تونس- الصباح
بقيت حوادث الشغل في تونس في مستويات عالية رغم تسجيل تراجع في عددها لتبلغ 26 ألفا و537 حادث شغل سنة 2022، منها 96 حادث شغل قاتل، متسببة أيضا في قرابة 790 ألف يوم عمل ضائع. إلى جانب تسجيل 2736 مرضا مهنيا في نفس السنة.
وتتسبب حوادث الشغل في معدل غياب عن العمل يُقدر بـ35 يوما لكل حادث شغل، علاوة على انعكاساتها السلبية على العامل أولا وعلى المؤسسة وعلى المجموعة الوطنية.
ففي آخر دراسة علمية أنجزها مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية في تونس سنة 2019 تبيّن أن تكلفة حوادث الشغل والأمراض المهنية في تونس تقدر بنحو 290 مليون دينار وهي تقدّر مؤخرا في حدود 300 مليون دينار.
ولا يخفى على أحد ما يواجهه ضحايا حوادث الشغل والأخطار المهنية من صعوبات قانونية وإجرائية للحصول على حقوقهم وأحقيتهم في تعويضات تتماشى مع نسب السقوط والضرر.
إعداد إيمان عبد اللطيف
خلفت حوادث الشغل والأخطار المهنية في تونس الكثير من المآسي والمخلفات المالية والنفسية سواء للضحايا أنفسهم أو لعائلاتهم في حالة الوفاة. فالروايات والحالات المتعددة كان فيها الجانب الإنساني والاجتماعي مؤلما جدّا خاصة في ما يتعلق بسيناريوهات الحوادث وكيفية وقوعها وما تبعها من إجراءات وتحديد المسؤوليات ومحاسبة من كانوا وراءها خاصة في حالات الإهمال وعدم تطبيق قواعد السلامة المهنية وشروطها.
تُوفي عون التنوير بدائرة الحرايرية محمد ساسي العكار يوم 18 جويلية 2023 على عين المكان إثر صعقة كهربائية وهو بصدد تغيير فوانيس التنوير بأحد الأنهج بمنطقة الحرايرية بالعاصمة. بقي محمد قرابة الثلاث ساعات ونصف الساعة دون أي تدخل من مسؤولي الدائرة البلدية التي يرجع لها بالنظر ولا أي طرف بما في ذلك وكيل الجمهورية الذي كان في عطلة قضائية، وفق ما أكده ابن أخت الضحية إيهاب العكار في تصريح لـ"الصباح".
قال إيهاب أنه "يتوجه باللوم وبتحميل المسؤولية للدائرة البلدية التي لم يسارع مسؤولوها للالتحاق بمكان الحادث ولم يحركوا ساكنا إلا بتدخل المواطنين الذين اتصلوا بالأمن ثم الحماية المدنية".
وأضاف إيهاب "بقينا نتابع الملف وحيثيات الحادث من خلال الفيديوهات التي تم نشرها بموقع التواصل الاجتماعي في الأثناء، في المقابل كان هناك رمي للكرة بين البلدية وبين الشركة التونسية للكهرباء والغاز التي قامت في اليوم ذاته بتكليف عدل منفذ لمعاينة الحادث وهو ما لم تقم به البلدية".
وتساءل إيهاب العكار "كيف يتم تكليف عون تنوير بتغيير مصابيح التنوير البلدي دون أي لباس أو قفازات تقي وتحمي من الصعقات الكهربائية، فهي الجهة المسؤولة عن الحادث باعتبارها لا تحمي أعوانها ولا تتخذ الإجراءات الوقائية والمهنية لصالحهم".
وأضاف قائلا "عائلة خالي قامت بمفردها الإجراءات بالقانونية ومتابعة الملفات في المقابل الدائرة البلدية لم تقم بأي إجراء يُذكر غير تقرير ورد في صفحة نقل على طريقتهم وقائع الحادث وفيه الكثير من المغالطات دون أن يتم فتح تحقيق في الغرض".
في رواية أخرى تحدّث صالح لـ"الصباح" بكل لوعة وألم وحسرة قائلا "لم تتحسن فوزية البتة وإلى يومنا هذا تعاني كل العائلة الأمرين مما خلفه حادث الشغل الذي تعرضت إليه منذ سبع سنوات"، مضيفا "حالة زوجتي متعكرة وأصبحت مرهقة جسديا وماليا ونفسيا لضيق الحال".
ففي سنّ الـ46 أصبحت فوزية الهمامي زوجة صالح مقعدة دون حراك بعد غيبوبة دامت ثلاثة أشهر بأحد مستشفيات العاصمة إذ أصيبت بشلل شبه كلي في سنة 2016 على إثر حادث تسببت فيه ما يُسمى بشاحنات الموت فغيّر حياتها تماما وانقلبت رأسا على عقب في مواجهة لمصير مجهول أثّر على نسق حياة عائلتها بما فيهم بناتها الأربع اللاتي انقطعن عن الدراسة في سن مبكرة للاهتمام بوالدتهن.
كانت فوزية تشتغل عاملة في حقول الفلاحة إما لجمع الخضروات والغلال أو الزيتون أو للحصاد أو لأي متطلبات أي موسم فلاحي لمدة تفوق الـ15 سنة، فتعرضت إلى حادث سقوط من شاحنة لنقل عاملات الفلاحة رفقة 15 امرأة أخرى ما أفقدها القدرة على المشي والحراك بسبب إصابة بليغة على مستوى على العمود الفقري حيث سقطت على ظهرها.
أوضح زوجها صالح أنه "على الأقل كانت زوجتي تعمل وفق القانون عن طريق شركة، وكنا نتصور أن ذلك ضمانة لتتحصل على حقوقها وهي التي أصبحت مقعدة، لكن الإجراءات والمتابعات القانونية كانت غير ذلك فلم تتحصل إلا على جراية شهرية قدرها 400 دينار كما لم تتجاوز قيمة التعويض 3 آلاف دينار لم تكف حتى لتغطية مصاريف الأدوية والعلاج لشهر واحد".
