إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم.. في وفاء مغرب شقيق ..

 

يرويها: أبو بكر الصغير

   أحيى الشعب التونسي ذكرى اغتيال الزعيم النقابي الراحل الشهيد فرحات حشاد .

   لكن ما غاب عنا ، إن الشعب المغربي الشقيق أحيى كأرقى ما يكون أيضا خلال يومي 7 و8 ديسمبر الحالي ذكرى انتفاضة 1952 بالدار البيضاء، غداة الإعلان عن اغتيال شهيد الوطن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل .

  كتب عن هذه الأحداث مؤلّفان عظيمان هما شارل أندريه جوليان ومحمد عابد الجابري .

  لمّا التقيت ابن الشهيد السيد نور الدين حشاد، كان لي معه حوار مطول، كشف في سياقه عن معلومات مهمة جدا حول حادثة جريمة الاغتيال التي لم تبح إلى اليوم بكلّ أسرارها .

  حدثني عن زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند لأرملة الشهيد "أمّ الخير" في بيتها، وكيف جاء ولأول مرة محمّلا بإحدى أخطر الوثائق من أرشيف المخابرات الفرنسية ليسلمها لها بنفسه .

 مع العلم انّه إلى حدّ اليوم لم يفتح الملف كاملا في الأرشيف العسكري الفرنسي، لانّ القانون لا يسمح بذلك إلا بعد مرور عقود طويلة بين عشرين وحتى ستين سنة حسب أهمية الموضوع ومخاطره على الدولة الفرنسية ومصالحها وكذلك على الأطراف وأسماء الأشخاص المعنيين بحادثة الاغتيال.

 لم يسلّم الرئيس الفرنسي إلا ورقة وثيقة واحدة على أهميتها، لكن لم تمط اللّثام عن التفاصيل الكاملة لجريمة الاغتيال، خاصة وأنّ حديثا لم يعد سرّا يفيد تورّط أسماء أشخاص تونسيين في هذا العمل الإجرامي، والأخطر أسماء القتلة أي من نفذوا العملية .

 كان حدث اغتيال فرحات حشاد بالنسبة للقوى الوطنية والنقابيين في المغرب الشقيق القشة التي قصمت ظهر البعير داخل كلّ الأوساط بما في ذلك الشعبية منها، أثارت الرغبة في الحرية والاستقلال لدى الفئات الاجتماعية الشعبية الغاضبة من مختلف أشكال الاضطهاد والإذلال والانتهاكات والتعذيب الذي يمارسه المستعمر الفرنسي المحتل .

لكن ما الذي حدث بالفعل في الدار البيضاء؟ في انتفاضة 7 و8 ديسمبر 1959 كما يرويها شارل اندري جوليان في كتاب تاريخي مهم .

في 6 ديسمبر 1952، قرر النقابيون بالدار البيضاء تنظيم مسيرة يوم الأحد 7 ديسمبر كردّ فعل على اغتيال حشاد .

 تمت المسيرة بهدوء دون وقوع أي حادث. ليتم بعدها الإعلان عن حظر المظاهرات والإضرابات، لتندلع انتفاضة في حي كاريير المركزي الفقير وتحصل صدامات خطيرة بين السكان والشرطة.

بعد ذلك و في ردّ فعل، تم تشكيل موكب كبير من المتظاهرين لكن تم منعه ومن ثم الاعتداء عليه أمام مركز شرطة المهن المركزي. فتم جلب تعزيزات عسكرية في الحي لقمع التظاهرة. وفي اليوم التالي، تعرضت مظاهرة أخرى نظمتها الهيئات النقابية لهجوم وحشي من قبل الشرطة.

     أشار شارل أندريه جوليان في كتابه إلى أن نتائج القمع "كان من الصعب تقييمها وتتباين بشكل واضح للغاية حسب وجهة النظر". لكن الحصيلة الرسمية المعلنة كشفت عن مقتل أربعين مغربيا وسبعة أوروبيين.

  مصادر أخرى تفيد أن عدد القتلى مائة، بل ثلاثمائة إلى أربعمائة شخص، بحسب تقارير مغربية إذ ذكر حزب الاستقلال حينها قائمة تضم 269 اسما للمفقودين وثانية تضم 400 شخص .

   يشير من جانبه المفكر محمد عابد الجابري إلى أنه مباشرة بعد هذه المظاهرات انطلق الكفاح المسلح بالمغرب ليتمّ بعد فترة حظر حزب الاستقلال .

  مع العلم أنه جرت في الأيام نفسها مظاهرات أخرى في القاهرة ودمشق وبيروت وكراتشي وجاكرتا وميلانو وبروكسل وحتى ستوكهولم.

      كان اغتيال الزعيم حشاد قد أثار غضب العديد من المسؤولين والنقابيين المغاربة. وتعد وفاته إحدى القضايا النادرة التي نجحت في توحيد شعوب المغرب الكبير.

 لكن موقف الشعب المغربي الشقيق فاجأ التونسيين أنفسهم ليكتشفوا مدى حبّه لتونس و رجالاتها المخلصين .

    لا يزال الإخوة المغاربة يحيون إلى اليوم هذه الذكرى وهم يعتبرون الشهيد فرحات حشاد ليس شهيد حرب التحرير في تونس بل شهيد معركتهم هم كذلك من أجل السيادة و الاستقلال .

 و ما الشقيق إلا نعمة تعجز الحروف عن وصفها هو الصديق، وهو العوض، وهو السند، ذلك هو المغرب الحبيب.

