* أكثر من مليون و300 ألف شخص يشتغلون في القطاع الموازي
* وزيرة التجارة وتنمية الصادرات تكشف عن إجراءات جديدة لدمج القطاع غير الرسمي بالمنظم
خبير محاسب يؤكد أن معضلة إدماج القطاع غير المنظم بالمنظم تكمن في انعدام التقنيات اللازمة
تونس- الصباح
انطلقت، أمس، فعاليات الدورة 37 من أيام المؤسسة تحت شعار “المؤسسة والطابع غير الرسمي، التهميش والحلول العالقة”، تحت إشراف رئيس الجمهورية قيس سعيد وبحضور وزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب، الى جانب رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الطيب البياحي. وشارك في الدورة 37 لأيام المؤسسة ضيوف من اليونان والمجر والأردن وفلسطين والبيرو، وتم خلالها عرض العديد من التجارب في البلدان التي تعاني من ارتفاع الاقتصاد غير الرسمي أو غير المنظم والحلول المتوفرة لدمجها جنبا الى جنب مع الاقتصاد المنظم. وطالب رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الطيب البياحي في كلمته في الواقع، بضرورة أن لا نغفل ما يمثل أكثر من ثلث اقتصادنا وفقا للتقييمات الأكثر تحفظا، وعلى الأقل لا يقل أهمية عن الثلثين المتبقيين المفترضين من القطاعات الخاصة المنظمة والقطاع العام، مبرزا تفاقم معضلة الاقتصاد غير الرسمي بسبب الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لا تمر به بلادنا فحسب، بل ما يمر به العالم، والذي تفاقم بسبب وضع جيوسياسي غير مسبوق، مؤكدا ان هذه الدورة تأتي في ظلّ التطورات الجيوستراتيجية الأخيرة، وتتالي الأزمات، وتفاقم المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، وإشكالية المديونية، والضغوطات العالمية على مستوى التزُّود بالمواد الأولية، وتنامي موجات الهجرة وغيرها من الأسباب التي قوضت النظام الاقتصادي الحالي وزادت من هشاشته. وبحسب ما كشفه البياحي فإن مفهوم الطابع “غير الرسمي” لا يتعلق فقط بالجانب الاقتصادي، أي الاقتصاد غير الرسمي والعمل غير الرسمي، إذ رغم تتالي التقارير والدراسات سواء من المؤسسات الدولية أو الوطنية حول هذا المفهوم، يظل الغموض والخلط قائما، داعيا الى ضرورة العمل في الفترة القادمة على استنباط الآليات المناسبة لدمج الطابع المؤسساتي غير الرسمي بالمنظم.
من جهتها ثمنت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب دور المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تبني الحوارات المتعلقة بالمواضيع ذات الطابع الاقتصادي، بما يُساهم بشكل جوهري في إنارة توجهات السياسات الاقتصادية والاجتماعية وطرح الخيارات المتاحة للقيام بالإصلاحات الضرورية من أجل تنمية مستدامة ومندمجة لبلادنا.
الدولة ستواصل دعم رجال الأعمال
وطمأنت الوزيرة باسم الحكومة التونسية، كل رجال الأعمال والمتعاملين الاقتصاديين الذين يعملون في كنف احترام القانون، أنّ الدولة التونسية ستبقى تدعمهم بكل الوسائل المتاحة وتوفر لهم مناخ أعمال إيجابي حتى يساهموا في خلق الثروة وتنمية البلاد، مشيرة الى أنّ الحكومة ماضية قُدما في القيام بما يلزم لتوفير ممهّدات النجاح للاستثمار الخاص وإعطاء الثقة لرجال الأعمال التونسيين والأجانب حيث أنّ الاستقرار الذي تتمتع به بلادنا الى جانب القوانين والحوافز والبرامج توفّر كلّ الظروف المواتية للمبادرة الخاصة.
