إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

"ميراوش Black out " ضمن تظاهرة "الخروج الى المسرح".. عمى البصيرة من عدمه هو ما يحدد مصير الشعوب!

 

-نص سردي بامتياز دون أفعال.. الفعل الوحيد هو الانتظار

-إبداع المخرج في الاستلهام من  نص موريس ماترلينك وتماه رائع للعرائس مع الشخصيات 

- تكريم مؤثر للعرائسي الراحل الاسعد المحواشي قبل العرض

 

تونس- الصباح

في إطار فعاليات تظاهرة "الخروج إلى المسرح" في دورتها الرابعة وقبل انطلاق مسرحية "منراوش Black out " للمخرج منير العرقي خيمت مساء أمس في قاعة المبدعين   الشبان  بمدينة الثقافة أجواء من الأسى والحزن على رحيل العرائسي المبدع الاسعد المحواشي.. وبكثير من الامتنان لما قدمه الرجل في فن العرائس والمسرح وتكوين الناشئة نعته كل من جميلة الشيحي التي لم تتمالك نفسها وهي تعدد مناقب الفقيد كما الفنان منير العرقي الذي أكد أن مسرحية "منراوش" لم تكن لترى النور لو لا تحفيز صديقه الراحل وإشرافه على ورشة صنع العرائس المحمولة لـ"مايراوش" وتشجيعه على توظيف "الماريونات" في عمل مسرحي متجدد يقطع مع السائد والأعمال الكلاسيكية ..

وبعد أن ساد الهدوء قاعة المبدعين الشبان في دقيقة صمت على روح المبدع الأسعد المحواشي، فتكريم عائلة الفقيد وعرض شريط مسجل لآخر حوار أجري معه قبل رحيله يوم 8سبتمبر الجاري، انطلق العرض وظهرت جوقة من العميان، بدت للمتفرج منذ الوهلة الاولى انعكاسا لمفاهيم النقص والبعد الاتكالي كما التذمر من العالم الخارجي، لكن سرعان ما تطورت الأحداث المقتبسة من أحداث رواية "العميان" للكاتب البلجيكي موريس ماترلينك لتتونس من خلال شخصيات الأكوع والاعمش والحنين والخضرا، ويتضح أن المسرحية متعددة الرموز والايحاءات بل انعكاس لماضي مجتمعنا حاضره ومستقبله.

الفضاء في "مايراوش" كان مفتوحا حيث الغابة والبحر إثر قرار قائد الفريق اصطحاب الفريق الى أي مكان خارج "التكية" ملجأ الجميع الذي وصفته العجوز في المسرحية بكثير من الدلالات والايحاءات:" يقولو قصر قديم متع البي خربة محسوب ..موحش ظلام ..ضو ربي ما يدخلوش ..الا البرج وين يبات سيدنا الشيخ..''

ورغم اتساع الفضاء الجديد إلا أنه كان بمثابة السجن لغياب الرؤية خاصة بعد اكتشاف موت القائد بينهم وأنه أعمى البصر والبصيرة ولم يكن مؤهلا بأن يكون مرشدا لجوقة من "القطيع"، وهو ما أراد إيصاله مخرج العمل منير العرقي للمتفرج بل استفزازه والتذكير بما حصل في العشرية الأخيرة من هزات اجتماعية وسياسية وثقافية دون أن تكون للشعب كلمة الحسم في تقرير مصيره ..

في ذات السياق ما تميز به عرض "مايراوش black out" هو النص السردي الخالي من الأفعال، الفعل الوحيد هو الانتظار في ظل العدم والاتكال على الآخر وإن كان غير قادر على التغيير.. الى درجة أن العميان بعد ضياعهم والابتعاد عن مقرهم الآمن انتابهم شعور بالخوف المستمر من المجهول دون التفكير في ما يمكن أن تؤول اليه الامور لو حضر الوعي وكان التفكير في المستقبل سبيلا للنجاة والخروج من كل ضائقة..