تُمثل هاتان الحالتان صورة مصغرة لما يجري حقيقة على أرض الواقع، وربما ما يزيد في تعميق مأساة وآلام هؤلاء هو الإهمال من جهة وعدم تلاؤم التعويضات مع الخسائر ونسب السقوط والعجز من جهة أخرى.
إحصائيات: سنة 2022.. تسجيل 26 ألفا و537 حادث شغل.. و2736 مرضا مهنيا
كشفت آخر إحصائيات الصندوق الوطني للتأمين على المرض بخصوص حوادث الشغل والأمراض المهنية أنّ عدد حوادث الشغل بلغ 26 ألفا 537 سنة 2022 بنسبة تطور 3.6 بالمائة مقسمة 25 ألفا و62 حادث شغل بمكان العمل و1475 حادث شغل بالطريق مقارنة بالسنة الماضية وعدد الأمراض المهنية المصرح بها بنسبة تطور 18.1 بالمائة.
أما عن حوادث الشغل القاتلة فقد بلغت 96 حادثا سنة 2022 منها 22 بالطريق و74 بمكان العمل، 32 من الضحايا تتراوح أعمارهم بين 50 و60 سنة و26 ضحية أعمارهم بين 30 و40 سنة. وقد بلغ عدد أيام العمل الضائعة 789 ألفو 489 سنة 2022 مقابل 753 ألف و83 سنة 2021.
أكثر حوادث الشغل حدثت بصفاقس بـ4384 حادثا ثم بن عروس 3244 حادثا و2919 حادثا بسوسة و2801 حادث بالمنستير وأقلها كان بولاية توزر بـ22 حادثا.
استأثر قطاع النسيج بالمرتبة الأولى في حوادث الشغل بـ2810 حادث يتلوه قطاع الأغذية بـ2672 ثم قطاع الميكانيك بـ2445، ثم قطاع الإلكترونيك بـ2175.
بخصوص الفئة العمرية لمن تعرضوا إلى حوادث شغل فإن الفئة العمرية المتراوحة بين 30 و40 سنة استأثرت بأكبر عدد والبالغ 8126 حادثا، ثم الفئة العمرية 40 و50 سنة بعدد(7257 حادثا) ثم الفئة العمرية 20 و30 سنة ( 6324 حادثا) والفئة العمرية بين 50 و60 سنة بـ4270 حادثا وأقل من 20 سنة (385 حادثا) وأكثر من 60 سنة بـ175 حادثا.. وقد كان الذكور أكثر عرضة لحوادث الشغل بعدد 18 ألف و881 مقابل 7656 للإناث.
أما عن الأمراض المهنية فبلغ عددها 2763 أغلبها في صفوف الإناث بـ2306 إصابة مقابل 457 للذكور والفئة العمرية بين 40 و50 سنة أي بـ1271 في المرتبة الأولى، تليها الفئة العمرية بين 50 و60 سنة بـ745 شخصا ثم الفئة العمرية 30 و40 بـ625 شخصا.
وأكثر القطاعات التي استأثرت بالأمراض المهنية هي قطاع النسيج بـ1110 إصابة والصناعات الإلكترونية 467 إصابة.
التطور القانوني والتاريخي لمنظومة حوادث الشغل والأخطار المهنية
إن التغطية ضد أخطار حوادث الشغل تعتبر من ضمن الفروع الأولى للضمان الاجتماعي التي ظهرت في تونس ويرجع إحداثها إلى سنة 1921 بمقتضى آمر عَلِيّ (أي ممضى من الباي) بتاريخ 15 مارس 1921 والذي كان مجال تطبيقه يقتصر على حوادث الشغل بالمؤسسات الصناعيـــة والتجارية، ثم تم سحب هذا النظام على حوادث الشغل بالقطاع الفلاحي بمقتضى آمر عَلِيّ بتاريخ 31 جانفي 1924و بموجب صدور الأمر المؤرخ في 28 فيفري 1926 تم سحب هذا النظام على المؤسسات ذات الأنشطة المرفئية والبحرية.
المرحلة الثانية الهامة في مجال التغطية ضد أخطار حوادث الشغل بتونس كانت سنة 1957 التي شهدت صدور القانون عدد 57-73 بتاريخ 11 ديسمبر 1957. لقد أحدث هذا القانون لأول مرة التغطية على الأمراض المهنية وحوادث الطريق التي تكتسي صبغة شغليه. وقد عهد بالتصرف في هذا النظام إلى مؤسسات التأمين وذلك إلى حين صدور القانون عدد 94-28 بتاريخ 21 فيفري 1994 الذي أسند مهمة التصرف في هذا النظام إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ثم إلى الصندوق الوطني للتأمين على المرض وذلك بداية من تاريخ إحداثه سنة 2004 بموجب القانون عدد71 المؤرخ في 02 أوت 2004 (الفصل 8).
إصلاح النظام سنة 1994
إن القانون عدد 94-28 الصادر في 21-2-1994 حور كليا نظام التعويض على حوادث الشغــل والأمراض المهنية وهذا التحوير تمت ترجمته في النقاط التالية :
تطوير مجال نظام التعويض على الأضرار الناجمة عن حوادث الشغل الذي أصبح يغطي جميع الفئات العمالية في كافة المجالات بما في ذلك المؤسسات العمومية، تطوير المنافع النقدية بالترفيع في سقف الجرايات لـ6 مرات الأجر الأدنى المهني المضمون (الصناعي أو الفلاحي).
إحداث تحويل الجراية, تحسين نسبة جراية الباقين بعد الوفاة و مراجعة شرط السن لإسناد جراية الأيتام.
تبسيط وتسهيل إجراءات تصفية الحقوق: تم إحداث مبدأ آلية إسناد المنافع ولا يقع اللجوء إلى الإجراءات القضائية إلا في حالة الاعتراض على الصبغة الشغلية من عدمه للحادث أو نسبة العجز الواقع اعتبارها أو مبلغ المنافع المسندة
تدعيم الأساليب المعتمدة للوقاية خاصة بمشاركة الصندوق الوطني للتامين على المرض في انجاز برامج الوقاية من الأخطار المهنية وتمويلها وإعداد وتحليل إحصائيات حوادث الشغل والأمراض المهنية ووضع نظام لتحفيز المؤسسات من خلال تمويل وتشجيع برامج الوقاية بإسناد منح الاستثمار والقروض لتمويل مشاريع الصحة والسلامة المهنية وإحداث منظومة التخفيض في نسب الاشتراكات أو الترفيع فيها بحسب ما يوفره صاحب العمل من أسباب الوقاية من الأخطار المهنية داخل المؤسسة.
