إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حسام زملط سفير فلسطين في بريطانيا لـ"الصباح": لا معنى لأي حديث عن اليوم التالي قبل وقف الحرب وإنهاء الاحتلال..

تونس الصباح

ديبلوماسي محنك يتمتع بحضور إعلامي لافت وهو متحدث بارع وله قدرة على المقارعة دون تشنج ودون الانسياق إلى فخ الاستفزاز، انه السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط الذي فضح نفاق ورياء الإعلام الغربي وانحيازه الأعمى لكيان الاحتلال وسرديته الزائفة، الحديث إلى السفير زملط يكشف عن شخصية فلسطينية من معدن خاص وانتماؤه لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية لم يغير قناعاته إزاء حماس كحركة مقاومة ضد الاحتلال وكجزء من مكونات المشهد الفلسطيني ورغم التهديدات التي تطاله من المتطرفين اليهود الذين باتوا يستنفرون من حضوره الإعلامي ومن تحركاته على رأس المظاهرات الاحتجاجية الأسبوعية في العاصمة البريطانية فهو يظل احد الأصوات  الفلسطينية المؤثرة في الغرب وهو المتمكن من مختلف القضايا القانونية والسياسية والتاريخية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فرض نفسه في المشهد الإعلامي الغربي ورفض محاكمات النوايا التي تتم في المنابر الإعلامية وتمكن من كسب تأييد ودعم وتضامن عديد الأوساط داخل وخارج بريطانيا بعد أن حطم الجدار الذي صنعته آلة الدعاية الإسرائيلية حول القضية الفلسطينية والمساعي لشيطنة الشعب الفلسطيني وتحويله إلى شعب من الإرهابيين المتعطشين للدم، يقول محدثنا الذي استهل كلامه بالثناء على تونس ودورها في احتضان القضية الفلسطينية ودعمها في مختلف محطاتها التاريخية منذ النكبة وصولا إلى حرب الإبادة الراهنة في غزة. يقول محدثنا وهو لا يتوقف عن الاتصالات استعدادا لمظاهرة الغد "انه لا حق لإسرائيل في حق الدفاع عن النفس وأن الشعب الفلسطيني الذي يقبع تحت الاحتلال وحده من يجب أن يمتلك حق الدفاع عن النفس ضد ممارسات الاحتلال" ...

حسام زملط الغزاوي الذي يتوشح بالكوفية ويتصدر المظاهرات الأسبوعية المليونية في العاصمة البريطانية تعرض للتهديدات والهرسلة ولكنه يواصل حمل قضيته حيثما كان وهو أحد ابرز الأصوات الديبلوماسية التي بات الإعلام الغربي يحسب لها حساب... وهو يتهم الإعلام الغربي بأنه أداة إسرائيلية طيعة لاضطهاد الشعب الفلسطيني.. في لقاء خص به "الصباح"  قال حسام زملط  إن الحديث عن اليوم التالي لا معنى له دون توقف الحرب وإنهاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية، وأضاف أن الحوار مع حماس قائم وحماس جزء من الكل وليست الكل وهي جزء من مشروع وطني فلسطيني كامل باستقلال كامل ولا يتبع أي أجندا إقليمية أو دولية... وخلص زملط إلى أن محكمة العدل الدولية أقرت باعتماد مرافعة جنوب إفريقيا وهو ما يعني أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية وأن المحكمة وضعت إسرائيل رسميا في قفص الاتهام وهي تواجه تهمة الإبادة الجماعية.. وفيما يلي نص الحديث.

حوار: اسيا العتروس

 *تقترب الحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة من شهرها الخامس مع حصيلة خيالية للقتلى والجرحى والمفقودين ما الذي يحدث ولماذا يعجز المجتمع الدولي عن إيقاف الحرب وهل نحن إزاء سقوط المنظومة الدولية الإنسانية؟

-العالم للأسف يعيش مرحلة قد تكون الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية ومنذ نشأة المنظومة الدولية على ويلات الحرب العالمية الثانية، ولذلك علينا التذكير بأن القيم الإنسانية التي قامت عليها المنظومة الدولية ليست قيما غربية بل قيما إنسانية كونية تقوم على رفض الحروب وإقامة السلام وكذلك الشأن بالنسبة لكل الهياكل والمؤسسات الدولية التي تأسست على نتائج أهوال الحرب العالمية الثانية وجثث ملايين البشر الذين قتلوا الذين أبيدوا وخاصة في أوروبا وهو ما جعل العالم يتجمع شرقا وغربا على قواعد إنسانية مشتركة ونحن نرفض مقولة إنها مبادئ وقيم غربية .

صحيح أن عكس هذه المبادئ كانت تمارس في أوروبا وعلى هذا الأساس تم تأسيس جملة من الهياكل تحت شعار "never again"  وتم تحويلها إلى منظومة دولية فكان مجلس الأمن والجمعية العمومية التي لها صلاحيات سياسية قانونية وقضائية، ولكن العالم الذي تأسس على رفض ومنع الحرب أصيب بالشلل في مسار القضية الفلسطينية ومجلس الأمن فشل فشلا  ذريعا. مع انه حتى في حالة وقوع حروب فان للحرب قواعدها والحرب جائزة فقط في حال اعتداء دولة على دولة وهذا الحق يعطيه مجلس الأمن ولكن هنا أيضا فشل مجلس الأمن مرة أخرى واتجه إلى استخدام حق الدفاع عن النفس لدولة الاحتلال وهذا مناقض للقوانين الدولية ولمبدإ الدفاع عن النفس ولا ينطبق  على إسرائيل التي هي في حالة عدوان كامل منذ75 عاما على شعبنا المحاصر الذي يواجه الاستيطان والابرتييد والفصل العنصري وعندما تقوم حكومات غربية بإقرار هذا الحق حصريا لإسرائيل فهذا إقرار بحق الإبادة الجماعية وإقرار بفشل العالم في التعاطي مع البند الثاني لميثاق الأمم المتحدة المتعلق بقواعد الحرب والحال أننا نحن كشعب فلسطيني من يقبع تحت الاحتلال لنا الحق الأول والوحيد في الدفاع عن النفس. إسرائيل دمرت كل هذه القواعد الدولية بدعم الكثير من الدول الغربية وهذا كان له اثر كبير إسرائيل طبعت الحرب، الحرب تحصل بين جيوش وما يحصل بالنسبة لنا قمع واضطهادrepression  وتطهير عرقي وهو ما يعني أن للشعب الفلسطيني الحق في المقاومة، والحرب في عقلية إسرائيل تعني قتل النساء والأطفال وتدمير المدارس والبيوت والبنى التحتية .إسرائيل بكل بساطة طبعت مع الإبادة، وطبعا سيكون لهذه الحرب آثار كارثية على كل البشرية العالم فشل في منع الكارثة نحن جزء من العالم ولنا حق في هذا العالم، وهذا النظام العالمي إما أن يدافع عنا أيضا أو أنه يدافع عن ناد ضيق من البشر ويفاقم الصراع .

