إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مختصون في القانون: النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب مخالف للدستور

 

سلسبيل القليبي: لا يمكن أن تكون هناك حكومة لها امتداد في مجلس نواب الشعب دون أن يكون في البرلمان من يعارضها

تونس-الصباح

وضعت الجمعية التونسية للقانون الدستوري أمس النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب تحت الدرس، وفي هذا السياق نظمت ندوة علمية بالعاصمة شارك فيها مختصون في القانون وعدد من أعضاء البرلمان الجديد والبرلمان المنحل، ومن أهم الملاحظات التي تمت إثارتها ما تعلق بعدم دستورية العديد من الفصول الواردة فيه خاصة الفصل الذي نص على ما يلي:" يسنّ المجلس قانونا ينظّم بمقتضاه العلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. ويمارس مجلس نواب الشعب صلاحيات المجلس الوطني للجهات والأقاليم إلى حين إرسائه".

رئيسة الجمعية الأستاذة سلوى الحمروني أشارت إلى أن الجمعية اختارت تسليط الضوء على نص مهم جدا للحياة البرلمانية وهو من مصادر القانون البرلماني ويعتبر من النصوص التي تحدد وجهة العمل التشريعي وطبيعته ويعطي فكرة عن مدى توفر الديمقراطية بجانبها التشاركي والديمقراطية بمعناها السياسي من حيث الاختلاف بين الحكم والمعارضة كما أنه تضمن محاولة لأخلقة الحياة السياسية وتجنب ما حصل مع النظام الداخلي للمجلس النيابي السابق للمجلس. وأضافت أنه تم التصويت على النظام الداخلي في جلسة عامة برلمانية يوم 28 أفريل بموافقة 121 صوتا واعتراض نائبين واحتفاظ نائب بصوته، وصدر النص المذكور في الرائد الرسمي يوم 2 ماي الماضي وهو يتضمن 172 فصلا تتوزع على 12 بابا.

وعبرت الحمروني عن أسفها لأنه لم يقع التنصيص على عرض النظام الداخلي على المحكمة الدستورية لمراقبة دستوريته، وهو سكوت مريب وغير مطمئن وفق تعبيرها لأن المحكمة الدستورية هي التي من المفروض أن تبت في ما هو دستوري في النظام الداخلي وما هو غير دستوري.

وذكرت أن النظام الداخلي في هرم القوانين هو أقل مرتبة من الدستور ولكن في فرنسا تم تغيير الدستور بسبب النظام الداخلي ففي سنة 2006 كانت هناك محاولة لمنح حقوق أكبر للمعارضة البرلمانية والأقليات لكن المجلس الدستوري الفرنسي أقر بعدم دستورية النظام الداخلي لذلك تم تنقيح الدستور وإدراج المعارضة والامتيازات التي تتمتع بها المعارضة في الدستور. وقالت إن هناك نقاشا قانونيا مطروحا اليوم في تونس حول القيمة القانونية للنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، فرغم أنه موجه للنواب لكنه يسطر علاقة المجلس ببقية المؤسسات وبمحيطه السياسي والمدني.

غموض وتضارب

لدى حديثه عن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب من حيث الشكل، أشار الأستاذ بكلية الحقوق بسوسة عبد الرزاق المختار إلى أن النص غير واضح من حيث النسق القانوني إذ جمع بين نظام داخلي عادي وتدابير استثنائية ومدونة سلوك برلماني وهي أجناس لا تتناسق مع بعضها البعض. وذكر أن باب مدونة السلوك فيه خلط مع الأحكام الموجودة في المبادئ العامة، ولاحظ أنه تم تغييب عدة مسائل مهمة منها الجلسة العامة لأداء اليمين لرئيس الجمهورية وكيفية النظر في المراسيم والاختصاصات المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وكان من الأفضل التركيز على هذه المسائل.