إن الملفت للانتباه في مسرحية "مايراوش" هو ذكاء المخرج في خلق ذلك التناغم بين الشخصية والعروسة لتبدو وكأنها شخصية حقيقية من خلال براعة الممثلين الشبان سواء خريجي المعهد العالي للفن المسرحي بتونس أو معهد الفن الموسيقي والمسرح بالكاف في تقمص الشخصيات، إضافة الى ثنائية العتمة والإنارة التي كان لها انعكاس كبير على تطور الأحداث.

ومن المؤكد أن من تابع عرض "مايراوش" لأول مرة لم يكن ينتظر أن تثار العديد من القضايا خلال 75 دقيقة على غرار مشهد الرش والنقد الواضح لواقع مهمش من فاقدي البصري.. جسدته شخصية الأكوع الذي أصيب بساقه وعينه جراء الرشّ حين قال الممثل متقمص الدور ''كنت سليم وعينا كحلة صوتي يلعلع حماة الحمى خبز وماء .. مات اللي مات واستشهد وأنا تقصت ساقي ووليت نكوع صدري بوزقار فلتو كعبتين سكنو في العين ولأخرى زينتلي خدي كبوسة الخال .. مانيش مسامح الرش لا الرش لا ". 

 هذا بالإضافة الى ضحايا الاغتصاب من خلال مشهد متعدد الدلالات وأوجه النقد، يجعلك تتوقع سيناريوهات سوداء  وتسكنك هواجس حول مستقبل تونس التي عانت من حرب الزعامات والأنوات المضخمة.

إنها  وقائع تحيلنا الى سؤال محوري في المسرحية : أو ليس هذا السكوت والخنوع عمى؟ 

لقد اختار المخرج منير العرقي لمسرحية "مايراوش" فن العرائس نمطا لتجسيد قضايا سياسية وتوجيه نقد لاذع لمن يضع نفسه في الصدارة وفي مرتبة القيادة دون أن يملك رؤية ولا قدرة على قيادة مجتمع وضمان أمنه وتقدمه على جميع المستويات، في إشارة الى التخبط المجتمعي الذي طال أكثر من عشرية منذ ثورة 2011 والتي لم نر من خلالها إلا أنواع الفساد والركود الفكري والاقتصادي..

ما يمكن استخلاصه من العرض إذن هو أن المسرح غالبا ما يستطيع أن يفتح نوافذ أخرى من خلال أنماط غير مستهلكة كتوظيف العرائس ويكون مجالا للنقد البناء مع ضمان عنصري الفرجة والاتعاظ دون المس من مقومات المسرح، وهو ما نجح في توظيفه صاحب العمل منير العرقي من خلال التماهي الممتع بين العرائس والممثلين فضلا عن توفيقه في تونسة نص متشعب من حيث الفكر والطرح..      

وبما أن الممثلين كانوا أكثر من رائعين على مستوى تجسيد الشخصيات وسرعة الحركة على الركح كان لابد من ذكر كل من جسد هذا العمل على الركح تمثيلا وتحريكا للعرائس وهم:  هيثم وناسي وفاطمة الزهراء المرواني وأسامة الماكني وهناء الوسلاتي وأسامة الحنايني وضياء المنصوري وإيهاب بن رمضان وأميمة المجادي ومحمد الطاهر العابد وعيد السلام الجمل.

والعمل من إنتاج المركز الوطني لفن العرائس ودراماتورجبا وإخراج منير العرقي وسينوغرافيا حسان السلامي وكوريغرافيا حافظ زليط كما كان في اعداد وتلحين الموسيقى المصاحبة أسامة المهيدي وأشرف على ورشة صنع العرائس الاسعد المحواشي وتكفل عبد السلام الجمل بتصميمها وتنفيذ الصنع وتصميم الملابس.

