إن تكليف التلميذ بإنجاز فروض وواجبات مدرسية خارج المدرسة ليس سوى عملية تمطيط لزمن التعلّم وتطرح رهانات عديدة تتجاوز الجانب البيداغوجي والنفسي للتعلّم
بقلم الدكتورمنذرعافي
إذا كان ثمّة من قاعدة على جميع التلاميذ ان يستوعبوها متميزون كانوا أم دون ذلك عندما تطأ إقدامهم المدرسة هي ان زمن التمدرس يمكن أن ينتهي لكن العلاقة مع المدرسة لن تنتهي بمجرّد مغادرتها.
ففي التعليم الابتدائي كما في التعليم الإعدادي او التعليم الثانوي ، يقضي الأطفال حيزا مهما من وقتهم، خارج الفصول لإنجاز الواجبات المطلوبة من المدرسة، بمعنى آخر هم مطالبون بمواصلة التعلّم خارج المدرسة وانجاز أشغال مرتبطة بمسارهم الدراسي.، العمل المطلوب انجازه لفائدة المدرسة
إن الهدف المعلن من انجاز هذه الواجبات هو تمكين التلميذ من مزيد تعميق المعارف والعلوم التي تلقاها داخل القسم ، سواء بالتعود عليها أو بتكثيف معالجة التمارين وحلّ المسائل عبر التكرار والحفظ. ومن المهم أن نتبين هل أن هذه الطريقة ناجعة ويمكن أن تحقق أهدافا بيداغوجية؟ وهل أن تواتر انجاز التلميذ لفروضه المنزلية وحفظ المواد عوامل يمكن أن تحوّله من تلميذ متوسط او ضعيف إلى تلميذ جيّد؟ أو بالعكس هل يمكن للتلميذ الجيّد أن يتحوّل إلى تلميذ ضعيف أو متوسط في حال أهمل القيام بفروضه المطلوبة منه خارج المدرسة. إن تكليف التلميذ بإنجاز فروض وواجبات مدرسية خارج المدرسة ليس سوى عملية تمطيط لزمن التعلّم. وتطرح هنا رهانات عديدة ومتنوعة تتجاوز الجانب البيداغوجي والنفسي للتعلّم.
- رهان مزيد جذب التلاميذ إلى المدرسة وشدّهم اليها.
- رهان إثبات تميّز مادّة أو مدرّس على مواد أخرى أو على مدرسين آخرين من خلال الإيهام بكثافة الفروض المنجزة في المنزل.
نناقش في هذا الإطار مسألة تثبيت صورة الأستاذ المتميز والمتفاني الذي يلزم الطفل /التلميذ بإنجاز الواجبات المحمولة عليه في المدرسة وتلك المحمولة عليه خارجها. وفي أكثر الأحيان يكون مكرها على انجازها او يتم إنجازها على حساب مسائل حيوية أخرى.
ثمّة واجب آخر يكون في هذه المرّة اختياريا من قبل التلاميذ أنفسهم أو من قبل الأولياء وفي علاقة مباشرة بالبرامج الرسمية ويتمثل في الاستعداد للامتحانات والمناظرات من اجل الحصول على أعداد جيدة ويتمّ اللّجوء في هذه الحالة الى الدروس الخصوصية ودروس الدّعم، في كل الأوقات تقريبا أيام العطل وفي وقت الفراغ وعلى حساب وقت الراحة واللعب.
فما هي حينئذ النقاط المشتركة بين مختلف هذه الواجبات المطلوبة من المدرسة ولفائدتها؟ يطرح السؤال نظرا لارتباطه بالبعد المنطقي في التعلّم.
تعتبر الفروض المنزلية عملا مألوفا لدى العائلات ولدى التلاميذ منذ عقود في بلادنا رغم أن عديد النظم التربوية المتقدمة يكتفي فيها التلاميذ بإنجاز واجباتهم المدرسية وفروضهم داخل المدرسة وتترك مساحة واسعة للعب والاستمتاع بأوقاتهم الحرة.
اما الدروس الخصوصية أو دروس المرافقة والدعم أو الفروض التي تنجز خلال العطل، فان التلاميذ وأولياءهم لديهم حريّة اختيار انجازها من عدمه.
ورغم أن الدروس الخصوصية ليست وليدة الظرف الراهن بل وجدت في بلادنا وكانت مرتبطة أساسا بمواد محدودة وواضحة وأغلبها ذات بعد علمي. ثمّة توجهان يطرحان أمامنا ويتطلبان منا القيام بتحليل معمّق فمن جهة فإن المؤسسة المدرسية وبصورة أدق الإطار التربوي وإطار الإشراف البيداغوجي والإداري لهم أن يتبينوا جدوى عمل التلاميذ خارج المدرسة من وجهة نظر بيداغوجية حيث انّ العمل خارج المدرسة، يمكن أن يؤخذ من زاوية كونه مرآة تعكس ما يحصل داخل المدرسة.