*انتظر الشعب الفلسطيني والشعوب الداعمة أيضا قرارا واضحا من العدل الدولية لإنهاء الحرب وبدلا من ذلك رايتا الاحتلال يفاقم جرائمه كيف تقرأ ذلك؟

- المسار القضائي في ارتكاب جرائم حرب يتعلق بالدول، ولهذا أنشئت محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، هناك بداية نجاح بعد أن رفعت جنوب إفريقيا دعوى ضد الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة ونحن إزاء إجراءات أولية أو تدابير اعتمدت كل ما تقدمت به جنوب إفريقيا لوقف القتل والتدمير والحصار وعدم التلاعب بالأدلة وسيتعين على الاحتلال تقديم تقرير خلال شهر26 فيفري وهذا يعني وقف إطلاق النار، المحكمة أقرت باعتماد مرافعة جنوب إفريقيا  وهو ما يعني أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية قائمة المحكمة وضعت إسرائيل رسميا في قفص الاتهام وهي تواجه تهمة الإبادة الجماعية وهذا الطرف الثالث من المنظومة الدولية وهو الذي يتعلق بالجانب القضائي وحتى الآن فقد حافظ على صلاحياته وأسباب وجوده.

*تحركات ديبلوماسية أمريكية وأوروبية وتصريحات متواترة من واشنطن إلى لندن وحديث عن اليوم التالي أين الفلسطينيون مما يحدث وما مدى جدية هذه التصريحات؟

-قلنا منذ اليوم الأول  للحرب انه دون وقف فوري لإطلاق النار فان أي نقاش لا معنى له والحديث عن اليوم التالي أيضا لا معنى له ولذلك الأولوية الآن على اليوم الحالي شعبنا يتعرض لحرب إبادة جماعية وهذا يجب أن يتوقف. الإبادة الجماعية كما حددتها العدل الدولية تستهدف أي مجموعة عرقية وإسرائيل تمارس القتل الجماعي والأرقام تتجاوز المائة ألف بين قتيل وجريح ومفقود، الاحتلال ذهب إلى تهشيم النخب الاجتماعية. وقتل الأطباء الذين ينقذون حياة الناس ليس صدفة واستهداف الصحفيين الذين ينقلون الحقائق ليس صدفة كذلك استهداف الباحثين والعلماء والأكاديميين والجامعيين كل هذا يهدف إلى تهشيم المجتمع الفلسطيني، لقد  دمروا ثالث أقدم كنيسة في العالم ودمروا المسجد العمري الذي بني قبل 750 عاما وهذا يعني إبادة الهوية والذاكرة، واستهدفوا  التعليم والمدرسين والتلاميذ وتم تدمير 370 مدرسة و12 جامعة خلال ثلاثة أشهر هذا أيضا  تدمير مجتمعي، politicide   استهداف القيادة السياسية في حديث نتنياهو عن فتحستان وحماسستان أيضا جزء من عقلية الإبادة وتهشيم أي قيادة سياسية. الصورة واضحة اليوم تأكد الهدف وقد قلنا من اليوم الأول إن هدف إسرائيل ليس تدمير حماس بل تدمير الشعب الفلسطيني. إلى هنا يمكن القول أن العدل الدولية نجحت في الدفاع عن نفسها أولا حكموا بالقانون والضمير وهذا يحسب لها ونجاح المحكمة يدلل على فشل المسار الأول والثاني في مجلس الأمن المحكوم بالسياسي.

*حملة شرسة تستهدف "الاونروا" لماذا الآن وكيف يمكن تجنب كارثة جديدة؟

 -قرار المحكمة دامغ وخطير ولن يكون أي قاض أو مسار قانوني عادل لا يحكم بإدانة إسرائيل وكل طرف ثالث متورط سيحاكم أيضا وفقا لقرارات العدل الدولية وبينها بريطانيا وأمريكا وكل الذين مولوا إسرائيل ولهذا السبب اخرجوا الآن هذا الأرنب ملف "الانروا" والدول نفسها التي تمول إسرائيل هي التي أوقفت المساعدات إلى "الاونروا" نجاح المحكمة أيضا يعني إدانتهم.

وهذه الأنظمة تريد أن تحمي إسرائيل وتحمي نفسها وهي بذلك تدفع إلى تدمير ما بقي من النظام الدولي.الحملة تقودها إسرائيل وحلفاؤها المتورطون ولذلك يعمدون إلى شن حملة تستهدف الأمم المتحدة ونذكر أن إسرائيل كانت طالبت بإقالة الأمين العام غوتيريس عندما ذكر إسرائيل بالالتزام بقواعد القانون الدولي وقال إن أحداث 7 أكتوبر لم تحدث من فراغ وأن هناك احتلالا ولا بد من إنهائه فهم السياق مهم جدا لان كيان الاحتلال يصر على أن الحدث بدأ انطلاقا من السابع من أكتوبر وهذه طبعا كذبة لم تعد مقبولة .

أي حراك دولي فاعل يجب أن  ينطلق من الأساس أولا وقف العدوان والخوض في أي مسائل أخرى الآن يضر ولا يفيد وهو تحريف للأنظار عما يحدث اليوم من جرائم ومجازر وتهوين لها، ثانيا يجب إنهاء الحصار على قطاع غزة خصوصا بعد قرار العدل الدولية لإيصال المساعدات الغذائية، واضح أن إسرائيل تستخدم سلاح التجويع وحرمان المرضى من العلاج كسلاح حرب واستخدام التجويع والمرض جريمة حرب أخرى. ثالثا الحديث عن اليوم التالي أو حل الدولتين يبدأ بإنهاء الاحتلال .

