الصين أصبحت عام 2023 أول قوة تجارية وثاني اقتصاد في العالم وترأس مجموعة دول البريكس التي تستعد لأخذ صولجان الحكم في عالم أكثر عدلا
بقلم د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
يبدو المنطق التداولي للحضارات هو السائد والمطبق على الحضارات المتتالية للبشرية. وهو مسار حتمي مقارن لكل منها، لا تستطيع الإفلات من قوانينه التاريخية ، حسب إفادات المؤرخين الكلاسيكيين ومؤرخي اللحظة أو التاريخ الفوري.
فقد كانت ظلامية أوروبا في قرن الألفية 1000 استكمالا للحضارة الرومانية المحتضرة ، كان فيها عصر البيزنطيين الروم شبيها بعصر احتضار الإمبراطورية الإسلامية مع دولة المماليك والعصر العثماني المحتضر، قبل سقوط ممالك الإسلام لقمة سائغة في فم الاستعمار الأوروبي المسيحي، وهو في أوج فتوحاته وتوسعه، ليس مع العالم الإسلامي، بل في باقي أنحاء العالم.
والغاية المرجوة من تحليل أسباب ومظاهر السقوط والتراجع الحضاري والانحطاط الذي عرفته كل الحضارات البشرية المتعاقبة، هي معرفة أقوم المسالك وأنجعها في سبيل الخروج من التردي الإنحطاطي لأية حضارة عرفت هذا المسار الإيجابي والسلبي انطلاقا من مقولة العلامة بن خلدون الذي يعتبر أن الخروج والدخول للحضارة هو عملية عود على بدء و"إعادة مستأنفة ونشأة متجددة" للتاريخ، كما عبر عنها في كتابه "المقدمة" في نظرية النشوء والازدهار والأفول للحضارات . وتتم عملية الخروج من الأفول عبر بناء أسس نهضة فكرية وأدبية وعلمية، كتلك التي قام بها صناع الحضارة العربية الإسلامية في دمشق وبغداد والقيروان وقرطبة، وعبر العودة إلى التراث العربي الذاتي القديم واستحضاره ومحاورته في عملية قراءة متأنية بآليات العصر الجديد الذي هم فيه من جهة، ومن جهة أخرى عبر ترجمة أمهات ما كتبه الآخرون من حولهم في المواضيع المطروحة على عملية النهوض الحضاري. وهذا ما فعله علماء وأعلام المسلمين في تلك العهود وصناع الكتابة الأدبية والنثرية والإخبارية.
وهو طريق سلكته ومازالت تسلكه الأمم السائرة في طريق التقدم أو تلك الماسكة بصولجانه إلى اليوم، عبر العودة إلى محاورة الماضي وربطه بالحاضر بكل يسر ومنهجية. ويشارك في هذه العملية التحاورية مع الماضي والحاضر كل العلماء والكتاب وقارأو المستقبل وحتى المستثمرون ورجال الإعلام والتجار، ضمن ديناميكية البحث والكتابة والتأليف، التي تكون أحد مظاهر الازدهار الحضاري، كما كانت في أثينا وروما وبغداد واليوم في باريس ولندن ونيويورك.
ومثلما حصل مع العرب والمسلمين الذين سيطروا في خمسين سنة على العالم المفيد (ضفتي البحر المتوسط وطريق الهند)، بفضل مجهود ترجمة علوم الإغريق والفرس والهنود، اعتمد الغرب على نفس الأسلوب التقليدي لكل الحضارات وهو ترجمة أثار العرب التي وصلت وعانقت قمة خلاصة الفكر والإبداع الإنساني. وسمح لهم ذلك بفضل علوم العرب وتقنياتهم، أن يسيطروا على الأندلس المندسة وسَطَهم، ويستعيدوها لتخرج منها المراكب المتقدمة تقنيا للمكتشفين والبحارة الإسبان والبرتغاليين الذين سيسيطرون على طرق الملاحة البحرية والتجارة التي كان يسيطر عليها العرب لقرون. ويكون اكتشاف أمريكا عام 1492 في نفس سنة سقوط غرناطة، أخر مدائن حضارة الأندلس .
وستعقب الإمبراطوريتين البرتغالية والإسبانية إمبراطورية فرنسا وبريطانيا ومن بعدها إمبراطورية أمريكا الحالية، في انتظار سيطرة إمبراطورية الصين القادمة على مهل .
