إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أب اعتدى على ابنته ثم قتلها..وعم اغتصب بنات شقيقه.. جرائم صامتة ..وزنا محارم يعري واقعا تكتمه العائلات

 

تونس-الصباح

حوادث قد تكون حالات شاذة ولكنها صادمة للوجدان وتعري واقعا تصر العائلات على كتمانه و"سجنه" خلف الأبواب المغلقة خوفا من الفضيحة..إنه زنا المحارم هذا الاثم الذي صنفته الشريعة من أكبر الآثام لما فيه من القطيعة والأذى والاعتداء على الرحم المأمور بصلتها واعتبره علم الاجتماع من الانحرافات السلوكية.

 حادثة صادمة جدت منذ يومين أثارت موضوع زنا المحارم تمثلت في اغتصاب عم لبنات شقيقه الثلاث.

مفيدة القيزاني

كشف الحادثة انطلق من قبل الفرقة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل بحي التضامن بعد التفطن الى تعرض ثلاث شقيقات قاصرات تتراوح أعمارهن بين 8 و13 عاما الى الاعتداء الجنسي من قبل عمهم البالغ من العمر 47 سنة وهو محل تفتيش من أجل ترويج المخدرات.

وقد تمت مداهمة منزله من قبل وحدات منطقة حي التضامن بإسناد عملياتي من طرف التدخلات السريعة بإقليم أريانة حيث تم القاء القبض عليه وبتفتيش المنزل تم العثور على قطع مختلفة من مادة القنب الهندي وأقراص مخدرة ومبلغ مالي من عائدات بيع المخدرات وأسلحة بيضاء وهواتف جوالة وعملة أجنبية.

هذه الحادثة سبقتها حادثة فظيعة تمثلت في قتل أب لابنته بعد ان حملت منه تفاصيل الفاجعة تم التفطن إليها خلال الأسبوع الأول من شهر جانفي الجاري حيث وردت مكالمة هاتفية على قاعة العمليات بمنطقة الأمن بسوسة المدينة مفادها تواجد علبة كرتونية كبيرة الحجم مُلقاة بوادي مليان وتنبعث منها رائحة كريهة منذ حوالي 3 أيام.

وتحولت مختلف الوحدات الأمنية لتقوم بجملة من المعاينات الأولية اللازمة لإعداد ملف فني في الغرض.

وبفتح العلبة تبين أنها تحتوي على جثة آدمية مُتحللة ومقطوعة الرأس وملفوفة بغطاء صوفي الذي بإزالته تم العثور على 5 أوراق مكتوبة بخط اليد تم من خلالها الإشارة الى المتهمين في عملية القتل.

وبإعلام وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بسوسة الذي حضر على عين المكان رفقة قاضي التحقيق وبعد القيام بجملة من المعاينات الأولية أذنا بفتح بحث من أجل “القتل العمد” ورفع الجثة وإيداعها بغرف الأموات على ذمة الطبيب الشرعي قصد إجراء التحاليل المخبرية اللازمة للتعريف بهوية الجثة والوقوف على أسباب الوفاة.

وبتكثيف التحريات الميدانية والفنية أمكن حصر الشبهة في شخص من مواليد 1982 ومن ذوي السوابق العدلية وبمداهمة مقر سكناه بالتنسيق مع النيابة العمومية والقبض عليه رغم محاولته الفرار، وبتفتيش منزله تم العثور على ثلاجة تحمل آثار دماء وتنبعث منها روائح كريهة وكراس مطابقة لنفس نوعية الأوراق التي عُثر عليها بمسرح الجريمة.

وبالتحري مع المظنون فيه اعترف بارتكابه لجريمة قتل ابنته (مولودة خلال 2009، تلميذة بالسنة السابعة أساسي) وفصل رأسها عن جسدها منذ تاريخ 5 جانفي 2023 واحتفظ بالجثة والرأس بالثلاجة وبتاريخ 30/ ديسمبر/2023 تولى إلقاء الجثة بالوادي والرأس بمنزل بصدد البناء يبعد حوالي 500 متر عن مكان الواقعة.

وبتعميق التحريات اعترف أنه مطلق ويُقيم مع ابنته وقد تعمد افتضاض بكارتها وأصبح يُعاشرها معاشرة الأزواج إلى حين تفطنه بحملها خلال أوائل شهر جانفي 2023 مما دفعه الى الاعتداء عليها بواسطة قضيب حديدي في 3 مناسبات أثناء خلودها للنوم وبعد مفارقتها الحياة تولى فصل رأسها عن جسدها.