وشهدت التغطية ضدّ حوادث الشغل والأمراض المهنية مراجعة جذريّة خلال سنتي 1994 و1995 من خلال إصدار قانونين جديدين يتعلقان بالتعويض عن الأخطار المهنية في القطاعين الخاصّ والعمومي.
كما تمّ بمقتضى تنقيح مجلة الشغل سنة 1996 سنّ تدابير جديدة في مجال الصحة والسلامة المهنية شملت أساسا تعميم الخدمات بهذا العنوان على كل القطاعات الخاضعة لأحكام المجلة المذكورة وإعادة تنظيم مصالح طب الشغل ودعم التفقد الطبي من خلال إرساء سلك خاص بالأطباء متفقدي الشغل. وبموجب القانون عدد 71 لسنة 2004، أصبح الصندوق الوطني للتأمين على المرض مكلفا بإدارة نظام حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاعين العمومي والخاص.
المدير المركزي للتصرف في الأخطار المهنية لسعد بوزيان لـ"الصباح":عمل "الكنام" سيشمل تقييم التشريعات والقوانين والتمويل ومراجعة قائمة الأمراض المهنية
أكّد المدير المركزي للتصرف في الأخطار المهنية لسعد بوزيان في تصريح لـ"الصباح" أنّ "نظام حوادث الشغل والأمراض والتصرف في الأخطار المهنية من حوادث وأمراض مهنية هو نظام حمائي بامتياز يسمح بتغطية كل مستلزمات حادث الشغل والمرض المهني طبقا للشروط والقواعد المعمول بها".
وأضاف"هذا النظام هو أنبل نظام في النظام الاجتماعي لأنه يسمح للمتضرر للعلاج ثم المتابعة الإجرائية والإدارية وذلك في كل الحالات. وقد وصل إلى مرحلة النضجوالحرفية والمهنية".
وقال بوزيان "في سنة 2022 غطينا 26 ألفا و500 حادث شغل و2700 مرض مهني أي في المجمل هناك 30 ألف حادث ومرض مهني ما يعني أن الصندوق قام بواجبه من حيث التغطية وتقديم الخدمات للمتضررين على جميع المستويات.
وفي هذه الحوادث هناك 96 حادثا قاتلا ولكن تراجع هذا العدد مقارنة بالأربع والخمس سنوات السابقة، حيث كان يتراوح بين 150 و200 حادث قاتل وهذا يعني هناك مجهود يبذل ونسعى إلى تقليصه بالعمل على الوقاية والتحسيس والتحفيز ضمن منظومة كاملة فيها العديد من المتدخلين من طب شغل ومعهد الصحة والسلامة المهينة والحماية المدنية والصندوق الوطني للتأمين على المرض كفاعل رئيسي من حيث العلاج والتعويض والتكفل وضمان الجرايات وبالتالي فجميعها تمثل منظومة كاملة ومتكاملة".
في سياق متصل أوضح المدير المركزي للتصرف في الأخطار المهنية أنّه "لتحسين الأوضاع هناك برامج للتحسيس والوقاية والتحفيز من خلال القروض والهبات من أجل ضمان السلامة المهنية في العمل ووصلنا اليوم وبعد ثلاثين سنة من العمل والخبرة دخلنا في عملية التقييم والوقوف عند الايجابيات والثغرات فسنة 2024 ستكون الاحتفالية بثلاثين سنة للنظام وعشرينية الامتياز لمنظومة التأمين على المرض. فكان هناك استنتاج وقناعة بالتغييرات التي حدثت طيلة هذه السنوات في علاقة بطبيعة العمل".
وأضاف "بصفة عامة نعتبر النظام نظاما متوازنا ماليا، نعمل على تحسين التغطية لأنه بقيت هناك بعض الإشكالات التي تعود إلى تواصل العمل بتعريفة سنة 1996، ومع سلطة الإشراف قدمنا مقترحات لتحيينها بما يجعلها تواكب المتغيرات في البلاد. فمن الممكن كاقتراح أن تكون هناك تعريفة خاصة بحوادث الشغل والأمراض المهنية تحددها كل الأطراف المتدخلة في المنظومة".
وقال بوزيان "في إطار التقييم، هناك عدد من الجوانب التي سنعمل على تحسينها وتحيينها من ذلك تنقيح بعض النصوص القانونية والتشريعية حتى تتلاءم مع الواقع بما أنّه هناك خدمات وتطورات وأنشطة جديدة. وهناك بعض الفصول في قانون 1994 تتطلب التغيير.
وعلى مستوى آخر، نعمل على توسيع مجال الانخراط بالنسبة للمستقلين، إلى جانب ذلك سنعمل على تحيين سلة الخدمات تواكب الصحة والأمراض الجديدة".
في جانب آخر "سنعمل على تحسين تمويل النظام، صحيح أنه متوازن ولكن يجب البحث على صيغة جديدة للتمويل والأخذ بعين الاعتبار الأنشطة التي دخلت في الحياة والنظر في كيفية إدراجها في منظومة حوادث الشغل والأمراض المهنية".
أما بالنسبة لتقرير محكمة المحاسبات بخصوص حوادث الشغل والأمراض المهنية، أكّد المدير المركزي للتصرف في الأخطار المهنية أنّه "تقييم موضوعي وصارم للنظام وأخذناه كأداة ووسيلة ليكون منطلق الإصلاح والتغيير والمراجعة بالإضافة إلى مقترحات الصندوق.
