أعادت مصادقة مجلس الوزراء مؤخرا على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على الترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية، الجدل بشأن استقلالية البنك المركزي، وجدوى الضغط على مؤسسة الإصدار حتى تساهم في منح تمويلات مباشرة لخزينة الدولة في شكل قروض ميسرة.
ويأتي مشروع القانون في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى تمويلات إضافية ضخمة لتمويل عجز الميزانية، خاصة أن البلاد مقبلة خلال السنة الحالية على تحديات مالية صعبة، أبرزها سداد 1.8 مليار دولار من الديون الخارجية، منها 850 مليون يورو سندات دولية حل أجل سدادها خلال شهر فيفري المقبل. علما أنه خلال سنة 2025، ستكون تونس مجبرة على سداد قروض بقيمة 2.1 مليار دولار.
وفي سياق متصل، برمجت الحكومة جزءا من موارد ميزانية الدولة للسنة الحالية، إلى قروض خارجية تقدر بنحو خمسة مليار دولار..
ويبدو أن الهدف من مشروع القانون هو منح ترخيص استثنائي للبنك المركزي لتمويل الخزينة ولا يتعلق بتنقيح قانونه الأساسي المثير للجدل، والذي سبق أن عبر رئيس الجمهورية قيس سعيد عن قناعته بضرورة مراجعته.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي تُطرح فيها للنقاش قضية استقلالية البنك المركزي، فقد أثيرت المسألة خلال فترة البرلمان السابق (2019-2021) وتمت مناقشتها من زوايا مختلفة خاصة جدواها الاقتصادية والمالية، وذلك بالنظر إلى الحاجة الملحة للدولة في جل الأوقات لتمويل عجز الميزانية.
وكانت المعارضة البرلمانية قد تقدمت خلال مناقشة ميزانية الدولة لسنة 2020، بمقترحات قوانين لتعديل القانون الأساسي للبنك المركزي في اتجاه السماح له بتمويل ميزانية للدولة، وانتهى النقاش بتقديم مقترح توافقي يتمثل في إضافة فصل وحيد بمشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 يُرخّص استثنائيا لتمكين البنك المركزي من الغطاء القانون لتمويل عجز الميزانية، وتبنت الحكومة آنذاك المقترح وتمكنت من تعبئة 2.8 مليار دينار.
الرئيس يريد تنقيح القانون
ومن غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الحالية ستدرس لاحقا مشروع تنقيح القانون الأساسي للمركزي التونسي الصادر سنة 2016، علما أن هذه المسألة مطروحة على طاولة النقاش بعد أن دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد في 8 سبتمبر 2023 الى مراجعة الفصل 25 من القانون الأساسي للبنك المركزي الصادر سنة 2016 بما يتيح له إقراض الدولة مباشرة لمعاضدة جهودها في تمويل ميزانية الدولة.
وتأتي هذه المستجدات في وقت تعددت فيه دعوات صدرت عن كتل برلمانية، وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني لمراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي في اتجاه يسمح له بتمويل مباشر لميزانية الدولة خاصة في ظل عدم التوصل الحكومة الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعدم إمكانية خروج تونس للأسواق العالمية..
وينص الفصل 25 من قانون 2016 انه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة ".
وعلّق الرئيس سعيد على هذا الفصل بالقول: "كان من الأجدر عدم إدراج هذا الفصل بقطع النظر عن استقلالية البنك المركزي ودوره في التحكم في الأسعار خاصة في هذه الفترة الصعبة، لان البنوك التجارية هي التي تستفيد منه". وأكد أن الدور الأساسي للبنك المركزي في الاقتصاد الوطني يكمن في السيطرة على التضخم المالي وان تنسجم إدارة البنك كذلك مع سياسات الدولة.
وقال سعيد، في لقائه بمحافظ البنك المركزي: "آن الأوان في ما يتعلق بتمويل الميزانية، لمراجعة هذا الفصل المتعلق بإقراض البنوك التجارية للدولة والاستفادة من الفوائد التي تدرّها هذه القروض" .
واعتبر أن أحكام قانون البنك المركزي الصادر سنة 1958 أفضل من قانون 2016 بالنسبة لمسألة استقلالية مؤسسة الإصدار مبرزا أن بعض فصول قانون 2016 تخدم مصالح البنوك التجارية وتمكنهم من الاستحواذ على نسب هامة من فوائض القروض الممنوحة.
وقال أيضا: «استقلالية البنك المركزي لا تعني الاستقلال عن الدولة بل لا بد من الانسجام مع سياسات الدولة ولابد من التفريق بين الاستقلالية في المجال النقدي والاستقلالية في المجال المتصل بميزانية الدولة".