وفي كتابه الصادر عام 2021 بعنوان " قواعد تغيرات النظام العالمي : لماذا تنجح دول وتفشل أخرى" يتحدث الكاتب ورجل الأعمال الأمريكي راي داليو، عن المراحل الانتقالية للإمبراطوريات خلال القرون الخمسة الماضية منذ القرن الخامس عشر. ويقدم بمنهج خلدوني في التحليل والتحقيق التاريخي خلاصة أطروحة لابن خلدون تقول:"عندما تصعد إمبراطورية قوية وغنية، وعندما تبدأ قوتها في الاضمحلال ".
ويستعرض مؤشرات لذلك، مقدما في كتابه جدولا لمدد سنوات هيمنة الإمبراطوريات التي خلفت الإمبراطورية الإسلامية خلال الخمسمائة سنة الماضية بالمقارنة بينها وهي:
- البرتغال وإسبانيا " من عام 1500 الي 1675
-هولاندا وفرنسا وبريطانيا : من عام 1750 الي 1900
-أمريكا : من عام 1925 إلى 2100 (حسب توقعاته)
ويعتمد المؤلف المستقبلي في عمله البحثي على سبعة عوامل تضمن هيمنة البلدان والإمبراطوريات وهي: أولا التعليم، وثانيا التنافسية، وثالثا الدخل الداخلي الخام، ورابعا نسبة المساهمة في التجارة العالمية، وخامسا الجهاز العسكري، وسادسا الصلابة المالية، وسابعا حالة العملة الاحتياطية.
ويعتقد أن الصين القوة الصاعدة الآن، والتي تستعد لاحتلال مكانة القوة المهيمنة في العالم، كانت في السابق إمبراطورية مهيمنة وأكثر قوة من أوروبا لمدة عدة قرون قبل أن تنهار وتسقط في الانحطاط بداية عام 1800. كما كانت هولاندا وهي بلد صغير غنية وقوية بالمستعمرات خلال قرن 1600-1700. وقد جاءت بعدها بريطانيا وعرفت نفس المصير الإنحطاطي الحتمي، لكنها ولدت ابنتها أمريكا التي عرفت صعودا كبيرا منذ تأسيسها، ولكنها تشهد اليوم انحطاطا نسبيا أمام الصعود المتنامي للصين وحلفائها، حسب المؤلف الأمريكي وهو المستثمر في الأعمال الذي يعتبر في كتابه أن "أمريكا هي الآن أتعس مكان يمكن أن تستثمر فيه"، مقدما بالمقابل صورة إيجابية عن مناخ الاستثمار في الصين .
"عندما تستفيق الصين يرتعد العالم"
ويجدر التذكير بأنه في عام 1973 نشر السياسي الفرنسي ألاَنْ بيريفيتي، كتابا بعنوان "عندما تستفيق الصين يرتعد العالم"، وذلك إثر زيارات للصين، لاحظ فيها مكامن النهوض المستقبلية، داعيا الغرب في كتابه إلى ترك الصين نائمة لأنها عندما "تستفيق يرتعد العالم"، كما قال في كتابه. وقد تحققت توقعاته بعد خمسين سنة حين أصبحت الصين عام 2023 أول قوة تجارية في العالم وثاني اقتصاد في العالم بعد أمريكا، وترأس مجموعة دول البريكس التي تستعد لأخذ صولجان الحكم في العالم يكون متعدد الأقطاب وأكثر عدلا، وتعود فيه إلى الصدارة بلدان الحضارات القديمة وهي الصين والهند وروسيا القيصرية ومصر الفرعونية والعربية السعودية موطن الإسلام وإيران الفارسية وإفريقيا الحرة ، وذلك بعد ربع قرن أو نصف قرن على أقصى تقدير، حسب توقعات الدراسات الإستشرافية ومراكز البحث في الغرب الأورو أمريكي نفسه.
" عندما يستفيق الإسلام"
وفي عام 2018 نشر المؤرخ المغربي محمد أركون كتابا بالفرنسية يحمل نفس العنوان تقريبا وهو " عندما يستفيق الإسلام"، دعا فيه إلى مواصلة الحركة الإصلاحية في الفكر الإسلامي وتحرير الكلمة والمرأة حتى يستفيق العالم الإسلامي ويعود إلى مجده العلمي والفكري الخلاق، عبر نقد الذات وتجاوز العطالة الراهنة.
ويجد اليوم جوابا ذلك السؤال المصيري الذي طرحه المفكر اللبناني شكيب أرسلان عام 1930 في كتابه "لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم"؟ والجواب بديهي وهو تحقيق نهضة علمية وفكرية جديدة للعرب والمسلمين، يكون لهم دور ضمن العالم القادم متعدد الأقطاب لكل حضارة إنسانية المنحى فيه نصيب .
