إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حنان زبيس: نعيش فترة مظلمة في ما يتعلق بحقوق النساء

تنشط حنان زبيس بشكل كبير خارج تونس بوصفها من أوائل الذين اتجهوا إلى الصحافة الاستقصائية ونالت فيها تكوينا سمح لها بأن تتحول إلى مدربة في هذا الاختصاص الذي " يتهافت " عليه الكثيرون علاوة على انخراطها في أطر فرانكفونية للصحافيين والصحافيات. في هذا الحوار وقوف عند جوانب من تجربة حنان زبيس ومواقفها من مكانة المرأة التونسية ودورها.

× كيف تبدو لك وضعية المرأة التونسية ومكانتها من الناحية القانونية والواقعية؟

+ أعتبر أن تونس طلائعية في المجال القانوني ونحن سباقون في إلغاء تعدد الزوجات وتمكين المرأة من حق الإجهاض هذا دون نسيان مضمون مجلة الأحوال الشخصية وقانون سنة 2017 المناهض للعنف ضد المرأة. لدينا منظومة قانونية نحسد عليها حتى على المستوى الدولي. ولكن المشكل يكمن في مستوى الواقع والتطبيق لأن إنفاذ هذه القوانين والتشريعات يختلف من مرحلة سياسية إلى أخرى ويرتبط بدرجة إيمان السلطة السياسية والنظام بحقوق المرأة. حين يكون النظام السياسي مؤمنا بحقوق المرأة يقع تطبيق القانون وتتحصل المرأة على مكاسب .وحين لا يكون النظام السياسي مؤمنا بحقوق المرأة، كما هو الحال حاليا، يكون هناك تراجع كبير في مستوى حقوق المرأة خاصة من حيث عدم تطبيق القانون وأشير هنا بشكل خاص إلى قانون مناهضة العنف ضد المرأة. المرأة تتعرض اليوم بشكل سافر للهرسلة والعنف الجسدي والمعنوي ونشهد ارتفاعا غير مقبول وغير مسبوق لقضايا قتل النساء .هناك ارتفاع لافت لانتهاك المرأة في الفضاء السيبرني واستهداف ممنهج للنساء خاصة حين يتعلق الأمر بنساء لهن حضور ودور في الفضاء العام ومكانة سياسية أو في المجتمع المدني أو صحفيات أو محاميات. هناك محاولة لإرجاع النساء للفضاء الخاص ولمنع انخراطهن في الفضاء العام وذلك من خلال استهدافهن بحملات مغرضة على مواقع التواصل الاجتماعي والعمل على التقليل من قيمة المرأة الناشطة والفاعلة وتشويهها والقدح في عرضها. هذه آليات جديدة للتسلط على المرأة واستهدافها في ظل غياب أدنى تحرك من السلطات. اللافت للنظر أن السلطة السياسية قد انخرطت بدورها في هذا التمشي ويكفي التذكير هنا بالقاضية التي اتهمها رئيس الجمهورية شخصيا وبشكل علني بارتكاب الزنا دون أدنى تحفظ وإدراك لتبعات ذلك ودون أن يملك أدنى دليل على ذلك وهو ما يمثل سابقة خطيرة بعد أن تحولت السلطة إلى التقليل والتحقير من قيمة المرأة. نلاحظ أيضا أن السلطة السياسية لا تريد مساندة النساء الفاعلات والنساء الناجحات في كافة القطاعات. هناك تعويض لذلك بمحاولة التركيز على النساء الكادحات والنساء الريفيات وخاصة اللواتي يكابدن للحصول على لقمة العيش ولكن الاهتمام لم يتجاوز الجانب الدعائي ولم تكن هناك إجراءات حاسمة وملموسة للنساء العاملات في الفلاحة أو الخزف أو جمع البلاستيك. أجد نفسي مضطرة للقول أننا نعيش فترة مظلمة في ما يتعلق بحقوق المرأة في ظل تنوع الانتهاكات وتعددها وتواترها وعدم تطبيق القانون وانتشار ثقافة كاملة أصبحت تشجع على الاعتداء على النساء سواء في الفضاء العام أو في الفضاء السيبرني.