ففي مرحلة أولى قمنا بإيقاف ومعالجة الإشكالات على مستوى التطبيق أو الإجراءات وفي مرحلة ثانية قمنا بالعديد من الإصلاحات في مجال مركزة المعطيات وتسهيل العمل وتحسين التطبيقات الإعلامية فحققنا إلى حدّ الآن نسبة في حدود 95 بالمائة وما بقي هو مرتبط بالتأويل وسيعالج قريبا".
وبخصوص مراجعة قائمة الأمراض المهنية والتي تتضمن 86 مرضا تم إضافة مرض الكوفيد مؤخرا، أفاد لسعد بوزيان "نحن نقوم حاليا بتسجيل قرابة 3 آلاف مرض مهني أكثر من 90 بالمائة منها أمراض عضلية والذي يمس أكثر قطاع النسيج والتركيب في قطاع السيارات. ونحن نعمل على هذا المرض المهني الذي للأسف في تزايد وإن كان زيادة طفيفة. والتغطية المهنية ضد المرض لا تهم إلا الأجراء ومعفي منها المستقلون ولذلك نعمل من خلال التقييم على تعميم هذه القائمة على كل المنخرطين بالإضافة إلى التفكير في الأمراض الجديدة".
الدكتور في القانون الاجتماعي حافظ العموري لـ"الصباح": قانون حوادث الشغل يتسم بالتضييق وجاء لتخفيف أعباء التعويض على الصندوق الوطني للتأمين على المرض
شدّد الدكتور في القانون الاجتماعي وصاحب كتاب "قانون التعويض عن الأضرار الحاصلة بسبب حوادث الشغل والأمراض المهنية في القطاع الخاص والقطاع العام غير الإداري " حافظ العموري في تصريح لـ"الصباح" على أنّ "قانون حوادث الشغل الصادر سنة 1994 كان يتسم بتضييق التعريف بحادث الشغل وبالتالي التضييق في التعويضات والسبب الأساسي في ذلك هو تخفيف أعباء التعويض على الصندوق الوطني للتأمين على المرض".
وأضاف أن "الأمثلة على ذلك متعددة، فالقانون كان ضيقا جدا في ما يتعلق بحادث الطريق ذا صبغة شغلية خاصة إذا قارناه بقوانين أخرى لدول مجاورة كالجزائر، فإنه يعتبر حادث السير الذي يكتسي صبغة شغلية هو الحادث الذي وقع فقط بين مقر السكن ومقر العمل دون أي انقطاع ودون أي تغيير لوجهة المسير. فمثلا إذا توقف الأجير لاصطحاب ابنه إلى الروضة وتعرض إلى حادث فإن ذلك لا يُعتبر حادث شغل".
وقال العموري "في القوانين الأخرى كالقانون الفرنسي تعتبر محكمة التعقيب حادث الشغل حتى في حالات تغيير المسير ولو في اتجاه مساحات كبرى لاقتناء حاجيات أساسية ويُعتبر كذلك حتى إذا تعرض لانزلاق".
وأوضح بالتالي أن "القانون التونسي يقوم بتضييق هام، وتطبيق التعريفات الواردة بحذافيرها لا يتلاءم مع التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته تونس، فمثلا في عديد الشركات أصبح لديها وصولات أكل تسمح للأجراء بتناول الغداء خارج مقر العمل فإذا تم تطبيق القانون بحذافيره فإنه في حالة تعرض الأجير لأي حادث فإنه لا يعد حادث شغل".
وفي ذات السياق أكد الأستاذ الجامعي حافظ العموري أنّ "يتوجب على فقه القضاء لتوسيع من هذا التضييق واعتبار المطعم بمثابة مقر الإقامة فعوضا على أن يذهب للمنزل لتناول الطعام فإنه ذهب إلى المطعم".
وبالتالي "هناك العديد من المسائل التي يجب مراجعتها في هذا القانون، فمثلا حاليا ظهر العمل عن بعد خاصة بعد جائحة الكورونا، فهذا المنزل يجب أن يُعتبر بمثابة مقر العمل فإذا تعرض الأجير إلى حادث فيجب أن يعتبر حادث شغل. إلا أنّ الحالات المعروضة حاليا لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض لا تُعتبر حادث شغل لأنه لم يقع في مقر العمل".
وأضاف "هناك الكثير من التضييقات الأخرى، ولكن من المهم الإشارة وخلافا لما يتم ترويجه وهو من الأخطاء الشائعة لا يوجد في القانون التونسي خاصة في ما يتعلق بحادث المسير عامل تحديد الوقت بربع أو نصف أو ساعة بين مقر العمل ومقر الإقامة".
من جهة أخرى وبخصوص التعويض اليومي أوضح الدكتور في القانون الاجتماعي أنه "يُعتبر تعويضا جيدا مقارنة بالتعويض عن المرض، فالمصاب بحادث شغل له تعويض يومي عن الأجر مقبول. ولكن طريقة احتساب التعويض في ما يتعلق بالعجز الدائم تجعل الأجير يتحصل على جراية عجز غير مُجزية ولا تتماشى مع المعيشة وتُعد ضعيفة خاصة وأنها لا تواكب الزيادة والترفيع في الأجور وهذا يقتضي أيضا مراجعة جدية باعتبارها تم اعتمادها عن بعض القوانين المقارنة مثل فرنسا وألمانيا التي تعد الأجور بها مرتفعة".
من جهة تطرق الأستاذ حافظ العموري أيضا إشكاليات الأمراض المهنية والقائمة التي تُحددها والتي لم تُعد تواكب تطورات العصر والتكنولوجيات الحديثة والمهن العصرية، فأوضح أن "هذه القائمة بقيت حصرية على مهن بعينها ومن زمن بعيد لم تُراجع وتمّ ذلك فقط في فترة جائحة كورونا التي أصبحت تُعتبر مرض مهني للقطاع الطبي وشبه الطبي فقط".
وأضاف "مثلا في السنوات الأخيرة انتشرت شركات الإعلامية والتكنولوجيات الحديثة، فمرض الظهر والعمود الفقري والجلوس المتواصل على الكرسي لساعات طويلة إلى جانب مخلفات العمل في مراكز الإنصات وما تتسبب فيه من أمرض عصبية وأمراض الأذن فهي كلها مهن جديدة ظهرت تتطلب مراجعة قائمة الأمراض المهنية".
