- أستاذ علم الاجتماع زهير بن جنات لـ"الصباح": رفض الزواج بالشكل التقليدي.. وبقدر ما نُصعب في مسألة الزواج والأسرة بقدر ما يكون هناك عزوف
تونس – الصباح
يبدو أنّ الارتباط وتكوين الأسر باتا أمرا ثانويا في تونس لأسباب اجتماعية واقتصادية إضافة إلى الجوانب الذاتية التي أصبحت بدورها عاملا مهما حال دون تتويج العلاقات بارتباط رسمي من بينها ما يذهب إلى تفسيره العديد من الخبراء إلى اهتزاز الثقة بين الطرفين.
إيمان عبد اللطيف
هناك شبه إجماع تقريبا بأنّ تراجع القيمة الاجتماعية لمؤسسة الزواج قد ساهم في لجوء الأشخاص لخيارات بعيدة عن التزامات العائلة والأقارب حيث هؤلاء الأفراد يستمدون الاعتراف بهم في المجتمع بالاعتماد على فلسفتهم الذاتية والفردية إما من خلال الإثناء على نجاحهم العلمي أو المهني على حساب ما يمكن أن تقدمه لهم مؤسسة الزواج من اعتراف اجتماعي. ويذهب البعض الآخر في تفسيراتهم إلى أن تقلص الوصم الاجتماعي لغير المتزوجين خاصة من الرجال ساهم بدوره في تراجع معدلات الزواج.
لقد كشفت الأرقام الرسمية في تونس تراجعا كبيرا في عدد عقود الزواج خلال السنوات الأخيرة، بالرغم من الارتفاع الملحوظ خلال سنة 2021 مقارنة بسنة 2020 إذ بلغت نسبته 9 بالمائة، ليُقدر عدد الزيجات حسب المعهد، أكثر من 71 ألفا سنة 2021 مقابل 65 ألفا سنة 2020.
ورغم هذا التطور الإيجابي فإن النسق العام اتسم بانخفاض ملحوظ إذ تراجع عدد الزيجات بحوالي 25 بالمائة خلال الخمس سنوات المتراوحة بين (2017/2021) لينخفض من 95 ألفا سنة 2017 إلى 71 ألف زيجة في سنة 2021.
الكثير من العوامل والأسباب التي تفسر هذا العزوف والتراجع في عقود الزواج وفق ما صرّح به لـ "الصباح" أستاذ علم الاجتماع زهير بن جنات الذي أكّد أنّه "بشكل عام وربما هو عكس ما يعتقده البعض، أننا في تونس ليس لنا مؤشرات طلاق مرتفعة وبصدد الارتفاع بقدر ما لدينا مؤشرات زواج في انخفاض وهذا آليا يمكن أن يتحكم نوعا ما بنسبة "الطلاقيّة"، وبالتالي "أرقام الطلاق عادية جدا ولكن ما نعيشه بالفعل ويتضمن إشكالا حقيقيا هو تراجع مؤشرات الزواج وعزوف التونسيين والتونسيات عن الزواج بصفة عامة. وطبعا أرقام سنة 2020 -2021 والتي تدلّ على ارتفاع في عدد عقود الزواج يُفسر آليا وأساسا بمرور تونس بفترة جائحة كورونا. ولكن منذ سنة 2017 المؤشرات بصدد الانخفاض".
وقال بن جنات أيضا "هذا يُفسر بالعديد من الأشياء، وأول شيء ارتفاع تكاليف الزواج وللأسف الشديد أنّ الزواج إلى حدّ هذه اللحظة في تونس هو ليس مشروعا فرديا بقدر ما هو مشروع عائلي. وعندما نقول مشروع عائلي فإنّ هذا يُصبح أكثر كلفة. ولاحظنا في فترة "الكوفيد" أنه عندما مُنعت مظاهر الاحتفالات وأصبحت تقريبا شبه مستحيلة بسبب الوضع الصحي انخفضت مؤشرات الزواج وهذا يدلّ على أن التونسي متمسك باحتفالات الزواج والعادات التي هي في الأصل مرتبطة بالعائلة وليست بالشخص بحدّ ذاته".