40 سنة سجنا لأب مغتصب

40 سنة سجنا حكم أصدرته الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بأريانة في حق أب من اجل اغتصاب ابنتيه.

القضية انطلقت بشكاية رفعتها والدة البنتين (من مواليد 2003 و2005) أكدت فيها انهما تعرضتا للاغتصاب من قبل والدهما.. ورغم تأكيدات الام كذلك ابنتيها بحصول الجريمة الا ان الاب أنكر ما نسب اليه على الرغم من مقارعته بنتيجة الاختبارات الطبية اللازمة التي اثبت وقوع الاعتداء الجنسي عليهما.

وقد مثل المتهم موقوفا أمام الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بأريانة وأنكر ما نسب إليه محاولا التفصي من جريمته ولكن المحكمة وأمام توفر القرائن والأدلة الدامغة لإدانته قضت بسجنه 20 عاما عن كل قضية.

تحرش جنسي

وفي وقت سابق كشفت وزارة الأسرة والمرأة والطّفولة وكبار السن، في بلاغ لها أنّ المندوب الجهوي لحماية الطّفولة المختصّ ترابيّا تعهّد بإشعار متعلّق بشبهة تحرّش جنسي لأب، بإحدى ولايات الجمهوريّة، على ابنته القاصر (12 سنة) وذلك منذ أن كان عمرها 5 سنوات.

ونظرا لدرجة خطورة وضعيّة التهديد تمّ في الإبّان بالتنسيق مع قاضي الأسرة، بموجب تدبير عاجل، فصل الطفلة عن والدها وإيوائها صحبة شقيقها القاصر بإحدى المؤسسات الرّعائيّة بالجهة، كما تمّ التعهّد بالتنسيق مع قسم الطبّ النفسي للأطفال بالجهة بمتابعة الوضعية النفسية للضحيّة.

وتولت مصالح المندوبية الجهوية لحماية الطّفولة إعلام النّيابة العموميّة من أجل فتح تحقيق في شبهة التحرش الجنسي على معنى الفصل 25 من مجلة حماية الطّفل والفصلين 3 و226 من القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة والطّفل.

كشف المستور

وهذه الانتهاكات التي ترتكب في حق بعض الأطفال من قبل أسرهم لم يفضحها تقرير مندوب حماية الطفولة فقط ولا القضايا المنشورة أمام المحاكم بل كذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا في كشف جزء من تلك التجاوزات وسوء المعاملة التي يعاني منها بعض الأطفال ففي شهر اوت 2021 كان رواد مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا فيديو صادم لامرأة كانت بصدد الإلقاء بطفلتها الصغيرة بكل قوة على أرضية الطريق العام.

أرقام صادمة

  أكدت المؤشرات والأرقام التي كشفها التقرير الاحصائيّ لمندوبي حماية الطفولة أنّ العائلة هي المصدر الأول للإشعارات حول حالات التهديد المسلطة على الطفل بنسبة 58 بالمائة، وانّ أغلب التهديدات التي يتعرض لها الطفل ويتم الاشعار حولها تقع في الوسط الأسري بنسبة 60 بالمائة من مجموع الإشعارات.

وبلغت نسبة الإشعارات المتعلّقة بعجز الأبوين وتقصيرهما في الرعاية والتربية 50,9% سنة 2021، فيما قُدّرت نسبة اعتياد سوء معاملة الطفل بـ 22.3% سنة 2021.

إشعارات بالجملة

وبلغت الإشعارات المتعلقة بالعنف المعنوي سنة 2021 نسبة 42 بالمائة والعنف الجسدي 41 بالمائة والعنف الجنسي 17 بالمائة، وعلى مستوى الجنس فقد كشف التقرير ان الذكور هم أكثر عرضة من الإناث للعنف الجسدي بنسبة 47 بالمائة سنتي 2020 و2021، فيما تتعرض الإناث أكثر من الذكور إلى العنف الجنسي بنسبة 24% خلال نفس الفترة، أمّا العنف المعنوي فقد سجل نسبا متقاربة بين الجنسين بمعدّل 42 بالمائة.

تحريم زنا المحارم

جاء في "الموسوعة الفقهية" أنه" يتفاوت إثم الزنا ويعظم جرمه بحسب موارده.