أما بالنسبة للمهم غير المهيكلة، قال حافظ العموري أن "في الاقتصاد غير المهيكل في القانون وبخصوص الحوادث بها تُعد حوادث شغل ولكن الإشكالية لا يقع التصريح بها لدى الضمان الاجتماعي وبالتالي لا يتحصلون على تعويضات".
وأضاف "هناك إشكالية أخرى يجب الإشارة إليها، قد يكون هناك أجير يعمل لدى شركة ولكن لم يتم التصريح به لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبالتالي عندما يتعرض إلى حادث شغل فإن الصندوق الوطني للتأمين على المرض لا يعترف به. وهذه إشكالية قانونية يجب معالجتها فعدم التصريح ليس خطأ الأجير وإنما المؤجر الذي خرق القانون فلا يجب بالتالي تحميله المسؤولية خاصة وأن القانون أوكل للصندوق للضمان الاجتماعي مراقبة المؤجر".
وفق تقرير محكمة المحاسبات: نتيجة تجاوز آجال التصريح .. حجم الخطايا المستوجبة بلغ أكثر من 10 مليون دينار
كشف التقرير السنوي لمحكمة المحاسبات لسنة 2021 في عدده الثاني والثلاثين العديد من المعطيات الهامة المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية بالقطاع الخاص، غطّت المهمة الرقابية المحاور المتصلة بالإطار العام للمنظومة وآليات الوقاية من الحوادث والأمراض المهنية وإجراءات التعويض لفائدة الضحايا وذلك أساسا بعنوان الفترة 2015- 2019 وتواصلت إلى موفى أفريل 2020 في بعض الحالات.
وقد تم التركيز على هذا الأمر من قبل المحكمة للأهميّة النسبيّة لذلك سواء من حيث النسيج الاقتصادي المعني به (حوالي 771 ألف مؤسسة ) واليد العاملة النشيطة بأكثر من 1,6 مليون عامل وعدد التصاريح بالحوادث والأمراض المهنية وحجم التعويضات المسندة بعنوانها (حوالي 165 ألف تصريح خلال الفترة 2015-2019 بحجم تعويضات ناهز 408 مليون دينار) وعدد وكلفة أيّام العمل الضّائعة جرّاءها حوالي 790 ألف يوم عمل بكلفة لا تقلّ عن 12,250 مليون دينار سنة 2019 فضلا عن تعدّد المتدخلين في مجال الوقاية من الأخطار المهنية والتعويض عنها وارتفاع مستوى المخاطر المتصلة بدراسة وتصفية المنافع وتشعّب الإجراءات المتصلة بها. ووقفت نتائج التقرير عند الكثير من الملاحظات والتوصيات تورد "الصباح" أجزاء مهمة منها مع تضمينها ردّ الصندوق الوطني للتأمين على المرض باعتباره الفاعل الأساسي في هذه المنظومة..
بمقتضى نصوص تعود إلى حوالي 40 سنة.. تواصل تنظيم متطلبات الوقاية من الأخطار المهنية في بعض القطاعات
سجّل عدم ملاءمة بعض الجوانب التشريعية في مجال الصحة والسلامة المهنية في جزء منه للاتفاقيات الدولية وغياب تدابير تنظم عددا من المجالات المشمولة بها على غرار الوقاية من المواد والمنتجات الكيميائية إلى جانب عدم مواكبته للتطورات الاقتصادية والاجتماعية حيث يتواصل تنظيم متطلبات الوقاية من الأخطار المهنية في بعض القطاعات بمقتضى نصوص تعود إلى حوالي 40 سنة لا سيما قطاع البناء ومخاطر التيارات الكهربائية.
وبالرغم من استكمال اللجان الفنية لأعمالها منذ سنة 2016 فإنه لم يتمّ إصدار عدة مشاريع قوانين استهدفت تدعيم الجانب الردعي وتدابير الوقاية من المخاطر المهنية وملاءمة التشريع الوطني للمعايير والمواصفات الدولية.
كما سجّل غياب كلّي لمقومات القيادة والمتابعة في مجال الصحة والسلامة المهنية على غرار عدم توفّر إستراتيجية وبرامج وطنية علاوة على عدم تثمين بعض البحوث والدراسات المنجزة وغياب بنوك معلومات فنية حول الأخطار المهنية والوقاية منها وسجلات للأعراض الفيزيولوجية لليد العاملة.
وتبيّن أيضا غياب لنظام معلومات فعّال يسمح بالتبادل الآلي للمعطيات بين جميع المتدخلين وتطبيقات تصرّف مندمجة، ممّا ساهم في عدم دقة وشمولية مؤشرات التغطية في مجال الصحة والسلامة المهنية.
وفضلا عن ذلك، اتسمت الإحصائيات السنوية لعدد الخاضعين فعليا لنظام حوادث الشغل والأمراض المهنية بغياب الدقة والشمولية حيث لا تتضمن عدد العمال بالمؤسسات التي لا تتولى التصريح بهم في الآجال القانونية أو التي تصرح بعدد أقل من عددهم الحقيقي. كما تفتقر إدارة طب الشغل لإحصائيات دقيقة ومحينة بخصوص المؤسسات الناشطة بالقطاع الخاص موزعة حسب الولايات وقطاعات النشاط والعمّال التابعين لها لاحتساب نسبة التغطية بزيارات التفقد في مجال الصحة والسلامة المهنية.
وتوصي المحكمة بتطوير الإطار القانوني لمنظومة حوادث الشغل والأمراض المهنية وتنسيق تدخلات الأطراف المعنية وتفعيل هياكل القيادة وإرساء استراتيجية وطنية في المجال.
