إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رئيس نقابة القضاة التونسيين لـ"الصباح" : "الحفاظ على مصلحة القضاة يفرض التعامل بحكمة ورصانة وعدم التصادم"

 

  • الاستقلالية كلمة حق أريد بها باطل يستغلها البعض للضغط والتأثير على القضاة والتشكيك في نزاهتهم وحيادهم

 

 

تونس-الصباح

مرّ 14 شهرا منذ توليه رئاسة نقابة القضاة التونسيين، وخلال هذه الفترة سجلت عديد الاحداث الهامة بالمرفق القضائي لعل أبرزها اعفاء 57 قاضيا.. فضلا عن تسجيل بعض الاتهامات - على خلفية حصول عديد الايقافات التي مست شخصيات وطنية وسياسية– لعدد من القضاة الذين يشرفون على ملفات هامة ومن الوزن الثقيل..

"الصباح" التقت رئيس نقابة القضاة التونسيين أيمن شطيبة وطرحت عليه عديد النقاط تهم المرفق القضائي من أبرزها ما يتعلق بالحركة القضائية واستقلالية القضاء والضغوطات على القضاة.. فكان الحوار التالي.

حاورته: سعيدة الميساوي

*أكثر من 14 شهرا مرت على توليكم رئاسة نقابة القضاة التونسيين شهد خلالها المرفق القضائي عديد الأحداث كيف تقيمون الامر؟

- البلاد ككل شهدت احداثا مختلفة ومتنوعة وهامة على عديد المستويات، وفيما يتعلق بالقضاء فانه لم يكن بمنأى عن التأثر بمختلف تلك الاحداث وهي مسالة نتابعها بكل جدية وباستمرار.. نقول اجمالا ان الاحداث تتسارع وتتعاقب والقضاء ايضا ولكن أقول انه مهما حدث فان رؤيتنا واضحة وهي النظر الى الامام والعمل على تحسين وضعية السادة القضاة ماديا ومعنويا والدفع نحو تجاوز مختلف الاشكاليات والخلافات حفاظا على مصلحة القضاة والمتقاضين وعدم الوقوف على بعض الاحداث التي ولئن كان لها وقعها على القضاء الا ان الحفاظ على مصلحة القضاة يفرض التعامل بحكمة ورصانة وعدم التصادم.

*هل تمكنتم من تنفيذ برنامجكم الاصلاحي الذي وضعتموه قبيل ترشحكم؟  خاصة ما يهم تطوير وتعصير المنظومة العدلية؟

- في خصوص الشأن القضائي نحن حاملون لمشروع إصلاحي متكامل ونرغب في المساهمة بما لدينا في تطوير وتعصير المنظومة العدلية والمساهمة في إرساء وتكريس قضاء مستقل عادل ناجز بعيدا عن كل التجاذبات والصراعات السياسية تراعى فيه مصالح وحقوق القضاة وكذلك حقوق ومصالح المتقاضين إذ أن غايتنا هي إعلاء كلمة الحق لا إرضاء الناس وهو ما سنساهم بإذن الله وسنسعى نحو الدفع لتكريسه.

نقابة القضاة لديها رؤية وبرنامج إصلاحي متكامل.. ورؤيتها الإصلاحية تتعلق بالمنظومة القضائية ككل وذلك تكريسا لقضاء عادل ومحايد ومستقل بعيدا عن جميع الصراعات والتجاذبات السياسية.. والمشروع يهدف إلى إحداث إصلاح فعلي للقضاء يقوم أساسا على اقتراح مشاريع تتعلق بمشروع المجلس الأعلى  للقضاء(الدائم) وكذلك مشروع القانون الأساسي للقضاة إضافة إلى مسائل تتعلق بتطوير المنظومة القانونية من الناحيتين الإجرائية والموضوعية فيما يتعلق بالتقاضي.. وهذه المشاريع سيقع عرضها في نطاق تشاركي وحواري على وزارة العدل ومجلس نواب الشعب في اطار اللجان الخاصة مع الإشارة إلى  أن الرؤية الإصلاحية للنقابة نابعة من إيمانها أن للقضاء دورا هاما في تحقيق العدالة وحماية حقوق المواطنين خاصة وأننا كهيكل ممثل للقضاة على اطلاع بمختلف مشاغلهم وعن دراية كبيرة بالمشاكل التي يعاني منها القضاء ككل وبالتالي فنحن الأقدر على طرح مختلف تلك المسائل وتقديم حلول واقعية لتجاوزها بعيدا عن كل حل ترقيعي أو مسقط يكون نابعا من إرادة منفردة.

ونشير في هذا السياق إلى أنه قد تلقينا في بداية عملنا على رأس النقابة، مكتوبا من وزيرة العدل بخصوص تقديم مقترحاتنا فيما يتعلق بالمشاريع الاستراتيجية الخاصة بالمنظومة العدلية والسجنية وهو موقف نعتبره ايجابيا ومنطلقا لتبادل الآراء والمشاركة الجماعية في تطوير المنظومة القضائية.. فضلا عن لقائنا مؤخرا مع السيد رئيس مجلس نواب الشعب الذي كان ايجابيا وقد حاولنا خلاله استعراض مختلف مشاغل السادة القضاة اضافة الى مقترحاتنا بخصوص تطوير ظروف عمل السادة القضاة كتطوير المنظومة التشريعية الاجرائية والموضوعية إضافة الى القانون الأساسي للقضاة والذي أكدنا على ان يكون في اولويات عمل مجلس نواب الشعب وهو ما نأمله في المستقبل القريب.

*لقاؤكم مؤخرا مع رئيس مجلس النواب الذي تناول عديد المشاغل للقضاة من أهمها القانون الاساسي وتطوير التشريعات، هل سجلتم تجاوبا جديا؟ وكيف ترون تحقيق ذلك؟

- في الحقيقة كان لقاؤنا مع السيد رئيس مجلس نواب الشعب ايجابيا جدا قمنا خلاله بإبراز أهمية المرفق القضائي ودوره في إرساء العدالة وحماية المواطن كما استعرضنا عديد المشاغل وفي مقدمتها القانون الأساسي للقضاة بما يضمن الحماية المادية والمعنوية لهم، كما بينا أن الحفاظ على هيبة القضاء هي مسألة أساسية لا محيد عنها، مع ضرورة المراجعة العميقة للمنظومة الاجرائية ولعديد التشريعات ذات العلاقة والسعي الى تحسين ظروف العمل بالمحاكم وايلاء موضوع الرقمنة ما يستحق من عناية ضمانا لتطوير هذا المرفق كما تمسكنا بضرورة تطوير المرفق القضائي في اطار تشاركي .