ومن ناحية أخرى، وفيما يتعلق بالعائلات،- وفي تجاوز لتباينها الاجتماعي والثقافي - فإنّ المشترك بينها هو الدافعية نحو انجاز الفروض المنزلية لأبنائها – حيث أن التلاميذ متشابهون في هذه الحالة – بما ينجزونه خارج المدرسة لفائدتها أو بطلب منها، - فروض دروس خصوصية – دروس مرافقة ودعم – وهي مسائل لا تستثني أحدا- وتضعنا سوسيولوجيا أمام مواضيع قد تضفي جانبا ماديا على التعلم وتحوّله الى سلعة – وتتحوّل المسؤولية التربوية الى مسار جامد وميكانيكي لا روح فيه، وأقصى طموحه هو تحقيق النجاح والحصول على أعداد مرتفعة وأحيانا مضخمة لضمان التفوّق مهما كان الثمن وبشتى السبل حتى وان كانت غير تربوية .
وهي مسائل يعمد اليها بعض الأولياء في الغالب الأعم لترسيخ الصورة الايجابية التي يرغبونها وهي صورة العائلة المثالية التي تنجب النوابغ والمتميزين والمتفوقين دراسيا.
إن الحديث في هذه الحالة عن عزوف أحد التلاميذ او انقطاعه عن الدراسة تعتبر مسألة تراجيدية وكارثة عائلية بأتمّ معنى الكلمة.
وهذا يدحض المفهوم السائد والمتداول في الأوساط المدرسية عن استقالة العائلات عن الاضطلاع بواجباتهم تجاه أبنائها. والحقيقة أن اهتمام الأولياء بمسار أبنائهم الدراسي ارتفع بنسب قياسية. فلم تعد العائلات تهتم كثيرا أن تصير الفتاة ربة عائلة جيدة أو متمكنة من شؤون المنزل أو أن يصير الولد ميكانيكيا جيدا أو حرفيا او فلاحا...، فما يهمّ هو منافسة الأنداد والنجاح في الدراسة ومقاومة الفشل وهذا أمر جيد ويتطلب المثابرة وتوفر رأس المال الثقافي والمادي.
وفي هذه الوضعية يعمد الأولياء الى إتباع استراتيجيات متعددة لضمان هذا النجاح المدرسي لأبنائهم- تتمثّل أهمها في اختيار المؤسسة التربوية الجيدة وحسن اختيار الفصول الدراسية والتعرف الى المدرسين الجيدين القادرين على تدريس أبنائهم بصورة ترضي كبرياءهم او ان شئنا غرورهم وإحساسهم بالتفوق نضيف الى ذلك متابعة توجيه أبنائهم لشعب تستجيب لرغباتهم مع البحث عن فضاءات تمكّن هؤلاء الأبناء من اللغات الأجنبية
ويتحول الأولياء تدريجيا إلى جزء لا يتجزأ من المدرسة وأشبه بالمتعلمين حيث أنهم يمسكون أو يحاولون المسك بمصير أبنائهم الدراسي والتحكم فيه ويقلصون تدريجيا من سلطة المدرسة في إدارة شأن التلاميذ بطريقة نظامية وعلمية.ويمكن أن نخص بالنظر هنا العائلات المنحدرة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تحمل داخلها خوفا كبيرا على مصير أبنائها ومستقبلهم الدراسي وتستبطن كذلك خوفا من الأيام وما يمكن أن تخفيه: لذلك كثيرا ما يستبدّ بها القلق وتكثّف من ارتباطها بتمدرس أبنائها وتكون أكثر التصاقا بالمدرسة وبالمدرسين وأكثر قربا منهم.اما المدخل الآخر الذي يمكّننا من تحليل هذه المسألة فهو المدخل البنيوي، حيث أن التحولات الهيكلية في العلاقة بين المدرسة والمجتمع قد ساهمت في تغيير مفهوم عمل التلاميذ خارج المدرسة. اعتبارا الى أن هذا العمل المنجز من قبل التلاميذ في المنزل أو خارج المدرسة بصفة عامة قد تغيرت رهاناته – كما تغيرت رهانات المدرسة والعملية التربوية بصفة عامة. وساهمت هذه المسألة حينئذ في تغيير قانون اللعبة، بالنسبة لتغيير الرهانات المدرسية.