خلال الفترة 2015-2019 .. 496 مؤسسة سجلت حوادث متكررة بمكان العمل بوتيرة ناهزت معدل 4 حوادث شهريا
تمّ الوقوف على ضعف نجاعة الرقابة والتفقد على المؤسسات في مجال الصحة والسلامة المهنية من خلال عدم تأمين إدارة طب الشغل لأيّة مهمة في هذا الغرض في شأن 11 % من عينة المؤسسات الأعلى تسجيلا لحوادث الشغل القاتلة والأكثر تصريحا بالأمراض المهنية خلال الفترة 2015-2019 وعدم إخضاع 23% من بقية المؤسسات إلاّ لمهمة تفقد وحيدة خلال الفترة المذكورة. وسجلت المؤسسات المذكورة مجتمعة 79 حادث شغل قاتل و1337 تصريحا بمرض مهني نجم عنها صرف تعويضات ناهزت 11 مليون دينار.
ولم تتولّ إدارة طب الشغل في عدة أحيان تفعيل الإجراءات الردعيّة المستوجبة في شأن المؤسسات ذات المخاطر المهنية العالية رغم مخالفتها لتراتيب السلامة المهنية.
كما اتسمت أعمال المساندة الفنية بالمحدودية وبعدم استهداف المؤسسات ذات الأخطار المهنية العالية. ولم يتولّ الصّندوق تحيين نسب اشتراكات 51 مؤسسة في نظام حوادث الشغل والأمراض المهنية وعدم التأكّد من تطابق تلك النسب مع الأنشطة الفعلية للمؤسسات ممّا تسبب في ضرر مالي سنوي للصندوق ناهز 1,3 مليون دينار في تحميل مؤسسات أخرى اشتراكات غير مستوجبة ناهزت 76 ألف دينار.
وفضلا عن ذلك، لم يتولّ الصندوق تفعيل آلية الترفيع في الاشتراكات بعنوان نظام حوادث الشغل والأمراض المهنية منذ سنة 2009 رغم ارتفاع المخاطر المهنية لعدد من المؤسسات وهو شأن 496 مؤسسة سجلت خلال الفترة 2015-2019 حوادث متكررة بمكان العمل بوتيرة ناهزت معدل 4 حوادث شهريا وانجرّ عنها صرف تعويضات فاقت 137,6 مليون دينار. وفي المقابل، لم يخفض الصندوق من نسب اشتراكات 214 مؤسسة لم تسجل أيّ حادث شغل بمكان العمل خلال الفترة المذكورة وتستجيب مبدئيا للشروط القانونية المستوجبة.
كما لم يسند الصندوق خلال الفترة 2014-2019 قروض لتمويل مشاريع الصحة والسلامة إلاّ لسبع مؤسسات منها مؤسسة وحيدة من صنف المؤسسات الصغرى مما يعكس ضعف تدخلاته في هذا المجال.
تجاوز آجال التصريح وحجم الخطايا المستوجبة..
لا يتولّى الصندوق الوطني للتأمين على المرض متابعة آجال التصريح بحوادث الشغل وإحالة المؤسسة المخالفة على القضاء من أجل تسليط العقوبات المستوجبة. وتولت المحكمة تقدير حجم الخطايا المستوجبة بحوالي 10,029 مليون دينار وذلك في خصوص عينة متكوّنة من 100.288 تصريحا بحادث شغل ورد بعد الآجال القانونية.
وأفرزت عينة من 5.253 حادث سير خلال الفترة 2015-2018 صرف غرامات يومية ناهزت 3,9 مليون دينار لمتضررين دون إنجاز البحوث الضرورية علاوة على تسجيل تأخير في إنجازها تجاوز أحيانا سنة كاملة وشمل إجمالا حوالي 2.020 ملفا صرفت بعنوانها غرامات يومية ناهزت 332 ألف دينار من شأنها أن تمثل منافع دون وجه حقّ تبعا لعدم البتّ في الصبغة المهنية للحوادث المذكورة.
كما لم يرفّع الصندوق في قاعدة احتساب الغرامات اليومية إلى مستوى الأجر الأدنى المهني المضمون لما عدده 15.702 ملف حادث شغل خلال الفترة 2016-أفريل 2020 مما تسبّب في هضم حقوق المتضررين المعنيين من غرامات مستحقة قدرتها المحكمة بحوالي 639,254 ألف دينار.
وأدى ضعف إجراءات المتابعة والمراقبة اللاّحقة لصرف غرامات يومية بحوالي 1,747 مليون دينار بعنوان 371 ملفا تقترن بها مخاطر عدم مشروعية عالية، تمثلت في الجمع بين الغرامة اليومية والأجر أو جراية التقاعد وكذلك حالات الإسناد الحصري لغرامات بعنوان فترات راحة طويلة.
ومن ناحية أخرى، أسند الصندوق غرامات يومية دون وجه حق بمبلغ 98,242 ألف دينار في خصوص 47 تصريحا بحادث تعلّقت بحالات لم تتوفر فيها الصبغة الشغلية أو بعنوان انتكاسة خارج الأجل القانوني.
فاقت السنة .. 60 % من ملفات تعويض المتضررين شهدت تأخيرا
تشهد حوالي 60% من ملفات تعويض المتضررين تأخيرا في تصفيتها فاق السنة ووصل أحيانا إلى 4 سنوات، فضلا عن ضعف نجاعة إجراءات متابعة 1.387 ملفا عالقا، وعدم إجراء مراجعة نسب العجز لفائدة 811 متضررا رغم حلول أجلها منذ ما يزيد عن 10 سنوات في ثلث الحالات، ممّا أفقد التعويض جدواه خاصّة في حالات العجز المهني التام للمتضررين وحالات وفاة عدد منهم دون الحصول على التعويضات المخولة لهم قانونا.
ولوحظ وجود 181 ضحية لحادث شغل قاتل لم يتمّ تمكين خلفهم العام من أرامل وأيتام من الجرايات المستحقة لمدّة طويلة وصلت 8 سنوات في 16 حالة وذلك بسبب عدم نجاعة إجراءات العمل المعتمدة وغياب تبادل آلي للمعطيات مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
كما تمّ صرف منافع ناهزت 9,034 مليون دينار من قبل الصندوق لفائدة 4.746 متضررا تقترن بها مخاطر عدم مشروعية عالية تبعا لضعف نجاعة إجراءات متابعة شروط الاستحقاق للأرامل والأيتام ومراقبة حالات الجمع بين جرايات التقاعد والجرايات التعويضية عن الحوادث والأمراض المهنية.