 فالزنا بذات المحرم أو بذات الزوج أعظم من الزنا بأجنبية أو من لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه وتعليق نسب عليه لم يكن منه وغير ذلك من أنواع أذاه.

 فهو أعظم إثما وجرما من الزنا بغير ذات البعل والأجنبية فإن كان زوجها جارا انضم له سوء الجوار وإيذاء الجار بأعلى أنواع الأذى. وذلك من أعظم البوائق فلو كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم له قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم.

 وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) ولا بائقة أعظم من الزنا بامرأة الجار فإن كان الجار غائبا في طاعة الله كالعبادة، وطلب العلم، والجهاد، تضاعف الإثم ، حتى ان الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم ، إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم ؟ ) رواه مسلم (1897). أي: ما ظنكم أن يترك له من حسناته ؟ قد حكم في أنه يأخذ ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة ، فإن اتفق أن تكون المرأة رحما له انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها، فإن اتفق أن يكون الزاني محصنا كان الإثم أعظم، فإن كان شيخا كان أعظم إثما وعقوبة، فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام، أو بلد حرام، أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلوات وأوقات الإجابة تضاعف الإثم " انتهى .

باحث في علم الاجتماع لـ "الصباح" : جرائم تصدت لها الرسائل السماوية..وجرمتها القوانين الوضعية

في قراءته لجريمة زنا المحارم والاعتداءات الجنسية التي ترتكب داخل العائلات التي تصر على كتمانها يرى الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن هذه الجرائم من أكثر الجرائم الصادمة للوجدان الفردي والجماعي، وهي من الآفات الاجتماعية التي تصدت لها الرسائل السماوية وشددت عليها القوانين الوضعية وهذا دليل على قدمها وحضورها عبر التاريخ في جل المجتمعات البشرية ولكن مع فرق أساسي وجوهري يتمثل في طريقة تعاطي كل مجتمع معها.

فالمجتمعات المتحضرة تحاول مواجهتها والحد منها وتطويق آثارها النفسية والاجتماعية،على خلاف بعض المجتمعات الأخرى التي تنكر وجودها أو تصمت عنها أو حتى تبرر لها وهي بالتالي تمارس نوعا من التواطؤ والتقية بشكل يزيد في تعميق هذه الظاهرة ويحد من إنصاف ضحاياها.

وحتى وان لم تكن لنا الإحصائيات الرسمية اللازمة والكاملة لرصد حجم هذه الظاهرة بدقة، فانه من المفيد التأكيد على أن المقاربة الكمية والعددية غير كافية وغير معبرة ووفية، نظرا لأنه يكفي أن تحدث حادثة فقط لندق ناقوس الخطر لتصبح قضية رأي عام وقضية مجتمع بأسره نظرا لبشاعة هذه الظاهرة وبربريتها.

كما أنه على افتراض وجود إحصائيات فان ذلك غير كاف للنفاذ إلى عمق هذه الظاهرة وحجمها لأن هذه الإحصائيات لا تشمل سوى الحوادث التي وقع فيها إشعار وتتبع ومتابعة في حين أن أغلب الحالات والحوادث يلفها الصمت.

ففي بنية اجتماعية وثقافية "محافظة" وتقليدية (كما هو حال مجتمعنا)، وفي مجتمع تغلب عليه قيم الفحولة الزائفة والتسلط، إما أن تصمت الضحية أو تجبر على الصمت خوفا من العقاب أو الابتزاز أو الفضيحة أو حفاظا على تماسك مؤسسة الأسرة أو خوفا من رد فعل المجتمع.

 لا يمكن الجزم بأن هذه الظاهرة قد تفاقمت بعد الثورة، ما يمكن التأكيد عليه فقط أنها أخذت أبعادا جديدة منسجمة مع هذا السياق الاجتماعي والثقافي المستجد ومن ذلك: - أصبح الحديث عنها يتجاوز مجرد خبر على موقع الكتروني أو خبر في ركن "صدى المحاكم" لإحدى الجرائد، فقد أصبح التعامل معها بأكثر جرأة وأكثر رغبة في النجاعة والفاعلية من أجل التشهير بها وإنصاف ضحاياها وخاصة من جمعيات المجتمع المدني - طرح هذا الموضوع لا يمكن عزله اليوم عن سياقه والمزاج العام الذي أصبح يتميز فجأة بانفجار الموضوع الجنسي في تونس ما بعد الثورة حيث طفت على السطح والتداول نوع من الثقافة المريضة التي تدعو باسم المحافظة على القيم إلى الزواج العرفي والزواج بأربعة والزواج بالقاصرات وجهاد النكاح وجهاد الستر، بالتزامن مع ارتفاع جرائم الاغتصاب لدى القصر.