اما المدخل الآخر الذي يمكّننا من تحليل هذه المسألة فهو المدخل البنيوي، حيث أن التحولات الهيكلية في العلاقة بين المدرسة والمجتمع قد ساهمت في تغيير مفهوم عمل التلاميذ خارج المدرسة. اعتبارا الى أن هذا العمل المنجز من قبل التلاميذ في المنزل أو خارج المدرسة بصفة عامة قد تغيرت رهاناته – كما تغيرت رهانات المدرسة والعملية التربوية بصفة عامة. وساهمت هذه المسألة حينئذ في تغيير قانون اللعبة، بالنسبة لتغيير الرهانات المدرسية.
تتباين المواقف الاجتماعية المرتبطة بها بشكل متزايد على نمط حيازة الشهادات العلمية. وبالتالي فان المدرسة هي التي تحدد الهوية الاجتماعية للأفراد اذ غالبا ما يتمّ التعامل مع التوجيهات والتعليمات الموجهة الى الطفل على أنها تهدف إلى نوع من التربية الوالدية.
الفروض المنزلية وأهميتها في التعلم (2/2)
الشعار الأكثر تداولا في الأوساط الشعبية بلا بكالوريا فنحن لا شيء وبالبكالوريا فقط لا نستطيع فعل شيء
بقلم الدكتورمنذرعافي
إذا أصبحت وظيفة المدرسة هي خلق أجواء تنافسية بين التلاميذ أكثر من ذي قبل، وإذا انخرط التلاميذ بالتالي في هذه الأجواء التنافسية وتماهوا معها وأصبحوا أسرى لها فان العائلات تصبح بالتالي على بينة من هذه المسألة على بينة كذلك من التحديات التعليمية ودورها في تحقيق الاندماج الاجتماعي والمهني.
وتجدر الإشارة الى أنّ الوعي بالتنافسية وبمسارات قانون اللعبة في الانتماء الى المدرسة ليس وعيا مشتركا بين كافة الأفراد داخل مجتمعنا. فبالنسبة للفئة الغالبة من التلاميذ ليس متاحا تفكيك البعد الرمزي لهذه التنافسية فاذا صادف وان انخرطوا في تنافس مع غيرهم من التلاميذ فالغاية الأساسية لذلك هي تفادي التوجيه الى شعب لا تناسبهم والبحث عن أقصر الشعب الموصلة الى سوق الشغل وهنا يشتد التزاحم والتنافس من أجل تفادي التوجيه نحو الشعب التي لا توفر تشغيلا.
ان المنظومة التعليمية في مختلف دول العالم مهيكلة تراتبيا، ومع ذلك يمكن لعدد من التلاميذ الارتقاء والتدرج في مدارج التعليم الثانوي والعالي من خلال شعب غير انتقائية non sélectives والحصول على شهائد علمية وجامعية.
حتى انّ الشعار الأكثر تداولا في الأوساط الشعبية بلا بكالوريا فنحن لا شيء وبالبكالوريا فقط لا نستطيع فعل شيء. وهذا الأمر يمكن أن يلخص إلى حدّ ما النظرة الشعبية للتعليم.
ومن هذا المنطلق فان عمل التلميذ للمدرسة خارج المدرسة ينبغي أن يتماهى مع خصوصياته النفسية والمزاجية، فاذا كنا نريد شيئا آخر من المدرسة أكثر من النجاح فهذا يعني أن رهانات الأولياء وانتظاراتهم من المدرسة قد تغيرت كثيرا عن الماضي – وهذا يشمل كل العمل البيداغوجي أوعلى الأقل يقدم جوابا عن الأسئلة المطروحة حوله في كلّ العمل الأكاديمي الذي ينجزه التلاميذ خارج المدرسة بدفع من أوليائهم.
يمكن أن يتجلى لنا، بنظرة سريعة، الانسجام والتناغم في عمل التلاميذ خارج المدرسة، غير أننا نكتشف بعد النظر المعمّق والتدقيق أن العمل المنجز من قبل هؤلاء التلاميذ لفائدة المدرسة خارج أسوارها ينطوي على رهانات متباينة ومختلفة باختلاف الأسر.
ولذلك فإن عمل التلاميذ منقسم الى وحدات رئيسية – الفروض المنزلية الدروس الخصوصية- المرافقة المدرسية التدريب المدرسي- تمارين تنجز خلال العطل – الألعاب التربوية...) وتهدف جميعها الى شحن أدمغة التلاميذ ومنحهم القدرة على التّحاور مع الدروس والمناهج الدراسية فهما وحفظا لتمكينهم من حسن انجاز الفروض المدرسية والحصول على أرفع الأعداد وذلك بفضل المجهود الاستثنائي المبذول خارج المدرسة وهو مجهود ينطوي على خصوصيات ذات بعد اجتماعي واقتصادي وطبقي.