× ما هي السياسات التي يتعين إتباعها لتطوير هذه المكانة قانونيا وواقعيا؟

+ لا توجد عدة طرق لتطوير المكانة القانونية والواقعية للمرأة التونسية بل أن الخطوة الأولى والرئيسية هي فرض تطبيق القانون ومعاقبة كل من ينتهك حقوق المرأة والتصدي لمنطق الإفلات من العقاب الذي يكاد يتحول إلى سياسة الأمر الواقع وهو ما يفسر تزايد الانتهاكات خاصة في الفضاء السيبرني وحتى تطبيق المرسوم 54 فهو تطبيق سياسوي. يجب عدم التساهل في هذا المجال.

يتعين أيضا وضع سياسات لمساعدة المرأة اقتصاديا وتيسير حصولها على عمل لائق في ظل وجود أمر مسكوت عنه وهو البطالة النسائية يكفي أن نشير هنا إلى أن عدد النساء الناجحات في الدراسات الجامعية يفوق عدد الرجال ولكن نسبة النساء الناشطات لا تتجاوز 25% من الساكنة النشيطة. لا بد من القضاء على العوائق والعراقيل التي تحول دون ارتقاء النساء إلى مراكز القرار وإرساء آليات تثمين إنجازات النساء.

هناك ضرورة لوضع سياسات نفاذ النساء للتمويل البنكي وتيسير الحصول على قروض صغيرة. نلاحظ تخلي الدولة عن التكفل بالنساء ضحايا العنف ولولا مبادرات بعض المنظمات والجمعيات النسوية في هذا المجال لتفاقمت معاناة النساء والأطفال الضحايا.

تراجعت الدولة إلى حد يقترب من التخلي عن توفير الرعاية الصحية للنساء وهو ما أدى إلى عودة ظاهرة الولادة في البيوت مع كل ما تتضمنه من مخاطر على حياة المرأة. نلاحظ أيضا تنامي الانقطاع المبكر عن التعليم والتسرب المدرسي في صفوف الأطفال ولكن الظاهرة تصيب أكثر الفتيات. لا بد من أن تستعيد الدولة دورها في توفير الصحة والتعليم والأمن والرعاية الاجتماعية وهي حقوق أساسية للمواطن تخلت عن ضمانها خاصة للأطفال والنساء بوصفهم الفئة الأكثر تأثرا بالأزمات.

× بوصفك متخصصة في الصحافة الاستقصائية، كيف تنظرين لواقع هذا " الاختصاص " في تونس خاصة في ظل ما يثيره الحديث عنه من ردود فعل وتجاذبات؟

+ أعتبر أن الصحافة الاستقصائية هي مجال جديد إلى حد كبير في تونس وأنه لم ينطلق بشكل مهني إلا بعد جانفي 2011. قبل هذا التاريخ كانت هناك محاولات معزولة قامت بها خاصة صحافة المعارضة في عهد زين العابدين بن علي لكشف بعض الانتهاكات والتجاوزات ولكن ذلك لا يسمح بالحديث عن صحافة استقصائية لأن هذا النوع من الصحافة لا يمكن أن ينشأ وأن يتطور في مناخ ديكتاتورية وتكميم أفواه. الصحافة الاستقصائية  التي تحترم المعايير تحتاج إلى مناخ من الحريات والنفاذ إلى المعلومة وإلى وجود طلب من الجمهور لكشف الحقائق ما وراء الانتهاكات والتجاوزات التي وقعت زمن بن علي والمرحلة التي سبقته والحكم الحالي. وجود مناخ حريات هو أهم شروط قيام صحافة استقصائية.

