*كانت له علاقة متميزة بالرئيس الفرنسي السابق الاشتراكي فرانسوا ميتران وبالعديد من القيادات الفلسطينية والقومية العربية
يعيش الاتحاد المغاربي موتا سريريا منذ سنوات، مما يهدد بقتل الحلم المغاربي الذي ناضلت من أجله شعوب المغرب الكبير وعدد من القادة والزعماء المغاربيين ممن ضحوا بحياتهم في سبيل ذلك.
ويوجد من بين هؤلاء المناضل المغاربي حافظ إبراهيم الذي يحظى بالتقدير والاعتراف بالجميل في كل من تونس بلده الأصلي وبلديه الآخرين كل من الجزائر والمغرب.
"جندي المغرب العربي"
ويعتبر حافظ إبراهيم المولود في 14 ماي 1916 في مدينة أكودة نصير حركات التحرر في بلدان المغرب العربي وفي بلدان العالم الثالث منذ خمسينات القرن الماضي، بفضل ما قام به من دعم وإسناد لحركات التحرر المغاربية، حتى تحقيق استقلال دولها، وهو ما تجمع عليه المصادر التاريخية المغاربية التي تطلق عليه صفة "فارس شمال افريقيا" أو "جندي المغرب العربي" بلا منازع .
ومنذ عام 1930 وهو تلميذ، شارك في تنظيم إضراب عن الدروس بمعهد سوسة للذكور ، احتجاجا على الاحتفال بذكرى مئوية احتلال الجزائر وانعقاد المؤتمر الأفخارستي في تلك السنة بتونس، فأحيل على مجلس التأديب، الذي قرر طرده من المعهد بتهمة تنظيم إضراب والتحريض عليه. وقد انخرط في الحزب الحر الدستوري، بحكم مساهمة والده العلامة راجح إبراهيم في تأسيس هذا الحزب الوطني إلى جانب عبد العزيز الثعالبي ومحي الدين القليبي، وتزعم قيادته بجهة الساحل حيث كان يلقب "بمنارة الساحل".
وفي باريس، التي التحق بها عام 1935 ودرس فيها الفلسفة، ثم الصيدلة، كان حافظ إبراهيم على صلة وثيقة بعناصر نواة الشعبة الدستورية للحزب الدستوري القديم بباريس التي بعثت عام 1933 من أمثال الحبيب ثامر ومحمد معروف والحبيب جاء وحدو. ورغم انتمائه للحزب الدستوري القديم، ربط حافظ إبراهيم علاقات وثيقة بأعضاء الشعبة الدستورية للحزب الجديد بباريس عند تأسيسها عام 1936، من أمثال الهادي نويرة والهادي خفشة.
وخلال الحرب العالمية الثانية، عمل على تكثيف الدعاية الوطنية في صفوف الطلبة والمهاجرين المغاربة بفرنسا، وحثهم على توحيد جهودهم في النضال ضد الاستعمار الفرنسي. وقد قام بذلك بالتنسيق مع العديد من الوطنيين من بلدان المغرب العربي، على غرار الحبيب ثامر ويوسف الرويسي وعبد الرحمان ياسين وعمار خيضر مستعينا ببعض الشخصيات العربية الموجودة آنذاك في ألمانيا، وفي مقدمتها الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين الذي كان صديق والده راجح إبراهيم الذي كان له صداقة وعلاقة نضال فكري وسياسي بالسياسي والمؤرخ الجزائري أحمد توفيق المدني .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انتقل حافظ إبراهيم إلى إسبانيا في أوت 1944 خوفا من إلقاء القبض عليه ومحاكمته من قبل السلطات الفرنسية بتهمة التعامل مع قوات المحور. وهناك فتح مخبرا للأدوية، مستغلا دراسته للصيدلة لفترة وجيزة، وبفضل مساندة السلطات الإسبانية آنذاك، حيث كان صديقا شخصيا لوزير خارجية إسبانيا.
وكان هذا النشاط الاقتصادي غطاء للنشاط السياسي المتمثل في توفير المال والسلاح وأساليب الدعاية لفائدة قضايا التحرير بأقطار المغرب العربي الثلاث تونس والجزائر والمغرب.
