إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

غزة تخاطب العالم عبر العدل الدولية... اليوم جلسة أولى في لاهاي لمقاضاة الاحتلال...

 

جنوب إفريقيا تأخذ زمام المبادرة فهل تلتحق الدول العربية...؟

 تونس الصباح

تتجه الأنظار اليوم إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي حيث تعقد في العاصمة الهولندية أول جلسة من نوعها لمقاضاة الكيان الإسرائيلي على جرائم الإبادة المقترفة في غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر وذلك على خلفية الدعوى التي رفعتها حكومة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.. ويتطلع العالم إلى هذه الجلسة التي توجه فيها أصابع الاتهام إلى الكيان الإسرائيلي وسط تواتر التقارير الحقوقية عن جرائم إبادة جماعية وما خلفته الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي من دمار وخراب ومن خسائر بشرية شملت نساء وأطفالا وشيوخا وطواقم طبية ومسعفين ومسؤولين أممين... ويفترض أن تقدم جنوب أفريقيا، التي يرأس وفدها اليوم إلى محكمة العدل الدولية وزير العدل،  مرافعتها الشفهية انطلاقا من الساعة العاشرة صباحا وحتى 12 ظهرا. فيما ستقدم إسرائيل مرافعتها الشفهية غدا الجمعة الموافق 12 جانفي 2024، من الساعة العاشرة صباحا وحتى 12 ظهرا.

وتكتسي هذه الدعوى أهمية قصوى بالنسبة للشارع الفلسطيني والرأي العام الدولي الذي يتطلع إلى ملاحقة إسرائيل على جرائمها طوال عقود.. كما يمثل تقدم جنوب افريقيا بهذه الدعوى أمام العدل الدولية رمزية خاصة إذ بالإضافة إلى إصرار الزعيم الراحل مانديلا على ربط مسار تحرير بلاده من الابرتييد بتحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال فان جنوب إفريقيا تظل رمز الصمود والانتصار على نظام الميز العنصري وحكم الابرتييد في هذا البلد الإفريقي... وواجهت جنوب إفريقيا في هذه الخطوة الكثير من الانتقادات والضغوط وقد رفضت الإدارة الأمريكية الإقرار بوجود أي انتهاكات ترقى إلى الإبادة الجماعية، بدورها استخفت حكومة ناتنياهو بالخطوة وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى حد المكابرة والتأكيد على أن إسرائيل ستذهب إلى العدل الدولية لملاحقة حماس على عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي.. ولكن خلف هذا الخطاب الإسرائيلي المصر على المضي قدما في سياسة الاحتلال والانتهاكات وجهت الحكومة الإسرائيلية إلى سفاراتها وديبلوماسييها في مختلف أنحاء العالم بتنظيم حملات دعائية مكثفة للرد على اتهامات جنوب إفريقيا.. وحسب الخبراء والمتتبعين لتطورات الأحداث مع دخول العدل الدولية على خط العدوان في غزة فان تل أبيب تخشى أن تطالب محكمة العدل الدولية بإيقاف الحرب.. ويتوقع الكثيرون أن إسرائيل على الأرجح لن تمتثل كعادتها لقرارات العدل الدولية ولكن ذلك سيزيد تلويث صورتها أمام العالم كدولة متمردة على كل القوانين الإنسانية والدولية ..

-هاني المصري تطور.. وقرار المحكمة  ليس استشاريًا ..

ويعتبر الباحث والمحلل الفلسطيني هاني المصري أن لحظة الوصول إلى العد العكسي للحرب تقترب، ولكن لم نصل إليها حتى الآن، لسببين أما الأول فلأن حكومة نتنياهو، وخصوصًا رئيسها، لها مصلحة شخصية في إطالة أمد الحرب، لكي تحاول تحقيق انتصار قبل وقفها، حتى يساعدها ذلك عند بدء التحقيق عن المسؤولية والإخفاق التاريخيين الذين ظهرا يوم السابع من أكتوبر، أما السبب الثاني حسب هاني المصري لبدء العد العكسي فيعود إلى  دخول تطور جديد في منتهى الأهمية، وهو قيام جنوب أفريقيا (وليس بلدًا عربيًا أو إسلاميًا أو دولة فلسطين) بتقديم دعوة قضائية ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية لارتكابها جريمة الإبادة الجماعية، وهذه الجريمة هي الوحيدة التي تفرض على محكمة لاهاي أن تصدر حكمًا مستعجلًا بها خلال أسابيع لا أكثر (هناك جلستا استماع اليوم الخميس وغدا الجمعة)، وأن قرارها في هذه الجريمة فقط ليس استشاريًا بل هو قرار ملزم للدول الموقعة على الاتفاقية (أكثر من 150 دولة من ضمنها إسرائيل)، وإذا لم تلتزم به إسرائيل كما هو متوقع ستكون مدانة عالميًا، ولن تستطيع الدول الموقعة على الاتفاقية التعامل مع إسرائيل كما تتعامل معها الآن.