والى غاية نهاية عام 2023 لازالت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة ودول أوروبا تتحكم في الاقتصاد العالمي والإنتاج الصناعي والهيمنة العسكرية . ولكن أصبحت تتبعها منذ عشرية من الزمن كوكبة من البلدان ذات الثقل الاقتصادي والإرث الحضاري تتقدمهم الصين والهند والبرازيل وإيران وتركيا والسعودية. وتتوقع الدراسات ومراكز البحث أن تتمكن الصين بداية من عام 2030 من تجاوز الولايات المتحدة واحتلال المكانة الاقتصادية الأولي وافتكاكها من أمريكا التي ظلت تحتلها منذ 1870 كأكبر اقتصاد في العالم.
وحسب إحصائيات البنك الدولي فإن الدخل الإجمالي للاقتصاد العالمي عام 2022 بلغ 104 تريليون دولار لكل الإقتصادات العالمية، تحتل فيه الصدارة كل من أمريكا والصين المرتبة الأولى بأكثر من عشرين تريليون دولار لكل منهما، تليهما بعيدا باقي القوى الأخرى بأقل من خمسة تريليون دولار لكل منها. ويأتي الترتيب كالتالي :
-الولايات المتحدة : 25 تريليون دولار، تليها الصين ب 20 تريليون دولار، تليها اليابان ب5 تريليون، تليها ألمانيا ب 5 تريليون، تليها بريطانيا ب 4 تريليون، تليها الهند ب3 تريليون، تليها فرنسا ب3 تريليون، تليها روسيا ب2 تريليون، ثم البرازيل ب2 تريليون، ثم إيران ب2 تريليون، ثم السعودية ب 1 تريليون، ثم أندونيسيا ب 1 تريليون دولار.
ويبدو من غير السهل والسريع تبوأ منصب الصدارة في العالم لأية حضارة. فقد أمضى العرب قرنين كاملين منذ عصر المأمون العباسي لترجمة علوم من سبقهم من اليونان والفرس والروم لتحقيق الازدهار والهيمنة لأكثر من خمسة قرون. ونفس المدة بقرنين أمضاها الأوروبيون مع فريدريك الثاني في القرن الثاني عشر لترجمة علوم اليونان والعرب، وتسليم مشعل الحضارة إلى حركة النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر المهيمنة إلى اليوم.
الصين أصبحت عام 2023 أول قوة تجارية وثاني اقتصاد في العالم وترأس مجموعة دول البريكس التي تستعد لأخذ صولجان الحكم في عالم أكثر عدلا
بقلم د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
يبدو المنطق التداولي للحضارات هو السائد والمطبق على الحضارات المتتالية للبشرية. وهو مسار حتمي مقارن لكل منها، لا تستطيع الإفلات من قوانينه التاريخية ، حسب إفادات المؤرخين الكلاسيكيين ومؤرخي اللحظة أو التاريخ الفوري.
فقد كانت ظلامية أوروبا في قرن الألفية 1000 استكمالا للحضارة الرومانية المحتضرة ، كان فيها عصر البيزنطيين الروم شبيها بعصر احتضار الإمبراطورية الإسلامية مع دولة المماليك والعصر العثماني المحتضر، قبل سقوط ممالك الإسلام لقمة سائغة في فم الاستعمار الأوروبي المسيحي، وهو في أوج فتوحاته وتوسعه، ليس مع العالم الإسلامي، بل في باقي أنحاء العالم.
والغاية المرجوة من تحليل أسباب ومظاهر السقوط والتراجع الحضاري والانحطاط الذي عرفته كل الحضارات البشرية المتعاقبة، هي معرفة أقوم المسالك وأنجعها في سبيل الخروج من التردي الإنحطاطي لأية حضارة عرفت هذا المسار الإيجابي والسلبي انطلاقا من مقولة العلامة بن خلدون الذي يعتبر أن الخروج والدخول للحضارة هو عملية عود على بدء و"إعادة مستأنفة ونشأة متجددة" للتاريخ، كما عبر عنها في كتابه "المقدمة" في نظرية النشوء والازدهار والأفول للحضارات . وتتم عملية الخروج من الأفول عبر بناء أسس نهضة فكرية وأدبية وعلمية، كتلك التي قام بها صناع الحضارة العربية الإسلامية في دمشق وبغداد والقيروان وقرطبة، وعبر العودة إلى التراث العربي الذاتي القديم واستحضاره ومحاورته في عملية قراءة متأنية بآليات العصر الجديد الذي هم فيه من جهة، ومن جهة أخرى عبر ترجمة أمهات ما كتبه الآخرون من حولهم في المواضيع المطروحة على عملية النهوض الحضاري. وهذا ما فعله علماء وأعلام المسلمين في تلك العهود وصناع الكتابة الأدبية والنثرية والإخبارية.