في هذا المناخ المريض نفسيا واجتماعيا وثقافيا تحول زنا المحارم من مجرد جريمة وسلوك فردي مرضي إلى حلقة من حلقات ثقافة مريضة وافدة علينا من أكثر البلدان والشعوب تخلفا وتضخ لها إمكانيات مالية وإعلامية وسياسية ضخمة من أجل تغيير النمط الاجتماعي التونسي وتعتمد محليا على "نخبة" مريضة ومهووسة تحاول توجيه الرأي العام إلى مزيد قبول هذه الظواهر والتعايش معها.

ضحايا أفراد أم مجتمع؟

من الغريب في تونس أن القانون يشدد على تجريم هذه الظاهرة، لكن على العكس من ذلك فان المجتمع يدين الضحايا أكثر من جلاديهم. وهذا ما يزيد في تعقيد المشكل وخصوصا إذا تعلق الأمر بالقصر. فحين تنتهك براءتهم وحرمتهم في سن مبكرة من طرف أفراد يفترض منهم حمايتهم ورعايتهم، فإننا بذلك نكون بصدد إنتاج قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في وجه أصحابها أو في وجه المجتمع.

الهروب الى الانتحار

 وتتعمق الأزمة أكبر حين تغيب الرعاية والإنصاف والمرافقة للضحايا، حيث تتحول حادثة من هذا النوع إلى نقطة سوداء في تاريخ وشخصية الطفل الضحية يمكن أن تتطور إلى شعور دائم ومدمر بالشك في النفس والآخر والمجتمع، أو بالهروب من المنزل أو العائلة، كما يمكن أن تتطور إلى انتحار للهروب من هذا الجحيم النفسي أو إلى سلوك للدعارة بعد أن فقد الضحية احترامه لنفسه ولجسده ولقيم مجتمعه. أما إذا كان الضحايا من الكهول أو الراشدين، فإنهم في العادة سيتعاملون بأكثر حكمة وعقلانية، إما بانتهاج سياسة الصمت خوفا من ردة فعل المجتمع أو التمسك بالتتبع العدلي بحثا عن رد الاعتبار أو رغبة في معاقبة جلاديهم. لكن تزداد وضعيتهم تعقيدا إذا نتج عن هذه الجريمة أبناء، عندها تختلط الأنساب ونصبح إزاء قضية اجتماعية وأخلاقية وقانونية غاية في التعقيد.

قضية وطنية

إن طرح هذه الظاهرة ومعالجتها لا تكفي معها المقاربات الأمنية والقانونية والأخلاقية، بل يجب أن نطور مقاربتنا ونوحد مجهوداتنا من أجل أن تصبح قضية وطنية وقضية بمجتمع بأسره والمجتمع المدني مدعو هنا من أجل مزيد من الفاعلية والتنسيق.فما يعيق هذه المقاربة الشمولية هو تشتت مجهودات المتدخلين في هذا المجال نظرا لغياب ثقافة التعاون والتشارك والعمل ضمن فريق بحسن أو بسوء نية أحيانا.

فهناك من الأطراف والهياكل والجهات والجمعيات من يتبنى ضحايا هذه الظاهرة بصفة ملتزمة ومبدئية، وبالمقابل هناك من يريد أن يحتكر الاهتمام بها ويحجب كل ضوء عليها إما لابتزاز السلط الحاكمة أو للمتاجرة بهذه القضية عند المانحين من الداخل والخارج للحصول على تمويلات لنفسه أو لهيكله وبالتالي تعامل ملفات الضحايا بصفة انتقائية بما يتناسب وهذا الهدف وهي إساءة وجريمة إضافية في حق الضحايا. نحن إذن في حاجة إلى جعل هذه القضية قضية رأي عام وقضية مجتمع، وتوحيد جهودنا من أجل رسم استراتيجية بعيدة المدى للتصدي لهذه الظاهرة وإخراجها من دائرة الصمت الفردي والاجتماعي ومرافقة ضحاياها وإنصافهم وحمايتهم من جلاديهم ومجتمعهم.