أما الأستاذة سلسبيل القليبي فقالت إن النظام الداخلي لمجلس النواب معقد وغير واضح وفيه أحكام غير دستورية وبينت أنه من الناحية المؤسساتية من الواجب عرضه على المحكمة الدستورية لكن النظام الداخلي لم يشر إلى هذه المسألة إطلاقا.

في حين لاحظت لمياء ناجي الأستاذة المحاضرة بكلية الحقوق بصفاقس إلى أن النظام الداخلي لا ينسجم مع النظام الرئاسي الجديد كما أنه تضمن 50 فصلا وقع نسخها من النظام الداخلي لسنة 2015 إلى جانب مسائل حفظ النظام وتمثيل المجلس في الهيئات وهي لا تنسجم مع الدستور الجديد الأمر الذي يطرح مسألة عدم دستورية النظام الداخلي. وقالت إن هناك الكثير من الفصول تطرح نقطة استفهام.

أما كوثر دباش الأستاذة المحاضرة بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس فلاحظت أن النظام الداخلي للمجلس ليس له قيمة القانون لكنه نص مهم ينظم العمل التشريعي والرقابي للمجلس وذكرت أن تونس لديها تجربة طويلة في العمل النيابي وكانت تتمنى لو تم إعداد النظام الداخلي في إطار مقاربة تشاركية. وفسرت أن النظام الداخلي هدفه تطبيق الدستور وتنظيم العمل التشريعي ومنه حق تعديل النصوص من قبل النائب، لكن لا يوجد تماسك بين الفصول المتعلقة بكيفية النظر في مقترحات التعديل كما أنه في باب مبادئ العمل البرلماني تم الزج بمفاهيم غريبة منها أن يتعهد النواب بالصبر إذ نص أحد الفصول على ما يلي: "يتعهّد أعضاء مجلس نواب الشعب أثناء أدائهم لمهامهم النيابية داخل المجلس وخارجه بالعمل وفق قواعد الأمانة والاحترام والتواضع والصدق والوفاء والعدالة والكرامة والصبر. "

ولاحظت الأستاذة منية قاري أنه إلى جانب عدم المقروئية فان النظام الداخلي ينم عن التركيبة الذهنية لأعضاء المجلس النيابي الجديد وهو ما يعطي فكرة عن العمل التشريعي في المستقل على مستوى الصياغة وبنية النص وأضافت قائلة: "يا خيبة المسعى".

وترى الأستاذة هناء بن عبده أن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب فيه بعض الهنات، وذكرت أنه صدر في الرائد الرسمي في شكل قرار عن رئيس مجلس نواب الشعب، وبينت أن النظام الداخلي يمكن أن يحتوي على أحكام ذات قيمة دستورية وهو غير ملزم لرئيس الجمهورية وإنما ينظم علاقة المجلس بالنواب وينظم السير اليومي لعمل المجلس، وذكرت أن رئيس الجمهورية نفسه قال إن النظام الداخلي ليس قانونا من قوانين الدولة وليس له أثر خارج أسوار البرلمان ولكن النظام الداخلي تضمن فصلا أتاح لمجلس النواب ممارسة صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم. والحال أن الدستور قال بوضوح إنه طالما لم ينعقد مجلس الجهات والأقاليم فإن الأحكام المتعلقة به لا تدخل حيز النفاذ.

خرق واضح

وبين النائب السابق والأمين العام للتيار الديمقراطي نبيل حجي أنه لا بد من التساؤل عن قيمة النظام الداخلي في سلم القوانين لأنه يصدر في الرائد الرسمي ولكن لا يقع ختمه. وذكر أن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الجديد يخرق بصفة واضحة وجلية وفجة الدستور، ولكن أكثر ما يثير الانتباه هو أنه عدل قانون التصريح بالمكاسب والمصالح وجاء فيه أنه لا يعتبر النواب ممتنعين عن القيام بالتصريح بالمكاسب أمام الاستحالة الإجرائية وتعذّر تقديم التصاريح لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تبعا لتعليق نشاطها بمقتضى التدابير الاستثنائية، كما أنه بمقتضاه تم السطو على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم، ولاحظ حجي أن النظام الداخلي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن في دستورية، وذكر أنه نص على استقلالية المجلس الإدارية والمالية لكن الكاتب العام للمجلس وقع تعيينه بأمر صدر قبل انعقاد المجلس فعن أي استقلالية إذ نتحدث.

