صحيح أنّنا في حضرة توديع سنة واستقبال عام جديد. نودّع شهورا وأسابيع وأياما. ولكن أبدا لن نودّع العشق لأنّ العشق ساكن فينا منذ خلقنا وحتى بعد أن نموت. إنّنا نودّع السنوات تلو الأخرى بعشقنا اللاّمتناهي للوطن وأبنائه وترابه وشجره وحجره. آلاف الشهداء يرتقون إلى السماء. لا يبالون وإن أريقت دماؤهم فدماء العشّاق دوما مباحة. ومن لم يكن كلفا بحبيبته محبّا لأهله وذويه لا يكون في مرتبة الذين وصفهم الأستاذ محمد بن محمد الخبو في كتابه "أخبار العشّاق وعوالمهم. مداخل إلى سرديّات بلاغيّة". ومحمّد بن محمّد الخبو أستاذ تعليم عال متميّز مختصّ في السرديات بالجامعة التونسية. له من الأعمال البحثيّة والأعمال المشتركة الكثير. وقد صدرت له في جانفي 2022 عن دار محمد علي للنشر ودار التنوير للطباعة والنشر الطبعة الأولى من كتاب "أخبار العشّاق وعوالمهم. مداخل إلى سرديّات بلاغيّة". وجاء الكتاب في ثلاثمائة وست وعشرين صفحة وهو من الحجم المتوسّط. وقد صمّمت غلافه السيّدة عبير الحجام.
واحتفاء بالمؤلّف، نظمت المكتبة الجهوية بصفاقس بالتعاون مع اتحاد الكتاب التونسيين فرع صفاقس ودار محمد علي للنشر حفل تقديم وتوقيع كتاب "أخبار العشّاق وعوالمهم. مداخل إلى سرديّات بلاغيّة" يوم الجمعة 8 ديسمبر 2023 حضره جمهور نوعيّ من الأساتذة والطلبة والمولعين بالشأن الأدبي والأجواء الشاعريّة.
كان تقديم المؤلف للأستاذة سهير أيوب. وكانت رئاسة الجلسة التي امتدّت طيلة الأمسية تحت إشراف الأستاذ عبد المجيد البحري. توقف الأستاذ عبد المجيد البحري عند كلّ فصول الكتاب وأمعن في دراسة أبعاد الكتاب الأدبيّة شكلا ومضمونا. وأصرّ أيضا على تناول البعد الإنساني الذي أراد الأستاذ محمد بن محمد الخبو إيصاله إلى جمهور قرّائه والمتمثّل في أنّ الحياة لا تقوم ولا تستقيم إلاّ إذا كانت قائمة على قيمة إنسانيّة مقدّسة لا تضاهيها قداسة اسمها الحبّ والعشق والهيام.
عن كتابه تحدث الأستاذ عبد المجيد البحري قائلا:" يعدّ كتاب "أخبار العشاق وعوالمهم-مدخل إلى سرديات بلاغية" للأستاذ محمد بن محمد الخبو محطة مهمّة في مسيرة بحثية ونقدية متنوعة المرجعيات والمقاربات، متعددة الآفاق والمسارات، فمن السرديات البنيوية والنصية، إلى السرديات التداولية والتلفظية وصولا إلى السرديات الاستدلالية ثم البلاغية. وهي تجارب نقدية مختلفة تكشف عن اطلاع واسع على النظريات والمناهج الغربية ومعايشة حميمة للنصوص القصصية قديمها وحديثها، ولعلّ ما يميّز بحوث الخبو العلمية ودراساته النقدية هو هذا الجدل الخصيب والتفاعل المنتج بين النظرية والنص، فلا سلطانَ مطلقًا للنظرية ولا قداسةَ للمناهج النقدية الغربية وإنما النص هو المرجع والأصل والقطب الذي تدور حوله النظريات والمناهج والمقولات النقدية."