طبعا التكوين في مجال الصحافة الاستقصائية مهم وقد بادرت بالقيام به في تونس منظمات أجنبية بالأساس لأن الدولة غير مهتمة بهذا المجال رغم أهميته لأنه يكشف الحقائق والممارسات السيئة للسلطة وذوي النفوذ وأصحاب المال الفاسد. وقد انطلقت منظمة " أريج " منذ سنة 2011 في تدريب الصحفيين وتمكينهم من أدوات العمل والمقاربة في الصحافة الاستقصائية ويحق لنا أن نفتخر اليوم أنه قد أصبح لدينا صحافيون استقصائيون ومنصات للصحافة الاستقصائية وأذكر هنا مثلا "نواة " و" الكتيبة" و"انكيفادا". ومن الخطوات الهامة على طريق تطوير ممارسة الصحافة الاستقصائية وضع دليل حول ممارسة الصحافة الاستقصائية سنة 2021 ويمثل خلاصة التجربة التونسية وتم ذلك بالشراكة بين معهد الصحافة وعلوم الأخبار ومنظمة المادة 19 هذا دون أن أنسى أننا نحتفل في غضون هذا الشهر بعشرية بعث ماجستير الصحافة الاستقصائية صلب معهد الصحافة وعلوم الأخبار وهي المبادرة التي رأت النور في أكتوبر 2013  علاوة على أنه قد أصبح لدينا مدربون، واعتبر نفسي من بينهم، في مجال الصحافة الاستقصائية.

هناك تحقيقات قام بها صحافيون استقصائيون أحدثت أثرا وخلقت صدى وحاولت المساهمة في التغيير ولكن الواقع ظل صعبا ويحتاج إلى كثير من الوقت والجهد خاصة وأن الصحافة الاستقصائية هي صحافة متطلبة وصارمة تحتاج إلى الوقت والجهد والقدرة على جمع الأدلة والتأكد منها وإخضاعها للنقد وأحيانا يحتاج تحقيق استقصائي إلى سنة او أكثر وهذا ما لا توفره وتسمح به أغلب المؤسسات الصحفية خاصة في ظل محدودية الموارد ونقص الوعي بأهمية الصحافة الاستقصائية وما ينجز حاليا يتم بدعم من المنظمات الأجنبية.

الرأي العام يتعامل بما يشبه اللامبالاة مع الصحافة الاستقصائية ولا وجود لعمليات خلق أثر ومتابعة عكس ما يحدث في الخارج لأنه من المفروض أن يعقب نشر كل تحقيق صحفي تحرك المجتمع المدني والدولة والنيابة العمومية والبرلمان عبر اللجان البرلمانية ضد الفاسدين والمنتهكين الذين كشفهم العمل الاستقصائي. أشير هنا إلى تحقيق " بنما بيبر" الذي شارك في أجزاء منه صحافيون استقصائيون تونسيون وأدى نشره إلى سقوط حكومات واستقالات مدوية في الخارج ولكن مر في تونس مرور الكرام وكأنه لم يكن.

تجربتنا في الصحافة الاستقصائية تتطور ولا بد من أن نعي جميعا أن لهذا الصنف من الصحافة دورا أساسيا في نشر الديمقراطية وحمايتها.

× كيف يبدو لك واقع الإعلام في تونس حاليا؟

+ أعتبر أننا نمر بفترة من أصعب وأحلك الفترات التي عرفناها وهي تذكرنا بما عشناه تحت ديكتاتورية بن علي. هناك تكميم الأفواه واستعمال القانون بشكل تعسفي لوضع أشخاص من صحافيين وسياسيين وناشطين في السجن لمجرد أنهم عبروا عن آراء أو كتبوا تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الاعتداء الممنهج بالعنف على الصحافيين واستهدافهم في الفضاء السيبرني وتشويههم ورفض تمكين الصحافيين من المعلومة رغم وجود قانون أساسي يضمن الحق في النفاذ إلى المعلومة ورفض السلطة التواصل مع الصحافة الوطنية وسعيها لوضع اليد على المؤسسات الإعلامية العمومية التي تحولت إلى أبواق للبروباغندا ونشر محللين سياسيين في كل مؤسسات الإعلام الخاص فقط لأنهم موالون للسلطة حتى يدعموا خطابها لكأننا لم ننجز ثورة ولم نثر ضد تكميم الأفواه. من المفارقات أن نصل بعد 13 عاما من الثورة إلى هذا الوضع.