*وكيف سيتعين الاستعداد لذلك في خضم حالة الضعف والانقسام والتشرذم، والقوى الكبرى تطالب السلطة الفلسطينية بالإصلاحات؟

-تاريخيا تعلمنا أن العالم كلما فشل وعجز في الضغط على إسرائيل  لذلك نراه يسلط الضوء على فلسطين وعلى النظام هناك ولإصلاح والتغيير وما إلى ذلك نعلم جيدا ما فعلوه بالزعيم الراحل عرفات وما فعلوه لإفشال مسار أوسلو على مدى ثلاثين عاما واليوم يرمون الكرة في الملعب الفلسطيني ويعتبرون انه ليس موحدا وليس قادرا على حكم نفسه واعتقادي أن هذا الكلام جزء منه صحيح ولكنه كلام ليس كله حق ولكن يراد به باطل، الشعب الفلسطيني موحد بهويته بنضاله موحد ضد قاتله وضد الاحتلال. إسرائيل لا تفرق بين "فتح" و"حماس" ما فعلوه في الضفة أو في مخيمات اللجوء أو في القدس كل فلسطيني يريد إنهاء الاحتلال وحدة الشعب الفلسطيني هي التي تخلق وحدة العالم حول العلم الفلسطيني وهي التي توحد أيضا شعوب العالم حول القضية الفلسطينية، العلم الفلسطيني لم يعد علم الفلسطينيين وحدهم بل علم كل أحرار العالم. لم يكن للشعب الفلسطيني أن يصدر ثقافته وعلمه لولا هذه الوحدة لدينا "منظمة التحرير" وأنا ممثلها  تأسست بدم الفلسطينيين وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ولا احد يشكك في "منظمة التحرير". نعم الكثيرون يريدون انتخابات وهذا حق ولا احد يشكك في ذلك، لدينا نظام سياسي معترف به دوليا ولدينا دولة فلسطينية معترف بها من اغلب دول العالم 141 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية ولكن بسبب "الفيتو" الأمريكي هذه الدولة لا تزال تحت الاحتلال الدولة موجودة ولدينا كل مقومات الدولة الأساسية منذ ذهبنا إلى الأمم المتحدة في 2011 كنت المتحدث الرسمي في نيويورك آنذاك طلبنا دخول فلسطين كدولة عضو تمثل كل الشعب الفلسطيني لكن ما نراه ونشهده اليوم أن الغرب يريد أن يعيدنا إلى ما قبل 7 أكتوبر. نعم على العالم أن يعرف أن لدينا دولة وحكومة. صحيح هناك اختلافات بين "فتح" و"حماس" ولكنها ليست حول العضوية وقناعتي انه لا بد من معادلة لانضمام "حماس" إلى الحركة . "حماس" دخلت الانتخابات تحت السلطة الفلسطينية وكانت جزءا من النظام السياسي الفلسطيني ويجب أن تعود "حماس" باتفاق أو توافق على برنامج سياسي، الباب مفتوح وهناك عملية حوار دائر منذ سنوات. إضافة إلى ما سبق نقول للآسف أن الإدارة الأمريكية توفر الغطاء السياسي والقانوني والاقتصادي لإسرائيل وتمدها بأطنان القنابل المتفجرة وغير ذلك من العتاد العسكري الذي مكن الاحتلال من قصف أحيائنا السكنية وأطفالنا ونسائنا ومساجدنا وكنائسنا ومدارسنا وكل البنية التحتية،  وهى لم تتراجع عن ذلك رغم أن التقديرات تقول إن ما ألقي فوق غزة أكثر من ثلاثة أضعاف حجم القنبلة النووية التي ألقتها على هيروشيما.

*هل تقصد أن هناك حوارا اليوم مع "حماس"؟

-نعم الحوار مستمر مع "حماس"  واعتقد أن "حماس" تريد أن تكون جزءا من العمل السياسي الفلسطيني وهو ما يمكن أن يكون نابعا من اتفاق وتوافق وقبول بالشرعية الدولية ومنظمة التحرير تمثل كل الشعب الفلسطيني."حماس" جزء من الواقع الفلسطيني وقلنا منذ اليوم الأول أننا لا نقبل أن نتهم أي طرف فلسطيني بالإرهاب وقعنا تحت اختبار هائل منظمة التحرير مرجعنا وهي تمثل كل الفلسطينيين من اتفق أو اختلف أو انتقد معنا لأننا ندافع عن فلسطين. في 2017 و2018 كنت في واشنطن وعملنا كمنظمة التحرير الفلسطينية على منع تصنيف حماس كمنظمة إرهابية كانت التعليمات واضحة وأقول ذلك صراحة تعليمات من الرئيس محمود عباس بإسقاط هذا المشروع واسقطناه، تحركنا وفق المبدأ المشترك وأن تصنيف أي طرف فلسطيني بالإرهاب مرفوض، مرفوض، هذا جزء من نضال شعبنا ضد الاحتلال ومن اجل السيادة والاستقلال، بالمقابل فان "حماس" جزء من الكل وليست الكل وهي جزء من مشروع وطني فلسطيني كامل باستقلال كامل ولا يتبع أي أجندا إقليمية أو دولية .

*العجز العربي والإسلامي إلى متى وكيف تنظرون إليه؟

-الموقف العربي الرسمي منذ بداية الحرب رفض الحصار واجمع على كسره ندد بما يحدث ولكن تبقى المشكلة في التنفيذ و"الاونروا" موضوع على غاية الأهمية لدينا ما نتمناه وننتظره من العالم العربي الموقف واضح ولكن التنفيذ فيه إشكال في المقابل الشعوب العربية عادت لها الطاقة وهي تتحرك وتتضامن مع شعبنا كان هناك هدف بتهميش القضية في العالم العربي ولكن ما حدث  أدى إلى عكس ذلك هناك جيل جديد وهو جيل مواكب للقضية لا ولن ينسى وهو يكذب كل الادعاءات بأن الكبار يموتون والصغار ينسون، القضية عادت لتتصدر المواقع الاجتماعية وتتصدر اهتمام الرأي العام العربي والدولي حتى في الدول المطبعة أو غيرها شعوب العالم أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن القضية الفلسطينية قضية حضارية وقضية مصير مشترك ودم مشترك وأنا لا اخفي أني أتلقى رسائل من مختلف أنحاء العالم من مختلف الأجيال يساندون القضية ويدعمون شعبنا. هناك جيل عربي متمكن وفاعل وهو يساعدنا في كل مكان يتواجد فيه هذا الجيل ملهم وواعد.

*وهل هناك تهديدات لزملط؟ ..

-طبعا هناك تهديدات تصلنا وتستهدف السفارة وقد أعلمنا بها السلطات الأمنية  البريطانية.