وأضاف" و لا شكّ في أنّ قارئ كتاب "أخبار العشاق" واجدٌ فيه معرفةً عميقة ومتعةً خالصةً وفائدةً عظيمةً سواء من جهة الكشف عن نصوص العشق في الأدب العربي القديم (العشق الدنيوي للمرأة والمال، والعشق الإلهي أو الصوفي للذات الإلهية)، أو من جهة الاطلاع على أحدث المناهج والنظريات والمفاهيم النقدية المعاصرة من قبيل "السرديات البلاغية"، ونظرية "العوالم الممكنة"، ومسألة "المؤلف الضمني"، وإشكالية العلاقة بين المرجع والتخييل في النص القصصي، وغيرها من المسائل المتصلة بالأدب القصصي القديم إنتاجا وتلقيا، تشكيلا وتحليلا وتأويلا".
وهل يُفتى ومالك في المدينة؟ فصاحب الأثر أدلى هو الآخر بدلوه في مضمون ما خرج به على القرّاء بالقول:
واضاف"عندما فكّرت في جمع مقالاتي عن العشق، كنت مسكونا بشعور عميق بالاغتراب عن العصر كبير. عندما كنّا صغارا كنّا نفشي السلام على الصّغير و الكبير، على المرأة و الرّجل على الغنيّ إن كان أو الفقير. أمّا اليوم فلا سلام و لا كلام. تلقي السلام فلا تكاد تسمع الرّدّ عليه. تسير اليوم في الطريق العامّ، و كم هي مظاهر الاعوجاج التي تصدمك كلّ يوم، حاول ان تبدي مليحظة باحتشام حتّى تسمع ما تكره. لا اتحدّث عن المحاكم المزدحمة بقضايا الطلاق. هل بقي شيء اسمه عشق أو حتّى حبيب( تصغير لكلمة حبّ)؟نعم كتبت الكتاب لأبحث عن قيمة غالية في مجتمع متدهور.
وقال "كتبت الكتاب لأخطو خطوة أو أزعم انّي أفعل ذلك، في مجال الّدّراسات السّردية في جامعتنا التّونسيّة الرّائدة في ما كتبه المهتمّون العرب في الغرض. و ذلك بتوظيف بعض المداخل الجديدة إلى السّرد من قبيل وصل الدراسة البنيويّة بالبلاغة. لقد كان اهتمامي منصبّا على أخبار العشّاق كيف يؤثّر صائغوها في السّامعين في طور المشافهة ثمّ في القرّاء عندما استحالت الأخبار أعمالا مكتوبة. كتب الباحث المغربي محمّد مشبال كتبا في الغرض و كان سبّاقا إلى هذا، و لكن لا حظنا أنّ مفهوم البلاغة عنده لا يتعدّى بلاغة العبارة دون كبير اهتمام ببلاغة التأثير بالمعني الأرسطي الذي ركّزنا عليه في عملنا."
وختم "كتبت الكتاب لأقرأ تراثنا التّليد بعيون المعاصرة بحسب عبارة أستاذنا الراحل توفيق بكّار. فكم هو زاخر بفاتن الادب العشقي الذي رأيته معينا من القيم التي نحن في امسّ الحاجة إليها و قد هجرتنا. ثمّ كتبت الكتاب و هذا الاهمّ لا لأستثمر ما جاء به الآخر فقط، بل لأحاوره و أضيف إليه. أفلا يجب اليوم ان نبحث لنا عن موقع تحت الشّمس لا تحت الأجنحة؟"
سيظلّ كتاب "أخبار العشّاق وعوالمهم. مداخل إلى سرديّات بلاغيّة" محتفى به. كيف لا؟ وقد عانق موضوع العشق والحبّ اللذين تميّز بهما ديوان العرب من شعر ونثر لا سيّما وأنّ قول قيس بن الملوّح "نحن قوم إذا أحببنا نموت" بقي ضاربا في مخيال الوجدان العربيّ.