ونوهت الوزيرة بالجهود التي تقوم بها وزارة التجارة وتنمية الصادرات لحماية النسيج الاقتصادي الوطني من كل ما من شأنه أن يضر بهذا النسيج من خلال آليات الدفاع التجاري والمضي في مراجعة وتطوير الاتفاقيات التجارية الثنائية التي تتسبب في انخرام الميزان التجاري وتهدّد الصناعة المحلية بما يضمن استدامة المؤسسات التونسية وتحسين قدراتها التنافسية، مؤكدة أن الحكومة واعية تمام الوعي بأهمية الاقتصاد غير المنظم، ولديها سعي حقيقي لتقليص العبء الإداري المفروض على المؤسسات والأفراد وتحسين جودة الخدمات العمومية، وتيسير المعاملات الإدارية. ولعل من أبرز الإجراءات التي تمّ اتخاذها في هذا الإطار، ما جاء في الأمر الحكومي المتعلق بإرساء مسار لمراجعة الإجراءات الإدارية المستوجبة على المتعاملين مع الإدارة، والذي يهدف إلى مراجعتها في اتجاه التبسيط والرقمنة وتيسير النفاذ الى المعلومة وتكريس اللامركزية في إسداء الخدمات الإدارية، ويجري العمل حاليا على استكمال هذا المسار، مبرزة أن تطبيق المرسوم الحكومي عدد 777 مؤرخ في 5 أكتوبر2020 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات بين الهياكل والمتعاملين معها وفيما بين الهياكل، قد أفضى إلى إصدار جملة من القرارات التي تضبط قائمة أولى من الوثائق، والتّي يتعيّن تبادلها إلكترونيا بين الهياكل العمومية، وإعفاء المستثمرين والمؤسّسات الاقتصادية من مطالبتهم بتقديم هذه الوثائق لمعالجة مطالبهم المقدّمة للحصول على خدمة إدارية في علاقة بإنجاز الاستثمار أو على ترخيص لممارسة نشاط اقتصادي أو لبعث مؤسّسة اقتصادية أو عند الإدلاء بتصريح استثمار، وشملت هذه القرارات 78 وثيقة تخص مصالح 9 وزارات ذات علاقة مباشرة بالمؤسسة الاقتصادية، المالية والاقتصاد والتخطيط والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والشؤون الاجتماعية وأملاك الدولة والشؤون العقارية والبيئة وتكنولوجيات الاتصال والسياحة والتجهيز والإسكان. في انتظار توسيع قائمة الوثائق، التّي يمكن أن تصبح موضوع تبادل إلكتروني لتشمل بقية الوزارات كالصناعة والمناجم والطاقة والتجارة وتنمية الصادرات والنقل ومؤسسة السجل الوطني للمؤسسات.
تنظيم الأسواق ومسالك التوزيع
أمّا فيما يتعلق بدور الأسواق ومسالك التوزيع في الحدّ من التجارة غير المنظمة وتعزيز المنافسة الشريفة وشفافية المعاملات، أكدت الوزيرة أن الوزارة تعمل على تطوير أداء مسالك توزيع منتوجات الفلاحة والصيد البحري عبر إحداث أسواق مهيكلة ونموذجية تمكن من النهوض بجودة المنتجات الفلاحية وهو ما من شأنه أن يثبت الفلاح واليد العاملة ويحدث مواطن شغل وينشط الحركية الاقتصادية،على غرار القاعدة التجارية بسيدي بوزيد (بصدد الانجاز) والقاعدة التجارية بباجة. هذا الى جانب تعزيز أعمال المـراقبة المشــتركــة لمسالك التوزيع.
كما يجري العمل على تطوير أساليب التسيير والتصرف في الأسواق وتشريك الخواص باعتبار أهمية حجم الاستثمارات (إحداث شركات تسيير وتصرف والتفكير في إحداث شركات أهلية في بعض المناطق لفائدة صغار المنتجين الفلاحين)، مؤكدة انه لا يمكن الحديث عن شفافية المعاملات في مسالك التوزيع بمعزل عن دور الأجهزة الرقابية بمختلف هياكلها، مقرة بوجود نقائص وهنات في الجهاز الرقابي، الى جانب تعدد واجهات التدخل ومحدودية الإمكانيات إلا أنه استمر لسنوات وهو بمثابة الصمام الوحيد في محاربة القطاع غير المنظم، ولكن تشعب هذا القطاع وتفرعه وتطور أساليبه يفرض علينا التسريع في اعتماد الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في أنظمة المراقبة والحد من التداول النقدي للمعاملات التجارية. "فمثلا إذا لم يتم تعميم أنظمة الدفع الإلكتروني فإنّ قرار الحدّ من سقف التداول في عمليات البيع والشراء لن يفي بوعوده" ."كذلك فيما يتعلق بمسالك التوزيع، إذا لم يتم تعميم المنظومة الإعلامية المتعلقة بالوزن الالكتروني والفوترة بالإعلامية بكافة أسواق الجملة لمنتوجات الفلاحة والصيد البحري، فإنّ مسألة التصنيف والاسترسال لا يمكن تعقبها مهما كان عدد المراقبين".