أما القاضي أحمد صواب فبين أنه لا عائق في إدراج المبادئ الأخلاقية التي يجب على نواب الشعب التحلي بها في النظام الداخلي للبرلمان، فهذا لا يختلف عن مدونة سلوك العون العمومي وأخلاقيات القاضي واستحسن صواب إضافة باب للنظام الداخلي يتعلق بمدونة سلوك النائب. وأضاف أنه في تونس يوجد تضخم في القوانين إلى درجة أصبح فيها من الصعب مواكبتها وقال مازحا إن الرئيس قيس سعيد أصاب التونسيين بالجنون بكثرة النصوص التي سنها. وذكر أنه بالنظر إلى الطبيعة القانونية للنظام الداخلي فيجدر التذكير بأنها أثارت في السابق صعوبات تطبيقية عند كل نزاع ومنها على سبيل الذكر ما تعلق بقرارات اللجنة الانتخابية والقرارات التي اتخذها مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي والمتعلقة بمنح النواب.

ويرى صواب أن النظام الداخلي لا يمكن أن يكون فوق القانون ولاحظ أن القاضي يمكن أن يوجه إشكالا عندما يجد تناقضا بين النظام الداخلي وبين أمر، وتساءل ماذا لو أراد أي مواطن التظلم من النظام الداخلي فأين يتجه لأنه من المفروض أن حق التقاضي مضمون ثم من الذي يمكنه الطعن في النظام الداخلي؟

وخلافا للانتقادات التي وجهها الجامعيون للنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب دافع يوسف طرشون رئيس كتلة الخط الوطني السيادي ومقرر لجنة النظام الداخلي بشدة عن النظام الداخلي وقال إنه تم الحرص على احترام نص الدستور وأنهم كانوا أوفياء لروح الدستور لكنه لم ينف وجود بعض النقائص.

وقال طرشون: "إننا بصدد عيش تجربة جديدة والهيكلة تتطلب التجديد في إطار رؤية جديدة وفي هذا السياق تم اقتراح إدراج مدونة سلوك النائب في النظام الداخلي وسبق وأن تم اقتراح مدونة السلوك منذ المدة النيابية الأولى من قبل النائب رياض جعيدان لكنها لم تر النور وحسب البعض فإن حل البرلمان كان سببه سلوك بعض النواب".

وتعقيبا على الملاحظات المتعلقة بسطو مجلس نواب الشعب على صلاحيات المجلس الوطني للجهات والأقاليم أشار طرشون إلى أن النظام الداخلي راعى الدستور فالدستور نص على أنه لا يمكن تمرير ميزانية الدولة إلا بمصادقة مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم ولو افترضنا انه لن يقع انتخاب مجلس الجهات والأقاليم قبل موعد تمرير قانون المالية فكيف سيتم التعامل مع ميزانية السنة القادمة؟ أما بخصوص إشكال التصريح بالمكاسب والمصالح ففسر أن ما تضمنه النظام الداخلي للمجلس راعى عدم وجود هيئة مكافحة الفساد إذ لا يمكن للنائب في غيابها أن يصرح بمكاسبه وعند انتصاب الهيئة من جديد يمكن للنائب وقتها أن يصرح بمكاسبه ومصالحه ويمكن لأي مواطن أن يشتكي بالنائب الذي لا يصرح.