وفي مقابل ذلك بين السيد رئيس مجلس النواب استعداد البرلمان لإيلاء المسائل التي تطرقنا اليها ما يلزم من عناية والتفكير بعمق في وضعية القضاء والمحاكم ومناهج الإصلاح وفق مقاربة تشاركية مؤكدا في هذا الاطار على أهمية الاستنارة بآراء نقابة القضاة التونسيين وتشريكها في العمل الذي سيقوم به المجلس في هذا الاتجاه وهو موقف استحسناه جدا.

*الحركة القضائية لم تصدر لحد اليوم، هل من تفسير لهذا التأخير وما تعليقكم على سد الشغورات مؤخرا؟

-المجلس الاعلى المؤقت للقضاء هو المسؤول الأول عن اعداد الحركة القضائية التي شهدت تأخرا غير مسبوق في اصدارها خاصة وانها قد مست بمستحقات ثلاثة افواج من القضاة وأثر سلبا على حقوقهم المادية والمعنوية على غرار الترقيات من رتبة الى اخرى، النقل، الخطط القضائية،...نحن كنا قدمنا طلبات لقاء للمجلس الاعلى المؤقت للقضاء للتباحث معه في خصوص الاشكال ان وُجد بخصوص عدم اصدار الحركة القضائية في وقتها المعهود او المتعارف عليه وسبب ذلك وإبراز موقفنا من ذلك وايصال مشاغل منظورينا في هذا الخصوص ومطالبهم مع الاشارة وان استحقاقات السادة القضاة وحقوقهم ليست من مسؤوليات المجلس الاعلى للقضاء فقط بل ومسؤوليتنا كذلك كهيكل يدافع بالأساس عن مصالح منظوريه وحقوقهم.. لكن المجلس خير عدم الاستجابة لطلب اللقاء والعمل بصفة غير تشاركية وهو ما ترتب عنه اثر سلبي على العمل القضائي وحصول ارتباك واضطراب في اخذ القرارات خاصة بالنسبة للمحاكم التي شهدت شغورا في مناصب المشرفين على تسييرها.. هذا الامر دفع الى اخذ قرار في سد الشغورات من طرف وزارة العدل في تلك المناصب حفاظا على مصالح المتقاضين وحمايتها من كل تعسف واهدار لها، وهو امر استحسناه كثيرا، ولنا ثقة كاملة في زملائنا الواقع تكليفهم ونتمنى لهم التوفيق في ما كلفوا به.. مع الاشارة واننا ننتظر تدعيم وتعزيز بعض الخطط القضائية على غرار القطب القضائي لمكافحة الارهاب خاصة امام حجم الملفات المنشورة به والتي تتعلق خاصة بالأمن القومي واهميتها على سلامة البلاد والمواطنين.

*حملة الايقافات التي سجلت في الآونة الاخيرة والتي مست عديد الشخصيات من الوزن الثقيل، وجهت اتهامات لبعض القضاة بالخضوع للتعليمات من طرف وزارة العدل ما رأيكم؟

-كثر اللغط والحديث حول خضوع القضاة للتعليمات وارتهان ارادتهم في الفصل بكل حرية في الملفات التي من أنظارهم.. اقول في هذا الاطار انني كرئيس هيكل نقابي قضائي يحظى باحترام وثقة عموم القضاة لم يتقدم لي أي قاض وخاصة ممن عهد اليهم النظر في اهم الملفات القضائية وأفادني بتعرضه للضغط من طرف وزارة العدل بل نرى ان الضغط آت كما هو معلوم لدى العموم من بعض صفحات التواصل الاجتماعي ومدونيها المحسوبة على بعض الاحزاب السياسية واصحاب النفوذ.. ونحن كنقابة قضاة باب مكتبنا مفتوح لأي قاض يرى انه قد تعرض لضغوط أو تعليمات للتأثير على قراره بل ندعو كل قاض تعرض لما ذكر ان يفصح عن نفسه ويتكلم ونحن نتعهد بالقيام باللازم والاتصال بالجهات المعنية والقاعدة تقول على من يدعي أمرا ما اثباته.. اقولها واعيدها لي ثقة في زملائي وفي نزاهتهم وحيادهم واستقلاليتهم وادعوهم للالتفات عن كل ما من شانه ان يؤثر سلبا على معنوياتهم وان يقوموا بواجبهم المناط بعهدتهم طبق القانون. 

** في مشهد استحسنه العديدون ويتعلق بنقابة وجمعية القضاة اللتين كانتا يدا واحدة خلال الاضراب الاخير ثم صارت هناك"جفوة"؛ ما تعليقكم؟

-أريد ان أبين في هذا الخصوص ان نقابة القضاة التونسيين لها خطها وطريقتها واسلوبها في الدفاع عن مصالح القضاة.. نحن نؤمن داخل النقابة بالحوار وبالتواصل مع جميع الاطراف والمؤسسات الرسمية ونسعى دائما لحل اي خلاف بانتهاج سبيل الحوار والتشاور ومتى شعرنا بان مصلحة القضاة اصبحت في خطر فإننا لن نتوانى عن اتخاذ أي موقف يتماشى وقناعاتنا الآنف تبيانها وهو ما تم فعلا لما قمنا كنقابة قضاة برفع الاضراب واختيار سبيل الدفاع عن مصالح منظورينا بما يتماشى ورؤيتنا المبنية على الحوار والتشاركية ورفض اي تحالفات او تدخلات من اي اطراف او جهات سياسية لحل الخلافات.. نتشاور مع الجهات الرسمية في الدولة لا غير وهو تمشّ يبدو انه لا يتوافق وطريقة غيرنا.. اقولها نحن لسنا من دعاة الهدم بل البناء، نحن قضاة هذه الدولة ولا نتعامل الا بمنطق الدولة، فهل نحل المشاكل  بالتصادم والانفعالية التي من شانها تأجيج المشاكل أو نجري حوارا ونفتح قنوات للتواصل لتجنب ذلك؟