أما المسألة الثانية تتعلق، وفق قول محدثنا، "بالأزمة الاقتصادية الحقيقية التي لها انعكاسات كبيرة جدّا على تكاليف الزواج لأنه عندما نعود إلى هذا الأمر يجب ربطه بمجموعة من مظاهر الاستهلاك الأخرى خاصة بناء المنزل وأحيانا كثيرة شراء سيارة للعائلة".
وأضاف زهير بن جنات "بالتالي هناك عدّة تكاليف مرتبطة بالزواج تجعله مكلفا جدا مقارنة بالمقدرة الشرائية للتونسي بشكل عام. إذن من بقي يتزوج اليوم هو من لديه دعم عائلي كبير. فتكون العائلة هي صاحبة المشروع وهي التي تسعى لتنفيذه وتمويله. وبالتالي إذا لم يوجد سند عائلي فالزواج يصبح تقريبا مسألة مستحيلة".
وقال بن جنات "إذا تناولنا أيضا مسألة تراجع المداخيل للعائلات التونسية مقابل ارتفاع تكاليف العيش بشكل عام وارتفاع نسب التضحم تُصبح هناك أزمة على مستوى العائلات بالإضافة إلى الأزمة على مستوى الشخص وهذا ينقص من حظوظ الدعم العائلي للشاب والشابة ويُضعف طبعا إمكانية الزواج".
في ذات السياق أكّد أستاذ علم الاجتماع زهير بن الجنات أنّ "هناك مسألة أساسية يجب التحدث فيها هو أنّ الزواج اليوم بمظهره التقليدي وبفلسفته التقليدية لم يعُد يُغري كثيرا من الشباب والشابات في تونس. ولكن هذه الحالة التي نتحدث عنها لا تعني الفئة التي تجاوز سنها الـ30 سنة وإنما الفئة العمرية أقل من ذلك لأن المسألة مرتبطة بتحوّل جيلي".
كما أوضح محدثنا "الأجيال الجديدة من الشباب والشابات أصبحت مؤسسة الزواج بالنسبة لهم/لهنّ لا تغُريها لأنهم يرون الزواج يعني عائلة وتكوين أسري وهو يعني معاناة كبيرة في كل المسائل أي كل ما يتعلق بالصحة والإنجاب ودراسة الأطفال وغيرها من أمور الحياة اليومية".
وقال زهير بن جنات "فالزواج بالشكل التقليدي صورته سيئة لدى الشباب والشابات فهو يعني كما يُقال "ربطة" وخاصة أنهم يشعرون بأنها مسؤولية كبيرة جدا، لذلك نرى اليوم في صفوفهم رفضا قطعيا وعزوفا من مسألة الزواج بالشكل التقليدي وهذا يؤشر على تغير على مستوى العقلية التي لم تعد تتماشى مع هذا الخيار لأنها مؤسسة تعيش مراحل صعبة جدا في حياتها وفي ظروف جدّ صعبة".
في المقابل قال زهير بن جنات "أنا لا أميل إلى التوجه الذي يُفسّر العزوف عن الزواج يعود إلى تراجع الثقة بين الرجل والمرأة في ما يتعلق بهذه العلاقة والخيانات وتأثيرات القصص التي يتمّ ترويجها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف "أرى أن الشباب والشابات مشكلتهم/هنّ في مؤسسة الأسرة التي أصبحت بالنسبة إليهم/هنّ صعبة وتتطلب التزامات ومسؤوليات كبيرة قد تؤدي بالشباب خاصة إلى السجن والتداين والمعاناة في الطرقات والمستشفيات وبالتالي انعدام الرغبة".
وأوضح بن جنات "المسألة لا تتعلق بعدم الثقة أو الخيانة أو أي سبب من هذا النوع، فالشاب اليوم أصبح له الإمكانية بأن يعيش بطريقة أخرى في مسألة الجنس دون زواج أو ارتباط وهذا أصبح بدوره مغريا لأنه أقل تكاليف ولا يوجد فيه أي مسؤولية وبقدر ما نُصعب في مسألة الزواج والأسرة بقدر ما يكون هناك عزوف".