وتكمن الخطورة حسب المصري في أن صدور قرار من أعلى محكمة دولية بوقف الحرب فورًا، والتحقيق في صحة الدعوى بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، في أنها ستجعل الإدارة الأميركية والدول الأوروبية التي تدعم إسرائيل محرجة جدًا، وإذا لم توقف إسرائيل الحرب ستكون واشنطن محرجة أكثر باستخدام "الفيتو" عند عرض الأمر على مجلس الأمن؛ لأنه سيكون ليس ضد دولة أخرى، وإنما ضد حكم قضائي، وستبدأ بعده حملات أقوى لمساءلة إسرائيل ومعاقبتها وفرض العقوبات عليها، وستنجح، وسيوقف التعامل مع إسرائيل بوصفها دولة فوق القانون الدولي.

ماذا في الدعوى

ولاشك أن الوثائق والأدلة والبراهين ليست ما ينقص جنوب إفريقيا في هذه الخطوة بالنظر إلى الكم الهائل من الصور و الشهادات الموثقة من منظمات حقوقية دولية وهيأت أممية بينها الانروا والصليب الأحمر والصحة الدولي وغيرها التي تعرضت مقراتها للقصف وفقدت بدورها العشرات من موظفيها لاسيما الطواقم الطبية في المستشفيات والتي تعتبر محصنة وفق اتفاقية جنيف الرابعة.. وفق الدعوى التي ضمت 84 صفحة أعلنت المحكمة في لاهاي أن الجلستين سيتم تخصيصهما للاستماع لطلب جنوب أفريقيا والذي يطلب من المحكمة الإشارة إلى تدابير مؤقتة من أجل "الحماية من أي ضرر إضافي جسيم وغير قابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية"، و"ضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب الاتفاقية بعدم الانخراط في الإبادة الجماعية، ومنعها والمعاقبة عليها".

تضمنت دعوى جنوب أفريقيا انتهاكات القانون الدولي التي ترتكبها حكومة إسرائيل وجيشها والتي تتسم بطابع الإبادة الجماعية لأنها تهدف إلى تدمير قطاع غزة من خلال قتل الفلسطينيين في غزة، وتوجيه الهجمات ضد السكان المدنيين والمباني المخصصة للعبادة، والمستشفيات والأماكن التي يتواجد فيها المرضى والجرحى فيما تقوم بتجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب؛ وغيرها من جرائم الحرب ضد الإنسانية.. وتعد محكمة العدل الدولية  (ICJ) هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، تأسست بموجب ميثاق الأمم المتحدة في جوان 1945 وبدأت أنشطتها في أفريل 1946، وتتألف المحكمة من 15 قاضيا تنتخبهم الجمعية العامة والمحكمة لمدة تسع سنوات وللمحكمة دور مزدوج: أولًا، الفصل، وفقًا للقانون الدولي، فض المنازعات القانونية المقدمة إليها من الدول؛ وثانيًا، تقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي تحال إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالات المنظومة المرخص لها حسب الأصول.

وبالنظر إلى ما سبق فان تعامل إسرائيل مع هذه الدعوى اختلف عن كل المرات السابقة فيما يتعلق بالجدار العازل وهو إنجاز سياسي وقانوني لم يتم توظيفه واستثماره في هذه المعركة المصيرية ..

طبعا لا يمكن الانسياق وراء التفاؤل ففرص النجاح قائمة ولكن الصعوبات والعراقيل كثيرة مع رفض الإدارة الأمريكية علنا لهذه الخطوة.. ولا شك أن الابتزازات والمقايضات والمساومات والضغوطات ستكون حاضرة أيضا لتوفير الحصانة لإسرائيل من الملاحقة خاصة وأن وثائق الإدانة متوفرة وقائمة في كل مكان في غزة وإلا لماذا رفضت سلطات الاحتلال السماح للصحفيين الأجانب من دخول غزة وقبل ذلك منعت دخول مسؤولين أمميين. وتعول إسرائيل على اللوبيات اليهودية المؤيدة لها في الغرب.. ولهذه الأسباب سيكون من المهم أن تنضم الدول العربية والإسلامية والإفريقية وحتى بعض الدول الأوروبية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني إلى جهود جنوب إفريقيا ...