 *تعهد القضاء العدلي والعسكري ببعض القضايا على غرار "قضية المطار"، لو توضح ذلك وهل يستقيم الامر قانونا؟

-حدد القانون مجال اختصاص كل من القضاء العدلي والقضاء العسكري ونحن كقضاة نطبق القوانين النافذة مع الاشارة وان المسائل الاجرائية في الميدان الجزائي تهم النظام العام ولايجوز مخالفتها او الاتفاق على خلافها.. وبالنسبة لما اصطلح على تسميته بـ"قضية المطار" هي من انظار القضاء ولا يجوز لنا، احتراما لصفتنا القضائية وموجباتها الخوض، او ابداء الراي في شانها من أي ناحية كانت.

*بعد فتح عديد الملفات الهامة ، فهل القضاء اليوم أمام امتحان عسير؟.. وهل استقلالية القضاء صارت على المحك؟

-القضاة اليوم متعهدون بكبرى الملفات القضائية التي تتعلق بمواضيع مختلفة على غرار مكافحة الفساد ومكافحة الارهاب وغيرها مما يتعلق بالتآمر على امن الدولة الخ... ولنا ثقة في السادة القضاة المتعهدون بمثل هذه الملفات، فيما يتعلق بنزاهتهم وحيادهم وكفاءتهم وانهم في مستوى الثقة الملقاة على عاتقهم للنظر في تلك الملفات والفصل فيها وفق ما يقتضيه القانون.. مع الاشارة وان مسالة الاستقلالية كلمة حق اريد بها باطل يستغلها البعض خاصة منهم السياسيين ومن والاهم حسب أهوائهم ومصالحهم، للضغط والتأثير على القضاة والتشكيك في نزاهتهم وحيادهم وصولا الى توجيههم حسب اهدافهم ومبتغاهم ولنا على ذلك عديد الأمثلة المعلومة من الخاصة والعامة..

 *تقييمكم لعمل المجلس الأعلى للقضاء المؤقت؟

-بالنسبة للمجلس الاعلى المؤقت للقضاء، كنا قد بينا ووضحنا منذ تولينا رئاسة النقابة اننا سنتعامل معه ونتفاعل معه لما فيه خير القضاة والقضاء خاصة بعد ان وقع حل المجلس الاعلى للقضاء السابق ورفضنا لحالة الفراغ وسياسة الكراسي الفارغة بصفة عامة وقد قمنا للغرض بإرسال مطالب لقاء لبسط وعرض طلبات السادة القضاة ومشاغلهم خاصة وان المجلس هو المسؤول الاول عن المسار المهني للقضاة والمدافع الاول عن مصالحهم وهو ما نشترك فيه معه بدرجة ثانية.. لكن يبدو ان المجلس قد خير عدم تشريكنا والاستماع الينا وهو أمر لم نجد له في الواقع تبريرا ضرورة اننا لا نبتغي من وراء مطلب اللقاء سوى عرض مشاغل السادة القضاة وتصوراتهم ومقترحاتهم وطلباتهم وهي أمانة نتحملها وتوجب علينا ايصال اصواتهم  ذلك اننا نمثلهم كهيكل قضائي ذو قاعدة تمثيلية واسعة ويحظى بثقة عموم السادة القضاة.

*أمام كثرة الاشاعات خاصة في ما يهم القضايا التي شدت الرأي العام، هل صرنا في حاجة إلى إعلام قضائي؟

 -الاعلام القضائي مهم، وقد اثبتت التجربة نجاحها في توضيح بعض المسائل لدى العموم والصحافة بصفة خاصة لكن ذلك لا يعني ان الاعلام القضائي بإمكانه او مطالب بالخوض في جميع انواع القضايا.. الحق في الحصول على المعلومة مشروع ولكن في حدود وبضوابط معينة قد تتعلق بعض القضايا بمسائل تهم امن وسلامة الدولة بما لا يجب معه الخوض في تفاصيلها ضمانا لحسن سير الابحاث وسرية التحقيق.

**ارتفاع عديد الجرائم خاصة الالكترونية تحيل تحرش سرقة بيانات شخصية والاتجار بالبشر: ماهي الحلول وفق تقديركم؟

-الجرائم الالكترونية هي جرائم غير وطنية، جرائم لا تعترف بحدود جغرافية معينة، جرائم ترتكب في لحظة زمنية معينة وتنتهي في لحظة زمنية سريعة جدا يتميز مرتكبوها بذكاء وقدرات ومهارات عالية تجعل منهم مجرمين من نوع خاص.. كل هذه الميزات تجعل من الجرائم الالكترونية صعبة التعقب وصعبة الاثبات رغم صدور المرسوم المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال الذي نعتبره مهما باعتباره جاء متجاوزا للفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة التشريعية الوطنية بخصوص زجر الجرائم المعلوماتية ومتوافقا والمنظومة الدولية وتحديدا اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة الالكترونية.. هذا الامر يستوجب وضع استراتيجية تشترك فيها عديد الاطراف على غرار وزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة تكنولوجيات الاتصال والمؤسسات او الهيئات المعنية بالسلامة المعلوماتية وبالمجال الرقمي ومجال الانترنيت عموما حتى يتسنى الحد من انتشارها وتفاقمها خاصة امام الاثار التي تنتج عن ارتكابها والتي تمس الاشخاص الطبيعيين والمعنويين الخاصة والعامة على حد السواء.