مصدّق الشّريف
تونس-الصباح
صحيح أنّنا في حضرة توديع سنة واستقبال عام جديد. نودّع شهورا وأسابيع وأياما. ولكن أبدا لن نودّع العشق لأنّ العشق ساكن فينا منذ خلقنا وحتى بعد أن نموت. إنّنا نودّع السنوات تلو الأخرى بعشقنا اللاّمتناهي للوطن وأبنائه وترابه وشجره وحجره. آلاف الشهداء يرتقون إلى السماء. لا يبالون وإن أريقت دماؤهم فدماء العشّاق دوما مباحة. ومن لم يكن كلفا بحبيبته محبّا لأهله وذويه لا يكون في مرتبة الذين وصفهم الأستاذ محمد بن محمد الخبو في كتابه "أخبار العشّاق وعوالمهم. مداخل إلى سرديّات بلاغيّة". ومحمّد بن محمّد الخبو أستاذ تعليم عال متميّز مختصّ في السرديات بالجامعة التونسية. له من الأعمال البحثيّة والأعمال المشتركة الكثير. وقد صدرت له في جانفي 2022 عن دار محمد علي للنشر ودار التنوير للطباعة والنشر الطبعة الأولى من كتاب "أخبار العشّاق وعوالمهم. مداخل إلى سرديّات بلاغيّة". وجاء الكتاب في ثلاثمائة وست وعشرين صفحة وهو من الحجم المتوسّط. وقد صمّمت غلافه السيّدة عبير الحجام.
واحتفاء بالمؤلّف، نظمت المكتبة الجهوية بصفاقس بالتعاون مع اتحاد الكتاب التونسيين فرع صفاقس ودار محمد علي للنشر حفل تقديم وتوقيع كتاب "أخبار العشّاق وعوالمهم. مداخل إلى سرديّات بلاغيّة" يوم الجمعة 8 ديسمبر 2023 حضره جمهور نوعيّ من الأساتذة والطلبة والمولعين بالشأن الأدبي والأجواء الشاعريّة.
كان تقديم المؤلف للأستاذة سهير أيوب. وكانت رئاسة الجلسة التي امتدّت طيلة الأمسية تحت إشراف الأستاذ عبد المجيد البحري. توقف الأستاذ عبد المجيد البحري عند كلّ فصول الكتاب وأمعن في دراسة أبعاد الكتاب الأدبيّة شكلا ومضمونا. وأصرّ أيضا على تناول البعد الإنساني الذي أراد الأستاذ محمد بن محمد الخبو إيصاله إلى جمهور قرّائه والمتمثّل في أنّ الحياة لا تقوم ولا تستقيم إلاّ إذا كانت قائمة على قيمة إنسانيّة مقدّسة لا تضاهيها قداسة اسمها الحبّ والعشق والهيام.
عن كتابه تحدث الأستاذ عبد المجيد البحري قائلا:" يعدّ كتاب "أخبار العشاق وعوالمهم-مدخل إلى سرديات بلاغية" للأستاذ محمد بن محمد الخبو محطة مهمّة في مسيرة بحثية ونقدية متنوعة المرجعيات والمقاربات، متعددة الآفاق والمسارات، فمن السرديات البنيوية والنصية، إلى السرديات التداولية والتلفظية وصولا إلى السرديات الاستدلالية ثم البلاغية. وهي تجارب نقدية مختلفة تكشف عن اطلاع واسع على النظريات والمناهج الغربية ومعايشة حميمة للنصوص القصصية قديمها وحديثها، ولعلّ ما يميّز بحوث الخبو العلمية ودراساته النقدية هو هذا الجدل الخصيب والتفاعل المنتج بين النظرية والنص، فلا سلطانَ مطلقًا للنظرية ولا قداسةَ للمناهج النقدية الغربية وإنما النص هو المرجع والأصل والقطب الذي تدور حوله النظريات والمناهج والمقولات النقدية."