*هل تغير تعاطي الإعلام الغربي معك، كان السؤال الوحيد الذي يدعونك حوله هل تدين "حماس"؟

-يمكن القول إن الإعلام الغربي تغير إلى حد ما عما كان عليه في بداية الحرب الهمجية، بدأنا نشهد تطورا معنا هناك تحول ملحوظ وهذا احد المؤشرات على أن تراجع السردية الإسرائيلية الزائفة لم يعد احد يسأل هل تدين "حماس"، الإعلام الغربي بدأ يبحث عن جذور القضية ويفهم أن الموضوع له علاقة بحق الشعب الفلسطيني لكن هذا ليس كافيا ولا يزال الإعلام الغربي يتسرع في تبني السردية الإسرائيلية ويلعب على وعي المتلقي ومحكمة العدل أفشلت الكثير من حساباته. سبب تركيز الإعلام الغربي على السؤال الشائع هل تُدين "حماس"؟ أن الهدف منه وضع من يُمثل الصوت الفلسطيني في خانة الدفاع. الإعلام الغربي استخدم من قبل إسرائيل كأداة أساسية لاضطهاد الشعب الفلسطيني ولكن هذا الإعلام الذي يقوده الرصاص والصواريخ لا يمكن أن يستر جرائم الاحتلال اعتمدوا بكل الطرق الملتوية الإعلام لتحميل الضحية كل المسؤولية والانتصار للجلاد عمدوا إلى توجيه الوعي الغربي واعتبار أن "حماس" والفلسطينيين عنوان وسبب العنف والإرهاب وأن إسرائيل في حال دفاع عن النفس قلبوا كل الحقائق لصالح كيان الاحتلال ولصالح حكومة نتنياهو وفي المقابل فإنهم لا يفعلون ذلك مع المسؤولين الإسرائيليين يتعاملون معنا بعنصرية واضحة على اعتبار أن الدم العربي والدم الفلسطيني مختلف وانه دون ما يحدث في أوكرانيا في حربها مع روسيا. الإعلام الغربي بتأثير إسرائيل عمل ويعمل لنزع السياق التاريخي للقضية الفلسطينية وإلغاء ما قبل السابع من أكتوبر وجعل التاريخ يبدأ في حساباتهم يبدأ عندما يكون هناك قتلى إسرائيليون.

*ماذا بعد إلى أين يتجه المشهد وما هي السيناريوهات القادمة؟

-نحن كفلسطينيين دخلنا في مرحلة صعبة وتسوية سياسية أفشلتها إسرائيل بزرع المستوطنات وترهيب المستوطنين وبسياساتها الاحتلالية وبلدوزاراتها وتبعها تطبيع عربي انطلاقا من اتفاق ابراهام بضغط أمريكي بهدف التطبيع الكامل دون أن تقدم إسرائيل شيئا، نحن نعول على دعم أصدقائنا في كل العالم من إفريقيا إلى آسيا، تربطنا بإفريقيا  علاقات تاريخيّة وهي من أكثر شعوب العالم فهمًا للمعاناة والنضال الفلسطيني لأنها تجرعت مرارة الاستعمار وتدرك ثمن التحرر، فلا يوجد دولة بإفريقيا لم تتعرض للاحتلال والاضطهاد وسرقة ثرواتها وهويتها، إضافة لعلاقتنا الإستراتيجية مع الدول الوازنة كالصين وصولًا إلى البرازيل وبلدان جنوب شرق آسيا، إضافة إلى منطقتنا العربية.

*هل يمكن التعويل على العدل الدولية؟

-من المؤسف أن أداء القاضية الوحيدة التي لم تحكم لصالح القضية الفلسطينية كانت من اوغندا وذهبت على عكس التيار في القارة الإفريقية المساندة لفلسطين، ما نسجله اليوم أن القضية الفلسطينية تستأثر بالدعم والتضامن عبر كل العالم من إفريقيا إلى آسيا وأمريكا اللاتينية لكننا نحتاج مزيد العمل، ما قامت به جنوب إفريقيا ليس للفلسطينيين وحدهم بل لإفريقيا وللإنسانية أيضا لقد رفعت جنوب إفريقيا الكثير من الحواجز وفتحت أبوبا موصدة.

*ماذا سيتبقى من غزة بعد هذه الحرب؟

-بعد أكثر من 120 يوما من العدوان والإبادة الجماعية وآلاف الضحايا من مختلف الأجيال دون اعتبار لحجم الخراب والدمار والأكيد أن العالم سيكتشف المزيد من الفظاعات يوم تتوقف الحرب. بريطانيا والكثير من الدول الغربية لها مصالح كبيرة مع الدول العربية، يفترض أن تدفعها إلى التوازن بشأن القضية الفلسطينية، لكن السياسيين الغربيين يرجحون الحسابات الداخلية الانتخابية.  ازدواجية  المعايير لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية أدت إلى انكشاف الغرب، وهذا ما نراه عبر الطوفان الداعم للقضية الفلسطينية الذي نشهده اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد نجحنا في كسر الجدار الذي طوقت به إسرائيل الحقيقة، وهناك مسيرات مليونية في مختلف عواصم العالم تساندنا وتطالب بإنهاء الاحتلال، ويمكن القول أن إسرائيل من يخرب الديمقراطيات الغربية، لأن الحكومات في عدد من الدول تسير عكس مطالب شعوبها، وتدافع بشكل مطلق عن جرائم الاحتلال بالرغم من التنديد الشعبي ضد ما يتعرض له شعبنا. نعم هناك رأى عام يتشكل في صفوف الشباب الأوروبي والأمريكي وذلك يعود لعوامل عديدة، أولها فظاعة آلة القتل الإسرائيلي من جرائم لا يقبلها الضمير البشرى، أمكن للأصوات الفلسطينية وأصدقاء فلسطين فضح رواية الإعلام الغربي المضللة التي تتستر على جرائم الاحتلال بدعوى الدفاع عن النفس وإسقاط الحق الفلسطيني التاريخي، الأكيد أن متابعة العالم كل خصوصًا جيل الشباب تلك الفظاعات انعكس على العواصم الغربية وشكل رأيا عاما  تحول خلال الأسابيع الماضية باتجاه فلسطين وباتجاه مناهضة جرائم الاحتلال. من جانبنا نواصل البناء على ذلك ونواصل بناء  الجسور وهنا في العاصمة البريطانية نتحرك بشكل منتظم وندفع إلى تغيير السردية الإسرائيلية الزائفة لدى الشعوب، ومتأكدون أن هذا سيصل بنا إلى يوم تضطر فيه الحكومات لتغيير مواقفها كما حصل مع جنوب إفريقيا التي تحررت من نظام الفصل العنصري عبر الضغط الشعبي. المعادلة التاريخية أثبتت أن الشعوب هي التي تحدث التغيير وتناصر المقهورين وليس الحكومات، والتاريخ حافل بالمواقف الدالة على ذلك، والشعب البريطاني كان له دور مركزي في الحملة الدولية لمناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في السبعينيات والثمانينيات، كان الشعب رائدا في هذه الحملة وانطلقت من لندن رغم التاريخ الاستعماري للحكومات البريطانية.