مسألة واهية
وتجدر الإشارة إلى أن محافظ البنك المركزي مروان العباسي كان قد ألمح إلى عدم جدوى تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي، وقال في رده على تساؤلات بعض النواب خلال ندوة برلمانية حول استقلالية البنك المركزي، انتظمت في نوفمبر من العام الماضي، بأن "المسألة واهية"..
وبرّر المحافظ موقفه بأن مؤسسة الإصدار "تعمل بالتنسيق اليومي والتعاون اللصيق مع وزارة المالية في المسائل المالية، التي تهم البلاد."، مفيدا أن "اتخاذ قرار التمويل المباشر للحكومة يكون من خلال موافقة مجلس إدارة البنك ولجنة السياسة النقدية ولجنة إعادة التمويل بالبنك.."
وأوضح العباسي الذي تنتهي مدة تكليفه على رأس البنك المركزي في شهر فيفري المقبل، أن قرار عدم تمويل البنك المركزي لميزانية الدولة مباشرة، لا يعد بالجديد ولا ينحصر في قانون 2016 بل يعود الى سنة 2006 عندما تم اتخاذ هذا القرار، مضيفا انه حتى قبل سنة 2006 كان اللجوء الى التمويل المباشر ظرفيا ومحدودا في الزمن وفي القيمة، وأكد في الآن نفسه أن القانون الأساسي للبنك المركزي عدد 35 لسنة 2016 وخاصة الفصل 25 اقر عدم التمويل المباشر مواصلة لروح قانون عدد 26 لسنة 2006 (الفصل 47).
وقال: "من المهم استرجاع الثقة في الدولة وخاصة الثقة في الاقتصاد مع التأكيد على إجراء تغيير عميق وجذري في الإدارة التونسية".
علما أنه سبق للعباسي أن انتقد بشدة دعوات لمراجعة استقلالية البنك المركزي، فقد قال على هامش ندوة صحفية بتاريخ 4 جانفي 2023، "ان السياسي الذي يدعو لهذا لا يفهم بأنه يضرب مؤسسة حيوية للاقتصاد التونسي لان السياسي يبحث دائما عن حل مشاكله اليومية. وأضاف: "النواب في فترة 2020 فهموا أن استقلالية البنك أمر أساسي وربحته تونس".
رفيق بن عبد الله
تونس- الصباح
أعادت مصادقة مجلس الوزراء مؤخرا على مشروع قانون يتعلق بالموافقة على الترخيص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية، الجدل بشأن استقلالية البنك المركزي، وجدوى الضغط على مؤسسة الإصدار حتى تساهم في منح تمويلات مباشرة لخزينة الدولة في شكل قروض ميسرة.
ويأتي مشروع القانون في وقت تحتاج فيه الحكومة إلى تمويلات إضافية ضخمة لتمويل عجز الميزانية، خاصة أن البلاد مقبلة خلال السنة الحالية على تحديات مالية صعبة، أبرزها سداد 1.8 مليار دولار من الديون الخارجية، منها 850 مليون يورو سندات دولية حل أجل سدادها خلال شهر فيفري المقبل. علما أنه خلال سنة 2025، ستكون تونس مجبرة على سداد قروض بقيمة 2.1 مليار دولار.
وفي سياق متصل، برمجت الحكومة جزءا من موارد ميزانية الدولة للسنة الحالية، إلى قروض خارجية تقدر بنحو خمسة مليار دولار..
ويبدو أن الهدف من مشروع القانون هو منح ترخيص استثنائي للبنك المركزي لتمويل الخزينة ولا يتعلق بتنقيح قانونه الأساسي المثير للجدل، والذي سبق أن عبر رئيس الجمهورية قيس سعيد عن قناعته بضرورة مراجعته.
وتجدر الإشارة إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي تُطرح فيها للنقاش قضية استقلالية البنك المركزي، فقد أثيرت المسألة خلال فترة البرلمان السابق (2019-2021) وتمت مناقشتها من زوايا مختلفة خاصة جدواها الاقتصادية والمالية، وذلك بالنظر إلى الحاجة الملحة للدولة في جل الأوقات لتمويل عجز الميزانية.
وكانت المعارضة البرلمانية قد تقدمت خلال مناقشة ميزانية الدولة لسنة 2020، بمقترحات قوانين لتعديل القانون الأساسي للبنك المركزي في اتجاه السماح له بتمويل ميزانية للدولة، وانتهى النقاش بتقديم مقترح توافقي يتمثل في إضافة فصل وحيد بمشروع قانون المالية التكميلي لسنة 2020 يُرخّص استثنائيا لتمكين البنك المركزي من الغطاء القانون لتمويل عجز الميزانية، وتبنت الحكومة آنذاك المقترح وتمكنت من تعبئة 2.8 مليار دينار.