أين المعارضة؟

وناقش المشاركون في المائدة المستديرة حول النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب المنتظمة ببادرة من الجمعية التونسية للقانون الدستوري عدة مسائل أخرى منها المعارضة البرلمانية، وتحدثوا عن الفصل الذي وقع حذفه من النظام الداخلي لأن نتيجة التصويت عليه كانت 72 نعم و11 محتفظ و52 لا وبالتالي وقع أسقاطه ونص الفصل على أن "يصنف ضمن المعارضة النائب غير المنتمي أو الكتلة النيابية الذين يصرحون في بداية الدورة النيابية بانتمائهم للمعارضة بموجب إعلام كتابي يوجه إلى رئاسة المجلس، ويقع الإعلان عنه في الجلسة العامة الموالية للتصريح، كما يصنف ضمن المعارضة النائب غير المنتمي أو الكتلة النيابية التي لا تصوت بأغلبية أعضائها على قانون المالية ومخطط التنمية أو أحدهما". وأشارت الأستاذة سلسبيل القليبي إلى أنه لا يمكن أن تكون هناك حكومة لها امتداد في البرلمان دون أن يكون هناك في هذا البرلمان من يعارضها. وقال رئيس كتلة الأحرار صابر المصمودي إنه كان هناك نقاش كبير تحت قبة البرلمان حول المعارضة ولكن المعارضة على قانون وراءها رؤية سياسية وهي ليست مسألة تقنية وشكلية. وبين النائب يوسف طرشون أنه لا يوجد تعريف وحيد للمعارضة، وفسر أن المعارضة في السابق واضحة وهي معارضة للحكومة التي لا يقع منحها الثقة فقيمة تصنيف المعارضة لا تكن في التصنيف في حد ذاته بل في ما يترتب عنها من قبيل الحصول على رئاسة لجنة المالية وهي في النظام السابق مؤسسة لكن في النظام الجديد النائب لا يمنح الثقة للحكومة. وأضاف أنه حصل صراع فكري داخل لجنة النظام الداخلي حول المعارضة وتم إسقاط الفصل ثم وقعت إعادة طرحه من جديد لكن تم إسقاطه بفارق صوتين، وذكر أنه يمكن للنائب اليوم أن يعارض مخطط التنمية ولا يصوت عليه كما يمكنه أن يرفض مشروع قانون ولا يصوت عليه بنعم.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

مختصون في القانون:  النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب مخالف للدستور

 

سلسبيل القليبي: لا يمكن أن تكون هناك حكومة لها امتداد في مجلس نواب الشعب دون أن يكون في البرلمان من يعارضها

تونس-الصباح

وضعت الجمعية التونسية للقانون الدستوري أمس النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب تحت الدرس، وفي هذا السياق نظمت ندوة علمية بالعاصمة شارك فيها مختصون في القانون وعدد من أعضاء البرلمان الجديد والبرلمان المنحل، ومن أهم الملاحظات التي تمت إثارتها ما تعلق بعدم دستورية العديد من الفصول الواردة فيه خاصة الفصل الذي نص على ما يلي:" يسنّ المجلس قانونا ينظّم بمقتضاه العلاقة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم. ويمارس مجلس نواب الشعب صلاحيات المجلس الوطني للجهات والأقاليم إلى حين إرسائه".

رئيسة الجمعية الأستاذة سلوى الحمروني أشارت إلى أن الجمعية اختارت تسليط الضوء على نص مهم جدا للحياة البرلمانية وهو من مصادر القانون البرلماني ويعتبر من النصوص التي تحدد وجهة العمل التشريعي وطبيعته ويعطي فكرة عن مدى توفر الديمقراطية بجانبها التشاركي والديمقراطية بمعناها السياسي من حيث الاختلاف بين الحكم والمعارضة كما أنه تضمن محاولة لأخلقة الحياة السياسية وتجنب ما حصل مع النظام الداخلي للمجلس النيابي السابق للمجلس. وأضافت أنه تم التصويت على النظام الداخلي في جلسة عامة برلمانية يوم 28 أفريل بموافقة 121 صوتا واعتراض نائبين واحتفاظ نائب بصوته، وصدر النص المذكور في الرائد الرسمي يوم 2 ماي الماضي وهو يتضمن 172 فصلا تتوزع على 12 بابا.

