يعود ملف الدعم من جديد على الساحة الوطنية، وهذه المرة بأكثر وضوح، بعد التصريح الذي أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد، لدى لقائه أمس الأول برئيسة الحكومة، نجلاء بودن، والمتعلق بتوظيف أداءات إضافية على من يستفيدون بالدعم دون وجه حق، بدل رفعه تحت مسمّى ترشيده، بدعم العديد من الموّاد ودون الخضوع لأي املاءات خارجية، حسب تعبيره.
ليتبين اليوم الخيط الأبيض من الخيط الأسود في موضوع الدعم وإصلاحه الذي أثار جدلا واسعا في الآونة الأخيرة لارتباطه بالإصلاحات الحكومية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي كشروط مباشرة للحصول على تمويلات جديدة، ويتم فيه الفصل فيه من قبل الرئيس بتصريح يرسل من خلاله رسائل إلى الداخل التونسي والخارج في نفس الوقت.
موقف الرئيس رافض للمساس بالدعم
وقبل تصريح رئيس الجمهورية كان لموضوع الدعم أثر عميق في سياسة الرئيس في اتجاه عدم المساس بهذا الملف، من خلال قراره بإنهاء مهام وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي، مؤخرا بسبب تصريحها حول سبب توقف الحكومة عن اعتماد آلية التعديل الآلي في تحديد أسعار المحروقات، والتي أكدت فيه الوزيرة أن الحكومة منكبة على دراسة فرضيات منظومة الدعم وكيفية توجيهها بصفة محكمة، مضيفة أن الدراسة في مراحلها الأخيرة على أن تنتهي هذه المحطة في الأيام القليلة القادمة، وهو "ما سيمكننا وقتها من تحديد زمن وقيمة الزيادات في أسعار المحروقات"، حسب قولها.
وفي نفس السياق، كانت قد أفادت الوزيرة حول مدى تقدم برنامج إصلاح الدعم في ما يتعلق بالأرضية التي سيتم على أساسها تفعيله (ونقصد هنا المسح الأسري والاجتماعي) ، بأن هناك تصورا كاملا تم وضعه ولا يهم فقط الأسر الضعيفة بل يهم كل المتدخلين في منظومة الدعم وكل الفئات الاقتصادية..
هذا التصريح الذي في الحقيقة يعكس تقدم الحكومة في برنامجها الإصلاحي حتى في ما يتعلق بمنظومة الدعم في اتجاه رفع الدعم على التونسيين متغافلة في ذلك التهديدات التي ستطال السلم الاجتماعية في البلاد بسبب هذه "الهبّة الإصلاحية" وهو ما نبه إليه رئيس الجمهورية قيس سعيد في آخر تصريحاته، من خلال رفضه للبرنامج الإصلاحي الموجه إلى صندوق النقد، والذي يستهدف منظومة الدعم، في وصفه لكل الإصلاحات المتفق بشأنها بـ"الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى مزيد من التفقير".
ومع تباين المواقف بين رأسي السلطة التنفيذية حول برنامج الإصلاحات خاصة في ما يتعلق بدعم المحروقات، من الضروري اليوم التسريع في إصلاح هذه المنظومة التي أنهكت ميزانية الدولة وبلغت نفقاتها مستويات مخيفة، أخلت بكل توازنات البلاد المالية خلال السنوات العشر الأخيرة، بعد استحواذها على 5.3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و15 بالمائة من مجموع النفقات العمومية، كما فاق العجز الطاقي الـ50 بالمائة بما يفسر التبعية الطاقية المتنامية للدولة في ما يتعلق بوارداتها من الطاقة..
بالمقابل، أوجد رئيس الجمهورية حلا جديدا لإصلاح منظومة الدعم دون رفعه نهائيا وهو فرض اداءات على المستفيدين من منظومة الدعم دون وجه حق، وهنا يؤكد خبراء الاقتصاد أن المقصود بالجهات المستفيدة وغير مستحقة من الدعم هي كل القطاعات الصناعية الكبرى على غرار المطاعم والمصانع والنزل والمقاهي وغيرها من الفئات الغنية وميسورة الحال.
وهنا، لابد من تحديد هذه الفئات في ظرف وجيز حتى تتمكن الحكومة من تفعيل قرار رئيس الجمهورية، ومعها ضبط قيمة الاداءات وأصنافها حسب طبيعة المواد المدعمة، والتي قد تكون على الأرجح مضمنة في قانون المالية للسنة المقبلة.
منظومة الدعم عبء ثقيل على ميزانية الدولة
ويبقى صندوق الدعم في تونس من أهم المكاسب التي تعود إلى أربعينيات القرن الماضي والذي يشمل دعم المواد الأساسية، وشهدت هذه المنظومة في السنوات الأخيرة حملة تشويه من قبل العديد من الجهات في داخل البلاد وفي خارجها خاصة من قبل المؤسسات العالمية المانحة التي تطالب بإصلاح هذه المنظومة وترشيدها حتى وصل الأمر في العديد من المرات إلى التفكير في إلغائها باعتبارها مكلفة لميزانية الدولة والسبب الرئيسي في اختلال توازن الميزانية العامة للدولة.