-تصريحات وزراء نتنياهو تثبت نيتهم لارتكاب إبادة جماعية

بالأمس حذر الكاتب الإسرائيلي جيرمي شارون في مقال بصحيفة تايمز أوف إسرائيل، إن بلاده ستجد نفسها اليوم الخميس في قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية لسكان غزة، مشيرا إلى أن صدور حكم مؤقت ضد إسرائيل سيكون له تأثير شديد ما قد يترتب عليه عواقب دبلوماسية وخيمة، لافتا إلى إن الحكم ضد إسرائيل يمكن أن يؤثر حتى على السلوك المستمر للحرب في غزة.

الطلب المقدم من جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية يتهم إسرائيل بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية التي وقعت عليها تل أبيب ويستشهد التقرير بالعدد الهائل من المدنيين الفلسطينيين الذين استشهدوا بسبب القصف الإسرائيلي والانخفاض الشديد في إمكانية الحصول على الغذاء والماء والرعاية الطبية سكان غزة، الأمر الذي تراه جنوب إفريقيا انه نتيجة لجهود إسرائيلية مخططة لارتكاب إبادة جمعية ضد الفلسطينيين في عام 2013 في قطاع غزة.

وقال الكاتب الإسرائيلي إن التصريحات التحريضية العديدة التي أدلى بها وزراء الحكومة الإسرائيلية بشأن الفلسطينيين في غزة مثل بن غفير وسموتريتش  قبل وبعد السابع من أكتوبر من دعوات بحرق حوارة ونفي وجود الشعب الفلسطيني ودعوات لضرب غزة بالنووي وتحريض على تهجير أهالي غزة وطردهم ما يعزز القناعة بوجود نية لارتكاب إبادة جماعية، وهو جانب حاسم في أي اتهامات بالإبادة الجماعية.

التطور الأحق المهم اعتراف الحكومة البريطانية، بأن إسرائيل ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي بتوفير الإمدادات الأساسية للفلسطينيين بقطاع غزة، باعتبارها قوة احتلال. جاء ذلك عندما دعا وزير الخارجية البريطانى ديفيد كاميرون إسرائيل إلى إزالة الحواجز والعقبات أمام إدخال المساعدات الإنسانية إلى الأراضي التي كانت مهددة بجوع حقيقى واسع الانتشار. وحدد كاميرون سلسلة من التغييرات التي يتعين على إسرائيل القيام بها من ضمنها فتح المعابر الحدودية على مدار 24 ساعة وخلال عطلات نهاية الأسبوع.

جيرمي كوربن يدعو بريطانيا لدعم جنوب أفريقيا في محاكمة إسرائيل

زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربن دعا الحكومة البريطانية إلى دعم شكوى جنوب أفريقيا التي تقدمت بها أمام العدل الدولية وتتهم إسرائيل بارتكاب "أعمال إبادة " في عدوانها على غزة .

واعتبر كورب نلنه "في كل يوم، يتم ارتكاب فظائع أخرى لا توصف في غزة. ملايين الأشخاص حول العالم يدعمون جهود جنوب أفريقيا لمحاسبة إسرائيل. لماذا لا تستطيع حكومتنا القيام بذلك؟" وذلك عقب تدخل قام به في البرلمان.

-حصيلة دموية في غزة

يبقى الأكيد أن لغة الأرقام والإحصائيات اليومية عن تداعيات العدوان المستمر في غزة مع اقتراب حصيلة الخسائر من الـ24 ألفا أن في ذلك ما يوفر إدانة واضحة لكيان الاحتلال وأن المطلوب اعتماد هذه الأرقام الموثقة لتكثيف الجهود لملاحقة حكومة نتنياهو.. وتبقى الأرقام السابقة أولية على اعتبار أن نحو 8 آلاف فلسطيني مازالوا تحت الأنقاض.. اليوم جلسة أولى في لاهاي لمقاضاة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية خطوة تاريخية ما في ذلك شك ولكنها ستحتاج إلى مزيد الخطوات وستكون أكثر صلابة في حال انضمام الدول العربية والإسلامية والإفريقية إليها.. جنوب إفريقيا تأخذ زمام المبادرة فهل تلتحق الدول العربية...؟

اسيا العتروس

غزة تخاطب العالم عبر العدل الدولية... اليوم جلسة أولى في لاهاي لمقاضاة  الاحتلال...