وهو طريق سلكته ومازالت تسلكه الأمم السائرة في طريق التقدم أو تلك الماسكة بصولجانه إلى اليوم، عبر العودة إلى محاورة الماضي وربطه بالحاضر بكل يسر ومنهجية. ويشارك في هذه العملية التحاورية مع الماضي والحاضر كل العلماء والكتاب وقارأو المستقبل وحتى المستثمرون ورجال الإعلام والتجار، ضمن ديناميكية البحث والكتابة والتأليف، التي تكون أحد مظاهر الازدهار الحضاري، كما كانت في أثينا وروما وبغداد واليوم في باريس ولندن ونيويورك.
ومثلما حصل مع العرب والمسلمين الذين سيطروا في خمسين سنة على العالم المفيد (ضفتي البحر المتوسط وطريق الهند)، بفضل مجهود ترجمة علوم الإغريق والفرس والهنود، اعتمد الغرب على نفس الأسلوب التقليدي لكل الحضارات وهو ترجمة أثار العرب التي وصلت وعانقت قمة خلاصة الفكر والإبداع الإنساني. وسمح لهم ذلك بفضل علوم العرب وتقنياتهم، أن يسيطروا على الأندلس المندسة وسَطَهم، ويستعيدوها لتخرج منها المراكب المتقدمة تقنيا للمكتشفين والبحارة الإسبان والبرتغاليين الذين سيسيطرون على طرق الملاحة البحرية والتجارة التي كان يسيطر عليها العرب لقرون. ويكون اكتشاف أمريكا عام 1492 في نفس سنة سقوط غرناطة، أخر مدائن حضارة الأندلس .
وستعقب الإمبراطوريتين البرتغالية والإسبانية إمبراطورية فرنسا وبريطانيا ومن بعدها إمبراطورية أمريكا الحالية، في انتظار سيطرة إمبراطورية الصين القادمة على مهل .
وفي كتابه الصادر عام 2021 بعنوان " قواعد تغيرات النظام العالمي : لماذا تنجح دول وتفشل أخرى" يتحدث الكاتب ورجل الأعمال الأمريكي راي داليو، عن المراحل الانتقالية للإمبراطوريات خلال القرون الخمسة الماضية منذ القرن الخامس عشر. ويقدم بمنهج خلدوني في التحليل والتحقيق التاريخي خلاصة أطروحة لابن خلدون تقول:"عندما تصعد إمبراطورية قوية وغنية، وعندما تبدأ قوتها في الاضمحلال ".
ويستعرض مؤشرات لذلك، مقدما في كتابه جدولا لمدد سنوات هيمنة الإمبراطوريات التي خلفت الإمبراطورية الإسلامية خلال الخمسمائة سنة الماضية بالمقارنة بينها وهي:
- البرتغال وإسبانيا " من عام 1500 الي 1675
-هولاندا وفرنسا وبريطانيا : من عام 1750 الي 1900
-أمريكا : من عام 1925 إلى 2100 (حسب توقعاته)
ويعتمد المؤلف المستقبلي في عمله البحثي على سبعة عوامل تضمن هيمنة البلدان والإمبراطوريات وهي: أولا التعليم، وثانيا التنافسية، وثالثا الدخل الداخلي الخام، ورابعا نسبة المساهمة في التجارة العالمية، وخامسا الجهاز العسكري، وسادسا الصلابة المالية، وسابعا حالة العملة الاحتياطية.
ويعتقد أن الصين القوة الصاعدة الآن، والتي تستعد لاحتلال مكانة القوة المهيمنة في العالم، كانت في السابق إمبراطورية مهيمنة وأكثر قوة من أوروبا لمدة عدة قرون قبل أن تنهار وتسقط في الانحطاط بداية عام 1800. كما كانت هولاندا وهي بلد صغير غنية وقوية بالمستعمرات خلال قرن 1600-1700. وقد جاءت بعدها بريطانيا وعرفت نفس المصير الإنحطاطي الحتمي، لكنها ولدت ابنتها أمريكا التي عرفت صعودا كبيرا منذ تأسيسها، ولكنها تشهد اليوم انحطاطا نسبيا أمام الصعود المتنامي للصين وحلفائها، حسب المؤلف الأمريكي وهو المستثمر في الأعمال الذي يعتبر في كتابه أن "أمريكا هي الآن أتعس مكان يمكن أن تستثمر فيه"، مقدما بالمقابل صورة إيجابية عن مناخ الاستثمار في الصين .
