إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم أنها تمثل 90% من النسيج الاقتصادي.. تمويل البنوك للمؤسسات الصغرى والمتوسطة لا يتعدى 12 بالمائة!

 

 -البنوك تقرض الدولة بنسب فائدة مرتفعة وتتغاضى عن إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة

تونس- الصباح

انتقدت دراسة حديثة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مؤخرا، حول "إشكالية تمويل الاقتصاد التونسي"، ضعف تمويل البنوك للمؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تمثل قرابة 90 بالمائة من النسيج الاقتصادي التونسي لكن حصتها من التمويل البنكي لا تتعدى 12 بالمائة.

واستغربت الدراسة من القطيعة بين والواقع الهيكلي والتمويل البنكي، وعدم ايلاء أهمية لإنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي تمثل شريان الاقتصاد التونسي، كما لفتت الدراسة إلى غياب أي برامج تمويلية لإنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي تعاني من أزمات مالية حادة نتيجة الأوضاع الاقتصادية العالمية.

ووفق معطيات رسمية تحصلت عليها "الصباح"، تمثل الشركات الصغرى والمتوسطة، العمود الفقري للاقتصاد التونسي، حيث تمثل حوالي 90 % من الشركات العاملة في البلاد وتوفر حوالي 70% من فرص العمل. ونظراً لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، فإن تمويل هذه الشركات يعد من أهم العوامل التي تسهم في نموها وازدهارها.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة التونسية لتعزيز تمويل الشركات الصغرى والمتوسطة، إلا أن هذه الجهود لا تزال غير كافية، حيث تواجه هذه الشركات العديد من التحديات في الحصول على التمويل، منها ارتفاع معدلات الفائدة، حيث تفرض البنوك التونسية معدلات فائدة مرتفعة على القروض المقدمة للشركات الصغرى والمتوسطة، مما يحد من قدرتها على الاقتراض، إلى جانب صعوبة الحصول على الضمانات، حيث تطلب البنوك التونسية تقديم ضمانات قوية من أجل منح القروض للشركات الصغرى والمتوسطة، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً لهذه الشركات، حيث لا تمتلك معظمها هذه الضمانات. وبالإضافة إلى هذه العوامل، تعاني العديد من الشركات الصغرى والمتوسطة من ضعف القدرات الإدارية، مما يجعلها عرضة لخطر التعثر المالي، ونتيجة لهذه التحديات، فإن نسبة الشركات الصغرى والمتوسطة التي تحصل على التمويل من البنوك التونسية لا تتجاوز 20%.

الدولة تنافس المؤسسات

ورغم ما كشفه البنك المركزي من تطور للقروض الموجهة للإفراد، فإن بعض المعطيات تؤكد أن تونس تعاني منذ سنتين من شح في السيولة، وذلك ناجم من تدخل البنوك في إعادة تمويل ميزانية الدولة لسنتين متتاليتين، تحصلت من خلالها الدولة التونسية على قروض ناهزت مجتمعة أكثر من 5000 مليون دينار، وخلال العشرية الأخيرة، أكثر من 23 مليار دينار وهو مبلغ كبير وليس بالهين، وبنسب فائدة مرتفعة، الأمر الذي أثر سلبا على المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتي وجدت صعوبات كبيرة في الحصول على قروض قصيرة المدى لمجابهة تداعيات الأزمة الصحية والعالمية بالبلاد.

وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي، قد لمح في ندوة صحفية واكبتها "الصباح"، إلى مواصلة دعم البنوك للدولة رغم المخاطر التي تكلفها هذه العملية على الدورة الاقتصادية، وخاصة الأفراد والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي ستجد نفسها غير قادرة على الحصول على قروض تمويلية بسبب تمويل البنوك لحاجيات الدولة المالية في شكل قروض، بنسب فائدة مرتفعة، وهذا التوجه بدأ ينمو في تونس خلال السنوات الماضية، وباتت الدولة تعتمد في مواردها الذاتية على تمويلات البنوك الداخلية لها، الأمر الذي ساهم في إغلاق المئات من المؤسسات خلال العامين الماضيين بسبب انعدام فرص الحصول على مساعدات.