وعبرت الحمروني عن أسفها لأنه لم يقع التنصيص على عرض النظام الداخلي على المحكمة الدستورية لمراقبة دستوريته، وهو سكوت مريب وغير مطمئن وفق تعبيرها لأن المحكمة الدستورية هي التي من المفروض أن تبت في ما هو دستوري في النظام الداخلي وما هو غير دستوري.

وذكرت أن النظام الداخلي في هرم القوانين هو أقل مرتبة من الدستور ولكن في فرنسا تم تغيير الدستور بسبب النظام الداخلي ففي سنة 2006 كانت هناك محاولة لمنح حقوق أكبر للمعارضة البرلمانية والأقليات لكن المجلس الدستوري الفرنسي أقر بعدم دستورية النظام الداخلي لذلك تم تنقيح الدستور وإدراج المعارضة والامتيازات التي تتمتع بها المعارضة في الدستور. وقالت إن هناك نقاشا قانونيا مطروحا اليوم في تونس حول القيمة القانونية للنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، فرغم أنه موجه للنواب لكنه يسطر علاقة المجلس ببقية المؤسسات وبمحيطه السياسي والمدني.

غموض وتضارب

لدى حديثه عن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب من حيث الشكل، أشار الأستاذ بكلية الحقوق بسوسة عبد الرزاق المختار إلى أن النص غير واضح من حيث النسق القانوني إذ جمع بين نظام داخلي عادي وتدابير استثنائية ومدونة سلوك برلماني وهي أجناس لا تتناسق مع بعضها البعض. وذكر أن باب مدونة السلوك فيه خلط مع الأحكام الموجودة في المبادئ العامة، ولاحظ أنه تم تغييب عدة مسائل مهمة منها الجلسة العامة لأداء اليمين لرئيس الجمهورية وكيفية النظر في المراسيم والاختصاصات المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وكان من الأفضل التركيز على هذه المسائل.

أما الأستاذة سلسبيل القليبي فقالت إن النظام الداخلي لمجلس النواب معقد وغير واضح وفيه أحكام غير دستورية وبينت أنه من الناحية المؤسساتية من الواجب عرضه على المحكمة الدستورية لكن النظام الداخلي لم يشر إلى هذه المسألة إطلاقا.

في حين لاحظت لمياء ناجي الأستاذة المحاضرة بكلية الحقوق بصفاقس إلى أن النظام الداخلي لا ينسجم مع النظام الرئاسي الجديد كما أنه تضمن 50 فصلا وقع نسخها من النظام الداخلي لسنة 2015 إلى جانب مسائل حفظ النظام وتمثيل المجلس في الهيئات وهي لا تنسجم مع الدستور الجديد الأمر الذي يطرح مسألة عدم دستورية النظام الداخلي. وقالت إن هناك الكثير من الفصول تطرح نقطة استفهام.

أما كوثر دباش الأستاذة المحاضرة بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس فلاحظت أن النظام الداخلي للمجلس ليس له قيمة القانون لكنه نص مهم ينظم العمل التشريعي والرقابي للمجلس وذكرت أن تونس لديها تجربة طويلة في العمل النيابي وكانت تتمنى لو تم إعداد النظام الداخلي في إطار مقاربة تشاركية. وفسرت أن النظام الداخلي هدفه تطبيق الدستور وتنظيم العمل التشريعي ومنه حق تعديل النصوص من قبل النائب، لكن لا يوجد تماسك بين الفصول المتعلقة بكيفية النظر في مقترحات التعديل كما أنه في باب مبادئ العمل البرلماني تم الزج بمفاهيم غريبة منها أن يتعهد النواب بالصبر إذ نص أحد الفصول على ما يلي: "يتعهّد أعضاء مجلس نواب الشعب أثناء أدائهم لمهامهم النيابية داخل المجلس وخارجه بالعمل وفق قواعد الأمانة والاحترام والتواضع والصدق والوفاء والعدالة والكرامة والصبر. "

ولاحظت الأستاذة منية قاري أنه إلى جانب عدم المقروئية فان النظام الداخلي ينم عن التركيبة الذهنية لأعضاء المجلس النيابي الجديد وهو ما يعطي فكرة عن العمل التشريعي في المستقل على مستوى الصياغة وبنية النص وأضافت قائلة: "يا خيبة المسعى".