في سنة 1947 قام حافظ إبراهيم بتأسيس "لجنة الدفاع عن قضايا المغرب العربي" وأطلق العديد من المبادرات والتحركات، لكسب تأييد الرأي العام الإسباني لكفاح شعوب المغرب العربي، من أجل التخلص من الاستعمار الفرنسي. وفي نفس الوقت كان يقوم بالتعريف بالقضية الوطنية التونسية بالخارج. واستغل لهذا الأمر علاقات الصداقة التي كانت تربطه بالعديد من الشخصيات الدولية والسياسية والدبلوماسية.
وقد زار لهذا الغرض القاهرة والعراق وسوريا ولبنان داعيا للقضية التونسية، ومعرفا بها في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، مستغلا بذلك شبكة الصداقات التي نسجها في فرنسا وإسبانيا وبلدان المغرب العربي.
وكان يستغل شبكة علاقاته للتدخل في سبيل تجاوز الخلافات التي تنشب في العلاقات التونسية المغاربية في بدايات الاستقلال الوطني وصعوبات الاستقرار السياسي فيها ، وذلك بطلب من السلطات التونسية، إضافة إلى المساعي التي كان يقوم بها بين بعض الدول المغاربية والأوروبية، وفي مقدمتها إسبانيا التي ظل يقيم بها منذ سنة 1944 إلى تاريخ وفاته في جويلية 2010. وكانت علاقاته متميزة للغاية مع القيادة الإسبانية وزعيمها فرانكو، وساهم في بناء علاقات إستراتيجية بين إسبانيا والعالم العربي عموما. وقد بعث لسنوات عديـدة ناديا فكريا في مدريد للدراسات الإسبانية والإسلامية، يجمع نخبة من الشخصيات الإسبانية والغربية.
كما كانت له علاقة متميزة بالرئيس الفرنسي السابق الاشتراكي فرانسوا ميتران وبالعديد من القيادات الفلسطينية والقومية العربية في المشرق العربي مثل الملك فيصل عاهل المملكة العربية السعودية .
وبالإضافة إلى نضاله واندفاعه لمساندة القضية الوطنية التونسية، فإنه لم يفتأ يقدم المساندة والدعم للمقاومة المسلحة في كل من الجزائر والمغرب، وهو أمر يقر به قادة حركة التحرير في هذين البلدين، وذلك إيمانا منه بوحدة مصير شعوب المغرب العربي.
ويعترف القادة ومؤرخو الثورة الجزائرية بالمساهمة الفعالة لحافظ إبراهيم من موقعه في مدريد في خدمة حركة المقاومة المسلحة الجزائرية عسكريا منذ اندلاعها في سنة 1954 وتجنده، وذلك على غرار ما قام به لفائدة الثورة المغربية، بتقديم الدعم المادي واللوجستي اللازمين، حتى نجاح الثورة وحصول الجزائر على استقلالها التام في نوفمبر 1962.
من حرب التحرير الوطني إلى الإرهاب المغاربي
وقد كان لي شخصيا كصحفي، فرصا متعددة لَمست من خلالها مدى إكبار القادة الجزائريين حين التقيتهم في مناسبات عدة، وأجريت معهم أحاديث صحفية في إطار عملي في بداية التسعينات كمراسل لوكالة تونس إفريقيا للأنباء لمدة ثلاث سنوات بالجزائر من 1991 إلي 1994. وفي كل مرة ألتقي أحدهم ويعرف أن محاوره الصحفي من تونس، وبالذات من مسقط رأس حافظ إبراهيم، إلا وأثنوا ثناء منقطع النظير على شخصية حافظ إبراهيم وسردوا لي ذكرياتهم معه ودوره في انتصار حرب التحرير في الجزائر. وشملت هذه الشخصيات المستجوبة الرئيس الأول للجزائر المستقلة أحمد بن بلة، بصفته رئيس حزب "الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر"، الذي أسسه بداية التسعينات مع انطلاق الربيع الديمقراطي في الجزائر وقتها، إلى جانب الرئيس المناضل المغتال محمد بوضياف، وكذلك الزعيم التاريخي لحزب "جبهة القوى الاشتراكية " حسين آيت أحمد. وثلاثتهم كانوا من القادة التاريخيين للثورة الجزائرية، وكانت لهم علاقات وطيدة مع حافظ إبراهيم .