حسام زملط سفير فلسطين في بريطانيا لـ"الصباح":  لا معنى لأي حديث عن اليوم التالي قبل وقف الحرب وإنهاء الاحتلال..

تونس الصباح

ديبلوماسي محنك يتمتع بحضور إعلامي لافت وهو متحدث بارع وله قدرة على المقارعة دون تشنج ودون الانسياق إلى فخ الاستفزاز، انه السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط الذي فضح نفاق ورياء الإعلام الغربي وانحيازه الأعمى لكيان الاحتلال وسرديته الزائفة، الحديث إلى السفير زملط يكشف عن شخصية فلسطينية من معدن خاص وانتماؤه لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية لم يغير قناعاته إزاء حماس كحركة مقاومة ضد الاحتلال وكجزء من مكونات المشهد الفلسطيني ورغم التهديدات التي تطاله من المتطرفين اليهود الذين باتوا يستنفرون من حضوره الإعلامي ومن تحركاته على رأس المظاهرات الاحتجاجية الأسبوعية في العاصمة البريطانية فهو يظل احد الأصوات  الفلسطينية المؤثرة في الغرب وهو المتمكن من مختلف القضايا القانونية والسياسية والتاريخية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فرض نفسه في المشهد الإعلامي الغربي ورفض محاكمات النوايا التي تتم في المنابر الإعلامية وتمكن من كسب تأييد ودعم وتضامن عديد الأوساط داخل وخارج بريطانيا بعد أن حطم الجدار الذي صنعته آلة الدعاية الإسرائيلية حول القضية الفلسطينية والمساعي لشيطنة الشعب الفلسطيني وتحويله إلى شعب من الإرهابيين المتعطشين للدم، يقول محدثنا الذي استهل كلامه بالثناء على تونس ودورها في احتضان القضية الفلسطينية ودعمها في مختلف محطاتها التاريخية منذ النكبة وصولا إلى حرب الإبادة الراهنة في غزة. يقول محدثنا وهو لا يتوقف عن الاتصالات استعدادا لمظاهرة الغد "انه لا حق لإسرائيل في حق الدفاع عن النفس وأن الشعب الفلسطيني الذي يقبع تحت الاحتلال وحده من يجب أن يمتلك حق الدفاع عن النفس ضد ممارسات الاحتلال" ...

حسام زملط الغزاوي الذي يتوشح بالكوفية ويتصدر المظاهرات الأسبوعية المليونية في العاصمة البريطانية تعرض للتهديدات والهرسلة ولكنه يواصل حمل قضيته حيثما كان وهو أحد ابرز الأصوات الديبلوماسية التي بات الإعلام الغربي يحسب لها حساب... وهو يتهم الإعلام الغربي بأنه أداة إسرائيلية طيعة لاضطهاد الشعب الفلسطيني.. في لقاء خص به "الصباح"  قال حسام زملط  إن الحديث عن اليوم التالي لا معنى له دون توقف الحرب وإنهاء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية، وأضاف أن الحوار مع حماس قائم وحماس جزء من الكل وليست الكل وهي جزء من مشروع وطني فلسطيني كامل باستقلال كامل ولا يتبع أي أجندا إقليمية أو دولية... وخلص زملط إلى أن محكمة العدل الدولية أقرت باعتماد مرافعة جنوب إفريقيا وهو ما يعني أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية وأن المحكمة وضعت إسرائيل رسميا في قفص الاتهام وهي تواجه تهمة الإبادة الجماعية.. وفيما يلي نص الحديث.

حوار: اسيا العتروس

 *تقترب الحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة من شهرها الخامس مع حصيلة خيالية للقتلى والجرحى والمفقودين ما الذي يحدث ولماذا يعجز المجتمع الدولي عن إيقاف الحرب وهل نحن إزاء سقوط المنظومة الدولية الإنسانية؟

-العالم للأسف يعيش مرحلة قد تكون الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية ومنذ نشأة المنظومة الدولية على ويلات الحرب العالمية الثانية، ولذلك علينا التذكير بأن القيم الإنسانية التي قامت عليها المنظومة الدولية ليست قيما غربية بل قيما إنسانية كونية تقوم على رفض الحروب وإقامة السلام وكذلك الشأن بالنسبة لكل الهياكل والمؤسسات الدولية التي تأسست على نتائج أهوال الحرب العالمية الثانية وجثث ملايين البشر الذين قتلوا الذين أبيدوا وخاصة في أوروبا وهو ما جعل العالم يتجمع شرقا وغربا على قواعد إنسانية مشتركة ونحن نرفض مقولة إنها مبادئ وقيم غربية .

صحيح أن عكس هذه المبادئ كانت تمارس في أوروبا وعلى هذا الأساس تم تأسيس جملة من الهياكل تحت شعار "never again"  وتم تحويلها إلى منظومة دولية فكان مجلس الأمن والجمعية العمومية التي لها صلاحيات سياسية قانونية وقضائية، ولكن العالم الذي تأسس على رفض ومنع الحرب أصيب بالشلل في مسار القضية الفلسطينية ومجلس الأمن فشل فشلا  ذريعا. مع انه حتى في حالة وقوع حروب فان للحرب قواعدها والحرب جائزة فقط في حال اعتداء دولة على دولة وهذا الحق يعطيه مجلس الأمن ولكن هنا أيضا فشل مجلس الأمن مرة أخرى واتجه إلى استخدام حق الدفاع عن النفس لدولة الاحتلال وهذا مناقض للقوانين الدولية ولمبدإ الدفاع عن النفس ولا ينطبق  على إسرائيل التي هي في حالة عدوان كامل منذ75 عاما على شعبنا المحاصر الذي يواجه الاستيطان والابرتييد والفصل العنصري وعندما تقوم حكومات غربية بإقرار هذا الحق حصريا لإسرائيل فهذا إقرار بحق الإبادة الجماعية وإقرار بفشل العالم في التعاطي مع البند الثاني لميثاق الأمم المتحدة المتعلق بقواعد الحرب والحال أننا نحن كشعب فلسطيني من يقبع تحت الاحتلال لنا الحق الأول والوحيد في الدفاع عن النفس. إسرائيل دمرت كل هذه القواعد الدولية بدعم الكثير من الدول الغربية وهذا كان له اثر كبير إسرائيل طبعت الحرب، الحرب تحصل بين جيوش وما يحصل بالنسبة لنا قمع واضطهادrepression  وتطهير عرقي وهو ما يعني أن للشعب الفلسطيني الحق في المقاومة، والحرب في عقلية إسرائيل تعني قتل النساء والأطفال وتدمير المدارس والبيوت والبنى التحتية .إسرائيل بكل بساطة طبعت مع الإبادة، وطبعا سيكون لهذه الحرب آثار كارثية على كل البشرية العالم فشل في منع الكارثة نحن جزء من العالم ولنا حق في هذا العالم، وهذا النظام العالمي إما أن يدافع عنا أيضا أو أنه يدافع عن ناد ضيق من البشر ويفاقم الصراع .