التخفيض في نسب الفائدة

ويرى الخبراء أن من واجب البنوك اليوم أن تنخرط في عملية تمويل المشاريع والاستثمارات ومنح القروض المناسبة لها، وغياب هذا الدور المتعارف عليه في كافة اقتصاديات العالم، يزيد من حدة الأزمة التي تعيشها الدول، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، فالبنوك التونسية مولت منذ سنوات فشل الحكومات المتعاقبة لعقود، والأزمة المالية في تونس بقيت على حالها دون تغيير، ومن الضروري عودة محرك تمويل المشاريع والقروض الاستهلاكية لخلق التوازن الاقتصادي والدفع بنسبة النمو الاقتصادي، مؤكدين أن غياب دور البنوك في هذه المرحلة، سيتسبب في خلق فجوة مالية في القطاع المصرفي في تونس، خاصة وأنها بادرت للمرة الثالثة مجتمعة في تمويل ميزانية الدولة لسنة 2023 عبر سلسلة من القروض بالعملة الأجنبية، وبنسب فائدة مربحة للبنوك لا غير.

ويشار في هذا الصدد، إلى أنه سبق في منتصف ماي من العام الماضي صدور مرسوم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، تحت عدد 33 لسنة 2022 يتعلّق بالموافقة على اتفاقية تمويل مبرمة بتاريخ 20 ماي 2022 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية لتمويل ميزانية الدولة.

وفي عام 2023، أطلقت الحكومة التونسية مشروع "مساندة الشركات الصغرى والمتوسطة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي"، بتمويل من البنك الدولي، بهدف تحسين بيئة التمويل لهذه الشركات. ويتضمن هذا المشروع تقديم قروض ميسرة للشركات الصغرى والمتوسطة، وتوفير الدعم الفني والتدريبي لها.

وعلى الرغم من أهمية هذا المشروع، إلا أنه لا يمثل الحل الشامل لتحديات التمويل التي تواجه الشركات الصغرى والمتوسطة في تونس. ولذلك، فإن هناك حاجة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات من أجل تحسين بيئة التمويل لهذه الشركات، منها تخفيض معدلات الفائدة، حيث يجب على الحكومة التونسية الضغط على البنوك لتخفيض معدلات الفائدة على القروض المقدمة للشركات الصغرى والمتوسطة، وتبسيط إجراءات الحصول على الضمانات للشركات الصغرى والمتوسطة، وذلك من خلال توفير برامج ضمان حكومية، كما يجب على الحكومة التونسية تقديم الدعم الفني والتدريبي للشركات الصغرى والمتوسطة لتحسين قدراتها الإدارية.

وبالتالي، فإن تحسين بيئة التمويل للشركات الصغرى والمتوسطة يعد من أهم العوامل التي تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي في تونس وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

سفيان المهداوي

رغم أنها تمثل 90% من النسيج الاقتصادي..   تمويل البنوك للمؤسسات الصغرى والمتوسطة لا يتعدى 12 بالمائة!

 

 -البنوك تقرض الدولة بنسب فائدة مرتفعة وتتغاضى عن إنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة

تونس- الصباح

انتقدت دراسة حديثة أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مؤخرا، حول "إشكالية تمويل الاقتصاد التونسي"، ضعف تمويل البنوك للمؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تمثل قرابة 90 بالمائة من النسيج الاقتصادي التونسي لكن حصتها من التمويل البنكي لا تتعدى 12 بالمائة.

واستغربت الدراسة من القطيعة بين والواقع الهيكلي والتمويل البنكي، وعدم ايلاء أهمية لإنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي تمثل شريان الاقتصاد التونسي، كما لفتت الدراسة إلى غياب أي برامج تمويلية لإنقاذ المؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي تعاني من أزمات مالية حادة نتيجة الأوضاع الاقتصادية العالمية.

ووفق معطيات رسمية تحصلت عليها "الصباح"، تمثل الشركات الصغرى والمتوسطة، العمود الفقري للاقتصاد التونسي، حيث تمثل حوالي 90 % من الشركات العاملة في البلاد وتوفر حوالي 70% من فرص العمل. ونظراً لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، فإن تمويل هذه الشركات يعد من أهم العوامل التي تسهم في نموها وازدهارها.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة التونسية لتعزيز تمويل الشركات الصغرى والمتوسطة، إلا أن هذه الجهود لا تزال غير كافية، حيث تواجه هذه الشركات العديد من التحديات في الحصول على التمويل، منها ارتفاع معدلات الفائدة، حيث تفرض البنوك التونسية معدلات فائدة مرتفعة على القروض المقدمة للشركات الصغرى والمتوسطة، مما يحد من قدرتها على الاقتراض، إلى جانب صعوبة الحصول على الضمانات، حيث تطلب البنوك التونسية تقديم ضمانات قوية من أجل منح القروض للشركات الصغرى والمتوسطة، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً لهذه الشركات، حيث لا تمتلك معظمها هذه الضمانات. وبالإضافة إلى هذه العوامل، تعاني العديد من الشركات الصغرى والمتوسطة من ضعف القدرات الإدارية، مما يجعلها عرضة لخطر التعثر المالي، ونتيجة لهذه التحديات، فإن نسبة الشركات الصغرى والمتوسطة التي تحصل على التمويل من البنوك التونسية لا تتجاوز 20%.