وضع الإعلام صعب خاصة مع وجود زملاء في السجن وأذكر خليفة القاسمي وشذى الحاج مبارك وياسين الرمضاني بسبب رفض الكشف عن المصدر أو كتابة تدوينة وبالتالي فهم عوقبوا لأنهم قاموا بعملهم بكل مهنية وهذا يخلق عدة مخاوف حول المستقبل خاصة مع ما نلاحظه من عودة الصنصرة والرقابة الذاتية. ولا يختلف وضع تونس كثيرا عن وضع الفضاء الفرنكوفوني. هناك عدد كبير من الصحافيين المنضوين تحت لواء الإتحاد الدولي للصحافيين الفرنكوفونيين، الذي أنتمي إليه وأترأس فرعه بتونس يعيشون نفس المشاكل وربما أكثر مع عودة الديكتاتورية في الدول الإفريقية وعودة السلطة السياسية إلى ممارسات وضع اليد على المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة وتوظيف الإشهار العمومي في الضغط على الإعلام والعمل على جعل الإعلام العمومي إعلام سلطة وسجن الصحافيين. هناك تراجع كبير ومخيف في الجزائر والمغرب وعدد من الدول الإفريقية مع تنامي سجن الصحافيين .ولم يقتصر الأمر على الدول النامية فقط بل طال الدول المتقدمة كفرنسا التي أقدمت على سجن صحفية لأنها نشرت، قبل سنتين من إيقافها، تحقيقا عن تمكين فرنسا النظام المصري طائرات مسيرة بداعي استعمالها في التصدي للجماعات الإرهابية التي توجد في سيناء ولكن وقع استعمالها في الفضاء على المهربين الناشطين على الحدود بين مصر وليبيا. تسجن الصحافية لأنها تتمسك بحقها في عدم الكشف عن مصدر  المعلومات وهو حق تكفله القوانين ومبادئ العمل الصحفي

حنان زبيس: نعيش فترة مظلمة في ما يتعلق بحقوق النساء

تنشط حنان زبيس بشكل كبير خارج تونس بوصفها من أوائل الذين اتجهوا إلى الصحافة الاستقصائية ونالت فيها تكوينا سمح لها بأن تتحول إلى مدربة في هذا الاختصاص الذي " يتهافت " عليه الكثيرون علاوة على انخراطها في أطر فرانكفونية للصحافيين والصحافيات. في هذا الحوار وقوف عند جوانب من تجربة حنان زبيس ومواقفها من مكانة المرأة التونسية ودورها.