ونفس الإكبار المغاربي لتونس وأعلامها من المصلحين والمناضلين والنقابيين وجدته لدى القادة النقابيين الجزائريين وعلى رأسهم الشهيد النقابي عبد الحق بن حمودة رئيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي اغتيل في 28 جانفي 1997 على أيدي مجموعة إرهابية لدى خروجه من المركزية النقابية في ساحة أول ماي بالعاصمة الجزائرية . وهو اغتيال مثل استمرارا لسلسلة من الاغتيالات في تلك الفترة الدموية في الجزائر بداية من عام 1992 ، طالت عشرات من المثقفين والجامعيين ومن الصحافيين الأصدقاء كان على رأسهم الصديق الطاهر جاووت الذي لازالت، حية لديّ ذكرى اغتياله المريع غداة لقائي به في وسط العاصمة الجزائرية في جوان 1992.
وستكون هذه التجربة الصحفية المريرة محورا أساسيا في كتابي القادم "ذكريات صحفية" الذي أعددته وهو جاهز للإصدار هذه السنة، وفيه حديث عن سنوات الجمر والرصاص والاغتيالات في الجزائر الشهيدة، بداية التسعينات، وهو إرهاب اكتوت بناره الجزائر وسيصبح مغاربيا وعابرا للحدود وينتقل إلى تونس بعد عشرين سنة من ذلك، ويودي بنفس السيناريو المريع بحياة الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اللذين كان لهما نَفَس وطني ومغاربي وعربي، وحب لهذا الوطن الكبير الذي كانت الشعوب المغاربية تنتظر أن يحقق لها فتح الحدود وحرية العبور والاستقرار والتمتع بالرخاء، على غرار المشروع الأوروبي الناجح في الشمال ، فإذا المشروع المغاربي الجاهز يتحول إلى تشنج دبلوماسي وكابوس إرهابي عابر للحدود، طالت شظاياه النخبة النيرة ، ولم يبق لشباب المنطقة المغاربية المتوثب غير إلقاء نفسه في البحر بحثا عن سراب غد أفضل في الضفة الشمالية للمتوسط.
*صحفي باحث في الإعلام والصحافة
بقلم د. الصحراوي قمعون*
*كانت له علاقة متميزة بالرئيس الفرنسي السابق الاشتراكي فرانسوا ميتران وبالعديد من القيادات الفلسطينية والقومية العربية
يعيش الاتحاد المغاربي موتا سريريا منذ سنوات، مما يهدد بقتل الحلم المغاربي الذي ناضلت من أجله شعوب المغرب الكبير وعدد من القادة والزعماء المغاربيين ممن ضحوا بحياتهم في سبيل ذلك.
ويوجد من بين هؤلاء المناضل المغاربي حافظ إبراهيم الذي يحظى بالتقدير والاعتراف بالجميل في كل من تونس بلده الأصلي وبلديه الآخرين كل من الجزائر والمغرب.
"جندي المغرب العربي"
ويعتبر حافظ إبراهيم المولود في 14 ماي 1916 في مدينة أكودة نصير حركات التحرر في بلدان المغرب العربي وفي بلدان العالم الثالث منذ خمسينات القرن الماضي، بفضل ما قام به من دعم وإسناد لحركات التحرر المغاربية، حتى تحقيق استقلال دولها، وهو ما تجمع عليه المصادر التاريخية المغاربية التي تطلق عليه صفة "فارس شمال افريقيا" أو "جندي المغرب العربي" بلا منازع .
ومنذ عام 1930 وهو تلميذ، شارك في تنظيم إضراب عن الدروس بمعهد سوسة للذكور ، احتجاجا على الاحتفال بذكرى مئوية احتلال الجزائر وانعقاد المؤتمر الأفخارستي في تلك السنة بتونس، فأحيل على مجلس التأديب، الذي قرر طرده من المعهد بتهمة تنظيم إضراب والتحريض عليه. وقد انخرط في الحزب الحر الدستوري، بحكم مساهمة والده العلامة راجح إبراهيم في تأسيس هذا الحزب الوطني إلى جانب عبد العزيز الثعالبي ومحي الدين القليبي، وتزعم قيادته بجهة الساحل حيث كان يلقب "بمنارة الساحل".