** تولت وزيرة العدل تفعيل أول إمضاء إلكتروني والاذن بتعميم استعماله على جميع المحاكم والإدارات والمؤسسات العمومية، ما تعليقكم؟

- لم يكن مرفق العدالة في تونس بمنأى عن التحول الكبير الذي شهده العالم في مجال التطور الرقمي والالكتروني في مجال العدالة، مما فرض ضرورة مسايرة ذلك التقدم وهو ما تمظهر من خلال اقرار المحاكمة عن بعد واعتماد السوار الالكتروني واليوم الامضاء الالكتروني الذي سيؤدي حتما الى الانتقال بإدارة العدالة من نمط الإدارة الورقية إلى نمط الإدارة الرقمية وما لذلك من انعكاس وأهمية على الزمن القضائي وبالتالي بناء فضاء معلوماتي إلكتروني في التعامل الإداري مع مختلف الفاعلين مع قطاع العدالة في سبيل تحقيق العدل والمساواة، وتقريب الإدارة من المواطن، ومكافحة الفساد.. وبالتالي فان تفعيل أول إمضاء إلكتروني والاذن بتعميم استعماله على جميع المحاكم والإدارات والمؤسسات العمومية ذات العلاقة يعتبر حدثا مهما باعتباره مظهرا هاما للتحول نحو نظام العدالة الرقمية وتحسين خدمات العدالة المقدمة الى المتقاضين من خلال سرعة الإجراءات وتقليل النفقات.

 

** في صورة وقوع أمر فيه مساس بمسائل تهم القضاة هل سيكون رد الفعل مثلما حصل سابقا خلال الاعفاءات عبر انتهاج وسيلة الاضراب أم ماذا؟

- نشير بداية الى اننا لسنا ضد المحاسبة لأي كان قاضي او سياسي او مواطن عادي الكل سواء امام القانون لكن مع المحاسبة التي تكفل احترام حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة في مختلف مراحلها.. نحن لا نتحالف مع من ثبت ضلوعه في الفساد او في اي جرم كان ولا نمنحه "تغطية".. ونحن نعتبر ان الدفاع عن الحقوق والمطالب المشروعة لا يمكن ان يكون الا عبر انتهاج سبل الحوار والتواصل لا عبر التصادم واتباع سياسة لي الذراع.. وبالتالي فإننا نرفض اعتماد آلية الاضراب بالمحاكم باعتباره سيؤدي الى تعطيل سير المرفق القضائي والاضرار بحقوق المتقاضي ومصالحه خاصة في هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها البلاد وهو امر ندركه جيدا ولا بد ان نتحلى تجاهه بالمسؤولية وحتى وان سبق ان تم اقرار الاضراب في تحركات سابقة فان ذلك كان في ظرف معين وفي اطار أكدنا خلاله اننا ضد  تلك الآلية لكن احترام رأي الاغلبية فرض إقرارها.. نحن كنقابة قضاة نرى ان الدفاع عن مصالح منظورينا لا يكون الا وفق ما بيناه وهو أمر مبدئي بالنسبة لنا وكنا ولا زلنا ندعو لحل المشاكل والخلافات عبر آلية الحوار كما اننا نؤمن بان الحوار لا يكون الا مع الجهات الرسمية في الدولة لا عبر الالتجاء الى جهات اجنبية مهما كان مصدرها، نحن قضاة هذه الدولة ونتعامل بمنطق الدولة وندافع عن مطالبنا وفق خصوصيات رسالتنا وهو ما سبق وان اكدنا عليه منذ تولينا رئاسة النقابة اننا كقضاة، لا نستثمر في المعارك السياسية الموجودة بالساحة الوطنية كما اننا لا نريد أن يتم استثمار اي خلافات او اشكاليات تتعلق بالقضاة في معارك سياسية او حزبية وبالتالي فإننا نعتمد في حل مشاكلنا على انفسنا لا نعتمد على أي جهة سياسية او حزبية لحل اشكالياتنا وهو امر محسوم بالنسبة لنا وعليه ومن باب اولى وأحرى فإننا نرفض رفضا قطعيا التشكي بدولتنا الى اي جهة اجنبية ولا نعتمد او نستقوي باي جهة خارجية لتحقيق مطالبنا.. نحن لا نقبل فكرة حل مشاكلنا الداخلية عبر وسطاء أجانب.

** بالعودة لموضوع القضاة المعفيين وبعد مرور سنة على قرار الاعفاء واعتبار اصحابها بأنها اعفاءات ظالمة خاصة مع صدور احكام لم يقع تنفيذها ما هو الحل بحسب رأيكم لتجاوز الاشكال؟

-سبق لنا وان اكدنا اننا نعتبر ان حل الخلافات وتحديدا مشكلة القضاة المعفيين لا يكون الا عبر انتهاج سبل الحوار والتواصل لا عبر التصادم والذي لن يزيد الوضعية الا تعكيرا وسوء.. هذا مبدأنا في الدفاع عن مصالح منظورينا مع الاشارة وانه لم يطرق باب النقابة اي من القضاة المعفيين وعلى كل حال مكتب النقابة مفتوح والدفاع عن مصلحة اي قاض لن يكون الا وفق ما سبق ان بيناه الا وهو الحوار والتفاهم لا التصادم.. ومهما يكن من امر فان يدنا مفتوحة لتقريب وجهات النظر للجهتين سواء لسلطة الاشراف او القضاة المعفيين ان كان هناك مجال للحوار او الوساطة فيما يتعلق بتنفيذ الاحكام القضائية الادارية.

**اخيرا ماذا تقولون بخصوص الاطراف المتداخلة في المنظومة القضائية في الوضع الحالي ؟

-نقول نحن في نقابة القضاة كنا ولا زلنا وسنبقى دُعاة إصلاح ولسنا دعاة هدم نريد أن يكون القضاء مستقلا ونحن لا ندافع عن الأشخاص ومن قام بشيء يجب أن يحاسب وليس هناك أي أحد فوق القانون قاضٍ كان أو سياسي أو رجل أعمال أو صاحب نفوذ.. نحن على يقين بأن اصلاح القضاء والارتقاء بوضعية القضاة يجب أن يكون بتشاركية وتكامل مع مختلف الاطراف المتداخلة وفي مقدمتها وزارة العدل وهو ما يندرج في إطار أعمال متطلبات الحوكمة الرشيدة.