ضرورة دمج القطاع الموازي بالمنظم
وكشفت كلثوم بن رجب من جهة أخرى أنّ الوزارة تُولي أهمية كبيرة لدفع إنجاز المشاريع الداعمة للنشاط التجاري واستيعاب العاملين في التجارة الموازية على غرار تأهيل معبر رأس جدير في إطار مشروع الممر التجاري البري الليبي نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الذي سيتكامل مع مشروع إنشاء المنطقة الحرّة للأنشطة التجارية واللوجستية ببن قردان وبقية المناطق الحرّة التجارية المُزمع إحداثها على الحدود التونسية الجزائرية. كما أنه وفي مجال التجارة الخارجية تعمل الوزارة وبالتنسيق مع كافة الهياكل والوزارات المتدخلة على استكمال مشروع رقمنة كل إجراءات التصدير والتوريد والتي تشمل إجراءات المراقبة الفنية والإجراءات الديوانية والمالية وإجراءات النقل واللوجستيك وهو مشروع ضخم من شأنه المساهمة في تسريع المعاملات وتقليص الكلفة والحد من البيروقراطية، كما يكرس الشفافية في الممارسات التجارية والحد من عمليات التهريب تحت أي غطاء قانوني وذلك بفضل ما توفره الرقمنة من استرسال للعمليات ومرونة في التّصرف في المخاطر، هذا فضلا عن إحداث بوابة للتجارة الخارجية تتضمن كل ما يحتاجه المصدر من معلومات حول الإجراءات والشروط المتعلقة بعمليات التصدير والتوريد إضافة إلى معطيات حول الاتفاقات التجارية التي أمضتها تونس مع شركائها الاقتصاديين، كما تستوعب هذه البوابة خدمات على الخط وهي شبكة من المتدخلين من كافة الاختصاصات في العملية التصديرية قادرة على التدخل وفض الإشكاليات العالقة في العملية التصديرية في كل المستويات وذلك حتى لا تتم محاججة الإدارة بدواعي عدم فهم الإجراءات وعدم توفر المعلومة خاصة في عمليات التوريد العشوائي.
وفي نفس الإطار، دعا عضو الهيئة المديرة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات زبير الشايب، في تصريح لـ"الصباح" الى ضرورة دمج الاقتصاد الموازي بالمنظم، لافتا الى أهمية العمل على ذلك من خلال تبسيط الإجراءات وسن قوانين منظمة تساعد على توجه الناشطين في القطاع غير المنظم الى القطاع المنظم.
وأكد زبير الشايب على ضرورة البحث عن حلول توافقية بين الدولة والناشطين في القطاع غير المنظم، وان تكون عملية الإدماج سلسة، ولا تؤثر على العاملين في القطاع الموازي، مؤكدا أن المعهد العربي لرؤساء المؤسسات اطلع على تجارب العديد من البلدان وهناك توجه عام واقتناع بضرورة العمل في الفترة القليلة القادمة على دمج القطاع غير الرسمي بالقطاع المنظم.
300 ألف ينشطون لحسابهم الخاص
من جهته، كشف المدير العام للمرصد الوطني للتشغيل والمهارات، فاخر الزعيبي، في تصريح لـ"الصباح "، الجمعة بسوسة، أن حوالي مليون و300 شخص يشتغلون في القطاع غير المنظم ومعظمهم من النساء وأقرّ الزعيبي، في تصريحه الذي يأتي على هامش افتتاح الدورة 37 لأيام المؤسسة بوجود قرابة 300 ألف ينشطون لحسابهم الخاص، وهم في حاجة الى دعم الدولة ليصبح إنتاجهم أكثر جودة وكفاءة، بما يساهم في إدماجهم في القطاع المنظم.