وقد نتفاجأ بغياب الدراسات العلمية الدقيقة حول عمل التلاميذ خارج المدرسة لفائدتها رغم خطورة هذه المسألة. حيث أن دراسة هذه المسألة تمكننا من معرفة الزمن المستغرق في إعداد الفروض المدرسية وتدخل الأولياء وإسهامهم المباشر في انجاز الفروض أو المساعدة على انجازها. وهل أن الآباء الأكثر حضورا في هذه الفروض المنزلية أم الأمهات- ومن النادر جدّا أن ان نجد دراسات تتناول محتوى الفروض من قبل التلاميذ لفائدة المدرسة أو دراسة الظروف والوضعيات التي ينجز خلالها التلاميذ مثل هذه الفروض وأهميتها الفعلية في التعلّم.
إن فهم هذه المفارقة التي مؤداها أن الفروض المنزلية لا تشكّل قضية اجتماعية ولم يتم إثارتها من قبل المهتمين بشأن المدرسة يكمن في إدراك المسالة التالية وهي أن هذه الفروض يمكن أن تحيل حياة الأسر إلى جحيم وفوضى ورغم ذلك فإن هناك إجماعا على ضرورة المضي في المحافظة على هذه الفروض المدرسية لأن النجاح هو رهان مدرسي يمكن أن يعكس صورة المدرّس الملتزم والجاد لدى الأولياء ولدى التلاميذ.
ان العمل المنجز من قبل التلميذ للمدرسة خارج المدرسة قد تبدلت معالمه وتعمقت الإشكاليات حوله فاذا كنا نريد شيئا آخر من المدرسة لضمان نجاح التلميذ فذلك يعني أساسا أن البيئة الخارجية المحيطة بالمدرسة أضحت ذات أهمية أكاديمية وبيداغوجية ويمكن ان تستجيب لبعض احتياجات التلميذ العلمية والمعرفية وهو أمر يتلاءم مع مشاغل الأولياء واهتماماتهم ويلبي في جانب منهم طموحهم في ضمان نجاح أبنائهم بتفوق وامتياز يساعد على التباهي والتفاخر.
وفي المحصلة فان عمل التلميذ خارج المدرسة لفائدتها إنما هو مسألة مشتركة تتجلى بأكثر أهمية لدى مختلف الفئات. وتعطينا انطباعا ان العمل المدرسي هو بالنسبة للأولياء وسيلة لضبط التلاميذ وفرض نظام مدرسي عليهم بالاعتماد على سلطة المدرسة أما فيما يتعلق بجدوى الفروض المنزلية فإنها يمكن أن تتحوّل الى عنصر توتر وضغوط نفسية للتلاميذ ومصدر للمشاكل العائلية.
يمكن القول إن الدروس الخصوصية في الرياضيات واللغة هي الأكثر استهدافا بعملية المرافقة المدرسية خارج المدرسة. ونستطيع بذلك أن نميزها عن البقية مع الإشارة في هذا الصدد الى أن دروس الدعم المدرسي تنجز بصفة مجانية وبعضها الآخر مدفوع الأجر.
ظهرت خلال السنوات الأخيرة عديد الدراسات التي عمل أصحابها على إبراز مفهوم المرافقة المدرسية والتي برهنت على أهمية دور الجمعيات والهياكل في الحياة المدرسية للتلميذ في شموليتها. أما فيما يتعلق بالدروس الخصوصية فان الدراسات الموجودة تتراوح بين تقديم النصائح للأولياء والتلاميذ لحثهم على حسن اختيار مسدي الخدمة (الدروس الخصوصية) او التشهير والتنديد بالسوق المدرسية الموازية ولا نجد بطبيعة الحال أعمالا جادة أو دراسات أكاديمية في هذا المجال.
أما في خصوص الفروض التي تبرمج خلال العطل المدرسية والتي يلزم التلاميذ بإنجازها فان الإنتاج العلمي المرغوب بلوغه يتمثل في قراءة النتائج الخاصة بالجدوى من هذا العمل المنجز خارج المدرسة وأي هدف نتطلع الى تحقيقه من خلال التمارين المدرسية التي تنجز خارج المدرسة وتندرج ضمن مسار التلميذ الدراسي وهل هي ملائمة لهذه الأهداف وماذا نعرف عن محتويات هذه المعارف وما علاقة ذلك بما هو منجز في القسم أو مع ما سينجز لاحقا -.