وفي باريس، التي التحق بها عام 1935 ودرس فيها الفلسفة، ثم الصيدلة، كان حافظ إبراهيم على صلة وثيقة بعناصر نواة الشعبة الدستورية للحزب الدستوري القديم بباريس التي بعثت عام 1933 من أمثال الحبيب ثامر ومحمد معروف والحبيب جاء وحدو. ورغم انتمائه للحزب الدستوري القديم، ربط حافظ إبراهيم علاقات وثيقة بأعضاء الشعبة الدستورية للحزب الجديد بباريس عند تأسيسها عام 1936، من أمثال الهادي نويرة والهادي خفشة.
وخلال الحرب العالمية الثانية، عمل على تكثيف الدعاية الوطنية في صفوف الطلبة والمهاجرين المغاربة بفرنسا، وحثهم على توحيد جهودهم في النضال ضد الاستعمار الفرنسي. وقد قام بذلك بالتنسيق مع العديد من الوطنيين من بلدان المغرب العربي، على غرار الحبيب ثامر ويوسف الرويسي وعبد الرحمان ياسين وعمار خيضر مستعينا ببعض الشخصيات العربية الموجودة آنذاك في ألمانيا، وفي مقدمتها الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين الذي كان صديق والده راجح إبراهيم الذي كان له صداقة وعلاقة نضال فكري وسياسي بالسياسي والمؤرخ الجزائري أحمد توفيق المدني .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انتقل حافظ إبراهيم إلى إسبانيا في أوت 1944 خوفا من إلقاء القبض عليه ومحاكمته من قبل السلطات الفرنسية بتهمة التعامل مع قوات المحور. وهناك فتح مخبرا للأدوية، مستغلا دراسته للصيدلة لفترة وجيزة، وبفضل مساندة السلطات الإسبانية آنذاك، حيث كان صديقا شخصيا لوزير خارجية إسبانيا.
وكان هذا النشاط الاقتصادي غطاء للنشاط السياسي المتمثل في توفير المال والسلاح وأساليب الدعاية لفائدة قضايا التحرير بأقطار المغرب العربي الثلاث تونس والجزائر والمغرب.
في سنة 1947 قام حافظ إبراهيم بتأسيس "لجنة الدفاع عن قضايا المغرب العربي" وأطلق العديد من المبادرات والتحركات، لكسب تأييد الرأي العام الإسباني لكفاح شعوب المغرب العربي، من أجل التخلص من الاستعمار الفرنسي. وفي نفس الوقت كان يقوم بالتعريف بالقضية الوطنية التونسية بالخارج. واستغل لهذا الأمر علاقات الصداقة التي كانت تربطه بالعديد من الشخصيات الدولية والسياسية والدبلوماسية.
وقد زار لهذا الغرض القاهرة والعراق وسوريا ولبنان داعيا للقضية التونسية، ومعرفا بها في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، مستغلا بذلك شبكة الصداقات التي نسجها في فرنسا وإسبانيا وبلدان المغرب العربي.
وكان يستغل شبكة علاقاته للتدخل في سبيل تجاوز الخلافات التي تنشب في العلاقات التونسية المغاربية في بدايات الاستقلال الوطني وصعوبات الاستقرار السياسي فيها ، وذلك بطلب من السلطات التونسية، إضافة إلى المساعي التي كان يقوم بها بين بعض الدول المغاربية والأوروبية، وفي مقدمتها إسبانيا التي ظل يقيم بها منذ سنة 1944 إلى تاريخ وفاته في جويلية 2010. وكانت علاقاته متميزة للغاية مع القيادة الإسبانية وزعيمها فرانكو، وساهم في بناء علاقات إستراتيجية بين إسبانيا والعالم العربي عموما. وقد بعث لسنوات عديـدة ناديا فكريا في مدريد للدراسات الإسبانية والإسلامية، يجمع نخبة من الشخصيات الإسبانية والغربية.
كما كانت له علاقة متميزة بالرئيس الفرنسي السابق الاشتراكي فرانسوا ميتران وبالعديد من القيادات الفلسطينية والقومية العربية في المشرق العربي مثل الملك فيصل عاهل المملكة العربية السعودية .