وتابع الزعيبي بالقول، إن المرصد قام، مؤخرا، بدراسة حول العمل "غير المنظم"، وشملت العينة 12 ألف شخص، وذلك بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وخلص المسح الى أن العمل غير المنظم يشمل جميع الشرائح ومعظمهم من الشباب وذوي التعليم المتدني وأيضا حاملي الشهائد العليا بنسبة 10 بالمائة، ويشمل قطاعات الفلاحة والبناء والخدمات والتجارة.
ويعاني الناشطون في هذا القطاع من معضلة الحصول على التمويلات اللازمة لتطوير نشاطهم المهني، إضافة الى غياب برنامج الدعم والمتابعة والتحسيس والتكوين والمرافقة، مبرزا أن الشباب الذين ينشطون في القطاع التكنولوجي غير المنظم لديهم رغبة كبيرة في الانخراط في القطاع المنظم.
وحسب ما كشف عنه الخبير المحاسب أنيس الوهابي لـ"الصباح"، فإن المعضلة الأساسية في عدم توفق الدولة في إدماج القطاع الموازي بالمنظم، تكمن في كثرة الإجراءات الإدارية، وكثرة الضرائب، وعدم الاستعانة بالتكنولوجيات الحديثة، أو المنصات التي تشجع على انخراط الناشطين في القطاع غير المنظم بالمنظم، مبرزا أن العاملين في القطاع الموازي يتهربون من التوجه الى القطاع المنظم بسبب ارتفاع الأداءات.
وكشف الوهابي أن القوانين المعدة ليس فيها إشكال لكن الإشكال يكمن في التقنيات والبنية الرقمية للمؤسسات، فعلى سبيل المثال عمليات الدفع الالكترونية عبر الهاتف الجوال ما تزال في تونس دون المستوى المطلوب، ومن الضروري تعميم ثقافة الدفع عبر هذه الوسائل حتى يسهل إدماج القطاع غير المنظم بالقطاع الرسمي، لافتا الى أن الفصول القانونية متوفرة ، لكن الإشكال والعائق يبقى تفنيا بامتياز، على حد تعبيره.
فلسطين حاضرة بقوة
وتطرقت الدورة 37 لأيام المؤسسة المقامة في سوسة طيلة 3 أيام، لأحداث غزة والقصف الوحشي الذي تتعرض له من الآلة العسكرية الصهيونية، حيث تعاطف الحضور مع القضية الفلسطينية، وتم الإعلان عن حملة من التبرعات تقودها مؤسسة اقتصادية كبيرة في تونس قامت بالتبرع لفائدة الهلال الأحمر التونسي والذي سيتكفل بهذه التبرعات لفائدة أهالي غزة.
وحسب الخبراء العرب والأجانب فإن الحرب الدائرة في غزة ستكون لها انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي وأيضا على تونس، فضلا عن توسع دائرة الصراع لتشمل منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد الزيارة الأخيرة لرئيس روسيا فلاديمير بوتين الى الإمارات والسعودية.
وحذر خبراء الاقتصاد، من توسع الحرب في غزة الى منطقة الشرق الأوسط في الأشهر القادمة، تزامنا مع انكماش اقتصادي كبير في المنطقة وفي العالم، مشددين على أن الموقف السعودي والإماراتي قد يتغير نحو التصلب بعد زيارة بوتين الأخيرة.
هوامش من الكواليس
شهدت فعاليات الدورة السابعة والثلاثين لأيام المؤسسة، تحت عنوان “المؤسسة والطابع غير الرسمي: التهميش والحلول العالقة” في مدينة سوسة، حضور عدد من السفراء الأجانب الى جانب سفير سلطنة عمان الذي أكد أن حضوره بهدف الى تعزيز مجالات التعاون بما يتماشى مع رؤية عُمان 2040، كما أن مشاركة الكفاءات العربية والدولية، بالإضافة إلى الكوادر التونسية، في مثل هذه المناسبات تُعد فرصة ثمينة للاطلاع على مختلف التجارب في إدارة المؤسسات.
كما شهدت فعاليات الدورة 37 لأيام المؤسسة، حضور عدة شخصيات مهمة من عدة دول أوروبية وعربية، الى جانب عدد من رجال الأعمال وممثلي عدد من المؤسسات التونسية والأجنبية.