× كيف تبدو لك وضعية المرأة التونسية ومكانتها من الناحية القانونية والواقعية؟

+ أعتبر أن تونس طلائعية في المجال القانوني ونحن سباقون في إلغاء تعدد الزوجات وتمكين المرأة من حق الإجهاض هذا دون نسيان مضمون مجلة الأحوال الشخصية وقانون سنة 2017 المناهض للعنف ضد المرأة. لدينا منظومة قانونية نحسد عليها حتى على المستوى الدولي. ولكن المشكل يكمن في مستوى الواقع والتطبيق لأن إنفاذ هذه القوانين والتشريعات يختلف من مرحلة سياسية إلى أخرى ويرتبط بدرجة إيمان السلطة السياسية والنظام بحقوق المرأة. حين يكون النظام السياسي مؤمنا بحقوق المرأة يقع تطبيق القانون وتتحصل المرأة على مكاسب .وحين لا يكون النظام السياسي مؤمنا بحقوق المرأة، كما هو الحال حاليا، يكون هناك تراجع كبير في مستوى حقوق المرأة خاصة من حيث عدم تطبيق القانون وأشير هنا بشكل خاص إلى قانون مناهضة العنف ضد المرأة. المرأة تتعرض اليوم بشكل سافر للهرسلة والعنف الجسدي والمعنوي ونشهد ارتفاعا غير مقبول وغير مسبوق لقضايا قتل النساء .هناك ارتفاع لافت لانتهاك المرأة في الفضاء السيبرني واستهداف ممنهج للنساء خاصة حين يتعلق الأمر بنساء لهن حضور ودور في الفضاء العام ومكانة سياسية أو في المجتمع المدني أو صحفيات أو محاميات. هناك محاولة لإرجاع النساء للفضاء الخاص ولمنع انخراطهن في الفضاء العام وذلك من خلال استهدافهن بحملات مغرضة على مواقع التواصل الاجتماعي والعمل على التقليل من قيمة المرأة الناشطة والفاعلة وتشويهها والقدح في عرضها. هذه آليات جديدة للتسلط على المرأة واستهدافها في ظل غياب أدنى تحرك من السلطات. اللافت للنظر أن السلطة السياسية قد انخرطت بدورها في هذا التمشي ويكفي التذكير هنا بالقاضية التي اتهمها رئيس الجمهورية شخصيا وبشكل علني بارتكاب الزنا دون أدنى تحفظ وإدراك لتبعات ذلك ودون أن يملك أدنى دليل على ذلك وهو ما يمثل سابقة خطيرة بعد أن تحولت السلطة إلى التقليل والتحقير من قيمة المرأة. نلاحظ أيضا أن السلطة السياسية لا تريد مساندة النساء الفاعلات والنساء الناجحات في كافة القطاعات. هناك تعويض لذلك بمحاولة التركيز على النساء الكادحات والنساء الريفيات وخاصة اللواتي يكابدن للحصول على لقمة العيش ولكن الاهتمام لم يتجاوز الجانب الدعائي ولم تكن هناك إجراءات حاسمة وملموسة للنساء العاملات في الفلاحة أو الخزف أو جمع البلاستيك. أجد نفسي مضطرة للقول أننا نعيش فترة مظلمة في ما يتعلق بحقوق المرأة في ظل تنوع الانتهاكات وتعددها وتواترها وعدم تطبيق القانون وانتشار ثقافة كاملة أصبحت تشجع على الاعتداء على النساء سواء في الفضاء العام أو في الفضاء السيبرني.

× ما هي السياسات التي يتعين إتباعها لتطوير هذه المكانة قانونيا وواقعيا؟

+ لا توجد عدة طرق لتطوير المكانة القانونية والواقعية للمرأة التونسية بل أن الخطوة الأولى والرئيسية هي فرض تطبيق القانون ومعاقبة كل من ينتهك حقوق المرأة والتصدي لمنطق الإفلات من العقاب الذي يكاد يتحول إلى سياسة الأمر الواقع وهو ما يفسر تزايد الانتهاكات خاصة في الفضاء السيبرني وحتى تطبيق المرسوم 54 فهو تطبيق سياسوي. يجب عدم التساهل في هذا المجال.

يتعين أيضا وضع سياسات لمساعدة المرأة اقتصاديا وتيسير حصولها على عمل لائق في ظل وجود أمر مسكوت عنه وهو البطالة النسائية يكفي أن نشير هنا إلى أن عدد النساء الناجحات في الدراسات الجامعية يفوق عدد الرجال ولكن نسبة النساء الناشطات لا تتجاوز 25% من الساكنة النشيطة. لا بد من القضاء على العوائق والعراقيل التي تحول دون ارتقاء النساء إلى مراكز القرار وإرساء آليات تثمين إنجازات النساء.

هناك ضرورة لوضع سياسات نفاذ النساء للتمويل البنكي وتيسير الحصول على قروض صغيرة. نلاحظ تخلي الدولة عن التكفل بالنساء ضحايا العنف ولولا مبادرات بعض المنظمات والجمعيات النسوية في هذا المجال لتفاقمت معاناة النساء والأطفال الضحايا.