كما تبينت أيضا، محدوديّة متابعة النزاعات الناشئة في مادّة حوادث الشغل والأمراض المهنية، لا سيما بخصوص ممارسة الطعون في آجالها وتحريك دعاوى الرجوع على الغير والمؤجرين المخلين بالتزاماتهم القانونيّة علاوة على عدم تفعيل التسوية الصلحية مع شركات التأمين، ممّا فوّت على الصّندوق إمكانية استرجاع تعويضات ناهزت 32 مليون دينار بعنوان الحوادث القاتلة وحوادث المسير ذات الصبغة الشغلية.
ورغم تمكّن الصندوق من تعديل جرايات 9.573 منتفعا بكلفة ناهزت 4,103 مليون دينار في موفى أفريل 2020، إلاّ أنّه لم يستكمل تعديل 2.538 ملفا تخصّ أرامل وأيتاما منها ما يعود لسنتي 2003 و2008. وقدّرت المحكمة مستحقات هؤلاء المنتفعين بعنوان الفترة ماي 2019- ماي 2020 بحوالي 1,372 مليون دينار.
مواكبة الإطار التشريعي.. غياب نصوص ترتيبية تضبط سبل الوقاية من مخاطر المواد والمنتجات الكيميائية
تبيّن غياب نصوص ترتيبية تضبط سبل الوقاية من مخاطر المواد والمنتجات الكيميائية بالرغم من تعرض حوالي 36% من العمال للمواد الكيميائية منهم حوالي 20% لمادة كيميائية مسرطنة على الأقل وفقا لخارطة الأخطار المهنية في تونس المنجزة خلال الفترة 2016-2018.
ولم تساهم هذه الوضعية في حماية العمال من هذه المخاطر حيث شهدت هذه الأنشطة تطورا في مؤشر تواتر حوادث الشغل بلغ 29,1 حادثا بتوقف عن العمل لكل 1000 عامل. متجاوزا بذلك المؤشر العام لجميع القطاعات بحوالي 155% خلال سنة 2018. كما أنّ الأمراض المهنية في قطاع الصناعات الكيميائية سجلت ارتفاعا خلال نفس السنة بنسبة 24% مقارنة بسنة 2017.
ومن جهة أخرى، لم يواكب الإطار التشريعي المنظم لمجال الوقاية من الأخطار المهنية في قطاع البناء والأشغال العامة ارتفاع مستوى المخاطر المتعلقة به بالرغم من تسجيله لأكبر عدد حوادث شغل قاتلة مقارنة ببقية القطاعات (حوالي 31% من مجموع هذه الحوادث المسجلة خلال الفترة 2013-2018) حيث اقتصر الأمر عدد 129 لسنة 1962 على التنصيص على متطلبات الوقاية بقطاع البناء فقط دون التطرق إلى الأشغال العامّة.
كما لم يضبط إجراءات الوقاية من السقوط من أعلى وسقوط أدوات العمل ومواد البناء التي تسببت على التوالي في 20% و11% من حوادث الشغل القاتلة المسجلة خلال سنة 2018، وذلك خلافا لتوصية مؤتمر العمل الدولي عدد 175.
كما لم يعد الأمر عدد 503 لسنة 1975 مواكبا للتطورات التي شهدها هذا المجال مما لم يساعد على التقليص في حوادث الشغل ذات الصلة حيث أن 12% من حوادث الشغل القاتلة المسجلة خلال سنة 2018 سببها صعقات كهربائية. كما يستدعي النهوض بالمنظومة التشريعية في مجال حفظ الصحة والسلامة المهنية مراجعة الأمر عدد 328 لسنة 1968 وذلك تماشيا مع التطور التكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي.
ولئن أنهت اللجان الفنية منذ سنة 2016 إعداد مشاريع نصوص ترتيبية ذات صلة بتدعيم الجانب الردعي وتدابير وقاية العمال من المخاطر المهنية وملاءمة التشريع الوطني للمعايير والمواصفات الدولية، إلاّ أنّه لم يتم إصدار هذه النصوص إلى موفّى أفريل 2020. ولم تبرّر الوزارة ذلك.
وعلاوة على ذلك، لا يشمل التشريع المتعلق بالصحة والسلامة المهنية العمال بالقطاع غير المنظم بالرغم من ارتفاع مستوى المخاطر المهنية وتدني ظروف العمل بهذا القطاع الذي يستقطب وفقا للدراسة المنجزة خلال سنة 2019 من قبل المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية نسبة 41,5% من اليد العاملة النشيطة.
بسبب غياب معطيات إحصائية شاملة.. شطب انخراط 9 آلاف و369 مؤسسة في حين لا تتوفر المعطيات المتعلقة بها لدى الصندوق
خلافا لمقتضيات الفصل 88 من القانون عدد 28 لسنة 1994 لم يحترم الصندوق دورية إرسال الإحصائيات الثلاثية المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية للوزارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية مما حدّ من جدوى هذه الإحصائيات. كما لم تتضمن الإحصائيات تفصيلا للمؤسسات التي سجلت حوادث الشغل والأمراض المهنية مما لا يمكن من متابعتها والتثبت من اتخاذها للتدابير الكفيلة بتقليص المخاطر المهنية المسجلة بها.
ولم يتول الصندوق إرساء إجراءات للتثبت من صحة المعطيات الإحصائية وتطابقها مع مضمون التصاريح المودعة لدى المراكز التابعة له مما قد يتسبب في تسرّب بعض الأخطاء أو السهو عن إدراج بعضها بالتطبيقة.
وقد أفاد الصندوق بأنه سيتولى "إعداد دراسة حاجياته من الموارد البشرية سواء في مجال الوقاية أو مجال البحوث الميدانية أو مجال الاستقبال ودراسة الملفات بالاعتماد على المراجع الكمية والنوعية المستوجبة لتأمين السرعة والنجاعة".