سفيان المهداوي
* أكثر من مليون و300 ألف شخص يشتغلون في القطاع الموازي
* وزيرة التجارة وتنمية الصادرات تكشف عن إجراءات جديدة لدمج القطاع غير الرسمي بالمنظم
خبير محاسب يؤكد أن معضلة إدماج القطاع غير المنظم بالمنظم تكمن في انعدام التقنيات اللازمة
تونس- الصباح
انطلقت، أمس، فعاليات الدورة 37 من أيام المؤسسة تحت شعار “المؤسسة والطابع غير الرسمي، التهميش والحلول العالقة”، تحت إشراف رئيس الجمهورية قيس سعيد وبحضور وزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب، الى جانب رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الطيب البياحي. وشارك في الدورة 37 لأيام المؤسسة ضيوف من اليونان والمجر والأردن وفلسطين والبيرو، وتم خلالها عرض العديد من التجارب في البلدان التي تعاني من ارتفاع الاقتصاد غير الرسمي أو غير المنظم والحلول المتوفرة لدمجها جنبا الى جنب مع الاقتصاد المنظم. وطالب رئيس المعهد العربي لرؤساء المؤسسات الطيب البياحي في كلمته في الواقع، بضرورة أن لا نغفل ما يمثل أكثر من ثلث اقتصادنا وفقا للتقييمات الأكثر تحفظا، وعلى الأقل لا يقل أهمية عن الثلثين المتبقيين المفترضين من القطاعات الخاصة المنظمة والقطاع العام، مبرزا تفاقم معضلة الاقتصاد غير الرسمي بسبب الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي لا تمر به بلادنا فحسب، بل ما يمر به العالم، والذي تفاقم بسبب وضع جيوسياسي غير مسبوق، مؤكدا ان هذه الدورة تأتي في ظلّ التطورات الجيوستراتيجية الأخيرة، وتتالي الأزمات، وتفاقم المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، وإشكالية المديونية، والضغوطات العالمية على مستوى التزُّود بالمواد الأولية، وتنامي موجات الهجرة وغيرها من الأسباب التي قوضت النظام الاقتصادي الحالي وزادت من هشاشته. وبحسب ما كشفه البياحي فإن مفهوم الطابع “غير الرسمي” لا يتعلق فقط بالجانب الاقتصادي، أي الاقتصاد غير الرسمي والعمل غير الرسمي، إذ رغم تتالي التقارير والدراسات سواء من المؤسسات الدولية أو الوطنية حول هذا المفهوم، يظل الغموض والخلط قائما، داعيا الى ضرورة العمل في الفترة القادمة على استنباط الآليات المناسبة لدمج الطابع المؤسساتي غير الرسمي بالمنظم.
من جهتها ثمنت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب دور المعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تبني الحوارات المتعلقة بالمواضيع ذات الطابع الاقتصادي، بما يُساهم بشكل جوهري في إنارة توجهات السياسات الاقتصادية والاجتماعية وطرح الخيارات المتاحة للقيام بالإصلاحات الضرورية من أجل تنمية مستدامة ومندمجة لبلادنا.
الدولة ستواصل دعم رجال الأعمال
وطمأنت الوزيرة باسم الحكومة التونسية، كل رجال الأعمال والمتعاملين الاقتصاديين الذين يعملون في كنف احترام القانون، أنّ الدولة التونسية ستبقى تدعمهم بكل الوسائل المتاحة وتوفر لهم مناخ أعمال إيجابي حتى يساهموا في خلق الثروة وتنمية البلاد، مشيرة الى أنّ الحكومة ماضية قُدما في القيام بما يلزم لتوفير ممهّدات النجاح للاستثمار الخاص وإعطاء الثقة لرجال الأعمال التونسيين والأجانب حيث أنّ الاستقرار الذي تتمتع به بلادنا الى جانب القوانين والحوافز والبرامج توفّر كلّ الظروف المواتية للمبادرة الخاصة.