 

 

 

 

 

أب اعتدى على ابنته ثم قتلها..وعم اغتصب بنات شقيقه..   جرائم صامتة ..وزنا محارم يعري واقعا تكتمه العائلات

 

تونس-الصباح

حوادث قد تكون حالات شاذة ولكنها صادمة للوجدان وتعري واقعا تصر العائلات على كتمانه و"سجنه" خلف الأبواب المغلقة خوفا من الفضيحة..إنه زنا المحارم هذا الاثم الذي صنفته الشريعة من أكبر الآثام لما فيه من القطيعة والأذى والاعتداء على الرحم المأمور بصلتها واعتبره علم الاجتماع من الانحرافات السلوكية.

 حادثة صادمة جدت منذ يومين أثارت موضوع زنا المحارم تمثلت في اغتصاب عم لبنات شقيقه الثلاث.

مفيدة القيزاني

كشف الحادثة انطلق من قبل الفرقة المختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل بحي التضامن بعد التفطن الى تعرض ثلاث شقيقات قاصرات تتراوح أعمارهن بين 8 و13 عاما الى الاعتداء الجنسي من قبل عمهم البالغ من العمر 47 سنة وهو محل تفتيش من أجل ترويج المخدرات.

وقد تمت مداهمة منزله من قبل وحدات منطقة حي التضامن بإسناد عملياتي من طرف التدخلات السريعة بإقليم أريانة حيث تم القاء القبض عليه وبتفتيش المنزل تم العثور على قطع مختلفة من مادة القنب الهندي وأقراص مخدرة ومبلغ مالي من عائدات بيع المخدرات وأسلحة بيضاء وهواتف جوالة وعملة أجنبية.

هذه الحادثة سبقتها حادثة فظيعة تمثلت في قتل أب لابنته بعد ان حملت منه تفاصيل الفاجعة تم التفطن إليها خلال الأسبوع الأول من شهر جانفي الجاري حيث وردت مكالمة هاتفية على قاعة العمليات بمنطقة الأمن بسوسة المدينة مفادها تواجد علبة كرتونية كبيرة الحجم مُلقاة بوادي مليان وتنبعث منها رائحة كريهة منذ حوالي 3 أيام.

وتحولت مختلف الوحدات الأمنية لتقوم بجملة من المعاينات الأولية اللازمة لإعداد ملف فني في الغرض.

وبفتح العلبة تبين أنها تحتوي على جثة آدمية مُتحللة ومقطوعة الرأس وملفوفة بغطاء صوفي الذي بإزالته تم العثور على 5 أوراق مكتوبة بخط اليد تم من خلالها الإشارة الى المتهمين في عملية القتل.

وبإعلام وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بسوسة الذي حضر على عين المكان رفقة قاضي التحقيق وبعد القيام بجملة من المعاينات الأولية أذنا بفتح بحث من أجل “القتل العمد” ورفع الجثة وإيداعها بغرف الأموات على ذمة الطبيب الشرعي قصد إجراء التحاليل المخبرية اللازمة للتعريف بهوية الجثة والوقوف على أسباب الوفاة.

وبتكثيف التحريات الميدانية والفنية أمكن حصر الشبهة في شخص من مواليد 1982 ومن ذوي السوابق العدلية وبمداهمة مقر سكناه بالتنسيق مع النيابة العمومية والقبض عليه رغم محاولته الفرار، وبتفتيش منزله تم العثور على ثلاجة تحمل آثار دماء وتنبعث منها روائح كريهة وكراس مطابقة لنفس نوعية الأوراق التي عُثر عليها بمسرح الجريمة.

وبالتحري مع المظنون فيه اعترف بارتكابه لجريمة قتل ابنته (مولودة خلال 2009، تلميذة بالسنة السابعة أساسي) وفصل رأسها عن جسدها منذ تاريخ 5 جانفي 2023 واحتفظ بالجثة والرأس بالثلاجة وبتاريخ 30/ ديسمبر/2023 تولى إلقاء الجثة بالوادي والرأس بمنزل بصدد البناء يبعد حوالي 500 متر عن مكان الواقعة.

وبتعميق التحريات اعترف أنه مطلق ويُقيم مع ابنته وقد تعمد افتضاض بكارتها وأصبح يُعاشرها معاشرة الأزواج إلى حين تفطنه بحملها خلال أوائل شهر جانفي 2023 مما دفعه الى الاعتداء عليها بواسطة قضيب حديدي في 3 مناسبات أثناء خلودها للنوم وبعد مفارقتها الحياة تولى فصل رأسها عن جسدها.