إن تكليف التلميذ بإنجاز فروض وواجبات مدرسية خارج المدرسة ليس سوى عملية تمطيط لزمن التعلّم وتطرح رهانات عديدة تتجاوز الجانب البيداغوجي والنفسي للتعلّم
بقلم الدكتورمنذرعافي
إذا كان ثمّة من قاعدة على جميع التلاميذ ان يستوعبوها متميزون كانوا أم دون ذلك عندما تطأ إقدامهم المدرسة هي ان زمن التمدرس يمكن أن ينتهي لكن العلاقة مع المدرسة لن تنتهي بمجرّد مغادرتها.
ففي التعليم الابتدائي كما في التعليم الإعدادي او التعليم الثانوي ، يقضي الأطفال حيزا مهما من وقتهم، خارج الفصول لإنجاز الواجبات المطلوبة من المدرسة، بمعنى آخر هم مطالبون بمواصلة التعلّم خارج المدرسة وانجاز أشغال مرتبطة بمسارهم الدراسي.، العمل المطلوب انجازه لفائدة المدرسة
إن الهدف المعلن من انجاز هذه الواجبات هو تمكين التلميذ من مزيد تعميق المعارف والعلوم التي تلقاها داخل القسم ، سواء بالتعود عليها أو بتكثيف معالجة التمارين وحلّ المسائل عبر التكرار والحفظ. ومن المهم أن نتبين هل أن هذه الطريقة ناجعة ويمكن أن تحقق أهدافا بيداغوجية؟ وهل أن تواتر انجاز التلميذ لفروضه المنزلية وحفظ المواد عوامل يمكن أن تحوّله من تلميذ متوسط او ضعيف إلى تلميذ جيّد؟ أو بالعكس هل يمكن للتلميذ الجيّد أن يتحوّل إلى تلميذ ضعيف أو متوسط في حال أهمل القيام بفروضه المطلوبة منه خارج المدرسة. إن تكليف التلميذ بإنجاز فروض وواجبات مدرسية خارج المدرسة ليس سوى عملية تمطيط لزمن التعلّم. وتطرح هنا رهانات عديدة ومتنوعة تتجاوز الجانب البيداغوجي والنفسي للتعلّم.
- رهان مزيد جذب التلاميذ إلى المدرسة وشدّهم اليها.
- رهان إثبات تميّز مادّة أو مدرّس على مواد أخرى أو على مدرسين آخرين من خلال الإيهام بكثافة الفروض المنجزة في المنزل.
نناقش في هذا الإطار مسألة تثبيت صورة الأستاذ المتميز والمتفاني الذي يلزم الطفل /التلميذ بإنجاز الواجبات المحمولة عليه في المدرسة وتلك المحمولة عليه خارجها. وفي أكثر الأحيان يكون مكرها على انجازها او يتم إنجازها على حساب مسائل حيوية أخرى.
ثمّة واجب آخر يكون في هذه المرّة اختياريا من قبل التلاميذ أنفسهم أو من قبل الأولياء وفي علاقة مباشرة بالبرامج الرسمية ويتمثل في الاستعداد للامتحانات والمناظرات من اجل الحصول على أعداد جيدة ويتمّ اللّجوء في هذه الحالة الى الدروس الخصوصية ودروس الدّعم، في كل الأوقات تقريبا أيام العطل وفي وقت الفراغ وعلى حساب وقت الراحة واللعب.
فما هي حينئذ النقاط المشتركة بين مختلف هذه الواجبات المطلوبة من المدرسة ولفائدتها؟ يطرح السؤال نظرا لارتباطه بالبعد المنطقي في التعلّم.
تعتبر الفروض المنزلية عملا مألوفا لدى العائلات ولدى التلاميذ منذ عقود في بلادنا رغم أن عديد النظم التربوية المتقدمة يكتفي فيها التلاميذ بإنجاز واجباتهم المدرسية وفروضهم داخل المدرسة وتترك مساحة واسعة للعب والاستمتاع بأوقاتهم الحرة.
اما الدروس الخصوصية أو دروس المرافقة والدعم أو الفروض التي تنجز خلال العطل، فان التلاميذ وأولياءهم لديهم حريّة اختيار انجازها من عدمه.
ورغم أن الدروس الخصوصية ليست وليدة الظرف الراهن بل وجدت في بلادنا وكانت مرتبطة أساسا بمواد محدودة وواضحة وأغلبها ذات بعد علمي. ثمّة توجهان يطرحان أمامنا ويتطلبان منا القيام بتحليل معمّق فمن جهة فإن المؤسسة المدرسية وبصورة أدق الإطار التربوي وإطار الإشراف البيداغوجي والإداري لهم أن يتبينوا جدوى عمل التلاميذ خارج المدرسة من وجهة نظر بيداغوجية حيث انّ العمل خارج المدرسة، يمكن أن يؤخذ من زاوية كونه مرآة تعكس ما يحصل داخل المدرسة.