                                                                             

رئيس نقابة القضاة التونسيين لـ"الصباح" :  "الحفاظ على مصلحة القضاة يفرض التعامل بحكمة ورصانة وعدم التصادم"

 

  • الاستقلالية كلمة حق أريد بها باطل يستغلها البعض للضغط والتأثير على القضاة والتشكيك في نزاهتهم وحيادهم

 

 

تونس-الصباح

مرّ 14 شهرا منذ توليه رئاسة نقابة القضاة التونسيين، وخلال هذه الفترة سجلت عديد الاحداث الهامة بالمرفق القضائي لعل أبرزها اعفاء 57 قاضيا.. فضلا عن تسجيل بعض الاتهامات - على خلفية حصول عديد الايقافات التي مست شخصيات وطنية وسياسية– لعدد من القضاة الذين يشرفون على ملفات هامة ومن الوزن الثقيل..

"الصباح" التقت رئيس نقابة القضاة التونسيين أيمن شطيبة وطرحت عليه عديد النقاط تهم المرفق القضائي من أبرزها ما يتعلق بالحركة القضائية واستقلالية القضاء والضغوطات على القضاة.. فكان الحوار التالي.

حاورته: سعيدة الميساوي

*أكثر من 14 شهرا مرت على توليكم رئاسة نقابة القضاة التونسيين شهد خلالها المرفق القضائي عديد الأحداث كيف تقيمون الامر؟

- البلاد ككل شهدت احداثا مختلفة ومتنوعة وهامة على عديد المستويات، وفيما يتعلق بالقضاء فانه لم يكن بمنأى عن التأثر بمختلف تلك الاحداث وهي مسالة نتابعها بكل جدية وباستمرار.. نقول اجمالا ان الاحداث تتسارع وتتعاقب والقضاء ايضا ولكن أقول انه مهما حدث فان رؤيتنا واضحة وهي النظر الى الامام والعمل على تحسين وضعية السادة القضاة ماديا ومعنويا والدفع نحو تجاوز مختلف الاشكاليات والخلافات حفاظا على مصلحة القضاة والمتقاضين وعدم الوقوف على بعض الاحداث التي ولئن كان لها وقعها على القضاء الا ان الحفاظ على مصلحة القضاة يفرض التعامل بحكمة ورصانة وعدم التصادم.

*هل تمكنتم من تنفيذ برنامجكم الاصلاحي الذي وضعتموه قبيل ترشحكم؟  خاصة ما يهم تطوير وتعصير المنظومة العدلية؟

- في خصوص الشأن القضائي نحن حاملون لمشروع إصلاحي متكامل ونرغب في المساهمة بما لدينا في تطوير وتعصير المنظومة العدلية والمساهمة في إرساء وتكريس قضاء مستقل عادل ناجز بعيدا عن كل التجاذبات والصراعات السياسية تراعى فيه مصالح وحقوق القضاة وكذلك حقوق ومصالح المتقاضين إذ أن غايتنا هي إعلاء كلمة الحق لا إرضاء الناس وهو ما سنساهم بإذن الله وسنسعى نحو الدفع لتكريسه.

نقابة القضاة لديها رؤية وبرنامج إصلاحي متكامل.. ورؤيتها الإصلاحية تتعلق بالمنظومة القضائية ككل وذلك تكريسا لقضاء عادل ومحايد ومستقل بعيدا عن جميع الصراعات والتجاذبات السياسية.. والمشروع يهدف إلى إحداث إصلاح فعلي للقضاء يقوم أساسا على اقتراح مشاريع تتعلق بمشروع المجلس الأعلى  للقضاء(الدائم) وكذلك مشروع القانون الأساسي للقضاة إضافة إلى مسائل تتعلق بتطوير المنظومة القانونية من الناحيتين الإجرائية والموضوعية فيما يتعلق بالتقاضي.. وهذه المشاريع سيقع عرضها في نطاق تشاركي وحواري على وزارة العدل ومجلس نواب الشعب في اطار اللجان الخاصة مع الإشارة إلى  أن الرؤية الإصلاحية للنقابة نابعة من إيمانها أن للقضاء دورا هاما في تحقيق العدالة وحماية حقوق المواطنين خاصة وأننا كهيكل ممثل للقضاة على اطلاع بمختلف مشاغلهم وعن دراية كبيرة بالمشاكل التي يعاني منها القضاء ككل وبالتالي فنحن الأقدر على طرح مختلف تلك المسائل وتقديم حلول واقعية لتجاوزها بعيدا عن كل حل ترقيعي أو مسقط يكون نابعا من إرادة منفردة.

ونشير في هذا السياق إلى أنه قد تلقينا في بداية عملنا على رأس النقابة، مكتوبا من وزيرة العدل بخصوص تقديم مقترحاتنا فيما يتعلق بالمشاريع الاستراتيجية الخاصة بالمنظومة العدلية والسجنية وهو موقف نعتبره ايجابيا ومنطلقا لتبادل الآراء والمشاركة الجماعية في تطوير المنظومة القضائية.. فضلا عن لقائنا مؤخرا مع السيد رئيس مجلس نواب الشعب الذي كان ايجابيا وقد حاولنا خلاله استعراض مختلف مشاغل السادة القضاة اضافة الى مقترحاتنا بخصوص تطوير ظروف عمل السادة القضاة كتطوير المنظومة التشريعية الاجرائية والموضوعية إضافة الى القانون الأساسي للقضاة والذي أكدنا على ان يكون في اولويات عمل مجلس نواب الشعب وهو ما نأمله في المستقبل القريب.

*لقاؤكم مؤخرا مع رئيس مجلس النواب الذي تناول عديد المشاغل للقضاة من أهمها القانون الاساسي وتطوير التشريعات، هل سجلتم تجاوبا جديا؟ وكيف ترون تحقيق ذلك؟

- في الحقيقة كان لقاؤنا مع السيد رئيس مجلس نواب الشعب ايجابيا جدا قمنا خلاله بإبراز أهمية المرفق القضائي ودوره في إرساء العدالة وحماية المواطن كما استعرضنا عديد المشاغل وفي مقدمتها القانون الأساسي للقضاة بما يضمن الحماية المادية والمعنوية لهم، كما بينا أن الحفاظ على هيبة القضاء هي مسألة أساسية لا محيد عنها، مع ضرورة المراجعة العميقة للمنظومة الاجرائية ولعديد التشريعات ذات العلاقة والسعي الى تحسين ظروف العمل بالمحاكم وايلاء موضوع الرقمنة ما يستحق من عناية ضمانا لتطوير هذا المرفق كما تمسكنا بضرورة تطوير المرفق القضائي في اطار تشاركي .