تراجعت الدولة إلى حد يقترب من التخلي عن توفير الرعاية الصحية للنساء وهو ما أدى إلى عودة ظاهرة الولادة في البيوت مع كل ما تتضمنه من مخاطر على حياة المرأة. نلاحظ أيضا تنامي الانقطاع المبكر عن التعليم والتسرب المدرسي في صفوف الأطفال ولكن الظاهرة تصيب أكثر الفتيات. لا بد من أن تستعيد الدولة دورها في توفير الصحة والتعليم والأمن والرعاية الاجتماعية وهي حقوق أساسية للمواطن تخلت عن ضمانها خاصة للأطفال والنساء بوصفهم الفئة الأكثر تأثرا بالأزمات.

× بوصفك متخصصة في الصحافة الاستقصائية، كيف تنظرين لواقع هذا " الاختصاص " في تونس خاصة في ظل ما يثيره الحديث عنه من ردود فعل وتجاذبات؟

+ أعتبر أن الصحافة الاستقصائية هي مجال جديد إلى حد كبير في تونس وأنه لم ينطلق بشكل مهني إلا بعد جانفي 2011. قبل هذا التاريخ كانت هناك محاولات معزولة قامت بها خاصة صحافة المعارضة في عهد زين العابدين بن علي لكشف بعض الانتهاكات والتجاوزات ولكن ذلك لا يسمح بالحديث عن صحافة استقصائية لأن هذا النوع من الصحافة لا يمكن أن ينشأ وأن يتطور في مناخ ديكتاتورية وتكميم أفواه. الصحافة الاستقصائية  التي تحترم المعايير تحتاج إلى مناخ من الحريات والنفاذ إلى المعلومة وإلى وجود طلب من الجمهور لكشف الحقائق ما وراء الانتهاكات والتجاوزات التي وقعت زمن بن علي والمرحلة التي سبقته والحكم الحالي. وجود مناخ حريات هو أهم شروط قيام صحافة استقصائية.

طبعا التكوين في مجال الصحافة الاستقصائية مهم وقد بادرت بالقيام به في تونس منظمات أجنبية بالأساس لأن الدولة غير مهتمة بهذا المجال رغم أهميته لأنه يكشف الحقائق والممارسات السيئة للسلطة وذوي النفوذ وأصحاب المال الفاسد. وقد انطلقت منظمة " أريج " منذ سنة 2011 في تدريب الصحفيين وتمكينهم من أدوات العمل والمقاربة في الصحافة الاستقصائية ويحق لنا أن نفتخر اليوم أنه قد أصبح لدينا صحافيون استقصائيون ومنصات للصحافة الاستقصائية وأذكر هنا مثلا "نواة " و" الكتيبة" و"انكيفادا". ومن الخطوات الهامة على طريق تطوير ممارسة الصحافة الاستقصائية وضع دليل حول ممارسة الصحافة الاستقصائية سنة 2021 ويمثل خلاصة التجربة التونسية وتم ذلك بالشراكة بين معهد الصحافة وعلوم الأخبار ومنظمة المادة 19 هذا دون أن أنسى أننا نحتفل في غضون هذا الشهر بعشرية بعث ماجستير الصحافة الاستقصائية صلب معهد الصحافة وعلوم الأخبار وهي المبادرة التي رأت النور في أكتوبر 2013  علاوة على أنه قد أصبح لدينا مدربون، واعتبر نفسي من بينهم، في مجال الصحافة الاستقصائية.

هناك تحقيقات قام بها صحافيون استقصائيون أحدثت أثرا وخلقت صدى وحاولت المساهمة في التغيير ولكن الواقع ظل صعبا ويحتاج إلى كثير من الوقت والجهد خاصة وأن الصحافة الاستقصائية هي صحافة متطلبة وصارمة تحتاج إلى الوقت والجهد والقدرة على جمع الأدلة والتأكد منها وإخضاعها للنقد وأحيانا يحتاج تحقيق استقصائي إلى سنة او أكثر وهذا ما لا توفره وتسمح به أغلب المؤسسات الصحفية خاصة في ظل محدودية الموارد ونقص الوعي بأهمية الصحافة الاستقصائية وما ينجز حاليا يتم بدعم من المنظمات الأجنبية.