ومن جهة أخرى، تفتقر الهياكل المتدخلة في منظومة الصحة والسلامة المهنية لمعطيات إحصائية شاملة وموّحدة تمكّن من وضع مؤشرات لتحديد التوجهات الاستراتيجية وضبط برامج التدخلات الوقائية. وقد عاينت المحكمة إثر مقاربة إحصائيات حوادث الشغل القاتلة الممسوكة لدى الإدارة العامّة لتفقّديّة الشغل بتلك المسجلة لدى الصندوق وجود تباين بينها شمل 18 حادث شغل قاتلا.
كما يتولى الصندوق احتساب عدد المنخرطين المصرح بهم فعليا في غياب معطيات أساسية حول وضعيّة المؤسسات المنخرطة مما يحول دون التثبت آليا من افتتاح الحق في التعويض للمتضررين من حوادث الشغل. فحسب المعطيات المستقاة لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هنالك 9.369 مؤسسة تمّ شطب انخراطها في حين لا تتوفر المعطيات المتعلقة بها لدى الصندوق.
وقد أفاد الصندوق أنه "سيتولى تطوير التطبيقات الإعلامية بما يؤمن التقاطعات الإعلامية الضرورية وسيمكن التدفق التلقائي للمعطيات الضرورية التي بحوزة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من إجراء المقاربات والتقاطعات الآلية التي ستمكن من تفادي هذه النقائص".
وعلاوة على ذلك، اتسمت الإحصائيات السنوية لعدد الخاضعين فعليا لنظام حوادث الشغل والأمراض المهنية بغياب الدقة والشمولية حيث لا تتضمن عدد العمال بالمؤسسات التي لا تتولى التصريح بهم في الآجال القانونية أو التي تصرح بعدد أقل من عددهم الحقيقي. ولئن تولت إدارة طب الشغل ضبط نسبة التغطية بزيارات التفقد في مجال الصحة والسلامة المهنية بنسبة 29,3 % سنة 2018، إلاّ أنّ ذلك تمّ في غياب تحوّزها على إحصائيات دقيقة لمؤسسات القطاع الخاص والعمّال التابعين لها وموزعة حسب الولايات وقطاعات النشاط.
ردّ الصندوق الوطني للتأمين على المرض لـ"الصباح"
بخصوص تقرير محكمة المحاسبات الذي تطرّق بصفة دقيقة لمجمل الإشكاليّات والنّقائص التي تشوب منظومة التّصرّف في نظام التّعويض عن الأضرار النّاجمة عن حوادث الشّغل والأمراض المهنيّة ومدى فاعليّة الإجراءات المعتمدة في تصفية الملفّات، نشير أنّ نتائج هذا التّقرير كانت جدّ إيجابيّة على جميع المستويات وقد اعتمدها الصّندوق كوثيقة مرجعيّة للتّصرف في هذا النّظام كما يلي:
أوّلا : مكّن، تقرير محكمة المحاسبات، الصّندوق من فرصة لتقييم إجراءاته المعتمدة ومدى فاعليّتها والعمل على تلافي النّقائص وإيجاد الحلول العمليّة للثّغرات التي تشوب المنظومة المعلوماتيّة والإجراءات العمليّة المعتمدة في الغرض.
ثانيّا : مثّلت الملاحظات الواردة بهذا التّقرير "ورقة عمل مرجعيّة" يتمّ اعتمادها من قبل الصندوق في إعادة صياغة مذكّرات العمل وأدلّة الإجراءات والتّنسيق بين الإدارات المتدخّلة في تصفية ملفّات حوادث الشّغل والأمراض المهنيّة.
ثالثا : قد تمّت الإجابة على كافّة الملاحظات الواردة بهذا التّقرير مع الانطلاق بكلّ جديّة وحزم في تفعيل إجراءات استرجاع المبالغ التي صرفت بدون وجه حق بسبب إغفال اعتماد إجراء أو أخطاء في تكييف وقائع الحوادث وخاصّة منها حوادث المسير بالطرق المثلى المبيّنة بمذكّرات العمل ودليل الإجراءات.
رابعا: لأهميّة الملاحظات العمليّة الواردة بتقرير محكمة المحاسبات، قد تمّ اعتماد العديد منها في بلورة مشروع تنقيح للقانون عدد 28 لسنة 1994 المؤرّخ في 21 فيفري 1994 والمتعلّق نظام التّعويض عن الأضرار النّاجمة عن حوادث الشّغل والأمراض المهنيّة في القطاع الخاص.
من جهة أخرى، تجدر الإشارة أنّ الصّندوق الوطني للتّأمين على المرض وبالتّنسيق مع وزارة الإشراف، بصدد الإعداد حاليّا لتنظيم تظاهرة وطنيّة وإقليميّة بمناسبة الاحتفال بثلاثينيّة صدور قانون حوادث الشّغل والأمراض المهنيّة الذي سيشمل على:
- مداخلات من قبل محاضرين من داخل وخارج تراب الجمهوريّة
- ورشات عمل بخصوص مقاربة إجراءات التّصرّف في هذا النّظام مع خصوصيّة الهياكل والإدارات ذات الصّلة.
- النّظر في مشاريع اتفاقيات وطنيّة وإقليميّة بهدف توحيد الرّؤى بعنوان هذا النّظام
- إعداد دراسات مقارنة بين التّشاريع والتّجارب الإقليميّة في هذا المجال
وستعمّم هذه الملتقيات بكافة الأقاليم وتختتم بتظاهرة وطنيّة بإقليم تونس الكبرى.
كما تجدر الإشارة أنه سيقع استدعاء كافّة الهياكل الوطنيّة والمنظمات الإقليميّة التي لها صلة بالصّندوق الوطني للتّأمين على المرض وكذلك الهياكل الدّوليّة والصّناديق الاجتماعية لبلدان المغرب العربي وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسّط للمشاركة في هذه التّظاهرات.
كما تمّ تخصيص حيّز مهمّ من هاته اللّقاءات لمداولة الجانب الوقائي لعمل المؤسّسات وخاصّة منها ما تعلّق بالقروض والمنح التي يوفّرها الصّندوق الوطني للتّأمين على المرض وبمساهمته في دفع وتحسين الاستثمار والإحاطة بالمؤسّسات بعنوان هذا النّظام.