ولن ألعب . فاطمأنت ونامت .

    وعزيمتي أن أبرّ بهذا الايمان ، ووسيلتي إلى ذلك الإقلال من زيارة النّادي . والله الهادي " لكن هل برّ سعد بوعده ؟ هل التزم بالقسم الذي أقسمه لزوجته ؟ طبعا لا فالإدمان لم يترك له سبيلا ليكون في مستوى آمال زوجته

في مذكّرة 8 فبراير 1918 يقول :

 "  لعبت في يوم 30  و31 وأول فبراير وخسرت في كلّ هذه الأيّام خسارة تبلغ مائتين جنيه ، فيكون مجموع خسارة السنة أربعمائة . وقد وقفت عند هذا الحدّ بقوّة الله وعنايته " في هذه المذكّرات التي كانت بمثابة الاعترافات ومحاولة التخلّص من الإثم على طريقة المسيحيين الذين يزول عنهم الذّنب بمجرّد الاعتراف بارتكاب الجرم كان سعد يؤنّب نفسه ويعاتبها ويلومه دون أن يقدر على مقاومة ضعفه تجاه الإدمان على اللّعب

يقول في مذكّرة 20 فبراير 1918

    " لم يبق ممّا اقترضت من البنك فيه شيء ، بل كلّه انصرف معظمه في اللّعب وأنا الآن في أشدّ حالات الضّيق لأن القطن لم يبع لغاية الآن والزراعات والبيت محتاجان إلى النقود ولا أريد أن أجدّد الاقتراض بعلم زوجي وضمانتها - كما سبق - خشية أن ترتاع لكثرة الاقتراض وتحزن أشدّ الحزن لكثرة ما ضاع . ولا أقصد أحد أصدقائي أو معارفي ليسلّفني مبلغا أستعين به على قضاء لوازمي وسدّ حاجاتي . وكلّما مرّ بي خيال صديق أنفت نفسي لمفاتحته في هذا الشّأن .

    والله إنها لحيرة شديدة، وحالة عصيبة  ويؤلمني أني أنا الذي سعيت إليها ، وجلبتها بضعفي وهزالي وميلي إلى اللعب وسهر الليالي .

    ألم يكن هذا الألم وحده كافيا في ردعي عن غثيان مجلس اللعب وقرنائه ألا يخجلني أن يأتي عاطف إلى صالة اللّعب ويجلس أمامي ويشاهدني في حالة أشعر بأنها لا تليق بمقامي ولا بعقلي وكمالي ؟ .....الخ "

        هذه صورة عن زعيم من زعماء الأمة العربية الذي تغنّى به فنّان الشعب في ثورة سنة 1919 في أغنيته الشهيرة يا بلح زغلول التي كتب كلماتها الشاعر بديع خيري :

يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح

يا بلح زغلول يا زرع بلدي

عليك ياوعدي يابخت سعدي

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

عليك أنادى في كل وادي

قصدي ومرادي

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

الله اكبر عليك يا سكر

يا جابر اجبر

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

ماعيتشي أبكي وفيه مدبر مين بس ينكر زغلول يابلح

ياروح بلادك ليه طال بعادك

تعا صون بلادك

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

سعد وقال لي ربي نصرني

وراجع لوطني

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

     يتبع

سعد زغلول زعيم الأمّة الذي دمّر حياته بلعب القمار

بقلم : محمّد المي

لعلّني بكتابة هذا المقال أريد التخلّص من صدمتي النفسيّة وأنا أطالع مذكّرات زعيم الأمة المصريّة سعد زغلول البطل القومي الذي صوّرته الروايات والأغاني الشعبية وردّدت ذكره حتى الحكايات الشعبيّة التي نسجها المخيال الشعبي عن صورة الزّعيم السياسي .

 أليس للزّعماء الحقّ في أن تكون لهم حياة خاصّة ؟ أليسوا بشرا ومن حقّهم أن يخطئوا ويضعفوا ؟ هل وعينا هو المسؤول عن أوهامنا ؟ أم إصرارنا على الجهل وعدم المعرفة ؟ كلّها أسئلة راودت فكري وظني كما قال الشاعر وأنا أتصفّح مذكّرات سعد زغلول .

      هذه المذكّرات نشرتها الهيئة العامّة لدار الكتب والوثائق القوميّة (مركز تاريخ مصر المعاصر) ’ الهيئة المصرية العامّة للكتاب وقام بتحقيقها المؤرّخ المصري الدكتور عبد العظيم رمضان ونشر المجلّد الأول منها سنة 1987 ونشر المجلد التاسع والأخير سنة 1998 وكان أول من تشجّع وأقدم على نشرها هو الشاعر الكبير صلاح عبد الصّبور عندما تولّى رئاسة هيئة الكتاب بمصر ولاقى نشرها اعتراضا كبيرا من طرف الورثة والوفديين والسعديين غير أن تاريخ مصر ورجالاتها أكبر من كلّ هؤلاء وكان لا بدّ من إنارة الحقيقة وضرورة تعريف الأمّة بطبيعة الذين حكموها وقادوا شعوبها وحوّلوا مصائرهم ...الخ

    سعد زغلول نفسه كان متخوّفا من نشر يومياته / مذكّراته حيث قال : " ويل لي من الذين يطالعون من بعدي هذه المذكّرات " ( ص1581 ) - تمتد هذه المذكرات على 3190 ص-

   في هذه المذكرات أو اليوميات ولست هنا مختصّا في تحديد الأجناس وتصنيفها المهم أنها نشرت تحت عنوان : "مذكّرات " والحقّ أنها يوميّات كان يسجّل فيها سعد ما قام به في يومه وكانت ستندثر لولا زوجته التي أنقذتها من التلف وحافظت عليها وتم إيداعها ببنك مصر الذي أحالها فيما بعد إلى دار الكتب وتألّفت لجنة تصدّت لتحقيقها ومراجعتها بإشراف المؤرّخ عبد العظيم رمضان .