وفي مقابل ذلك بين السيد رئيس مجلس النواب استعداد البرلمان لإيلاء المسائل التي تطرقنا اليها ما يلزم من عناية والتفكير بعمق في وضعية القضاء والمحاكم ومناهج الإصلاح وفق مقاربة تشاركية مؤكدا في هذا الاطار على أهمية الاستنارة بآراء نقابة القضاة التونسيين وتشريكها في العمل الذي سيقوم به المجلس في هذا الاتجاه وهو موقف استحسناه جدا.

*الحركة القضائية لم تصدر لحد اليوم، هل من تفسير لهذا التأخير وما تعليقكم على سد الشغورات مؤخرا؟

-المجلس الاعلى المؤقت للقضاء هو المسؤول الأول عن اعداد الحركة القضائية التي شهدت تأخرا غير مسبوق في اصدارها خاصة وانها قد مست بمستحقات ثلاثة افواج من القضاة وأثر سلبا على حقوقهم المادية والمعنوية على غرار الترقيات من رتبة الى اخرى، النقل، الخطط القضائية،...نحن كنا قدمنا طلبات لقاء للمجلس الاعلى المؤقت للقضاء للتباحث معه في خصوص الاشكال ان وُجد بخصوص عدم اصدار الحركة القضائية في وقتها المعهود او المتعارف عليه وسبب ذلك وإبراز موقفنا من ذلك وايصال مشاغل منظورينا في هذا الخصوص ومطالبهم مع الاشارة وان استحقاقات السادة القضاة وحقوقهم ليست من مسؤوليات المجلس الاعلى للقضاء فقط بل ومسؤوليتنا كذلك كهيكل يدافع بالأساس عن مصالح منظوريه وحقوقهم.. لكن المجلس خير عدم الاستجابة لطلب اللقاء والعمل بصفة غير تشاركية وهو ما ترتب عنه اثر سلبي على العمل القضائي وحصول ارتباك واضطراب في اخذ القرارات خاصة بالنسبة للمحاكم التي شهدت شغورا في مناصب المشرفين على تسييرها.. هذا الامر دفع الى اخذ قرار في سد الشغورات من طرف وزارة العدل في تلك المناصب حفاظا على مصالح المتقاضين وحمايتها من كل تعسف واهدار لها، وهو امر استحسناه كثيرا، ولنا ثقة كاملة في زملائنا الواقع تكليفهم ونتمنى لهم التوفيق في ما كلفوا به.. مع الاشارة واننا ننتظر تدعيم وتعزيز بعض الخطط القضائية على غرار القطب القضائي لمكافحة الارهاب خاصة امام حجم الملفات المنشورة به والتي تتعلق خاصة بالأمن القومي واهميتها على سلامة البلاد والمواطنين.

*حملة الايقافات التي سجلت في الآونة الاخيرة والتي مست عديد الشخصيات من الوزن الثقيل، وجهت اتهامات لبعض القضاة بالخضوع للتعليمات من طرف وزارة العدل ما رأيكم؟

-كثر اللغط والحديث حول خضوع القضاة للتعليمات وارتهان ارادتهم في الفصل بكل حرية في الملفات التي من أنظارهم.. اقول في هذا الاطار انني كرئيس هيكل نقابي قضائي يحظى باحترام وثقة عموم القضاة لم يتقدم لي أي قاض وخاصة ممن عهد اليهم النظر في اهم الملفات القضائية وأفادني بتعرضه للضغط من طرف وزارة العدل بل نرى ان الضغط آت كما هو معلوم لدى العموم من بعض صفحات التواصل الاجتماعي ومدونيها المحسوبة على بعض الاحزاب السياسية واصحاب النفوذ.. ونحن كنقابة قضاة باب مكتبنا مفتوح لأي قاض يرى انه قد تعرض لضغوط أو تعليمات للتأثير على قراره بل ندعو كل قاض تعرض لما ذكر ان يفصح عن نفسه ويتكلم ونحن نتعهد بالقيام باللازم والاتصال بالجهات المعنية والقاعدة تقول على من يدعي أمرا ما اثباته.. اقولها واعيدها لي ثقة في زملائي وفي نزاهتهم وحيادهم واستقلاليتهم وادعوهم للالتفات عن كل ما من شانه ان يؤثر سلبا على معنوياتهم وان يقوموا بواجبهم المناط بعهدتهم طبق القانون. 

** في مشهد استحسنه العديدون ويتعلق بنقابة وجمعية القضاة اللتين كانتا يدا واحدة خلال الاضراب الاخير ثم صارت هناك"جفوة"؛ ما تعليقكم؟

-أريد ان أبين في هذا الخصوص ان نقابة القضاة التونسيين لها خطها وطريقتها واسلوبها في الدفاع عن مصالح القضاة.. نحن نؤمن داخل النقابة بالحوار وبالتواصل مع جميع الاطراف والمؤسسات الرسمية ونسعى دائما لحل اي خلاف بانتهاج سبيل الحوار والتشاور ومتى شعرنا بان مصلحة القضاة اصبحت في خطر فإننا لن نتوانى عن اتخاذ أي موقف يتماشى وقناعاتنا الآنف تبيانها وهو ما تم فعلا لما قمنا كنقابة قضاة برفع الاضراب واختيار سبيل الدفاع عن مصالح منظورينا بما يتماشى ورؤيتنا المبنية على الحوار والتشاركية ورفض اي تحالفات او تدخلات من اي اطراف او جهات سياسية لحل الخلافات.. نتشاور مع الجهات الرسمية في الدولة لا غير وهو تمشّ يبدو انه لا يتوافق وطريقة غيرنا.. اقولها نحن لسنا من دعاة الهدم بل البناء، نحن قضاة هذه الدولة ولا نتعامل الا بمنطق الدولة، فهل نحل المشاكل  بالتصادم والانفعالية التي من شانها تأجيج المشاكل أو نجري حوارا ونفتح قنوات للتواصل لتجنب ذلك؟