40 سنة سجنا لأب مغتصب

40 سنة سجنا حكم أصدرته الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بأريانة في حق أب من اجل اغتصاب ابنتيه.

القضية انطلقت بشكاية رفعتها والدة البنتين (من مواليد 2003 و2005) أكدت فيها انهما تعرضتا للاغتصاب من قبل والدهما.. ورغم تأكيدات الام كذلك ابنتيها بحصول الجريمة الا ان الاب أنكر ما نسب اليه على الرغم من مقارعته بنتيجة الاختبارات الطبية اللازمة التي اثبت وقوع الاعتداء الجنسي عليهما.

وقد مثل المتهم موقوفا أمام الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بأريانة وأنكر ما نسب إليه محاولا التفصي من جريمته ولكن المحكمة وأمام توفر القرائن والأدلة الدامغة لإدانته قضت بسجنه 20 عاما عن كل قضية.

تحرش جنسي

وفي وقت سابق كشفت وزارة الأسرة والمرأة والطّفولة وكبار السن، في بلاغ لها أنّ المندوب الجهوي لحماية الطّفولة المختصّ ترابيّا تعهّد بإشعار متعلّق بشبهة تحرّش جنسي لأب، بإحدى ولايات الجمهوريّة، على ابنته القاصر (12 سنة) وذلك منذ أن كان عمرها 5 سنوات.

ونظرا لدرجة خطورة وضعيّة التهديد تمّ في الإبّان بالتنسيق مع قاضي الأسرة، بموجب تدبير عاجل، فصل الطفلة عن والدها وإيوائها صحبة شقيقها القاصر بإحدى المؤسسات الرّعائيّة بالجهة، كما تمّ التعهّد بالتنسيق مع قسم الطبّ النفسي للأطفال بالجهة بمتابعة الوضعية النفسية للضحيّة.

وتولت مصالح المندوبية الجهوية لحماية الطّفولة إعلام النّيابة العموميّة من أجل فتح تحقيق في شبهة التحرش الجنسي على معنى الفصل 25 من مجلة حماية الطّفل والفصلين 3 و226 من القانون الأساسي عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة والطّفل.

كشف المستور

وهذه الانتهاكات التي ترتكب في حق بعض الأطفال من قبل أسرهم لم يفضحها تقرير مندوب حماية الطفولة فقط ولا القضايا المنشورة أمام المحاكم بل كذلك مواقع التواصل الاجتماعي التي لعبت دورا في كشف جزء من تلك التجاوزات وسوء المعاملة التي يعاني منها بعض الأطفال ففي شهر اوت 2021 كان رواد مواقع التواصل الاجتماعي تداولوا فيديو صادم لامرأة كانت بصدد الإلقاء بطفلتها الصغيرة بكل قوة على أرضية الطريق العام.

أرقام صادمة

  أكدت المؤشرات والأرقام التي كشفها التقرير الاحصائيّ لمندوبي حماية الطفولة أنّ العائلة هي المصدر الأول للإشعارات حول حالات التهديد المسلطة على الطفل بنسبة 58 بالمائة، وانّ أغلب التهديدات التي يتعرض لها الطفل ويتم الاشعار حولها تقع في الوسط الأسري بنسبة 60 بالمائة من مجموع الإشعارات.

وبلغت نسبة الإشعارات المتعلّقة بعجز الأبوين وتقصيرهما في الرعاية والتربية 50,9% سنة 2021، فيما قُدّرت نسبة اعتياد سوء معاملة الطفل بـ 22.3% سنة 2021.

إشعارات بالجملة

وبلغت الإشعارات المتعلقة بالعنف المعنوي سنة 2021 نسبة 42 بالمائة والعنف الجسدي 41 بالمائة والعنف الجنسي 17 بالمائة، وعلى مستوى الجنس فقد كشف التقرير ان الذكور هم أكثر عرضة من الإناث للعنف الجسدي بنسبة 47 بالمائة سنتي 2020 و2021، فيما تتعرض الإناث أكثر من الذكور إلى العنف الجنسي بنسبة 24% خلال نفس الفترة، أمّا العنف المعنوي فقد سجل نسبا متقاربة بين الجنسين بمعدّل 42 بالمائة.

تحريم زنا المحارم

جاء في "الموسوعة الفقهية" أنه" يتفاوت إثم الزنا ويعظم جرمه بحسب موارده.