الرئيس يريد تنقيح القانون
ومن غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الحالية ستدرس لاحقا مشروع تنقيح القانون الأساسي للمركزي التونسي الصادر سنة 2016، علما أن هذه المسألة مطروحة على طاولة النقاش بعد أن دعا رئيس الجمهورية قيس سعيد في 8 سبتمبر 2023 الى مراجعة الفصل 25 من القانون الأساسي للبنك المركزي الصادر سنة 2016 بما يتيح له إقراض الدولة مباشرة لمعاضدة جهودها في تمويل ميزانية الدولة.
وتأتي هذه المستجدات في وقت تعددت فيه دعوات صدرت عن كتل برلمانية، وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني لمراجعة القانون الأساسي للبنك المركزي في اتجاه يسمح له بتمويل مباشر لميزانية الدولة خاصة في ظل عدم التوصل الحكومة الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعدم إمكانية خروج تونس للأسواق العالمية..
وينص الفصل 25 من قانون 2016 انه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة ".
وعلّق الرئيس سعيد على هذا الفصل بالقول: "كان من الأجدر عدم إدراج هذا الفصل بقطع النظر عن استقلالية البنك المركزي ودوره في التحكم في الأسعار خاصة في هذه الفترة الصعبة، لان البنوك التجارية هي التي تستفيد منه". وأكد أن الدور الأساسي للبنك المركزي في الاقتصاد الوطني يكمن في السيطرة على التضخم المالي وان تنسجم إدارة البنك كذلك مع سياسات الدولة.
وقال سعيد، في لقائه بمحافظ البنك المركزي: "آن الأوان في ما يتعلق بتمويل الميزانية، لمراجعة هذا الفصل المتعلق بإقراض البنوك التجارية للدولة والاستفادة من الفوائد التي تدرّها هذه القروض" .
واعتبر أن أحكام قانون البنك المركزي الصادر سنة 1958 أفضل من قانون 2016 بالنسبة لمسألة استقلالية مؤسسة الإصدار مبرزا أن بعض فصول قانون 2016 تخدم مصالح البنوك التجارية وتمكنهم من الاستحواذ على نسب هامة من فوائض القروض الممنوحة.
وقال أيضا: «استقلالية البنك المركزي لا تعني الاستقلال عن الدولة بل لا بد من الانسجام مع سياسات الدولة ولابد من التفريق بين الاستقلالية في المجال النقدي والاستقلالية في المجال المتصل بميزانية الدولة".
مسألة واهية
وتجدر الإشارة إلى أن محافظ البنك المركزي مروان العباسي كان قد ألمح إلى عدم جدوى تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي، وقال في رده على تساؤلات بعض النواب خلال ندوة برلمانية حول استقلالية البنك المركزي، انتظمت في نوفمبر من العام الماضي، بأن "المسألة واهية"..
وبرّر المحافظ موقفه بأن مؤسسة الإصدار "تعمل بالتنسيق اليومي والتعاون اللصيق مع وزارة المالية في المسائل المالية، التي تهم البلاد."، مفيدا أن "اتخاذ قرار التمويل المباشر للحكومة يكون من خلال موافقة مجلس إدارة البنك ولجنة السياسة النقدية ولجنة إعادة التمويل بالبنك.."
وأوضح العباسي الذي تنتهي مدة تكليفه على رأس البنك المركزي في شهر فيفري المقبل، أن قرار عدم تمويل البنك المركزي لميزانية الدولة مباشرة، لا يعد بالجديد ولا ينحصر في قانون 2016 بل يعود الى سنة 2006 عندما تم اتخاذ هذا القرار، مضيفا انه حتى قبل سنة 2006 كان اللجوء الى التمويل المباشر ظرفيا ومحدودا في الزمن وفي القيمة، وأكد في الآن نفسه أن القانون الأساسي للبنك المركزي عدد 35 لسنة 2016 وخاصة الفصل 25 اقر عدم التمويل المباشر مواصلة لروح قانون عدد 26 لسنة 2006 (الفصل 47).
وقال: "من المهم استرجاع الثقة في الدولة وخاصة الثقة في الاقتصاد مع التأكيد على إجراء تغيير عميق وجذري في الإدارة التونسية".
علما أنه سبق للعباسي أن انتقد بشدة دعوات لمراجعة استقلالية البنك المركزي، فقد قال على هامش ندوة صحفية بتاريخ 4 جانفي 2023، "ان السياسي الذي يدعو لهذا لا يفهم بأنه يضرب مؤسسة حيوية للاقتصاد التونسي لان السياسي يبحث دائما عن حل مشاكله اليومية. وأضاف: "النواب في فترة 2020 فهموا أن استقلالية البنك أمر أساسي وربحته تونس".