ونوهت الوزيرة بالجهود التي تقوم بها وزارة التجارة وتنمية الصادرات لحماية النسيج الاقتصادي الوطني من كل ما من شأنه أن يضر بهذا النسيج من خلال آليات الدفاع التجاري والمضي في مراجعة وتطوير الاتفاقيات التجارية الثنائية التي تتسبب في انخرام الميزان التجاري وتهدّد الصناعة المحلية بما يضمن استدامة المؤسسات التونسية وتحسين قدراتها التنافسية، مؤكدة أن الحكومة واعية تمام الوعي بأهمية الاقتصاد غير المنظم، ولديها سعي حقيقي لتقليص العبء الإداري المفروض على المؤسسات والأفراد وتحسين جودة الخدمات العمومية، وتيسير المعاملات الإدارية. ولعل من أبرز الإجراءات التي تمّ اتخاذها في هذا الإطار، ما جاء في الأمر الحكومي المتعلق بإرساء مسار لمراجعة الإجراءات الإدارية المستوجبة على المتعاملين مع الإدارة، والذي يهدف إلى مراجعتها في اتجاه التبسيط والرقمنة وتيسير النفاذ الى المعلومة وتكريس اللامركزية في إسداء الخدمات الإدارية، ويجري العمل حاليا على استكمال هذا المسار، مبرزة أن تطبيق المرسوم الحكومي عدد 777 مؤرخ في 5 أكتوبر2020 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات بين الهياكل والمتعاملين معها وفيما بين الهياكل، قد أفضى إلى إصدار جملة من القرارات التي تضبط قائمة أولى من الوثائق، والتّي يتعيّن تبادلها إلكترونيا بين الهياكل العمومية، وإعفاء المستثمرين والمؤسّسات الاقتصادية من مطالبتهم بتقديم هذه الوثائق لمعالجة مطالبهم المقدّمة للحصول على خدمة إدارية في علاقة بإنجاز الاستثمار أو على ترخيص لممارسة نشاط اقتصادي أو لبعث مؤسّسة اقتصادية أو عند الإدلاء بتصريح استثمار، وشملت هذه القرارات 78 وثيقة تخص مصالح 9 وزارات ذات علاقة مباشرة بالمؤسسة الاقتصادية، المالية والاقتصاد والتخطيط والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والشؤون الاجتماعية وأملاك الدولة والشؤون العقارية والبيئة وتكنولوجيات الاتصال والسياحة والتجهيز والإسكان. في انتظار توسيع قائمة الوثائق، التّي يمكن أن تصبح موضوع تبادل إلكتروني لتشمل بقية الوزارات كالصناعة والمناجم والطاقة والتجارة وتنمية الصادرات والنقل ومؤسسة السجل الوطني للمؤسسات.
تنظيم الأسواق ومسالك التوزيع
أمّا فيما يتعلق بدور الأسواق ومسالك التوزيع في الحدّ من التجارة غير المنظمة وتعزيز المنافسة الشريفة وشفافية المعاملات، أكدت الوزيرة أن الوزارة تعمل على تطوير أداء مسالك توزيع منتوجات الفلاحة والصيد البحري عبر إحداث أسواق مهيكلة ونموذجية تمكن من النهوض بجودة المنتجات الفلاحية وهو ما من شأنه أن يثبت الفلاح واليد العاملة ويحدث مواطن شغل وينشط الحركية الاقتصادية،على غرار القاعدة التجارية بسيدي بوزيد (بصدد الانجاز) والقاعدة التجارية بباجة. هذا الى جانب تعزيز أعمال المـراقبة المشــتركــة لمسالك التوزيع.
كما يجري العمل على تطوير أساليب التسيير والتصرف في الأسواق وتشريك الخواص باعتبار أهمية حجم الاستثمارات (إحداث شركات تسيير وتصرف والتفكير في إحداث شركات أهلية في بعض المناطق لفائدة صغار المنتجين الفلاحين)، مؤكدة انه لا يمكن الحديث عن شفافية المعاملات في مسالك التوزيع بمعزل عن دور الأجهزة الرقابية بمختلف هياكلها، مقرة بوجود نقائص وهنات في الجهاز الرقابي، الى جانب تعدد واجهات التدخل ومحدودية الإمكانيات إلا أنه استمر لسنوات وهو بمثابة الصمام الوحيد في محاربة القطاع غير المنظم، ولكن تشعب هذا القطاع وتفرعه وتطور أساليبه يفرض علينا التسريع في اعتماد الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة في أنظمة المراقبة والحد من التداول النقدي للمعاملات التجارية. "فمثلا إذا لم يتم تعميم أنظمة الدفع الإلكتروني فإنّ قرار الحدّ من سقف التداول في عمليات البيع والشراء لن يفي بوعوده" ."كذلك فيما يتعلق بمسالك التوزيع، إذا لم يتم تعميم المنظومة الإعلامية المتعلقة بالوزن الالكتروني والفوترة بالإعلامية بكافة أسواق الجملة لمنتوجات الفلاحة والصيد البحري، فإنّ مسألة التصنيف والاسترسال لا يمكن تعقبها مهما كان عدد المراقبين".