 فالزنا بذات المحرم أو بذات الزوج أعظم من الزنا بأجنبية أو من لا زوج لها إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه وتعليق نسب عليه لم يكن منه وغير ذلك من أنواع أذاه.

 فهو أعظم إثما وجرما من الزنا بغير ذات البعل والأجنبية فإن كان زوجها جارا انضم له سوء الجوار وإيذاء الجار بأعلى أنواع الأذى. وذلك من أعظم البوائق فلو كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم له قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم.

 وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) ولا بائقة أعظم من الزنا بامرأة الجار فإن كان الجار غائبا في طاعة الله كالعبادة، وطلب العلم، والجهاد، تضاعف الإثم ، حتى ان الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم ، إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم ؟ ) رواه مسلم (1897). أي: ما ظنكم أن يترك له من حسناته ؟ قد حكم في أنه يأخذ ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة ، فإن اتفق أن تكون المرأة رحما له انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها، فإن اتفق أن يكون الزاني محصنا كان الإثم أعظم، فإن كان شيخا كان أعظم إثما وعقوبة، فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام، أو بلد حرام، أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلوات وأوقات الإجابة تضاعف الإثم " انتهى .

باحث في علم الاجتماع لـ "الصباح" : جرائم تصدت لها الرسائل السماوية..وجرمتها القوانين الوضعية

في قراءته لجريمة زنا المحارم والاعتداءات الجنسية التي ترتكب داخل العائلات التي تصر على كتمانها يرى الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد أن هذه الجرائم من أكثر الجرائم الصادمة للوجدان الفردي والجماعي، وهي من الآفات الاجتماعية التي تصدت لها الرسائل السماوية وشددت عليها القوانين الوضعية وهذا دليل على قدمها وحضورها عبر التاريخ في جل المجتمعات البشرية ولكن مع فرق أساسي وجوهري يتمثل في طريقة تعاطي كل مجتمع معها.

فالمجتمعات المتحضرة تحاول مواجهتها والحد منها وتطويق آثارها النفسية والاجتماعية،على خلاف بعض المجتمعات الأخرى التي تنكر وجودها أو تصمت عنها أو حتى تبرر لها وهي بالتالي تمارس نوعا من التواطؤ والتقية بشكل يزيد في تعميق هذه الظاهرة ويحد من إنصاف ضحاياها.

وحتى وان لم تكن لنا الإحصائيات الرسمية اللازمة والكاملة لرصد حجم هذه الظاهرة بدقة، فانه من المفيد التأكيد على أن المقاربة الكمية والعددية غير كافية وغير معبرة ووفية، نظرا لأنه يكفي أن تحدث حادثة فقط لندق ناقوس الخطر لتصبح قضية رأي عام وقضية مجتمع بأسره نظرا لبشاعة هذه الظاهرة وبربريتها.

كما أنه على افتراض وجود إحصائيات فان ذلك غير كاف للنفاذ إلى عمق هذه الظاهرة وحجمها لأن هذه الإحصائيات لا تشمل سوى الحوادث التي وقع فيها إشعار وتتبع ومتابعة في حين أن أغلب الحالات والحوادث يلفها الصمت.

ففي بنية اجتماعية وثقافية "محافظة" وتقليدية (كما هو حال مجتمعنا)، وفي مجتمع تغلب عليه قيم الفحولة الزائفة والتسلط، إما أن تصمت الضحية أو تجبر على الصمت خوفا من العقاب أو الابتزاز أو الفضيحة أو حفاظا على تماسك مؤسسة الأسرة أو خوفا من رد فعل المجتمع.

 لا يمكن الجزم بأن هذه الظاهرة قد تفاقمت بعد الثورة، ما يمكن التأكيد عليه فقط أنها أخذت أبعادا جديدة منسجمة مع هذا السياق الاجتماعي والثقافي المستجد ومن ذلك: - أصبح الحديث عنها يتجاوز مجرد خبر على موقع الكتروني أو خبر في ركن "صدى المحاكم" لإحدى الجرائد، فقد أصبح التعامل معها بأكثر جرأة وأكثر رغبة في النجاعة والفاعلية من أجل التشهير بها وإنصاف ضحاياها وخاصة من جمعيات المجتمع المدني - طرح هذا الموضوع لا يمكن عزله اليوم عن سياقه والمزاج العام الذي أصبح يتميز فجأة بانفجار الموضوع الجنسي في تونس ما بعد الثورة حيث طفت على السطح والتداول نوع من الثقافة المريضة التي تدعو باسم المحافظة على القيم إلى الزواج العرفي والزواج بأربعة والزواج بالقاصرات وجهاد النكاح وجهاد الستر، بالتزامن مع ارتفاع جرائم الاغتصاب لدى القصر.