     صدرت المذكرات بمقدّمة طويلة تناولت الغامض والملتبس في حياة زعيم الأمّة سعد زغلول وهناك الكثير ممّا سيصدم قارئها عن هذا الزعيم وسأشير إلى بعضها في هذا هنا كمسألة إدمان سعد على لعب القمار والخسارات التي تسبّبت له في حياته

ففي مذكرة 25 نوفمبر1917 يقول :

   " بعد أن انقضت جلسة الجامعة، ذهبت الى النّادي . وبعد أن تفرّجت على لاعبي الورق اشتركت في اللعب معهم .  وكنت صغيرا، فخسرت ما يقرب من 15 جنيه، فعزّ عليّ ذلك ، وأن أعود إلى المنزل خاسرا، فبعثت استحضر الفيش (يقصد فيش اللّعب) وأخبر بعدم انتظاري في العشاء، ونويت أن أتعشّى في النّادي.

   وانتقلت من اللّعب الصّغير إلى الكبير وصرت ما بين كسب وخسارة إلى السّاعة الواحدة ’ حيث قطعتُ اللّعب عن مكسب 33 جنيه .

   وقد وجدتُ امرأتي جالسة في انتظاري ولامتني لوما شديدا وكانت تبكي فهدّأتها وأكدتُ لها الأيمان أنّي ما لعبت ولن ألعب . فاطمأنت ونامت .

    وعزيمتي أن أبرّ بهذا الايمان ، ووسيلتي إلى ذلك الإقلال من زيارة النّادي . والله الهادي " لكن هل برّ سعد بوعده ؟ هل التزم بالقسم الذي أقسمه لزوجته ؟ طبعا لا فالإدمان لم يترك له سبيلا ليكون في مستوى آمال زوجته

في مذكّرة 8 فبراير 1918 يقول :

 "  لعبت في يوم 30  و31 وأول فبراير وخسرت في كلّ هذه الأيّام خسارة تبلغ مائتين جنيه ، فيكون مجموع خسارة السنة أربعمائة . وقد وقفت عند هذا الحدّ بقوّة الله وعنايته " في هذه المذكّرات التي كانت بمثابة الاعترافات ومحاولة التخلّص من الإثم على طريقة المسيحيين الذين يزول عنهم الذّنب بمجرّد الاعتراف بارتكاب الجرم كان سعد يؤنّب نفسه ويعاتبها ويلومه دون أن يقدر على مقاومة ضعفه تجاه الإدمان على اللّعب

يقول في مذكّرة 20 فبراير 1918

    " لم يبق ممّا اقترضت من البنك فيه شيء ، بل كلّه انصرف معظمه في اللّعب وأنا الآن في أشدّ حالات الضّيق لأن القطن لم يبع لغاية الآن والزراعات والبيت محتاجان إلى النقود ولا أريد أن أجدّد الاقتراض بعلم زوجي وضمانتها - كما سبق - خشية أن ترتاع لكثرة الاقتراض وتحزن أشدّ الحزن لكثرة ما ضاع . ولا أقصد أحد أصدقائي أو معارفي ليسلّفني مبلغا أستعين به على قضاء لوازمي وسدّ حاجاتي . وكلّما مرّ بي خيال صديق أنفت نفسي لمفاتحته في هذا الشّأن .

    والله إنها لحيرة شديدة، وحالة عصيبة  ويؤلمني أني أنا الذي سعيت إليها ، وجلبتها بضعفي وهزالي وميلي إلى اللعب وسهر الليالي .

    ألم يكن هذا الألم وحده كافيا في ردعي عن غثيان مجلس اللعب وقرنائه ألا يخجلني أن يأتي عاطف إلى صالة اللّعب ويجلس أمامي ويشاهدني في حالة أشعر بأنها لا تليق بمقامي ولا بعقلي وكمالي ؟ .....الخ "

        هذه صورة عن زعيم من زعماء الأمة العربية الذي تغنّى به فنّان الشعب في ثورة سنة 1919 في أغنيته الشهيرة يا بلح زغلول التي كتب كلماتها الشاعر بديع خيري :

يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح

يا بلح زغلول يا زرع بلدي

عليك ياوعدي يابخت سعدي

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

عليك أنادى في كل وادي

قصدي ومرادي

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

الله اكبر عليك يا سكر

يا جابر اجبر

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

ماعيتشي أبكي وفيه مدبر مين بس ينكر زغلول يابلح

ياروح بلادك ليه طال بعادك

تعا صون بلادك

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

سعد وقال لي ربي نصرني

وراجع لوطني

زغلول يا بلح يا بلح زغلول

يا حليوة يا بلح يا بلح زغلول

     يتبع