واجمع العديد من المتدخلين في الشأن الاقتصادي أن الإشكال الكبير الذي يحوم حول هذه المنظومة هو توجيهها لغير مستحقيها، حيث تفيد المؤشرات والأرقام أن نسبة المتمتعين عن غير حق بدعم المواد الأساسية في تونس يفوق الـ 50 بالمائة من إجمالي الشعب التونسي وأكثرهم من أصحاب المطاعم وأصحاب الأجور التي تفوق 10 آلاف دينار، أما الدعم على المحروقات فيستأثر لوحده على 70 بالمائة من مجموع ميزانية الدعم.
فاليوم، بلغت قيمة العجز الطاقي لبلادنا حتى موفى شهر افريل الـ 1.4 مليون طن مكافئ نفط، مبينا بالمقابل تراجع الإنتاج الوطني من البترول ليصل إلى حدود الـ40الف برميل وما يناهز الـ 5.9 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا.
وارتفعت قيمة العجز في المواد الأساسية خلال السبع سنوات الأخيرة إلى حدود الـ1605 مليون دينار في موفى سنة 2017 مقابل 730 مليون دينار في سنة 2010 ليسجل نسبة ارتفاع تناهز 2.3 بالمائة، وحددت قيمة دعم المواد الأساسية في قانون المالية لسنة 2018 بما يناهز الـ 1570 مليون دينار.
وعلاوة على الثقل المادي فإن العبء يتضاعف من سنة إلى أخرى، إذ أن 80 بالمائة من قيمة الدعم يستفيد منها غير الفئات الهشة والضعيفة ويستهدف فقط في حدود الـ 25 بالمائة فقط من مستحقيه وهو ما يكلف الدولة حوالي 1.6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وهي نسبة عالية جدا، حسب ما كشفته دراسة حديثة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول "آليات الدعم في تونس".
ويعد موقف رئيس الجمهورية في تصريحه الأخير معطى جديدا أماط اللثام عن الغموض الذي كان يكتنف ملف الدعم منذ أكثر من سنتين، وسط تصريحات متباينة بين مسؤولي الدولة في العديد من المناسبات، وبالتأكيد سيغير هذا المعطى الجديد الكثير من الأمور في ملف تونس مع صندوق النقد للظفر بتمويلات جديدة في قادم الأيام.
وفاء بن محمد
تونس- الصباح
يعود ملف الدعم من جديد على الساحة الوطنية، وهذه المرة بأكثر وضوح، بعد التصريح الذي أدلى به رئيس الجمهورية قيس سعيد، لدى لقائه أمس الأول برئيسة الحكومة، نجلاء بودن، والمتعلق بتوظيف أداءات إضافية على من يستفيدون بالدعم دون وجه حق، بدل رفعه تحت مسمّى ترشيده، بدعم العديد من الموّاد ودون الخضوع لأي املاءات خارجية، حسب تعبيره.
ليتبين اليوم الخيط الأبيض من الخيط الأسود في موضوع الدعم وإصلاحه الذي أثار جدلا واسعا في الآونة الأخيرة لارتباطه بالإصلاحات الحكومية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي كشروط مباشرة للحصول على تمويلات جديدة، ويتم فيه الفصل فيه من قبل الرئيس بتصريح يرسل من خلاله رسائل إلى الداخل التونسي والخارج في نفس الوقت.
موقف الرئيس رافض للمساس بالدعم
وقبل تصريح رئيس الجمهورية كان لموضوع الدعم أثر عميق في سياسة الرئيس في اتجاه عدم المساس بهذا الملف، من خلال قراره بإنهاء مهام وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي، مؤخرا بسبب تصريحها حول سبب توقف الحكومة عن اعتماد آلية التعديل الآلي في تحديد أسعار المحروقات، والتي أكدت فيه الوزيرة أن الحكومة منكبة على دراسة فرضيات منظومة الدعم وكيفية توجيهها بصفة محكمة، مضيفة أن الدراسة في مراحلها الأخيرة على أن تنتهي هذه المحطة في الأيام القليلة القادمة، وهو "ما سيمكننا وقتها من تحديد زمن وقيمة الزيادات في أسعار المحروقات"، حسب قولها.
وفي نفس السياق، كانت قد أفادت الوزيرة حول مدى تقدم برنامج إصلاح الدعم في ما يتعلق بالأرضية التي سيتم على أساسها تفعيله (ونقصد هنا المسح الأسري والاجتماعي) ، بأن هناك تصورا كاملا تم وضعه ولا يهم فقط الأسر الضعيفة بل يهم كل المتدخلين في منظومة الدعم وكل الفئات الاقتصادية..