في هذا المناخ المريض نفسيا واجتماعيا وثقافيا تحول زنا المحارم من مجرد جريمة وسلوك فردي مرضي إلى حلقة من حلقات ثقافة مريضة وافدة علينا من أكثر البلدان والشعوب تخلفا وتضخ لها إمكانيات مالية وإعلامية وسياسية ضخمة من أجل تغيير النمط الاجتماعي التونسي وتعتمد محليا على "نخبة" مريضة ومهووسة تحاول توجيه الرأي العام إلى مزيد قبول هذه الظواهر والتعايش معها.

ضحايا أفراد أم مجتمع؟

من الغريب في تونس أن القانون يشدد على تجريم هذه الظاهرة، لكن على العكس من ذلك فان المجتمع يدين الضحايا أكثر من جلاديهم. وهذا ما يزيد في تعقيد المشكل وخصوصا إذا تعلق الأمر بالقصر. فحين تنتهك براءتهم وحرمتهم في سن مبكرة من طرف أفراد يفترض منهم حمايتهم ورعايتهم، فإننا بذلك نكون بصدد إنتاج قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في وجه أصحابها أو في وجه المجتمع.

الهروب الى الانتحار

 وتتعمق الأزمة أكبر حين تغيب الرعاية والإنصاف والمرافقة للضحايا، حيث تتحول حادثة من هذا النوع إلى نقطة سوداء في تاريخ وشخصية الطفل الضحية يمكن أن تتطور إلى شعور دائم ومدمر بالشك في النفس والآخر والمجتمع، أو بالهروب من المنزل أو العائلة، كما يمكن أن تتطور إلى انتحار للهروب من هذا الجحيم النفسي أو إلى سلوك للدعارة بعد أن فقد الضحية احترامه لنفسه ولجسده ولقيم مجتمعه. أما إذا كان الضحايا من الكهول أو الراشدين، فإنهم في العادة سيتعاملون بأكثر حكمة وعقلانية، إما بانتهاج سياسة الصمت خوفا من ردة فعل المجتمع أو التمسك بالتتبع العدلي بحثا عن رد الاعتبار أو رغبة في معاقبة جلاديهم. لكن تزداد وضعيتهم تعقيدا إذا نتج عن هذه الجريمة أبناء، عندها تختلط الأنساب ونصبح إزاء قضية اجتماعية وأخلاقية وقانونية غاية في التعقيد.

قضية وطنية

إن طرح هذه الظاهرة ومعالجتها لا تكفي معها المقاربات الأمنية والقانونية والأخلاقية، بل يجب أن نطور مقاربتنا ونوحد مجهوداتنا من أجل أن تصبح قضية وطنية وقضية بمجتمع بأسره والمجتمع المدني مدعو هنا من أجل مزيد من الفاعلية والتنسيق.فما يعيق هذه المقاربة الشمولية هو تشتت مجهودات المتدخلين في هذا المجال نظرا لغياب ثقافة التعاون والتشارك والعمل ضمن فريق بحسن أو بسوء نية أحيانا.

فهناك من الأطراف والهياكل والجهات والجمعيات من يتبنى ضحايا هذه الظاهرة بصفة ملتزمة ومبدئية، وبالمقابل هناك من يريد أن يحتكر الاهتمام بها ويحجب كل ضوء عليها إما لابتزاز السلط الحاكمة أو للمتاجرة بهذه القضية عند المانحين من الداخل والخارج للحصول على تمويلات لنفسه أو لهيكله وبالتالي تعامل ملفات الضحايا بصفة انتقائية بما يتناسب وهذا الهدف وهي إساءة وجريمة إضافية في حق الضحايا. نحن إذن في حاجة إلى جعل هذه القضية قضية رأي عام وقضية مجتمع، وتوحيد جهودنا من أجل رسم استراتيجية بعيدة المدى للتصدي لهذه الظاهرة وإخراجها من دائرة الصمت الفردي والاجتماعي ومرافقة ضحاياها وإنصافهم وحمايتهم من جلاديهم ومجتمعهم.