وبالإضافة إلى نضاله واندفاعه لمساندة القضية الوطنية التونسية، فإنه لم يفتأ يقدم المساندة والدعم للمقاومة المسلحة في كل من الجزائر والمغرب، وهو أمر يقر به قادة حركة التحرير في هذين البلدين، وذلك إيمانا منه بوحدة مصير شعوب المغرب العربي.
ويعترف القادة ومؤرخو الثورة الجزائرية بالمساهمة الفعالة لحافظ إبراهيم من موقعه في مدريد في خدمة حركة المقاومة المسلحة الجزائرية عسكريا منذ اندلاعها في سنة 1954 وتجنده، وذلك على غرار ما قام به لفائدة الثورة المغربية، بتقديم الدعم المادي واللوجستي اللازمين، حتى نجاح الثورة وحصول الجزائر على استقلالها التام في نوفمبر 1962.
من حرب التحرير الوطني إلى الإرهاب المغاربي
وقد كان لي شخصيا كصحفي، فرصا متعددة لَمست من خلالها مدى إكبار القادة الجزائريين حين التقيتهم في مناسبات عدة، وأجريت معهم أحاديث صحفية في إطار عملي في بداية التسعينات كمراسل لوكالة تونس إفريقيا للأنباء لمدة ثلاث سنوات بالجزائر من 1991 إلي 1994. وفي كل مرة ألتقي أحدهم ويعرف أن محاوره الصحفي من تونس، وبالذات من مسقط رأس حافظ إبراهيم، إلا وأثنوا ثناء منقطع النظير على شخصية حافظ إبراهيم وسردوا لي ذكرياتهم معه ودوره في انتصار حرب التحرير في الجزائر. وشملت هذه الشخصيات المستجوبة الرئيس الأول للجزائر المستقلة أحمد بن بلة، بصفته رئيس حزب "الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر"، الذي أسسه بداية التسعينات مع انطلاق الربيع الديمقراطي في الجزائر وقتها، إلى جانب الرئيس المناضل المغتال محمد بوضياف، وكذلك الزعيم التاريخي لحزب "جبهة القوى الاشتراكية " حسين آيت أحمد. وثلاثتهم كانوا من القادة التاريخيين للثورة الجزائرية، وكانت لهم علاقات وطيدة مع حافظ إبراهيم .
ونفس الإكبار المغاربي لتونس وأعلامها من المصلحين والمناضلين والنقابيين وجدته لدى القادة النقابيين الجزائريين وعلى رأسهم الشهيد النقابي عبد الحق بن حمودة رئيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي اغتيل في 28 جانفي 1997 على أيدي مجموعة إرهابية لدى خروجه من المركزية النقابية في ساحة أول ماي بالعاصمة الجزائرية . وهو اغتيال مثل استمرارا لسلسلة من الاغتيالات في تلك الفترة الدموية في الجزائر بداية من عام 1992 ، طالت عشرات من المثقفين والجامعيين ومن الصحافيين الأصدقاء كان على رأسهم الصديق الطاهر جاووت الذي لازالت، حية لديّ ذكرى اغتياله المريع غداة لقائي به في وسط العاصمة الجزائرية في جوان 1992.
وستكون هذه التجربة الصحفية المريرة محورا أساسيا في كتابي القادم "ذكريات صحفية" الذي أعددته وهو جاهز للإصدار هذه السنة، وفيه حديث عن سنوات الجمر والرصاص والاغتيالات في الجزائر الشهيدة، بداية التسعينات، وهو إرهاب اكتوت بناره الجزائر وسيصبح مغاربيا وعابرا للحدود وينتقل إلى تونس بعد عشرين سنة من ذلك، ويودي بنفس السيناريو المريع بحياة الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اللذين كان لهما نَفَس وطني ومغاربي وعربي، وحب لهذا الوطن الكبير الذي كانت الشعوب المغاربية تنتظر أن يحقق لها فتح الحدود وحرية العبور والاستقرار والتمتع بالرخاء، على غرار المشروع الأوروبي الناجح في الشمال ، فإذا المشروع المغاربي الجاهز يتحول إلى تشنج دبلوماسي وكابوس إرهابي عابر للحدود، طالت شظاياه النخبة النيرة ، ولم يبق لشباب المنطقة المغاربية المتوثب غير إلقاء نفسه في البحر بحثا عن سراب غد أفضل في الضفة الشمالية للمتوسط.