وليد عبد اللاوي

"ميراوش Black out " ضمن تظاهرة "الخروج الى المسرح"..   عمى البصيرة من عدمه هو ما يحدد مصير الشعوب!

 

-نص سردي بامتياز دون أفعال.. الفعل الوحيد هو الانتظار

-إبداع المخرج في الاستلهام من  نص موريس ماترلينك وتماه رائع للعرائس مع الشخصيات 

- تكريم مؤثر للعرائسي الراحل الاسعد المحواشي قبل العرض

 

تونس- الصباح

في إطار فعاليات تظاهرة "الخروج إلى المسرح" في دورتها الرابعة وقبل انطلاق مسرحية "منراوش Black out " للمخرج منير العرقي خيمت مساء أمس في قاعة المبدعين   الشبان  بمدينة الثقافة أجواء من الأسى والحزن على رحيل العرائسي المبدع الاسعد المحواشي.. وبكثير من الامتنان لما قدمه الرجل في فن العرائس والمسرح وتكوين الناشئة نعته كل من جميلة الشيحي التي لم تتمالك نفسها وهي تعدد مناقب الفقيد كما الفنان منير العرقي الذي أكد أن مسرحية "منراوش" لم تكن لترى النور لو لا تحفيز صديقه الراحل وإشرافه على ورشة صنع العرائس المحمولة لـ"مايراوش" وتشجيعه على توظيف "الماريونات" في عمل مسرحي متجدد يقطع مع السائد والأعمال الكلاسيكية ..

وبعد أن ساد الهدوء قاعة المبدعين الشبان في دقيقة صمت على روح المبدع الأسعد المحواشي، فتكريم عائلة الفقيد وعرض شريط مسجل لآخر حوار أجري معه قبل رحيله يوم 8سبتمبر الجاري، انطلق العرض وظهرت جوقة من العميان، بدت للمتفرج منذ الوهلة الاولى انعكاسا لمفاهيم النقص والبعد الاتكالي كما التذمر من العالم الخارجي، لكن سرعان ما تطورت الأحداث المقتبسة من أحداث رواية "العميان" للكاتب البلجيكي موريس ماترلينك لتتونس من خلال شخصيات الأكوع والاعمش والحنين والخضرا، ويتضح أن المسرحية متعددة الرموز والايحاءات بل انعكاس لماضي مجتمعنا حاضره ومستقبله.

الفضاء في "مايراوش" كان مفتوحا حيث الغابة والبحر إثر قرار قائد الفريق اصطحاب الفريق الى أي مكان خارج "التكية" ملجأ الجميع الذي وصفته العجوز في المسرحية بكثير من الدلالات والايحاءات:" يقولو قصر قديم متع البي خربة محسوب ..موحش ظلام ..ضو ربي ما يدخلوش ..الا البرج وين يبات سيدنا الشيخ..''

ورغم اتساع الفضاء الجديد إلا أنه كان بمثابة السجن لغياب الرؤية خاصة بعد اكتشاف موت القائد بينهم وأنه أعمى البصر والبصيرة ولم يكن مؤهلا بأن يكون مرشدا لجوقة من "القطيع"، وهو ما أراد إيصاله مخرج العمل منير العرقي للمتفرج بل استفزازه والتذكير بما حصل في العشرية الأخيرة من هزات اجتماعية وسياسية وثقافية دون أن تكون للشعب كلمة الحسم في تقرير مصيره ..

في ذات السياق ما تميز به عرض "مايراوش black out" هو النص السردي الخالي من الأفعال، الفعل الوحيد هو الانتظار في ظل العدم والاتكال على الآخر وإن كان غير قادر على التغيير.. الى درجة أن العميان بعد ضياعهم والابتعاد عن مقرهم الآمن انتابهم شعور بالخوف المستمر من المجهول دون التفكير في ما يمكن أن تؤول اليه الامور لو حضر الوعي وكان التفكير في المستقبل سبيلا للنجاة والخروج من كل ضائقة..