 

جنوب إفريقيا تأخذ زمام المبادرة فهل تلتحق الدول العربية...؟

 تونس الصباح

تتجه الأنظار اليوم إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي حيث تعقد في العاصمة الهولندية أول جلسة من نوعها لمقاضاة الكيان الإسرائيلي على جرائم الإبادة المقترفة في غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر وذلك على خلفية الدعوى التي رفعتها حكومة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل.. ويتطلع العالم إلى هذه الجلسة التي توجه فيها أصابع الاتهام إلى الكيان الإسرائيلي وسط تواتر التقارير الحقوقية عن جرائم إبادة جماعية وما خلفته الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي من دمار وخراب ومن خسائر بشرية شملت نساء وأطفالا وشيوخا وطواقم طبية ومسعفين ومسؤولين أممين... ويفترض أن تقدم جنوب أفريقيا، التي يرأس وفدها اليوم إلى محكمة العدل الدولية وزير العدل،  مرافعتها الشفهية انطلاقا من الساعة العاشرة صباحا وحتى 12 ظهرا. فيما ستقدم إسرائيل مرافعتها الشفهية غدا الجمعة الموافق 12 جانفي 2024، من الساعة العاشرة صباحا وحتى 12 ظهرا.

وتكتسي هذه الدعوى أهمية قصوى بالنسبة للشارع الفلسطيني والرأي العام الدولي الذي يتطلع إلى ملاحقة إسرائيل على جرائمها طوال عقود.. كما يمثل تقدم جنوب افريقيا بهذه الدعوى أمام العدل الدولية رمزية خاصة إذ بالإضافة إلى إصرار الزعيم الراحل مانديلا على ربط مسار تحرير بلاده من الابرتييد بتحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال فان جنوب إفريقيا تظل رمز الصمود والانتصار على نظام الميز العنصري وحكم الابرتييد في هذا البلد الإفريقي... وواجهت جنوب إفريقيا في هذه الخطوة الكثير من الانتقادات والضغوط وقد رفضت الإدارة الأمريكية الإقرار بوجود أي انتهاكات ترقى إلى الإبادة الجماعية، بدورها استخفت حكومة ناتنياهو بالخطوة وذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى حد المكابرة والتأكيد على أن إسرائيل ستذهب إلى العدل الدولية لملاحقة حماس على عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر الماضي.. ولكن خلف هذا الخطاب الإسرائيلي المصر على المضي قدما في سياسة الاحتلال والانتهاكات وجهت الحكومة الإسرائيلية إلى سفاراتها وديبلوماسييها في مختلف أنحاء العالم بتنظيم حملات دعائية مكثفة للرد على اتهامات جنوب إفريقيا.. وحسب الخبراء والمتتبعين لتطورات الأحداث مع دخول العدل الدولية على خط العدوان في غزة فان تل أبيب تخشى أن تطالب محكمة العدل الدولية بإيقاف الحرب.. ويتوقع الكثيرون أن إسرائيل على الأرجح لن تمتثل كعادتها لقرارات العدل الدولية ولكن ذلك سيزيد تلويث صورتها أمام العالم كدولة متمردة على كل القوانين الإنسانية والدولية ..

-هاني المصري تطور.. وقرار المحكمة  ليس استشاريًا ..

ويعتبر الباحث والمحلل الفلسطيني هاني المصري أن لحظة الوصول إلى العد العكسي للحرب تقترب، ولكن لم نصل إليها حتى الآن، لسببين أما الأول فلأن حكومة نتنياهو، وخصوصًا رئيسها، لها مصلحة شخصية في إطالة أمد الحرب، لكي تحاول تحقيق انتصار قبل وقفها، حتى يساعدها ذلك عند بدء التحقيق عن المسؤولية والإخفاق التاريخيين الذين ظهرا يوم السابع من أكتوبر، أما السبب الثاني حسب هاني المصري لبدء العد العكسي فيعود إلى  دخول تطور جديد في منتهى الأهمية، وهو قيام جنوب أفريقيا (وليس بلدًا عربيًا أو إسلاميًا أو دولة فلسطين) بتقديم دعوة قضائية ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية لارتكابها جريمة الإبادة الجماعية، وهذه الجريمة هي الوحيدة التي تفرض على محكمة لاهاي أن تصدر حكمًا مستعجلًا بها خلال أسابيع لا أكثر (هناك جلستا استماع اليوم الخميس وغدا الجمعة)، وأن قرارها في هذه الجريمة فقط ليس استشاريًا بل هو قرار ملزم للدول الموقعة على الاتفاقية (أكثر من 150 دولة من ضمنها إسرائيل)، وإذا لم تلتزم به إسرائيل كما هو متوقع ستكون مدانة عالميًا، ولن تستطيع الدول الموقعة على الاتفاقية التعامل مع إسرائيل كما تتعامل معها الآن.