 *تعهد القضاء العدلي والعسكري ببعض القضايا على غرار "قضية المطار"، لو توضح ذلك وهل يستقيم الامر قانونا؟

-حدد القانون مجال اختصاص كل من القضاء العدلي والقضاء العسكري ونحن كقضاة نطبق القوانين النافذة مع الاشارة وان المسائل الاجرائية في الميدان الجزائي تهم النظام العام ولايجوز مخالفتها او الاتفاق على خلافها.. وبالنسبة لما اصطلح على تسميته بـ"قضية المطار" هي من انظار القضاء ولا يجوز لنا، احتراما لصفتنا القضائية وموجباتها الخوض، او ابداء الراي في شانها من أي ناحية كانت.

*بعد فتح عديد الملفات الهامة ، فهل القضاء اليوم أمام امتحان عسير؟.. وهل استقلالية القضاء صارت على المحك؟

-القضاة اليوم متعهدون بكبرى الملفات القضائية التي تتعلق بمواضيع مختلفة على غرار مكافحة الفساد ومكافحة الارهاب وغيرها مما يتعلق بالتآمر على امن الدولة الخ... ولنا ثقة في السادة القضاة المتعهدون بمثل هذه الملفات، فيما يتعلق بنزاهتهم وحيادهم وكفاءتهم وانهم في مستوى الثقة الملقاة على عاتقهم للنظر في تلك الملفات والفصل فيها وفق ما يقتضيه القانون.. مع الاشارة وان مسالة الاستقلالية كلمة حق اريد بها باطل يستغلها البعض خاصة منهم السياسيين ومن والاهم حسب أهوائهم ومصالحهم، للضغط والتأثير على القضاة والتشكيك في نزاهتهم وحيادهم وصولا الى توجيههم حسب اهدافهم ومبتغاهم ولنا على ذلك عديد الأمثلة المعلومة من الخاصة والعامة..

 *تقييمكم لعمل المجلس الأعلى للقضاء المؤقت؟

-بالنسبة للمجلس الاعلى المؤقت للقضاء، كنا قد بينا ووضحنا منذ تولينا رئاسة النقابة اننا سنتعامل معه ونتفاعل معه لما فيه خير القضاة والقضاء خاصة بعد ان وقع حل المجلس الاعلى للقضاء السابق ورفضنا لحالة الفراغ وسياسة الكراسي الفارغة بصفة عامة وقد قمنا للغرض بإرسال مطالب لقاء لبسط وعرض طلبات السادة القضاة ومشاغلهم خاصة وان المجلس هو المسؤول الاول عن المسار المهني للقضاة والمدافع الاول عن مصالحهم وهو ما نشترك فيه معه بدرجة ثانية.. لكن يبدو ان المجلس قد خير عدم تشريكنا والاستماع الينا وهو أمر لم نجد له في الواقع تبريرا ضرورة اننا لا نبتغي من وراء مطلب اللقاء سوى عرض مشاغل السادة القضاة وتصوراتهم ومقترحاتهم وطلباتهم وهي أمانة نتحملها وتوجب علينا ايصال اصواتهم  ذلك اننا نمثلهم كهيكل قضائي ذو قاعدة تمثيلية واسعة ويحظى بثقة عموم السادة القضاة.

*أمام كثرة الاشاعات خاصة في ما يهم القضايا التي شدت الرأي العام، هل صرنا في حاجة إلى إعلام قضائي؟

 -الاعلام القضائي مهم، وقد اثبتت التجربة نجاحها في توضيح بعض المسائل لدى العموم والصحافة بصفة خاصة لكن ذلك لا يعني ان الاعلام القضائي بإمكانه او مطالب بالخوض في جميع انواع القضايا.. الحق في الحصول على المعلومة مشروع ولكن في حدود وبضوابط معينة قد تتعلق بعض القضايا بمسائل تهم امن وسلامة الدولة بما لا يجب معه الخوض في تفاصيلها ضمانا لحسن سير الابحاث وسرية التحقيق.

**ارتفاع عديد الجرائم خاصة الالكترونية تحيل تحرش سرقة بيانات شخصية والاتجار بالبشر: ماهي الحلول وفق تقديركم؟

-الجرائم الالكترونية هي جرائم غير وطنية، جرائم لا تعترف بحدود جغرافية معينة، جرائم ترتكب في لحظة زمنية معينة وتنتهي في لحظة زمنية سريعة جدا يتميز مرتكبوها بذكاء وقدرات ومهارات عالية تجعل منهم مجرمين من نوع خاص.. كل هذه الميزات تجعل من الجرائم الالكترونية صعبة التعقب وصعبة الاثبات رغم صدور المرسوم المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال الذي نعتبره مهما باعتباره جاء متجاوزا للفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة التشريعية الوطنية بخصوص زجر الجرائم المعلوماتية ومتوافقا والمنظومة الدولية وتحديدا اتفاقية بودابست لمكافحة الجريمة الالكترونية.. هذا الامر يستوجب وضع استراتيجية تشترك فيها عديد الاطراف على غرار وزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة تكنولوجيات الاتصال والمؤسسات او الهيئات المعنية بالسلامة المعلوماتية وبالمجال الرقمي ومجال الانترنيت عموما حتى يتسنى الحد من انتشارها وتفاقمها خاصة امام الاثار التي تنتج عن ارتكابها والتي تمس الاشخاص الطبيعيين والمعنويين الخاصة والعامة على حد السواء.