ومن ناحية أخرى، وفيما يتعلق بالعائلات،- وفي تجاوز لتباينها الاجتماعي والثقافي - فإنّ المشترك بينها هو الدافعية نحو انجاز الفروض المنزلية لأبنائها – حيث أن التلاميذ متشابهون في هذه الحالة – بما ينجزونه خارج المدرسة لفائدتها أو بطلب منها، - فروض دروس خصوصية – دروس مرافقة ودعم – وهي مسائل لا تستثني أحدا- وتضعنا سوسيولوجيا أمام مواضيع قد تضفي جانبا ماديا على التعلم وتحوّله الى سلعة – وتتحوّل المسؤولية التربوية الى مسار جامد وميكانيكي لا روح فيه، وأقصى طموحه هو تحقيق النجاح والحصول على أعداد مرتفعة وأحيانا مضخمة لضمان التفوّق مهما كان الثمن وبشتى السبل حتى وان كانت غير تربوية .
وهي مسائل يعمد اليها بعض الأولياء في الغالب الأعم لترسيخ الصورة الايجابية التي يرغبونها وهي صورة العائلة المثالية التي تنجب النوابغ والمتميزين والمتفوقين دراسيا.
إن الحديث في هذه الحالة عن عزوف أحد التلاميذ او انقطاعه عن الدراسة تعتبر مسألة تراجيدية وكارثة عائلية بأتمّ معنى الكلمة.
وهذا يدحض المفهوم السائد والمتداول في الأوساط المدرسية عن استقالة العائلات عن الاضطلاع بواجباتهم تجاه أبنائها. والحقيقة أن اهتمام الأولياء بمسار أبنائهم الدراسي ارتفع بنسب قياسية. فلم تعد العائلات تهتم كثيرا أن تصير الفتاة ربة عائلة جيدة أو متمكنة من شؤون المنزل أو أن يصير الولد ميكانيكيا جيدا أو حرفيا او فلاحا...، فما يهمّ هو منافسة الأنداد والنجاح في الدراسة ومقاومة الفشل وهذا أمر جيد ويتطلب المثابرة وتوفر رأس المال الثقافي والمادي.
وفي هذه الوضعية يعمد الأولياء الى إتباع استراتيجيات متعددة لضمان هذا النجاح المدرسي لأبنائهم- تتمثّل أهمها في اختيار المؤسسة التربوية الجيدة وحسن اختيار الفصول الدراسية والتعرف الى المدرسين الجيدين القادرين على تدريس أبنائهم بصورة ترضي كبرياءهم او ان شئنا غرورهم وإحساسهم بالتفوق نضيف الى ذلك متابعة توجيه أبنائهم لشعب تستجيب لرغباتهم مع البحث عن فضاءات تمكّن هؤلاء الأبناء من اللغات الأجنبية
ويتحول الأولياء تدريجيا إلى جزء لا يتجزأ من المدرسة وأشبه بالمتعلمين حيث أنهم يمسكون أو يحاولون المسك بمصير أبنائهم الدراسي والتحكم فيه ويقلصون تدريجيا من سلطة المدرسة في إدارة شأن التلاميذ بطريقة نظامية وعلمية.ويمكن أن نخص بالنظر هنا العائلات المنحدرة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تحمل داخلها خوفا كبيرا على مصير أبنائها ومستقبلهم الدراسي وتستبطن كذلك خوفا من الأيام وما يمكن أن تخفيه: لذلك كثيرا ما يستبدّ بها القلق وتكثّف من ارتباطها بتمدرس أبنائها وتكون أكثر التصاقا بالمدرسة وبالمدرسين وأكثر قربا منهم.اما المدخل الآخر الذي يمكّننا من تحليل هذه المسألة فهو المدخل البنيوي، حيث أن التحولات الهيكلية في العلاقة بين المدرسة والمجتمع قد ساهمت في تغيير مفهوم عمل التلاميذ خارج المدرسة. اعتبارا الى أن هذا العمل المنجز من قبل التلاميذ في المنزل أو خارج المدرسة بصفة عامة قد تغيرت رهاناته – كما تغيرت رهانات المدرسة والعملية التربوية بصفة عامة. وساهمت هذه المسألة حينئذ في تغيير قانون اللعبة، بالنسبة لتغيير الرهانات المدرسية.