الرأي العام يتعامل بما يشبه اللامبالاة مع الصحافة الاستقصائية ولا وجود لعمليات خلق أثر ومتابعة عكس ما يحدث في الخارج لأنه من المفروض أن يعقب نشر كل تحقيق صحفي تحرك المجتمع المدني والدولة والنيابة العمومية والبرلمان عبر اللجان البرلمانية ضد الفاسدين والمنتهكين الذين كشفهم العمل الاستقصائي. أشير هنا إلى تحقيق " بنما بيبر" الذي شارك في أجزاء منه صحافيون استقصائيون تونسيون وأدى نشره إلى سقوط حكومات واستقالات مدوية في الخارج ولكن مر في تونس مرور الكرام وكأنه لم يكن.

تجربتنا في الصحافة الاستقصائية تتطور ولا بد من أن نعي جميعا أن لهذا الصنف من الصحافة دورا أساسيا في نشر الديمقراطية وحمايتها.

× كيف يبدو لك واقع الإعلام في تونس حاليا؟

+ أعتبر أننا نمر بفترة من أصعب وأحلك الفترات التي عرفناها وهي تذكرنا بما عشناه تحت ديكتاتورية بن علي. هناك تكميم الأفواه واستعمال القانون بشكل تعسفي لوضع أشخاص من صحافيين وسياسيين وناشطين في السجن لمجرد أنهم عبروا عن آراء أو كتبوا تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى الاعتداء الممنهج بالعنف على الصحافيين واستهدافهم في الفضاء السيبرني وتشويههم ورفض تمكين الصحافيين من المعلومة رغم وجود قانون أساسي يضمن الحق في النفاذ إلى المعلومة ورفض السلطة التواصل مع الصحافة الوطنية وسعيها لوضع اليد على المؤسسات الإعلامية العمومية التي تحولت إلى أبواق للبروباغندا ونشر محللين سياسيين في كل مؤسسات الإعلام الخاص فقط لأنهم موالون للسلطة حتى يدعموا خطابها لكأننا لم ننجز ثورة ولم نثر ضد تكميم الأفواه. من المفارقات أن نصل بعد 13 عاما من الثورة إلى هذا الوضع.

وضع الإعلام صعب خاصة مع وجود زملاء في السجن وأذكر خليفة القاسمي وشذى الحاج مبارك وياسين الرمضاني بسبب رفض الكشف عن المصدر أو كتابة تدوينة وبالتالي فهم عوقبوا لأنهم قاموا بعملهم بكل مهنية وهذا يخلق عدة مخاوف حول المستقبل خاصة مع ما نلاحظه من عودة الصنصرة والرقابة الذاتية. ولا يختلف وضع تونس كثيرا عن وضع الفضاء الفرنكوفوني. هناك عدد كبير من الصحافيين المنضوين تحت لواء الإتحاد الدولي للصحافيين الفرنكوفونيين، الذي أنتمي إليه وأترأس فرعه بتونس يعيشون نفس المشاكل وربما أكثر مع عودة الديكتاتورية في الدول الإفريقية وعودة السلطة السياسية إلى ممارسات وضع اليد على المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة وتوظيف الإشهار العمومي في الضغط على الإعلام والعمل على جعل الإعلام العمومي إعلام سلطة وسجن الصحافيين. هناك تراجع كبير ومخيف في الجزائر والمغرب وعدد من الدول الإفريقية مع تنامي سجن الصحافيين .ولم يقتصر الأمر على الدول النامية فقط بل طال الدول المتقدمة كفرنسا التي أقدمت على سجن صحفية لأنها نشرت، قبل سنتين من إيقافها، تحقيقا عن تمكين فرنسا النظام المصري طائرات مسيرة بداعي استعمالها في التصدي للجماعات الإرهابية التي توجد في سيناء ولكن وقع استعمالها في الفضاء على المهربين الناشطين على الحدود بين مصر وليبيا. تسجن الصحافية لأنها تتمسك بحقها في عدم الكشف عن مصدر  المعلومات وهو حق تكفله القوانين ومبادئ العمل الصحفي