وترى الأستاذة هناء بن عبده أن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب فيه بعض الهنات، وذكرت أنه صدر في الرائد الرسمي في شكل قرار عن رئيس مجلس نواب الشعب، وبينت أن النظام الداخلي يمكن أن يحتوي على أحكام ذات قيمة دستورية وهو غير ملزم لرئيس الجمهورية وإنما ينظم علاقة المجلس بالنواب وينظم السير اليومي لعمل المجلس، وذكرت أن رئيس الجمهورية نفسه قال إن النظام الداخلي ليس قانونا من قوانين الدولة وليس له أثر خارج أسوار البرلمان ولكن النظام الداخلي تضمن فصلا أتاح لمجلس النواب ممارسة صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم. والحال أن الدستور قال بوضوح إنه طالما لم ينعقد مجلس الجهات والأقاليم فإن الأحكام المتعلقة به لا تدخل حيز النفاذ.

خرق واضح

وبين النائب السابق والأمين العام للتيار الديمقراطي نبيل حجي أنه لا بد من التساؤل عن قيمة النظام الداخلي في سلم القوانين لأنه يصدر في الرائد الرسمي ولكن لا يقع ختمه. وذكر أن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الجديد يخرق بصفة واضحة وجلية وفجة الدستور، ولكن أكثر ما يثير الانتباه هو أنه عدل قانون التصريح بالمكاسب والمصالح وجاء فيه أنه لا يعتبر النواب ممتنعين عن القيام بالتصريح بالمكاسب أمام الاستحالة الإجرائية وتعذّر تقديم التصاريح لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تبعا لتعليق نشاطها بمقتضى التدابير الاستثنائية، كما أنه بمقتضاه تم السطو على صلاحيات مجلس الجهات والأقاليم، ولاحظ حجي أن النظام الداخلي غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن في دستورية، وذكر أنه نص على استقلالية المجلس الإدارية والمالية لكن الكاتب العام للمجلس وقع تعيينه بأمر صدر قبل انعقاد المجلس فعن أي استقلالية إذ نتحدث.

أما القاضي أحمد صواب فبين أنه لا عائق في إدراج المبادئ الأخلاقية التي يجب على نواب الشعب التحلي بها في النظام الداخلي للبرلمان، فهذا لا يختلف عن مدونة سلوك العون العمومي وأخلاقيات القاضي واستحسن صواب إضافة باب للنظام الداخلي يتعلق بمدونة سلوك النائب. وأضاف أنه في تونس يوجد تضخم في القوانين إلى درجة أصبح فيها من الصعب مواكبتها وقال مازحا إن الرئيس قيس سعيد أصاب التونسيين بالجنون بكثرة النصوص التي سنها. وذكر أنه بالنظر إلى الطبيعة القانونية للنظام الداخلي فيجدر التذكير بأنها أثارت في السابق صعوبات تطبيقية عند كل نزاع ومنها على سبيل الذكر ما تعلق بقرارات اللجنة الانتخابية والقرارات التي اتخذها مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي والمتعلقة بمنح النواب.

ويرى صواب أن النظام الداخلي لا يمكن أن يكون فوق القانون ولاحظ أن القاضي يمكن أن يوجه إشكالا عندما يجد تناقضا بين النظام الداخلي وبين أمر، وتساءل ماذا لو أراد أي مواطن التظلم من النظام الداخلي فأين يتجه لأنه من المفروض أن حق التقاضي مضمون ثم من الذي يمكنه الطعن في النظام الداخلي؟

وخلافا للانتقادات التي وجهها الجامعيون للنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب دافع يوسف طرشون رئيس كتلة الخط الوطني السيادي ومقرر لجنة النظام الداخلي بشدة عن النظام الداخلي وقال إنه تم الحرص على احترام نص الدستور وأنهم كانوا أوفياء لروح الدستور لكنه لم ينف وجود بعض النقائص.