الدولة تنافس المؤسسات

ورغم ما كشفه البنك المركزي من تطور للقروض الموجهة للإفراد، فإن بعض المعطيات تؤكد أن تونس تعاني منذ سنتين من شح في السيولة، وذلك ناجم من تدخل البنوك في إعادة تمويل ميزانية الدولة لسنتين متتاليتين، تحصلت من خلالها الدولة التونسية على قروض ناهزت مجتمعة أكثر من 5000 مليون دينار، وخلال العشرية الأخيرة، أكثر من 23 مليار دينار وهو مبلغ كبير وليس بالهين، وبنسب فائدة مرتفعة، الأمر الذي أثر سلبا على المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتي وجدت صعوبات كبيرة في الحصول على قروض قصيرة المدى لمجابهة تداعيات الأزمة الصحية والعالمية بالبلاد.

وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي، قد لمح في ندوة صحفية واكبتها "الصباح"، إلى مواصلة دعم البنوك للدولة رغم المخاطر التي تكلفها هذه العملية على الدورة الاقتصادية، وخاصة الأفراد والمؤسسات الصغرى والمتوسطة، والتي ستجد نفسها غير قادرة على الحصول على قروض تمويلية بسبب تمويل البنوك لحاجيات الدولة المالية في شكل قروض، بنسب فائدة مرتفعة، وهذا التوجه بدأ ينمو في تونس خلال السنوات الماضية، وباتت الدولة تعتمد في مواردها الذاتية على تمويلات البنوك الداخلية لها، الأمر الذي ساهم في إغلاق المئات من المؤسسات خلال العامين الماضيين بسبب انعدام فرص الحصول على مساعدات.

التخفيض في نسب الفائدة

ويرى الخبراء أن من واجب البنوك اليوم أن تنخرط في عملية تمويل المشاريع والاستثمارات ومنح القروض المناسبة لها، وغياب هذا الدور المتعارف عليه في كافة اقتصاديات العالم، يزيد من حدة الأزمة التي تعيشها الدول، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، فالبنوك التونسية مولت منذ سنوات فشل الحكومات المتعاقبة لعقود، والأزمة المالية في تونس بقيت على حالها دون تغيير، ومن الضروري عودة محرك تمويل المشاريع والقروض الاستهلاكية لخلق التوازن الاقتصادي والدفع بنسبة النمو الاقتصادي، مؤكدين أن غياب دور البنوك في هذه المرحلة، سيتسبب في خلق فجوة مالية في القطاع المصرفي في تونس، خاصة وأنها بادرت للمرة الثالثة مجتمعة في تمويل ميزانية الدولة لسنة 2023 عبر سلسلة من القروض بالعملة الأجنبية، وبنسب فائدة مربحة للبنوك لا غير.

ويشار في هذا الصدد، إلى أنه سبق في منتصف ماي من العام الماضي صدور مرسوم بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، تحت عدد 33 لسنة 2022 يتعلّق بالموافقة على اتفاقية تمويل مبرمة بتاريخ 20 ماي 2022 بين الجمهورية التونسية ومجموعة من البنوك المحلية لتمويل ميزانية الدولة.

وفي عام 2023، أطلقت الحكومة التونسية مشروع "مساندة الشركات الصغرى والمتوسطة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي"، بتمويل من البنك الدولي، بهدف تحسين بيئة التمويل لهذه الشركات. ويتضمن هذا المشروع تقديم قروض ميسرة للشركات الصغرى والمتوسطة، وتوفير الدعم الفني والتدريبي لها.

وعلى الرغم من أهمية هذا المشروع، إلا أنه لا يمثل الحل الشامل لتحديات التمويل التي تواجه الشركات الصغرى والمتوسطة في تونس. ولذلك، فإن هناك حاجة إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات من أجل تحسين بيئة التمويل لهذه الشركات، منها تخفيض معدلات الفائدة، حيث يجب على الحكومة التونسية الضغط على البنوك لتخفيض معدلات الفائدة على القروض المقدمة للشركات الصغرى والمتوسطة، وتبسيط إجراءات الحصول على الضمانات للشركات الصغرى والمتوسطة، وذلك من خلال توفير برامج ضمان حكومية، كما يجب على الحكومة التونسية تقديم الدعم الفني والتدريبي للشركات الصغرى والمتوسطة لتحسين قدراتها الإدارية.

وبالتالي، فإن تحسين بيئة التمويل للشركات الصغرى والمتوسطة يعد من أهم العوامل التي تسهم في تعزيز النمو الاقتصادي في تونس وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

سفيان المهداوي