وتكمن الخطورة حسب المصري في أن صدور قرار من أعلى محكمة دولية بوقف الحرب فورًا، والتحقيق في صحة الدعوى بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، في أنها ستجعل الإدارة الأميركية والدول الأوروبية التي تدعم إسرائيل محرجة جدًا، وإذا لم توقف إسرائيل الحرب ستكون واشنطن محرجة أكثر باستخدام "الفيتو" عند عرض الأمر على مجلس الأمن؛ لأنه سيكون ليس ضد دولة أخرى، وإنما ضد حكم قضائي، وستبدأ بعده حملات أقوى لمساءلة إسرائيل ومعاقبتها وفرض العقوبات عليها، وستنجح، وسيوقف التعامل مع إسرائيل بوصفها دولة فوق القانون الدولي.

ماذا في الدعوى

ولاشك أن الوثائق والأدلة والبراهين ليست ما ينقص جنوب إفريقيا في هذه الخطوة بالنظر إلى الكم الهائل من الصور و الشهادات الموثقة من منظمات حقوقية دولية وهيأت أممية بينها الانروا والصليب الأحمر والصحة الدولي وغيرها التي تعرضت مقراتها للقصف وفقدت بدورها العشرات من موظفيها لاسيما الطواقم الطبية في المستشفيات والتي تعتبر محصنة وفق اتفاقية جنيف الرابعة.. وفق الدعوى التي ضمت 84 صفحة أعلنت المحكمة في لاهاي أن الجلستين سيتم تخصيصهما للاستماع لطلب جنوب أفريقيا والذي يطلب من المحكمة الإشارة إلى تدابير مؤقتة من أجل "الحماية من أي ضرر إضافي جسيم وغير قابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية"، و"ضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب الاتفاقية بعدم الانخراط في الإبادة الجماعية، ومنعها والمعاقبة عليها".

تضمنت دعوى جنوب أفريقيا انتهاكات القانون الدولي التي ترتكبها حكومة إسرائيل وجيشها والتي تتسم بطابع الإبادة الجماعية لأنها تهدف إلى تدمير قطاع غزة من خلال قتل الفلسطينيين في غزة، وتوجيه الهجمات ضد السكان المدنيين والمباني المخصصة للعبادة، والمستشفيات والأماكن التي يتواجد فيها المرضى والجرحى فيما تقوم بتجويع المدنيين كوسيلة من وسائل الحرب؛ وغيرها من جرائم الحرب ضد الإنسانية.. وتعد محكمة العدل الدولية  (ICJ) هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، تأسست بموجب ميثاق الأمم المتحدة في جوان 1945 وبدأت أنشطتها في أفريل 1946، وتتألف المحكمة من 15 قاضيا تنتخبهم الجمعية العامة والمحكمة لمدة تسع سنوات وللمحكمة دور مزدوج: أولًا، الفصل، وفقًا للقانون الدولي، فض المنازعات القانونية المقدمة إليها من الدول؛ وثانيًا، تقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي تحال إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالات المنظومة المرخص لها حسب الأصول.

وبالنظر إلى ما سبق فان تعامل إسرائيل مع هذه الدعوى اختلف عن كل المرات السابقة فيما يتعلق بالجدار العازل وهو إنجاز سياسي وقانوني لم يتم توظيفه واستثماره في هذه المعركة المصيرية ..

طبعا لا يمكن الانسياق وراء التفاؤل ففرص النجاح قائمة ولكن الصعوبات والعراقيل كثيرة مع رفض الإدارة الأمريكية علنا لهذه الخطوة.. ولا شك أن الابتزازات والمقايضات والمساومات والضغوطات ستكون حاضرة أيضا لتوفير الحصانة لإسرائيل من الملاحقة خاصة وأن وثائق الإدانة متوفرة وقائمة في كل مكان في غزة وإلا لماذا رفضت سلطات الاحتلال السماح للصحفيين الأجانب من دخول غزة وقبل ذلك منعت دخول مسؤولين أمميين. وتعول إسرائيل على اللوبيات اليهودية المؤيدة لها في الغرب.. ولهذه الأسباب سيكون من المهم أن تنضم الدول العربية والإسلامية والإفريقية وحتى بعض الدول الأوروبية الداعمة لحق الشعب الفلسطيني إلى جهود جنوب إفريقيا ...