وقال طرشون: "إننا بصدد عيش تجربة جديدة والهيكلة تتطلب التجديد في إطار رؤية جديدة وفي هذا السياق تم اقتراح إدراج مدونة سلوك النائب في النظام الداخلي وسبق وأن تم اقتراح مدونة السلوك منذ المدة النيابية الأولى من قبل النائب رياض جعيدان لكنها لم تر النور وحسب البعض فإن حل البرلمان كان سببه سلوك بعض النواب".

وتعقيبا على الملاحظات المتعلقة بسطو مجلس نواب الشعب على صلاحيات المجلس الوطني للجهات والأقاليم أشار طرشون إلى أن النظام الداخلي راعى الدستور فالدستور نص على أنه لا يمكن تمرير ميزانية الدولة إلا بمصادقة مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم ولو افترضنا انه لن يقع انتخاب مجلس الجهات والأقاليم قبل موعد تمرير قانون المالية فكيف سيتم التعامل مع ميزانية السنة القادمة؟ أما بخصوص إشكال التصريح بالمكاسب والمصالح ففسر أن ما تضمنه النظام الداخلي للمجلس راعى عدم وجود هيئة مكافحة الفساد إذ لا يمكن للنائب في غيابها أن يصرح بمكاسبه وعند انتصاب الهيئة من جديد يمكن للنائب وقتها أن يصرح بمكاسبه ومصالحه ويمكن لأي مواطن أن يشتكي بالنائب الذي لا يصرح.

أين المعارضة؟

وناقش المشاركون في المائدة المستديرة حول النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب المنتظمة ببادرة من الجمعية التونسية للقانون الدستوري عدة مسائل أخرى منها المعارضة البرلمانية، وتحدثوا عن الفصل الذي وقع حذفه من النظام الداخلي لأن نتيجة التصويت عليه كانت 72 نعم و11 محتفظ و52 لا وبالتالي وقع أسقاطه ونص الفصل على أن "يصنف ضمن المعارضة النائب غير المنتمي أو الكتلة النيابية الذين يصرحون في بداية الدورة النيابية بانتمائهم للمعارضة بموجب إعلام كتابي يوجه إلى رئاسة المجلس، ويقع الإعلان عنه في الجلسة العامة الموالية للتصريح، كما يصنف ضمن المعارضة النائب غير المنتمي أو الكتلة النيابية التي لا تصوت بأغلبية أعضائها على قانون المالية ومخطط التنمية أو أحدهما". وأشارت الأستاذة سلسبيل القليبي إلى أنه لا يمكن أن تكون هناك حكومة لها امتداد في البرلمان دون أن يكون هناك في هذا البرلمان من يعارضها. وقال رئيس كتلة الأحرار صابر المصمودي إنه كان هناك نقاش كبير تحت قبة البرلمان حول المعارضة ولكن المعارضة على قانون وراءها رؤية سياسية وهي ليست مسألة تقنية وشكلية. وبين النائب يوسف طرشون أنه لا يوجد تعريف وحيد للمعارضة، وفسر أن المعارضة في السابق واضحة وهي معارضة للحكومة التي لا يقع منحها الثقة فقيمة تصنيف المعارضة لا تكن في التصنيف في حد ذاته بل في ما يترتب عنها من قبيل الحصول على رئاسة لجنة المالية وهي في النظام السابق مؤسسة لكن في النظام الجديد النائب لا يمنح الثقة للحكومة. وأضاف أنه حصل صراع فكري داخل لجنة النظام الداخلي حول المعارضة وتم إسقاط الفصل ثم وقعت إعادة طرحه من جديد لكن تم إسقاطه بفارق صوتين، وذكر أنه يمكن للنائب اليوم أن يعارض مخطط التنمية ولا يصوت عليه كما يمكنه أن يرفض مشروع قانون ولا يصوت عليه بنعم.

سعيدة بوهلال