 

 

 

 

حكاياتهم..     في وفاء مغرب شقيق ..

 

يرويها: أبو بكر الصغير

   أحيى الشعب التونسي ذكرى اغتيال الزعيم النقابي الراحل الشهيد فرحات حشاد .

   لكن ما غاب عنا ، إن الشعب المغربي الشقيق أحيى كأرقى ما يكون أيضا خلال يومي 7 و8 ديسمبر الحالي ذكرى انتفاضة 1952 بالدار البيضاء، غداة الإعلان عن اغتيال شهيد الوطن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل .

  كتب عن هذه الأحداث مؤلّفان عظيمان هما شارل أندريه جوليان ومحمد عابد الجابري .

  لمّا التقيت ابن الشهيد السيد نور الدين حشاد، كان لي معه حوار مطول، كشف في سياقه عن معلومات مهمة جدا حول حادثة جريمة الاغتيال التي لم تبح إلى اليوم بكلّ أسرارها .

  حدثني عن زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند لأرملة الشهيد "أمّ الخير" في بيتها، وكيف جاء ولأول مرة محمّلا بإحدى أخطر الوثائق من أرشيف المخابرات الفرنسية ليسلمها لها بنفسه .

 مع العلم انّه إلى حدّ اليوم لم يفتح الملف كاملا في الأرشيف العسكري الفرنسي، لانّ القانون لا يسمح بذلك إلا بعد مرور عقود طويلة بين عشرين وحتى ستين سنة حسب أهمية الموضوع ومخاطره على الدولة الفرنسية ومصالحها وكذلك على الأطراف وأسماء الأشخاص المعنيين بحادثة الاغتيال.

 لم يسلّم الرئيس الفرنسي إلا ورقة وثيقة واحدة على أهميتها، لكن لم تمط اللّثام عن التفاصيل الكاملة لجريمة الاغتيال، خاصة وأنّ حديثا لم يعد سرّا يفيد تورّط أسماء أشخاص تونسيين في هذا العمل الإجرامي، والأخطر أسماء القتلة أي من نفذوا العملية .

 كان حدث اغتيال فرحات حشاد بالنسبة للقوى الوطنية والنقابيين في المغرب الشقيق القشة التي قصمت ظهر البعير داخل كلّ الأوساط بما في ذلك الشعبية منها، أثارت الرغبة في الحرية والاستقلال لدى الفئات الاجتماعية الشعبية الغاضبة من مختلف أشكال الاضطهاد والإذلال والانتهاكات والتعذيب الذي يمارسه المستعمر الفرنسي المحتل .

لكن ما الذي حدث بالفعل في الدار البيضاء؟ في انتفاضة 7 و8 ديسمبر 1959 كما يرويها شارل اندري جوليان في كتاب تاريخي مهم .

في 6 ديسمبر 1952، قرر النقابيون بالدار البيضاء تنظيم مسيرة يوم الأحد 7 ديسمبر كردّ فعل على اغتيال حشاد .

 تمت المسيرة بهدوء دون وقوع أي حادث. ليتم بعدها الإعلان عن حظر المظاهرات والإضرابات، لتندلع انتفاضة في حي كاريير المركزي الفقير وتحصل صدامات خطيرة بين السكان والشرطة.

بعد ذلك و في ردّ فعل، تم تشكيل موكب كبير من المتظاهرين لكن تم منعه ومن ثم الاعتداء عليه أمام مركز شرطة المهن المركزي. فتم جلب تعزيزات عسكرية في الحي لقمع التظاهرة. وفي اليوم التالي، تعرضت مظاهرة أخرى نظمتها الهيئات النقابية لهجوم وحشي من قبل الشرطة.

     أشار شارل أندريه جوليان في كتابه إلى أن نتائج القمع "كان من الصعب تقييمها وتتباين بشكل واضح للغاية حسب وجهة النظر". لكن الحصيلة الرسمية المعلنة كشفت عن مقتل أربعين مغربيا وسبعة أوروبيين.

  مصادر أخرى تفيد أن عدد القتلى مائة، بل ثلاثمائة إلى أربعمائة شخص، بحسب تقارير مغربية إذ ذكر حزب الاستقلال حينها قائمة تضم 269 اسما للمفقودين وثانية تضم 400 شخص .

   يشير من جانبه المفكر محمد عابد الجابري إلى أنه مباشرة بعد هذه المظاهرات انطلق الكفاح المسلح بالمغرب ليتمّ بعد فترة حظر حزب الاستقلال .

  مع العلم أنه جرت في الأيام نفسها مظاهرات أخرى في القاهرة ودمشق وبيروت وكراتشي وجاكرتا وميلانو وبروكسل وحتى ستوكهولم.

      كان اغتيال الزعيم حشاد قد أثار غضب العديد من المسؤولين والنقابيين المغاربة. وتعد وفاته إحدى القضايا النادرة التي نجحت في توحيد شعوب المغرب الكبير.

 لكن موقف الشعب المغربي الشقيق فاجأ التونسيين أنفسهم ليكتشفوا مدى حبّه لتونس و رجالاتها المخلصين .

    لا يزال الإخوة المغاربة يحيون إلى اليوم هذه الذكرى وهم يعتبرون الشهيد فرحات حشاد ليس شهيد حرب التحرير في تونس بل شهيد معركتهم هم كذلك من أجل السيادة و الاستقلال .

 و ما الشقيق إلا نعمة تعجز الحروف عن وصفها هو الصديق، وهو العوض، وهو السند، ذلك هو المغرب الحبيب.