اما المدخل الآخر الذي يمكّننا من تحليل هذه المسألة فهو المدخل البنيوي، حيث أن التحولات الهيكلية في العلاقة بين المدرسة والمجتمع قد ساهمت في تغيير مفهوم عمل التلاميذ خارج المدرسة. اعتبارا الى أن هذا العمل المنجز من قبل التلاميذ في المنزل أو خارج المدرسة بصفة عامة قد تغيرت رهاناته – كما تغيرت رهانات المدرسة والعملية التربوية بصفة عامة. وساهمت هذه المسألة حينئذ في تغيير قانون اللعبة، بالنسبة لتغيير الرهانات المدرسية.
تتباين المواقف الاجتماعية المرتبطة بها بشكل متزايد على نمط حيازة الشهادات العلمية. وبالتالي فان المدرسة هي التي تحدد الهوية الاجتماعية للأفراد اذ غالبا ما يتمّ التعامل مع التوجيهات والتعليمات الموجهة الى الطفل على أنها تهدف إلى نوع من التربية الوالدية.
الفروض المنزلية وأهميتها في التعلم (2/2)
الشعار الأكثر تداولا في الأوساط الشعبية بلا بكالوريا فنحن لا شيء وبالبكالوريا فقط لا نستطيع فعل شيء
بقلم الدكتورمنذرعافي
إذا أصبحت وظيفة المدرسة هي خلق أجواء تنافسية بين التلاميذ أكثر من ذي قبل، وإذا انخرط التلاميذ بالتالي في هذه الأجواء التنافسية وتماهوا معها وأصبحوا أسرى لها فان العائلات تصبح بالتالي على بينة من هذه المسألة على بينة كذلك من التحديات التعليمية ودورها في تحقيق الاندماج الاجتماعي والمهني.
وتجدر الإشارة الى أنّ الوعي بالتنافسية وبمسارات قانون اللعبة في الانتماء الى المدرسة ليس وعيا مشتركا بين كافة الأفراد داخل مجتمعنا. فبالنسبة للفئة الغالبة من التلاميذ ليس متاحا تفكيك البعد الرمزي لهذه التنافسية فاذا صادف وان انخرطوا في تنافس مع غيرهم من التلاميذ فالغاية الأساسية لذلك هي تفادي التوجيه الى شعب لا تناسبهم والبحث عن أقصر الشعب الموصلة الى سوق الشغل وهنا يشتد التزاحم والتنافس من أجل تفادي التوجيه نحو الشعب التي لا توفر تشغيلا.
ان المنظومة التعليمية في مختلف دول العالم مهيكلة تراتبيا، ومع ذلك يمكن لعدد من التلاميذ الارتقاء والتدرج في مدارج التعليم الثانوي والعالي من خلال شعب غير انتقائية non sélectives والحصول على شهائد علمية وجامعية.
حتى انّ الشعار الأكثر تداولا في الأوساط الشعبية بلا بكالوريا فنحن لا شيء وبالبكالوريا فقط لا نستطيع فعل شيء. وهذا الأمر يمكن أن يلخص إلى حدّ ما النظرة الشعبية للتعليم.
ومن هذا المنطلق فان عمل التلميذ للمدرسة خارج المدرسة ينبغي أن يتماهى مع خصوصياته النفسية والمزاجية، فاذا كنا نريد شيئا آخر من المدرسة أكثر من النجاح فهذا يعني أن رهانات الأولياء وانتظاراتهم من المدرسة قد تغيرت كثيرا عن الماضي – وهذا يشمل كل العمل البيداغوجي أوعلى الأقل يقدم جوابا عن الأسئلة المطروحة حوله في كلّ العمل الأكاديمي الذي ينجزه التلاميذ خارج المدرسة بدفع من أوليائهم.
يمكن أن يتجلى لنا، بنظرة سريعة، الانسجام والتناغم في عمل التلاميذ خارج المدرسة، غير أننا نكتشف بعد النظر المعمّق والتدقيق أن العمل المنجز من قبل هؤلاء التلاميذ لفائدة المدرسة خارج أسوارها ينطوي على رهانات متباينة ومختلفة باختلاف الأسر.
ولذلك فإن عمل التلاميذ منقسم الى وحدات رئيسية – الفروض المنزلية الدروس الخصوصية- المرافقة المدرسية التدريب المدرسي- تمارين تنجز خلال العطل – الألعاب التربوية...) وتهدف جميعها الى شحن أدمغة التلاميذ ومنحهم القدرة على التّحاور مع الدروس والمناهج الدراسية فهما وحفظا لتمكينهم من حسن انجاز الفروض المدرسية والحصول على أرفع الأعداد وذلك بفضل المجهود الاستثنائي المبذول خارج المدرسة وهو مجهود ينطوي على خصوصيات ذات بعد اجتماعي واقتصادي وطبقي.