*انتظر الشعب الفلسطيني والشعوب الداعمة أيضا قرارا واضحا من العدل الدولية لإنهاء الحرب وبدلا من ذلك رايتا الاحتلال يفاقم جرائمه كيف تقرأ ذلك؟

- المسار القضائي في ارتكاب جرائم حرب يتعلق بالدول، ولهذا أنشئت محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، هناك بداية نجاح بعد أن رفعت جنوب إفريقيا دعوى ضد الاحتلال بارتكاب جرائم إبادة ونحن إزاء إجراءات أولية أو تدابير اعتمدت كل ما تقدمت به جنوب إفريقيا لوقف القتل والتدمير والحصار وعدم التلاعب بالأدلة وسيتعين على الاحتلال تقديم تقرير خلال شهر26 فيفري وهذا يعني وقف إطلاق النار، المحكمة أقرت باعتماد مرافعة جنوب إفريقيا  وهو ما يعني أن إسرائيل ارتكبت جرائم إبادة جماعية قائمة المحكمة وضعت إسرائيل رسميا في قفص الاتهام وهي تواجه تهمة الإبادة الجماعية وهذا الطرف الثالث من المنظومة الدولية وهو الذي يتعلق بالجانب القضائي وحتى الآن فقد حافظ على صلاحياته وأسباب وجوده.

*تحركات ديبلوماسية أمريكية وأوروبية وتصريحات متواترة من واشنطن إلى لندن وحديث عن اليوم التالي أين الفلسطينيون مما يحدث وما مدى جدية هذه التصريحات؟

-قلنا منذ اليوم الأول  للحرب انه دون وقف فوري لإطلاق النار فان أي نقاش لا معنى له والحديث عن اليوم التالي أيضا لا معنى له ولذلك الأولوية الآن على اليوم الحالي شعبنا يتعرض لحرب إبادة جماعية وهذا يجب أن يتوقف. الإبادة الجماعية كما حددتها العدل الدولية تستهدف أي مجموعة عرقية وإسرائيل تمارس القتل الجماعي والأرقام تتجاوز المائة ألف بين قتيل وجريح ومفقود، الاحتلال ذهب إلى تهشيم النخب الاجتماعية. وقتل الأطباء الذين ينقذون حياة الناس ليس صدفة واستهداف الصحفيين الذين ينقلون الحقائق ليس صدفة كذلك استهداف الباحثين والعلماء والأكاديميين والجامعيين كل هذا يهدف إلى تهشيم المجتمع الفلسطيني، لقد  دمروا ثالث أقدم كنيسة في العالم ودمروا المسجد العمري الذي بني قبل 750 عاما وهذا يعني إبادة الهوية والذاكرة، واستهدفوا  التعليم والمدرسين والتلاميذ وتم تدمير 370 مدرسة و12 جامعة خلال ثلاثة أشهر هذا أيضا  تدمير مجتمعي، politicide   استهداف القيادة السياسية في حديث نتنياهو عن فتحستان وحماسستان أيضا جزء من عقلية الإبادة وتهشيم أي قيادة سياسية. الصورة واضحة اليوم تأكد الهدف وقد قلنا من اليوم الأول إن هدف إسرائيل ليس تدمير حماس بل تدمير الشعب الفلسطيني. إلى هنا يمكن القول أن العدل الدولية نجحت في الدفاع عن نفسها أولا حكموا بالقانون والضمير وهذا يحسب لها ونجاح المحكمة يدلل على فشل المسار الأول والثاني في مجلس الأمن المحكوم بالسياسي.

*حملة شرسة تستهدف "الاونروا" لماذا الآن وكيف يمكن تجنب كارثة جديدة؟

 -قرار المحكمة دامغ وخطير ولن يكون أي قاض أو مسار قانوني عادل لا يحكم بإدانة إسرائيل وكل طرف ثالث متورط سيحاكم أيضا وفقا لقرارات العدل الدولية وبينها بريطانيا وأمريكا وكل الذين مولوا إسرائيل ولهذا السبب اخرجوا الآن هذا الأرنب ملف "الانروا" والدول نفسها التي تمول إسرائيل هي التي أوقفت المساعدات إلى "الاونروا" نجاح المحكمة أيضا يعني إدانتهم.

وهذه الأنظمة تريد أن تحمي إسرائيل وتحمي نفسها وهي بذلك تدفع إلى تدمير ما بقي من النظام الدولي.الحملة تقودها إسرائيل وحلفاؤها المتورطون ولذلك يعمدون إلى شن حملة تستهدف الأمم المتحدة ونذكر أن إسرائيل كانت طالبت بإقالة الأمين العام غوتيريس عندما ذكر إسرائيل بالالتزام بقواعد القانون الدولي وقال إن أحداث 7 أكتوبر لم تحدث من فراغ وأن هناك احتلالا ولا بد من إنهائه فهم السياق مهم جدا لان كيان الاحتلال يصر على أن الحدث بدأ انطلاقا من السابع من أكتوبر وهذه طبعا كذبة لم تعد مقبولة .

أي حراك دولي فاعل يجب أن  ينطلق من الأساس أولا وقف العدوان والخوض في أي مسائل أخرى الآن يضر ولا يفيد وهو تحريف للأنظار عما يحدث اليوم من جرائم ومجازر وتهوين لها، ثانيا يجب إنهاء الحصار على قطاع غزة خصوصا بعد قرار العدل الدولية لإيصال المساعدات الغذائية، واضح أن إسرائيل تستخدم سلاح التجويع وحرمان المرضى من العلاج كسلاح حرب واستخدام التجويع والمرض جريمة حرب أخرى. ثالثا الحديث عن اليوم التالي أو حل الدولتين يبدأ بإنهاء الاحتلال .