إن الملفت للانتباه في مسرحية "مايراوش" هو ذكاء المخرج في خلق ذلك التناغم بين الشخصية والعروسة لتبدو وكأنها شخصية حقيقية من خلال براعة الممثلين الشبان سواء خريجي المعهد العالي للفن المسرحي بتونس أو معهد الفن الموسيقي والمسرح بالكاف في تقمص الشخصيات، إضافة الى ثنائية العتمة والإنارة التي كان لها انعكاس كبير على تطور الأحداث.

ومن المؤكد أن من تابع عرض "مايراوش" لأول مرة لم يكن ينتظر أن تثار العديد من القضايا خلال 75 دقيقة على غرار مشهد الرش والنقد الواضح لواقع مهمش من فاقدي البصري.. جسدته شخصية الأكوع الذي أصيب بساقه وعينه جراء الرشّ حين قال الممثل متقمص الدور ''كنت سليم وعينا كحلة صوتي يلعلع حماة الحمى خبز وماء .. مات اللي مات واستشهد وأنا تقصت ساقي ووليت نكوع صدري بوزقار فلتو كعبتين سكنو في العين ولأخرى زينتلي خدي كبوسة الخال .. مانيش مسامح الرش لا الرش لا ". 

 هذا بالإضافة الى ضحايا الاغتصاب من خلال مشهد متعدد الدلالات وأوجه النقد، يجعلك تتوقع سيناريوهات سوداء  وتسكنك هواجس حول مستقبل تونس التي عانت من حرب الزعامات والأنوات المضخمة.

إنها  وقائع تحيلنا الى سؤال محوري في المسرحية : أو ليس هذا السكوت والخنوع عمى؟ 

لقد اختار المخرج منير العرقي لمسرحية "مايراوش" فن العرائس نمطا لتجسيد قضايا سياسية وتوجيه نقد لاذع لمن يضع نفسه في الصدارة وفي مرتبة القيادة دون أن يملك رؤية ولا قدرة على قيادة مجتمع وضمان أمنه وتقدمه على جميع المستويات، في إشارة الى التخبط المجتمعي الذي طال أكثر من عشرية منذ ثورة 2011 والتي لم نر من خلالها إلا أنواع الفساد والركود الفكري والاقتصادي..

ما يمكن استخلاصه من العرض إذن هو أن المسرح غالبا ما يستطيع أن يفتح نوافذ أخرى من خلال أنماط غير مستهلكة كتوظيف العرائس ويكون مجالا للنقد البناء مع ضمان عنصري الفرجة والاتعاظ دون المس من مقومات المسرح، وهو ما نجح في توظيفه صاحب العمل منير العرقي من خلال التماهي الممتع بين العرائس والممثلين فضلا عن توفيقه في تونسة نص متشعب من حيث الفكر والطرح..      

وبما أن الممثلين كانوا أكثر من رائعين على مستوى تجسيد الشخصيات وسرعة الحركة على الركح كان لابد من ذكر كل من جسد هذا العمل على الركح تمثيلا وتحريكا للعرائس وهم:  هيثم وناسي وفاطمة الزهراء المرواني وأسامة الماكني وهناء الوسلاتي وأسامة الحنايني وضياء المنصوري وإيهاب بن رمضان وأميمة المجادي ومحمد الطاهر العابد وعيد السلام الجمل.

والعمل من إنتاج المركز الوطني لفن العرائس ودراماتورجبا وإخراج منير العرقي وسينوغرافيا حسان السلامي وكوريغرافيا حافظ زليط كما كان في اعداد وتلحين الموسيقى المصاحبة أسامة المهيدي وأشرف على ورشة صنع العرائس الاسعد المحواشي وتكفل عبد السلام الجمل بتصميمها وتنفيذ الصنع وتصميم الملابس.

وليد عبد اللاوي