- أستاذ علم الاجتماع زهير بن جنات لـ"الصباح": رفض الزواج بالشكل التقليدي.. وبقدر ما نُصعب في مسألة الزواج والأسرة بقدر ما يكون هناك عزوف
تونس – الصباح
يبدو أنّ الارتباط وتكوين الأسر باتا أمرا ثانويا في تونس لأسباب اجتماعية واقتصادية إضافة إلى الجوانب الذاتية التي أصبحت بدورها عاملا مهما حال دون تتويج العلاقات بارتباط رسمي من بينها ما يذهب إلى تفسيره العديد من الخبراء إلى اهتزاز الثقة بين الطرفين.
إيمان عبد اللطيف
هناك شبه إجماع تقريبا بأنّ تراجع القيمة الاجتماعية لمؤسسة الزواج قد ساهم في لجوء الأشخاص لخيارات بعيدة عن التزامات العائلة والأقارب حيث هؤلاء الأفراد يستمدون الاعتراف بهم في المجتمع بالاعتماد على فلسفتهم الذاتية والفردية إما من خلال الإثناء على نجاحهم العلمي أو المهني على حساب ما يمكن أن تقدمه لهم مؤسسة الزواج من اعتراف اجتماعي. ويذهب البعض الآخر في تفسيراتهم إلى أن تقلص الوصم الاجتماعي لغير المتزوجين خاصة من الرجال ساهم بدوره في تراجع معدلات الزواج.
لقد كشفت الأرقام الرسمية في تونس تراجعا كبيرا في عدد عقود الزواج خلال السنوات الأخيرة، بالرغم من الارتفاع الملحوظ خلال سنة 2021 مقارنة بسنة 2020 إذ بلغت نسبته 9 بالمائة، ليُقدر عدد الزيجات حسب المعهد، أكثر من 71 ألفا سنة 2021 مقابل 65 ألفا سنة 2020.
ورغم هذا التطور الإيجابي فإن النسق العام اتسم بانخفاض ملحوظ إذ تراجع عدد الزيجات بحوالي 25 بالمائة خلال الخمس سنوات المتراوحة بين (2017/2021) لينخفض من 95 ألفا سنة 2017 إلى 71 ألف زيجة في سنة 2021.
الكثير من العوامل والأسباب التي تفسر هذا العزوف والتراجع في عقود الزواج وفق ما صرّح به لـ "الصباح" أستاذ علم الاجتماع زهير بن جنات الذي أكّد أنّه "بشكل عام وربما هو عكس ما يعتقده البعض، أننا في تونس ليس لنا مؤشرات طلاق مرتفعة وبصدد الارتفاع بقدر ما لدينا مؤشرات زواج في انخفاض وهذا آليا يمكن أن يتحكم نوعا ما بنسبة "الطلاقيّة"، وبالتالي "أرقام الطلاق عادية جدا ولكن ما نعيشه بالفعل ويتضمن إشكالا حقيقيا هو تراجع مؤشرات الزواج وعزوف التونسيين والتونسيات عن الزواج بصفة عامة. وطبعا أرقام سنة 2020 -2021 والتي تدلّ على ارتفاع في عدد عقود الزواج يُفسر آليا وأساسا بمرور تونس بفترة جائحة كورونا. ولكن منذ سنة 2017 المؤشرات بصدد الانخفاض".
وقال بن جنات أيضا "هذا يُفسر بالعديد من الأشياء، وأول شيء ارتفاع تكاليف الزواج وللأسف الشديد أنّ الزواج إلى حدّ هذه اللحظة في تونس هو ليس مشروعا فرديا بقدر ما هو مشروع عائلي. وعندما نقول مشروع عائلي فإنّ هذا يُصبح أكثر كلفة. ولاحظنا في فترة "الكوفيد" أنه عندما مُنعت مظاهر الاحتفالات وأصبحت تقريبا شبه مستحيلة بسبب الوضع الصحي انخفضت مؤشرات الزواج وهذا يدلّ على أن التونسي متمسك باحتفالات الزواج والعادات التي هي في الأصل مرتبطة بالعائلة وليست بالشخص بحدّ ذاته".