** تولت وزيرة العدل تفعيل أول إمضاء إلكتروني والاذن بتعميم استعماله على جميع المحاكم والإدارات والمؤسسات العمومية، ما تعليقكم؟

- لم يكن مرفق العدالة في تونس بمنأى عن التحول الكبير الذي شهده العالم في مجال التطور الرقمي والالكتروني في مجال العدالة، مما فرض ضرورة مسايرة ذلك التقدم وهو ما تمظهر من خلال اقرار المحاكمة عن بعد واعتماد السوار الالكتروني واليوم الامضاء الالكتروني الذي سيؤدي حتما الى الانتقال بإدارة العدالة من نمط الإدارة الورقية إلى نمط الإدارة الرقمية وما لذلك من انعكاس وأهمية على الزمن القضائي وبالتالي بناء فضاء معلوماتي إلكتروني في التعامل الإداري مع مختلف الفاعلين مع قطاع العدالة في سبيل تحقيق العدل والمساواة، وتقريب الإدارة من المواطن، ومكافحة الفساد.. وبالتالي فان تفعيل أول إمضاء إلكتروني والاذن بتعميم استعماله على جميع المحاكم والإدارات والمؤسسات العمومية ذات العلاقة يعتبر حدثا مهما باعتباره مظهرا هاما للتحول نحو نظام العدالة الرقمية وتحسين خدمات العدالة المقدمة الى المتقاضين من خلال سرعة الإجراءات وتقليل النفقات.

 

** في صورة وقوع أمر فيه مساس بمسائل تهم القضاة هل سيكون رد الفعل مثلما حصل سابقا خلال الاعفاءات عبر انتهاج وسيلة الاضراب أم ماذا؟

- نشير بداية الى اننا لسنا ضد المحاسبة لأي كان قاضي او سياسي او مواطن عادي الكل سواء امام القانون لكن مع المحاسبة التي تكفل احترام حقوق الدفاع والمحاكمة العادلة في مختلف مراحلها.. نحن لا نتحالف مع من ثبت ضلوعه في الفساد او في اي جرم كان ولا نمنحه "تغطية".. ونحن نعتبر ان الدفاع عن الحقوق والمطالب المشروعة لا يمكن ان يكون الا عبر انتهاج سبل الحوار والتواصل لا عبر التصادم واتباع سياسة لي الذراع.. وبالتالي فإننا نرفض اعتماد آلية الاضراب بالمحاكم باعتباره سيؤدي الى تعطيل سير المرفق القضائي والاضرار بحقوق المتقاضي ومصالحه خاصة في هذه الفترة الدقيقة التي تمر بها البلاد وهو امر ندركه جيدا ولا بد ان نتحلى تجاهه بالمسؤولية وحتى وان سبق ان تم اقرار الاضراب في تحركات سابقة فان ذلك كان في ظرف معين وفي اطار أكدنا خلاله اننا ضد  تلك الآلية لكن احترام رأي الاغلبية فرض إقرارها.. نحن كنقابة قضاة نرى ان الدفاع عن مصالح منظورينا لا يكون الا وفق ما بيناه وهو أمر مبدئي بالنسبة لنا وكنا ولا زلنا ندعو لحل المشاكل والخلافات عبر آلية الحوار كما اننا نؤمن بان الحوار لا يكون الا مع الجهات الرسمية في الدولة لا عبر الالتجاء الى جهات اجنبية مهما كان مصدرها، نحن قضاة هذه الدولة ونتعامل بمنطق الدولة وندافع عن مطالبنا وفق خصوصيات رسالتنا وهو ما سبق وان اكدنا عليه منذ تولينا رئاسة النقابة اننا كقضاة، لا نستثمر في المعارك السياسية الموجودة بالساحة الوطنية كما اننا لا نريد أن يتم استثمار اي خلافات او اشكاليات تتعلق بالقضاة في معارك سياسية او حزبية وبالتالي فإننا نعتمد في حل مشاكلنا على انفسنا لا نعتمد على أي جهة سياسية او حزبية لحل اشكالياتنا وهو امر محسوم بالنسبة لنا وعليه ومن باب اولى وأحرى فإننا نرفض رفضا قطعيا التشكي بدولتنا الى اي جهة اجنبية ولا نعتمد او نستقوي باي جهة خارجية لتحقيق مطالبنا.. نحن لا نقبل فكرة حل مشاكلنا الداخلية عبر وسطاء أجانب.

** بالعودة لموضوع القضاة المعفيين وبعد مرور سنة على قرار الاعفاء واعتبار اصحابها بأنها اعفاءات ظالمة خاصة مع صدور احكام لم يقع تنفيذها ما هو الحل بحسب رأيكم لتجاوز الاشكال؟

-سبق لنا وان اكدنا اننا نعتبر ان حل الخلافات وتحديدا مشكلة القضاة المعفيين لا يكون الا عبر انتهاج سبل الحوار والتواصل لا عبر التصادم والذي لن يزيد الوضعية الا تعكيرا وسوء.. هذا مبدأنا في الدفاع عن مصالح منظورينا مع الاشارة وانه لم يطرق باب النقابة اي من القضاة المعفيين وعلى كل حال مكتب النقابة مفتوح والدفاع عن مصلحة اي قاض لن يكون الا وفق ما سبق ان بيناه الا وهو الحوار والتفاهم لا التصادم.. ومهما يكن من امر فان يدنا مفتوحة لتقريب وجهات النظر للجهتين سواء لسلطة الاشراف او القضاة المعفيين ان كان هناك مجال للحوار او الوساطة فيما يتعلق بتنفيذ الاحكام القضائية الادارية.

**اخيرا ماذا تقولون بخصوص الاطراف المتداخلة في المنظومة القضائية في الوضع الحالي ؟

-نقول نحن في نقابة القضاة كنا ولا زلنا وسنبقى دُعاة إصلاح ولسنا دعاة هدم نريد أن يكون القضاء مستقلا ونحن لا ندافع عن الأشخاص ومن قام بشيء يجب أن يحاسب وليس هناك أي أحد فوق القانون قاضٍ كان أو سياسي أو رجل أعمال أو صاحب نفوذ.. نحن على يقين بأن اصلاح القضاء والارتقاء بوضعية القضاة يجب أن يكون بتشاركية وتكامل مع مختلف الاطراف المتداخلة وفي مقدمتها وزارة العدل وهو ما يندرج في إطار أعمال متطلبات الحوكمة الرشيدة.