ضرورة دمج القطاع الموازي بالمنظم
وكشفت كلثوم بن رجب من جهة أخرى أنّ الوزارة تُولي أهمية كبيرة لدفع إنجاز المشاريع الداعمة للنشاط التجاري واستيعاب العاملين في التجارة الموازية على غرار تأهيل معبر رأس جدير في إطار مشروع الممر التجاري البري الليبي نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الذي سيتكامل مع مشروع إنشاء المنطقة الحرّة للأنشطة التجارية واللوجستية ببن قردان وبقية المناطق الحرّة التجارية المُزمع إحداثها على الحدود التونسية الجزائرية. كما أنه وفي مجال التجارة الخارجية تعمل الوزارة وبالتنسيق مع كافة الهياكل والوزارات المتدخلة على استكمال مشروع رقمنة كل إجراءات التصدير والتوريد والتي تشمل إجراءات المراقبة الفنية والإجراءات الديوانية والمالية وإجراءات النقل واللوجستيك وهو مشروع ضخم من شأنه المساهمة في تسريع المعاملات وتقليص الكلفة والحد من البيروقراطية، كما يكرس الشفافية في الممارسات التجارية والحد من عمليات التهريب تحت أي غطاء قانوني وذلك بفضل ما توفره الرقمنة من استرسال للعمليات ومرونة في التّصرف في المخاطر، هذا فضلا عن إحداث بوابة للتجارة الخارجية تتضمن كل ما يحتاجه المصدر من معلومات حول الإجراءات والشروط المتعلقة بعمليات التصدير والتوريد إضافة إلى معطيات حول الاتفاقات التجارية التي أمضتها تونس مع شركائها الاقتصاديين، كما تستوعب هذه البوابة خدمات على الخط وهي شبكة من المتدخلين من كافة الاختصاصات في العملية التصديرية قادرة على التدخل وفض الإشكاليات العالقة في العملية التصديرية في كل المستويات وذلك حتى لا تتم محاججة الإدارة بدواعي عدم فهم الإجراءات وعدم توفر المعلومة خاصة في عمليات التوريد العشوائي.
وفي نفس الإطار، دعا عضو الهيئة المديرة للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات زبير الشايب، في تصريح لـ"الصباح" الى ضرورة دمج الاقتصاد الموازي بالمنظم، لافتا الى أهمية العمل على ذلك من خلال تبسيط الإجراءات وسن قوانين منظمة تساعد على توجه الناشطين في القطاع غير المنظم الى القطاع المنظم.
وأكد زبير الشايب على ضرورة البحث عن حلول توافقية بين الدولة والناشطين في القطاع غير المنظم، وان تكون عملية الإدماج سلسة، ولا تؤثر على العاملين في القطاع الموازي، مؤكدا أن المعهد العربي لرؤساء المؤسسات اطلع على تجارب العديد من البلدان وهناك توجه عام واقتناع بضرورة العمل في الفترة القليلة القادمة على دمج القطاع غير الرسمي بالقطاع المنظم.
300 ألف ينشطون لحسابهم الخاص
من جهته، كشف المدير العام للمرصد الوطني للتشغيل والمهارات، فاخر الزعيبي، في تصريح لـ"الصباح "، الجمعة بسوسة، أن حوالي مليون و300 شخص يشتغلون في القطاع غير المنظم ومعظمهم من النساء وأقرّ الزعيبي، في تصريحه الذي يأتي على هامش افتتاح الدورة 37 لأيام المؤسسة بوجود قرابة 300 ألف ينشطون لحسابهم الخاص، وهم في حاجة الى دعم الدولة ليصبح إنتاجهم أكثر جودة وكفاءة، بما يساهم في إدماجهم في القطاع المنظم.