*وكيف سيتعين الاستعداد لذلك في خضم حالة الضعف والانقسام والتشرذم، والقوى الكبرى تطالب السلطة الفلسطينية بالإصلاحات؟

-تاريخيا تعلمنا أن العالم كلما فشل وعجز في الضغط على إسرائيل  لذلك نراه يسلط الضوء على فلسطين وعلى النظام هناك ولإصلاح والتغيير وما إلى ذلك نعلم جيدا ما فعلوه بالزعيم الراحل عرفات وما فعلوه لإفشال مسار أوسلو على مدى ثلاثين عاما واليوم يرمون الكرة في الملعب الفلسطيني ويعتبرون انه ليس موحدا وليس قادرا على حكم نفسه واعتقادي أن هذا الكلام جزء منه صحيح ولكنه كلام ليس كله حق ولكن يراد به باطل، الشعب الفلسطيني موحد بهويته بنضاله موحد ضد قاتله وضد الاحتلال. إسرائيل لا تفرق بين "فتح" و"حماس" ما فعلوه في الضفة أو في مخيمات اللجوء أو في القدس كل فلسطيني يريد إنهاء الاحتلال وحدة الشعب الفلسطيني هي التي تخلق وحدة العالم حول العلم الفلسطيني وهي التي توحد أيضا شعوب العالم حول القضية الفلسطينية، العلم الفلسطيني لم يعد علم الفلسطينيين وحدهم بل علم كل أحرار العالم. لم يكن للشعب الفلسطيني أن يصدر ثقافته وعلمه لولا هذه الوحدة لدينا "منظمة التحرير" وأنا ممثلها  تأسست بدم الفلسطينيين وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ولا احد يشكك في "منظمة التحرير". نعم الكثيرون يريدون انتخابات وهذا حق ولا احد يشكك في ذلك، لدينا نظام سياسي معترف به دوليا ولدينا دولة فلسطينية معترف بها من اغلب دول العالم 141 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية ولكن بسبب "الفيتو" الأمريكي هذه الدولة لا تزال تحت الاحتلال الدولة موجودة ولدينا كل مقومات الدولة الأساسية منذ ذهبنا إلى الأمم المتحدة في 2011 كنت المتحدث الرسمي في نيويورك آنذاك طلبنا دخول فلسطين كدولة عضو تمثل كل الشعب الفلسطيني لكن ما نراه ونشهده اليوم أن الغرب يريد أن يعيدنا إلى ما قبل 7 أكتوبر. نعم على العالم أن يعرف أن لدينا دولة وحكومة. صحيح هناك اختلافات بين "فتح" و"حماس" ولكنها ليست حول العضوية وقناعتي انه لا بد من معادلة لانضمام "حماس" إلى الحركة . "حماس" دخلت الانتخابات تحت السلطة الفلسطينية وكانت جزءا من النظام السياسي الفلسطيني ويجب أن تعود "حماس" باتفاق أو توافق على برنامج سياسي، الباب مفتوح وهناك عملية حوار دائر منذ سنوات. إضافة إلى ما سبق نقول للآسف أن الإدارة الأمريكية توفر الغطاء السياسي والقانوني والاقتصادي لإسرائيل وتمدها بأطنان القنابل المتفجرة وغير ذلك من العتاد العسكري الذي مكن الاحتلال من قصف أحيائنا السكنية وأطفالنا ونسائنا ومساجدنا وكنائسنا ومدارسنا وكل البنية التحتية،  وهى لم تتراجع عن ذلك رغم أن التقديرات تقول إن ما ألقي فوق غزة أكثر من ثلاثة أضعاف حجم القنبلة النووية التي ألقتها على هيروشيما.

*هل تقصد أن هناك حوارا اليوم مع "حماس"؟

-نعم الحوار مستمر مع "حماس"  واعتقد أن "حماس" تريد أن تكون جزءا من العمل السياسي الفلسطيني وهو ما يمكن أن يكون نابعا من اتفاق وتوافق وقبول بالشرعية الدولية ومنظمة التحرير تمثل كل الشعب الفلسطيني."حماس" جزء من الواقع الفلسطيني وقلنا منذ اليوم الأول أننا لا نقبل أن نتهم أي طرف فلسطيني بالإرهاب وقعنا تحت اختبار هائل منظمة التحرير مرجعنا وهي تمثل كل الفلسطينيين من اتفق أو اختلف أو انتقد معنا لأننا ندافع عن فلسطين. في 2017 و2018 كنت في واشنطن وعملنا كمنظمة التحرير الفلسطينية على منع تصنيف حماس كمنظمة إرهابية كانت التعليمات واضحة وأقول ذلك صراحة تعليمات من الرئيس محمود عباس بإسقاط هذا المشروع واسقطناه، تحركنا وفق المبدأ المشترك وأن تصنيف أي طرف فلسطيني بالإرهاب مرفوض، مرفوض، هذا جزء من نضال شعبنا ضد الاحتلال ومن اجل السيادة والاستقلال، بالمقابل فان "حماس" جزء من الكل وليست الكل وهي جزء من مشروع وطني فلسطيني كامل باستقلال كامل ولا يتبع أي أجندا إقليمية أو دولية .

*العجز العربي والإسلامي إلى متى وكيف تنظرون إليه؟

-الموقف العربي الرسمي منذ بداية الحرب رفض الحصار واجمع على كسره ندد بما يحدث ولكن تبقى المشكلة في التنفيذ و"الاونروا" موضوع على غاية الأهمية لدينا ما نتمناه وننتظره من العالم العربي الموقف واضح ولكن التنفيذ فيه إشكال في المقابل الشعوب العربية عادت لها الطاقة وهي تتحرك وتتضامن مع شعبنا كان هناك هدف بتهميش القضية في العالم العربي ولكن ما حدث  أدى إلى عكس ذلك هناك جيل جديد وهو جيل مواكب للقضية لا ولن ينسى وهو يكذب كل الادعاءات بأن الكبار يموتون والصغار ينسون، القضية عادت لتتصدر المواقع الاجتماعية وتتصدر اهتمام الرأي العام العربي والدولي حتى في الدول المطبعة أو غيرها شعوب العالم أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن القضية الفلسطينية قضية حضارية وقضية مصير مشترك ودم مشترك وأنا لا اخفي أني أتلقى رسائل من مختلف أنحاء العالم من مختلف الأجيال يساندون القضية ويدعمون شعبنا. هناك جيل عربي متمكن وفاعل وهو يساعدنا في كل مكان يتواجد فيه هذا الجيل ملهم وواعد.

*وهل هناك تهديدات لزملط؟ ..

-طبعا هناك تهديدات تصلنا وتستهدف السفارة وقد أعلمنا بها السلطات الأمنية  البريطانية.