وقد نتفاجأ بغياب الدراسات العلمية الدقيقة حول عمل التلاميذ خارج المدرسة لفائدتها رغم خطورة هذه المسألة. حيث أن دراسة هذه المسألة تمكننا من معرفة الزمن المستغرق في إعداد الفروض المدرسية وتدخل الأولياء وإسهامهم المباشر في انجاز الفروض أو المساعدة على انجازها. وهل أن الآباء الأكثر حضورا في هذه الفروض المنزلية أم الأمهات- ومن النادر جدّا أن ان نجد دراسات تتناول محتوى الفروض من قبل التلاميذ لفائدة المدرسة أو دراسة الظروف والوضعيات التي ينجز خلالها التلاميذ مثل هذه الفروض وأهميتها الفعلية في التعلّم.
إن فهم هذه المفارقة التي مؤداها أن الفروض المنزلية لا تشكّل قضية اجتماعية ولم يتم إثارتها من قبل المهتمين بشأن المدرسة يكمن في إدراك المسالة التالية وهي أن هذه الفروض يمكن أن تحيل حياة الأسر إلى جحيم وفوضى ورغم ذلك فإن هناك إجماعا على ضرورة المضي في المحافظة على هذه الفروض المدرسية لأن النجاح هو رهان مدرسي يمكن أن يعكس صورة المدرّس الملتزم والجاد لدى الأولياء ولدى التلاميذ.
ان العمل المنجز من قبل التلميذ للمدرسة خارج المدرسة قد تبدلت معالمه وتعمقت الإشكاليات حوله فاذا كنا نريد شيئا آخر من المدرسة لضمان نجاح التلميذ فذلك يعني أساسا أن البيئة الخارجية المحيطة بالمدرسة أضحت ذات أهمية أكاديمية وبيداغوجية ويمكن ان تستجيب لبعض احتياجات التلميذ العلمية والمعرفية وهو أمر يتلاءم مع مشاغل الأولياء واهتماماتهم ويلبي في جانب منهم طموحهم في ضمان نجاح أبنائهم بتفوق وامتياز يساعد على التباهي والتفاخر.
وفي المحصلة فان عمل التلميذ خارج المدرسة لفائدتها إنما هو مسألة مشتركة تتجلى بأكثر أهمية لدى مختلف الفئات. وتعطينا انطباعا ان العمل المدرسي هو بالنسبة للأولياء وسيلة لضبط التلاميذ وفرض نظام مدرسي عليهم بالاعتماد على سلطة المدرسة أما فيما يتعلق بجدوى الفروض المنزلية فإنها يمكن أن تتحوّل الى عنصر توتر وضغوط نفسية للتلاميذ ومصدر للمشاكل العائلية.
يمكن القول إن الدروس الخصوصية في الرياضيات واللغة هي الأكثر استهدافا بعملية المرافقة المدرسية خارج المدرسة. ونستطيع بذلك أن نميزها عن البقية مع الإشارة في هذا الصدد الى أن دروس الدعم المدرسي تنجز بصفة مجانية وبعضها الآخر مدفوع الأجر.
ظهرت خلال السنوات الأخيرة عديد الدراسات التي عمل أصحابها على إبراز مفهوم المرافقة المدرسية والتي برهنت على أهمية دور الجمعيات والهياكل في الحياة المدرسية للتلميذ في شموليتها. أما فيما يتعلق بالدروس الخصوصية فان الدراسات الموجودة تتراوح بين تقديم النصائح للأولياء والتلاميذ لحثهم على حسن اختيار مسدي الخدمة (الدروس الخصوصية) او التشهير والتنديد بالسوق المدرسية الموازية ولا نجد بطبيعة الحال أعمالا جادة أو دراسات أكاديمية في هذا المجال.
أما في خصوص الفروض التي تبرمج خلال العطل المدرسية والتي يلزم التلاميذ بإنجازها فان الإنتاج العلمي المرغوب بلوغه يتمثل في قراءة النتائج الخاصة بالجدوى من هذا العمل المنجز خارج المدرسة وأي هدف نتطلع الى تحقيقه من خلال التمارين المدرسية التي تنجز خارج المدرسة وتندرج ضمن مسار التلميذ الدراسي وهل هي ملائمة لهذه الأهداف وماذا نعرف عن محتويات هذه المعارف وما علاقة ذلك بما هو منجز في القسم أو مع ما سينجز لاحقا -.