وأضاف" و لا شكّ في أنّ قارئ كتاب "أخبار العشاق" واجدٌ فيه معرفةً عميقة ومتعةً خالصةً وفائدةً عظيمةً سواء من جهة الكشف عن نصوص العشق في الأدب العربي القديم (العشق الدنيوي للمرأة والمال، والعشق الإلهي أو الصوفي للذات الإلهية)، أو من جهة الاطلاع على أحدث المناهج والنظريات والمفاهيم النقدية المعاصرة من قبيل "السرديات البلاغية"، ونظرية "العوالم الممكنة"، ومسألة "المؤلف الضمني"، وإشكالية العلاقة بين المرجع والتخييل في النص القصصي، وغيرها من المسائل المتصلة بالأدب القصصي القديم إنتاجا وتلقيا، تشكيلا وتحليلا وتأويلا".
وهل يُفتى ومالك في المدينة؟ فصاحب الأثر أدلى هو الآخر بدلوه في مضمون ما خرج به على القرّاء بالقول:
واضاف"عندما فكّرت في جمع مقالاتي عن العشق، كنت مسكونا بشعور عميق بالاغتراب عن العصر كبير. عندما كنّا صغارا كنّا نفشي السلام على الصّغير و الكبير، على المرأة و الرّجل على الغنيّ إن كان أو الفقير. أمّا اليوم فلا سلام و لا كلام. تلقي السلام فلا تكاد تسمع الرّدّ عليه. تسير اليوم في الطريق العامّ، و كم هي مظاهر الاعوجاج التي تصدمك كلّ يوم، حاول ان تبدي مليحظة باحتشام حتّى تسمع ما تكره. لا اتحدّث عن المحاكم المزدحمة بقضايا الطلاق. هل بقي شيء اسمه عشق أو حتّى حبيب( تصغير لكلمة حبّ)؟نعم كتبت الكتاب لأبحث عن قيمة غالية في مجتمع متدهور.
وقال "كتبت الكتاب لأخطو خطوة أو أزعم انّي أفعل ذلك، في مجال الّدّراسات السّردية في جامعتنا التّونسيّة الرّائدة في ما كتبه المهتمّون العرب في الغرض. و ذلك بتوظيف بعض المداخل الجديدة إلى السّرد من قبيل وصل الدراسة البنيويّة بالبلاغة. لقد كان اهتمامي منصبّا على أخبار العشّاق كيف يؤثّر صائغوها في السّامعين في طور المشافهة ثمّ في القرّاء عندما استحالت الأخبار أعمالا مكتوبة. كتب الباحث المغربي محمّد مشبال كتبا في الغرض و كان سبّاقا إلى هذا، و لكن لا حظنا أنّ مفهوم البلاغة عنده لا يتعدّى بلاغة العبارة دون كبير اهتمام ببلاغة التأثير بالمعني الأرسطي الذي ركّزنا عليه في عملنا."
وختم "كتبت الكتاب لأقرأ تراثنا التّليد بعيون المعاصرة بحسب عبارة أستاذنا الراحل توفيق بكّار. فكم هو زاخر بفاتن الادب العشقي الذي رأيته معينا من القيم التي نحن في امسّ الحاجة إليها و قد هجرتنا. ثمّ كتبت الكتاب و هذا الاهمّ لا لأستثمر ما جاء به الآخر فقط، بل لأحاوره و أضيف إليه. أفلا يجب اليوم ان نبحث لنا عن موقع تحت الشّمس لا تحت الأجنحة؟"
سيظلّ كتاب "أخبار العشّاق وعوالمهم. مداخل إلى سرديّات بلاغيّة" محتفى به. كيف لا؟ وقد عانق موضوع العشق والحبّ اللذين تميّز بهما ديوان العرب من شعر ونثر لا سيّما وأنّ قول قيس بن الملوّح "نحن قوم إذا أحببنا نموت" بقي ضاربا في مخيال الوجدان العربيّ.