"عندما تستفيق الصين يرتعد العالم"
ويجدر التذكير بأنه في عام 1973 نشر السياسي الفرنسي ألاَنْ بيريفيتي، كتابا بعنوان "عندما تستفيق الصين يرتعد العالم"، وذلك إثر زيارات للصين، لاحظ فيها مكامن النهوض المستقبلية، داعيا الغرب في كتابه إلى ترك الصين نائمة لأنها عندما "تستفيق يرتعد العالم"، كما قال في كتابه. وقد تحققت توقعاته بعد خمسين سنة حين أصبحت الصين عام 2023 أول قوة تجارية في العالم وثاني اقتصاد في العالم بعد أمريكا، وترأس مجموعة دول البريكس التي تستعد لأخذ صولجان الحكم في العالم يكون متعدد الأقطاب وأكثر عدلا، وتعود فيه إلى الصدارة بلدان الحضارات القديمة وهي الصين والهند وروسيا القيصرية ومصر الفرعونية والعربية السعودية موطن الإسلام وإيران الفارسية وإفريقيا الحرة ، وذلك بعد ربع قرن أو نصف قرن على أقصى تقدير، حسب توقعات الدراسات الإستشرافية ومراكز البحث في الغرب الأورو أمريكي نفسه.
" عندما يستفيق الإسلام"
وفي عام 2018 نشر المؤرخ المغربي محمد أركون كتابا بالفرنسية يحمل نفس العنوان تقريبا وهو " عندما يستفيق الإسلام"، دعا فيه إلى مواصلة الحركة الإصلاحية في الفكر الإسلامي وتحرير الكلمة والمرأة حتى يستفيق العالم الإسلامي ويعود إلى مجده العلمي والفكري الخلاق، عبر نقد الذات وتجاوز العطالة الراهنة.
ويجد اليوم جوابا ذلك السؤال المصيري الذي طرحه المفكر اللبناني شكيب أرسلان عام 1930 في كتابه "لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم"؟ والجواب بديهي وهو تحقيق نهضة علمية وفكرية جديدة للعرب والمسلمين، يكون لهم دور ضمن العالم القادم متعدد الأقطاب لكل حضارة إنسانية المنحى فيه نصيب .
والى غاية نهاية عام 2023 لازالت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة ودول أوروبا تتحكم في الاقتصاد العالمي والإنتاج الصناعي والهيمنة العسكرية . ولكن أصبحت تتبعها منذ عشرية من الزمن كوكبة من البلدان ذات الثقل الاقتصادي والإرث الحضاري تتقدمهم الصين والهند والبرازيل وإيران وتركيا والسعودية. وتتوقع الدراسات ومراكز البحث أن تتمكن الصين بداية من عام 2030 من تجاوز الولايات المتحدة واحتلال المكانة الاقتصادية الأولي وافتكاكها من أمريكا التي ظلت تحتلها منذ 1870 كأكبر اقتصاد في العالم.
وحسب إحصائيات البنك الدولي فإن الدخل الإجمالي للاقتصاد العالمي عام 2022 بلغ 104 تريليون دولار لكل الإقتصادات العالمية، تحتل فيه الصدارة كل من أمريكا والصين المرتبة الأولى بأكثر من عشرين تريليون دولار لكل منهما، تليهما بعيدا باقي القوى الأخرى بأقل من خمسة تريليون دولار لكل منها. ويأتي الترتيب كالتالي :
-الولايات المتحدة : 25 تريليون دولار، تليها الصين ب 20 تريليون دولار، تليها اليابان ب5 تريليون، تليها ألمانيا ب 5 تريليون، تليها بريطانيا ب 4 تريليون، تليها الهند ب3 تريليون، تليها فرنسا ب3 تريليون، تليها روسيا ب2 تريليون، ثم البرازيل ب2 تريليون، ثم إيران ب2 تريليون، ثم السعودية ب 1 تريليون، ثم أندونيسيا ب 1 تريليون دولار.
ويبدو من غير السهل والسريع تبوأ منصب الصدارة في العالم لأية حضارة. فقد أمضى العرب قرنين كاملين منذ عصر المأمون العباسي لترجمة علوم من سبقهم من اليونان والفرس والروم لتحقيق الازدهار والهيمنة لأكثر من خمسة قرون. ونفس المدة بقرنين أمضاها الأوروبيون مع فريدريك الثاني في القرن الثاني عشر لترجمة علوم اليونان والعرب، وتسليم مشعل الحضارة إلى حركة النهضة الأوروبية في القرن الخامس عشر المهيمنة إلى اليوم.