هذا التصريح الذي في الحقيقة يعكس تقدم الحكومة في برنامجها الإصلاحي حتى في ما يتعلق بمنظومة الدعم في اتجاه رفع الدعم على التونسيين متغافلة في ذلك التهديدات التي ستطال السلم الاجتماعية في البلاد بسبب هذه "الهبّة الإصلاحية" وهو ما نبه إليه رئيس الجمهورية قيس سعيد في آخر تصريحاته، من خلال رفضه للبرنامج الإصلاحي الموجه إلى صندوق النقد، والذي يستهدف منظومة الدعم، في وصفه لكل الإصلاحات المتفق بشأنها بـ"الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى مزيد من التفقير".
ومع تباين المواقف بين رأسي السلطة التنفيذية حول برنامج الإصلاحات خاصة في ما يتعلق بدعم المحروقات، من الضروري اليوم التسريع في إصلاح هذه المنظومة التي أنهكت ميزانية الدولة وبلغت نفقاتها مستويات مخيفة، أخلت بكل توازنات البلاد المالية خلال السنوات العشر الأخيرة، بعد استحواذها على 5.3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و15 بالمائة من مجموع النفقات العمومية، كما فاق العجز الطاقي الـ50 بالمائة بما يفسر التبعية الطاقية المتنامية للدولة في ما يتعلق بوارداتها من الطاقة..
بالمقابل، أوجد رئيس الجمهورية حلا جديدا لإصلاح منظومة الدعم دون رفعه نهائيا وهو فرض اداءات على المستفيدين من منظومة الدعم دون وجه حق، وهنا يؤكد خبراء الاقتصاد أن المقصود بالجهات المستفيدة وغير مستحقة من الدعم هي كل القطاعات الصناعية الكبرى على غرار المطاعم والمصانع والنزل والمقاهي وغيرها من الفئات الغنية وميسورة الحال.
وهنا، لابد من تحديد هذه الفئات في ظرف وجيز حتى تتمكن الحكومة من تفعيل قرار رئيس الجمهورية، ومعها ضبط قيمة الاداءات وأصنافها حسب طبيعة المواد المدعمة، والتي قد تكون على الأرجح مضمنة في قانون المالية للسنة المقبلة.
منظومة الدعم عبء ثقيل على ميزانية الدولة
ويبقى صندوق الدعم في تونس من أهم المكاسب التي تعود إلى أربعينيات القرن الماضي والذي يشمل دعم المواد الأساسية، وشهدت هذه المنظومة في السنوات الأخيرة حملة تشويه من قبل العديد من الجهات في داخل البلاد وفي خارجها خاصة من قبل المؤسسات العالمية المانحة التي تطالب بإصلاح هذه المنظومة وترشيدها حتى وصل الأمر في العديد من المرات إلى التفكير في إلغائها باعتبارها مكلفة لميزانية الدولة والسبب الرئيسي في اختلال توازن الميزانية العامة للدولة.
واجمع العديد من المتدخلين في الشأن الاقتصادي أن الإشكال الكبير الذي يحوم حول هذه المنظومة هو توجيهها لغير مستحقيها، حيث تفيد المؤشرات والأرقام أن نسبة المتمتعين عن غير حق بدعم المواد الأساسية في تونس يفوق الـ 50 بالمائة من إجمالي الشعب التونسي وأكثرهم من أصحاب المطاعم وأصحاب الأجور التي تفوق 10 آلاف دينار، أما الدعم على المحروقات فيستأثر لوحده على 70 بالمائة من مجموع ميزانية الدعم.
فاليوم، بلغت قيمة العجز الطاقي لبلادنا حتى موفى شهر افريل الـ 1.4 مليون طن مكافئ نفط، مبينا بالمقابل تراجع الإنتاج الوطني من البترول ليصل إلى حدود الـ40الف برميل وما يناهز الـ 5.9 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا.
وارتفعت قيمة العجز في المواد الأساسية خلال السبع سنوات الأخيرة إلى حدود الـ1605 مليون دينار في موفى سنة 2017 مقابل 730 مليون دينار في سنة 2010 ليسجل نسبة ارتفاع تناهز 2.3 بالمائة، وحددت قيمة دعم المواد الأساسية في قانون المالية لسنة 2018 بما يناهز الـ 1570 مليون دينار.
وعلاوة على الثقل المادي فإن العبء يتضاعف من سنة إلى أخرى، إذ أن 80 بالمائة من قيمة الدعم يستفيد منها غير الفئات الهشة والضعيفة ويستهدف فقط في حدود الـ 25 بالمائة فقط من مستحقيه وهو ما يكلف الدولة حوالي 1.6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وهي نسبة عالية جدا، حسب ما كشفته دراسة حديثة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول "آليات الدعم في تونس".
ويعد موقف رئيس الجمهورية في تصريحه الأخير معطى جديدا أماط اللثام عن الغموض الذي كان يكتنف ملف الدعم منذ أكثر من سنتين، وسط تصريحات متباينة بين مسؤولي الدولة في العديد من المناسبات، وبالتأكيد سيغير هذا المعطى الجديد الكثير من الأمور في ملف تونس مع صندوق النقد للظفر بتمويلات جديدة في قادم الأيام.