*هل تغير تعاطي الإعلام الغربي معك، كان السؤال الوحيد الذي يدعونك حوله هل تدين "حماس"؟

-يمكن القول إن الإعلام الغربي تغير إلى حد ما عما كان عليه في بداية الحرب الهمجية، بدأنا نشهد تطورا معنا هناك تحول ملحوظ وهذا احد المؤشرات على أن تراجع السردية الإسرائيلية الزائفة لم يعد احد يسأل هل تدين "حماس"، الإعلام الغربي بدأ يبحث عن جذور القضية ويفهم أن الموضوع له علاقة بحق الشعب الفلسطيني لكن هذا ليس كافيا ولا يزال الإعلام الغربي يتسرع في تبني السردية الإسرائيلية ويلعب على وعي المتلقي ومحكمة العدل أفشلت الكثير من حساباته. سبب تركيز الإعلام الغربي على السؤال الشائع هل تُدين "حماس"؟ أن الهدف منه وضع من يُمثل الصوت الفلسطيني في خانة الدفاع. الإعلام الغربي استخدم من قبل إسرائيل كأداة أساسية لاضطهاد الشعب الفلسطيني ولكن هذا الإعلام الذي يقوده الرصاص والصواريخ لا يمكن أن يستر جرائم الاحتلال اعتمدوا بكل الطرق الملتوية الإعلام لتحميل الضحية كل المسؤولية والانتصار للجلاد عمدوا إلى توجيه الوعي الغربي واعتبار أن "حماس" والفلسطينيين عنوان وسبب العنف والإرهاب وأن إسرائيل في حال دفاع عن النفس قلبوا كل الحقائق لصالح كيان الاحتلال ولصالح حكومة نتنياهو وفي المقابل فإنهم لا يفعلون ذلك مع المسؤولين الإسرائيليين يتعاملون معنا بعنصرية واضحة على اعتبار أن الدم العربي والدم الفلسطيني مختلف وانه دون ما يحدث في أوكرانيا في حربها مع روسيا. الإعلام الغربي بتأثير إسرائيل عمل ويعمل لنزع السياق التاريخي للقضية الفلسطينية وإلغاء ما قبل السابع من أكتوبر وجعل التاريخ يبدأ في حساباتهم يبدأ عندما يكون هناك قتلى إسرائيليون.

*ماذا بعد إلى أين يتجه المشهد وما هي السيناريوهات القادمة؟

-نحن كفلسطينيين دخلنا في مرحلة صعبة وتسوية سياسية أفشلتها إسرائيل بزرع المستوطنات وترهيب المستوطنين وبسياساتها الاحتلالية وبلدوزاراتها وتبعها تطبيع عربي انطلاقا من اتفاق ابراهام بضغط أمريكي بهدف التطبيع الكامل دون أن تقدم إسرائيل شيئا، نحن نعول على دعم أصدقائنا في كل العالم من إفريقيا إلى آسيا، تربطنا بإفريقيا  علاقات تاريخيّة وهي من أكثر شعوب العالم فهمًا للمعاناة والنضال الفلسطيني لأنها تجرعت مرارة الاستعمار وتدرك ثمن التحرر، فلا يوجد دولة بإفريقيا لم تتعرض للاحتلال والاضطهاد وسرقة ثرواتها وهويتها، إضافة لعلاقتنا الإستراتيجية مع الدول الوازنة كالصين وصولًا إلى البرازيل وبلدان جنوب شرق آسيا، إضافة إلى منطقتنا العربية.

*هل يمكن التعويل على العدل الدولية؟

-من المؤسف أن أداء القاضية الوحيدة التي لم تحكم لصالح القضية الفلسطينية كانت من اوغندا وذهبت على عكس التيار في القارة الإفريقية المساندة لفلسطين، ما نسجله اليوم أن القضية الفلسطينية تستأثر بالدعم والتضامن عبر كل العالم من إفريقيا إلى آسيا وأمريكا اللاتينية لكننا نحتاج مزيد العمل، ما قامت به جنوب إفريقيا ليس للفلسطينيين وحدهم بل لإفريقيا وللإنسانية أيضا لقد رفعت جنوب إفريقيا الكثير من الحواجز وفتحت أبوبا موصدة.

*ماذا سيتبقى من غزة بعد هذه الحرب؟

-بعد أكثر من 120 يوما من العدوان والإبادة الجماعية وآلاف الضحايا من مختلف الأجيال دون اعتبار لحجم الخراب والدمار والأكيد أن العالم سيكتشف المزيد من الفظاعات يوم تتوقف الحرب. بريطانيا والكثير من الدول الغربية لها مصالح كبيرة مع الدول العربية، يفترض أن تدفعها إلى التوازن بشأن القضية الفلسطينية، لكن السياسيين الغربيين يرجحون الحسابات الداخلية الانتخابية.  ازدواجية  المعايير لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية أدت إلى انكشاف الغرب، وهذا ما نراه عبر الطوفان الداعم للقضية الفلسطينية الذي نشهده اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لقد نجحنا في كسر الجدار الذي طوقت به إسرائيل الحقيقة، وهناك مسيرات مليونية في مختلف عواصم العالم تساندنا وتطالب بإنهاء الاحتلال، ويمكن القول أن إسرائيل من يخرب الديمقراطيات الغربية، لأن الحكومات في عدد من الدول تسير عكس مطالب شعوبها، وتدافع بشكل مطلق عن جرائم الاحتلال بالرغم من التنديد الشعبي ضد ما يتعرض له شعبنا. نعم هناك رأى عام يتشكل في صفوف الشباب الأوروبي والأمريكي وذلك يعود لعوامل عديدة، أولها فظاعة آلة القتل الإسرائيلي من جرائم لا يقبلها الضمير البشرى، أمكن للأصوات الفلسطينية وأصدقاء فلسطين فضح رواية الإعلام الغربي المضللة التي تتستر على جرائم الاحتلال بدعوى الدفاع عن النفس وإسقاط الحق الفلسطيني التاريخي، الأكيد أن متابعة العالم كل خصوصًا جيل الشباب تلك الفظاعات انعكس على العواصم الغربية وشكل رأيا عاما  تحول خلال الأسابيع الماضية باتجاه فلسطين وباتجاه مناهضة جرائم الاحتلال. من جانبنا نواصل البناء على ذلك ونواصل بناء  الجسور وهنا في العاصمة البريطانية نتحرك بشكل منتظم وندفع إلى تغيير السردية الإسرائيلية الزائفة لدى الشعوب، ومتأكدون أن هذا سيصل بنا إلى يوم تضطر فيه الحكومات لتغيير مواقفها كما حصل مع جنوب إفريقيا التي تحررت من نظام الفصل العنصري عبر الضغط الشعبي. المعادلة التاريخية أثبتت أن الشعوب هي التي تحدث التغيير وتناصر المقهورين وليس الحكومات، والتاريخ حافل بالمواقف الدالة على ذلك، والشعب البريطاني كان له دور مركزي في الحملة الدولية لمناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في السبعينيات والثمانينيات، كان الشعب رائدا في هذه الحملة وانطلقت من لندن رغم التاريخ الاستعماري للحكومات البريطانية.