وتابع الزعيبي بالقول، إن المرصد قام، مؤخرا، بدراسة حول العمل "غير المنظم"، وشملت العينة 12 ألف شخص، وذلك بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء ومنظمة العمل الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وخلص المسح الى أن العمل غير المنظم يشمل جميع الشرائح ومعظمهم من الشباب وذوي التعليم المتدني وأيضا حاملي الشهائد العليا بنسبة 10 بالمائة، ويشمل قطاعات الفلاحة والبناء والخدمات والتجارة.
ويعاني الناشطون في هذا القطاع من معضلة الحصول على التمويلات اللازمة لتطوير نشاطهم المهني، إضافة الى غياب برنامج الدعم والمتابعة والتحسيس والتكوين والمرافقة، مبرزا أن الشباب الذين ينشطون في القطاع التكنولوجي غير المنظم لديهم رغبة كبيرة في الانخراط في القطاع المنظم.
وحسب ما كشف عنه الخبير المحاسب أنيس الوهابي لـ"الصباح"، فإن المعضلة الأساسية في عدم توفق الدولة في إدماج القطاع الموازي بالمنظم، تكمن في كثرة الإجراءات الإدارية، وكثرة الضرائب، وعدم الاستعانة بالتكنولوجيات الحديثة، أو المنصات التي تشجع على انخراط الناشطين في القطاع غير المنظم بالمنظم، مبرزا أن العاملين في القطاع الموازي يتهربون من التوجه الى القطاع المنظم بسبب ارتفاع الأداءات.
وكشف الوهابي أن القوانين المعدة ليس فيها إشكال لكن الإشكال يكمن في التقنيات والبنية الرقمية للمؤسسات، فعلى سبيل المثال عمليات الدفع الالكترونية عبر الهاتف الجوال ما تزال في تونس دون المستوى المطلوب، ومن الضروري تعميم ثقافة الدفع عبر هذه الوسائل حتى يسهل إدماج القطاع غير المنظم بالقطاع الرسمي، لافتا الى أن الفصول القانونية متوفرة ، لكن الإشكال والعائق يبقى تفنيا بامتياز، على حد تعبيره.
فلسطين حاضرة بقوة
وتطرقت الدورة 37 لأيام المؤسسة المقامة في سوسة طيلة 3 أيام، لأحداث غزة والقصف الوحشي الذي تتعرض له من الآلة العسكرية الصهيونية، حيث تعاطف الحضور مع القضية الفلسطينية، وتم الإعلان عن حملة من التبرعات تقودها مؤسسة اقتصادية كبيرة في تونس قامت بالتبرع لفائدة الهلال الأحمر التونسي والذي سيتكفل بهذه التبرعات لفائدة أهالي غزة.
وحسب الخبراء العرب والأجانب فإن الحرب الدائرة في غزة ستكون لها انعكاسات كبيرة على الاقتصاد العالمي وأيضا على تونس، فضلا عن توسع دائرة الصراع لتشمل منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد الزيارة الأخيرة لرئيس روسيا فلاديمير بوتين الى الإمارات والسعودية.
وحذر خبراء الاقتصاد، من توسع الحرب في غزة الى منطقة الشرق الأوسط في الأشهر القادمة، تزامنا مع انكماش اقتصادي كبير في المنطقة وفي العالم، مشددين على أن الموقف السعودي والإماراتي قد يتغير نحو التصلب بعد زيارة بوتين الأخيرة.
هوامش من الكواليس
شهدت فعاليات الدورة السابعة والثلاثين لأيام المؤسسة، تحت عنوان “المؤسسة والطابع غير الرسمي: التهميش والحلول العالقة” في مدينة سوسة، حضور عدد من السفراء الأجانب الى جانب سفير سلطنة عمان الذي أكد أن حضوره بهدف الى تعزيز مجالات التعاون بما يتماشى مع رؤية عُمان 2040، كما أن مشاركة الكفاءات العربية والدولية، بالإضافة إلى الكوادر التونسية، في مثل هذه المناسبات تُعد فرصة ثمينة للاطلاع على مختلف التجارب في إدارة المؤسسات.
كما شهدت فعاليات الدورة 37 لأيام المؤسسة، حضور عدة شخصيات مهمة من عدة دول أوروبية وعربية، الى جانب عدد من رجال الأعمال وممثلي عدد من المؤسسات التونسية والأجنبية.