-تصريحات وزراء نتنياهو تثبت نيتهم لارتكاب إبادة جماعية

بالأمس حذر الكاتب الإسرائيلي جيرمي شارون في مقال بصحيفة تايمز أوف إسرائيل، إن بلاده ستجد نفسها اليوم الخميس في قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية لسكان غزة، مشيرا إلى أن صدور حكم مؤقت ضد إسرائيل سيكون له تأثير شديد ما قد يترتب عليه عواقب دبلوماسية وخيمة، لافتا إلى إن الحكم ضد إسرائيل يمكن أن يؤثر حتى على السلوك المستمر للحرب في غزة.

الطلب المقدم من جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية يتهم إسرائيل بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية التي وقعت عليها تل أبيب ويستشهد التقرير بالعدد الهائل من المدنيين الفلسطينيين الذين استشهدوا بسبب القصف الإسرائيلي والانخفاض الشديد في إمكانية الحصول على الغذاء والماء والرعاية الطبية سكان غزة، الأمر الذي تراه جنوب إفريقيا انه نتيجة لجهود إسرائيلية مخططة لارتكاب إبادة جمعية ضد الفلسطينيين في عام 2013 في قطاع غزة.

وقال الكاتب الإسرائيلي إن التصريحات التحريضية العديدة التي أدلى بها وزراء الحكومة الإسرائيلية بشأن الفلسطينيين في غزة مثل بن غفير وسموتريتش  قبل وبعد السابع من أكتوبر من دعوات بحرق حوارة ونفي وجود الشعب الفلسطيني ودعوات لضرب غزة بالنووي وتحريض على تهجير أهالي غزة وطردهم ما يعزز القناعة بوجود نية لارتكاب إبادة جماعية، وهو جانب حاسم في أي اتهامات بالإبادة الجماعية.

التطور الأحق المهم اعتراف الحكومة البريطانية، بأن إسرائيل ملزمة بموجب القانون الإنساني الدولي بتوفير الإمدادات الأساسية للفلسطينيين بقطاع غزة، باعتبارها قوة احتلال. جاء ذلك عندما دعا وزير الخارجية البريطانى ديفيد كاميرون إسرائيل إلى إزالة الحواجز والعقبات أمام إدخال المساعدات الإنسانية إلى الأراضي التي كانت مهددة بجوع حقيقى واسع الانتشار. وحدد كاميرون سلسلة من التغييرات التي يتعين على إسرائيل القيام بها من ضمنها فتح المعابر الحدودية على مدار 24 ساعة وخلال عطلات نهاية الأسبوع.

جيرمي كوربن يدعو بريطانيا لدعم جنوب أفريقيا في محاكمة إسرائيل

زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربن دعا الحكومة البريطانية إلى دعم شكوى جنوب أفريقيا التي تقدمت بها أمام العدل الدولية وتتهم إسرائيل بارتكاب "أعمال إبادة " في عدوانها على غزة .

واعتبر كورب نلنه "في كل يوم، يتم ارتكاب فظائع أخرى لا توصف في غزة. ملايين الأشخاص حول العالم يدعمون جهود جنوب أفريقيا لمحاسبة إسرائيل. لماذا لا تستطيع حكومتنا القيام بذلك؟" وذلك عقب تدخل قام به في البرلمان.

-حصيلة دموية في غزة

يبقى الأكيد أن لغة الأرقام والإحصائيات اليومية عن تداعيات العدوان المستمر في غزة مع اقتراب حصيلة الخسائر من الـ24 ألفا أن في ذلك ما يوفر إدانة واضحة لكيان الاحتلال وأن المطلوب اعتماد هذه الأرقام الموثقة لتكثيف الجهود لملاحقة حكومة نتنياهو.. وتبقى الأرقام السابقة أولية على اعتبار أن نحو 8 آلاف فلسطيني مازالوا تحت الأنقاض.. اليوم جلسة أولى في لاهاي لمقاضاة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية خطوة تاريخية ما في ذلك شك ولكنها ستحتاج إلى مزيد الخطوات وستكون أكثر صلابة في حال انضمام الدول العربية والإسلامية والإفريقية إليها.. جنوب إفريقيا تأخذ زمام المبادرة فهل تلتحق الدول العربية...؟

اسيا العتروس