أما المسألة الثانية تتعلق، وفق قول محدثنا، "بالأزمة الاقتصادية الحقيقية التي لها انعكاسات كبيرة جدّا على تكاليف الزواج لأنه عندما نعود إلى هذا الأمر يجب ربطه بمجموعة من مظاهر الاستهلاك الأخرى خاصة بناء المنزل وأحيانا كثيرة شراء سيارة للعائلة".
وأضاف زهير بن جنات "بالتالي هناك عدّة تكاليف مرتبطة بالزواج تجعله مكلفا جدا مقارنة بالمقدرة الشرائية للتونسي بشكل عام. إذن من بقي يتزوج اليوم هو من لديه دعم عائلي كبير. فتكون العائلة هي صاحبة المشروع وهي التي تسعى لتنفيذه وتمويله. وبالتالي إذا لم يوجد سند عائلي فالزواج يصبح تقريبا مسألة مستحيلة".
وقال بن جنات "إذا تناولنا أيضا مسألة تراجع المداخيل للعائلات التونسية مقابل ارتفاع تكاليف العيش بشكل عام وارتفاع نسب التضحم تُصبح هناك أزمة على مستوى العائلات بالإضافة إلى الأزمة على مستوى الشخص وهذا ينقص من حظوظ الدعم العائلي للشاب والشابة ويُضعف طبعا إمكانية الزواج".
في ذات السياق أكّد أستاذ علم الاجتماع زهير بن الجنات أنّ "هناك مسألة أساسية يجب التحدث فيها هو أنّ الزواج اليوم بمظهره التقليدي وبفلسفته التقليدية لم يعُد يُغري كثيرا من الشباب والشابات في تونس. ولكن هذه الحالة التي نتحدث عنها لا تعني الفئة التي تجاوز سنها الـ30 سنة وإنما الفئة العمرية أقل من ذلك لأن المسألة مرتبطة بتحوّل جيلي".
كما أوضح محدثنا "الأجيال الجديدة من الشباب والشابات أصبحت مؤسسة الزواج بالنسبة لهم/لهنّ لا تغُريها لأنهم يرون الزواج يعني عائلة وتكوين أسري وهو يعني معاناة كبيرة في كل المسائل أي كل ما يتعلق بالصحة والإنجاب ودراسة الأطفال وغيرها من أمور الحياة اليومية".
وقال زهير بن جنات "فالزواج بالشكل التقليدي صورته سيئة لدى الشباب والشابات فهو يعني كما يُقال "ربطة" وخاصة أنهم يشعرون بأنها مسؤولية كبيرة جدا، لذلك نرى اليوم في صفوفهم رفضا قطعيا وعزوفا من مسألة الزواج بالشكل التقليدي وهذا يؤشر على تغير على مستوى العقلية التي لم تعد تتماشى مع هذا الخيار لأنها مؤسسة تعيش مراحل صعبة جدا في حياتها وفي ظروف جدّ صعبة".
في المقابل قال زهير بن جنات "أنا لا أميل إلى التوجه الذي يُفسّر العزوف عن الزواج يعود إلى تراجع الثقة بين الرجل والمرأة في ما يتعلق بهذه العلاقة والخيانات وتأثيرات القصص التي يتمّ ترويجها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف "أرى أن الشباب والشابات مشكلتهم/هنّ في مؤسسة الأسرة التي أصبحت بالنسبة إليهم/هنّ صعبة وتتطلب التزامات ومسؤوليات كبيرة قد تؤدي بالشباب خاصة إلى السجن والتداين والمعاناة في الطرقات والمستشفيات وبالتالي انعدام الرغبة".
وأوضح بن جنات "المسألة لا تتعلق بعدم الثقة أو الخيانة أو أي سبب من هذا النوع، فالشاب اليوم أصبح له الإمكانية بأن يعيش بطريقة أخرى في مسألة الجنس دون زواج أو ارتباط وهذا أصبح بدوره مغريا لأنه أقل تكاليف ولا يوجد فيه أي مسؤولية وبقدر ما نُصعب في مسألة الزواج والأسرة بقدر ما يكون هناك عزوف".