إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالمناسبة .. "الليفياثان" وعدم اليقين

 

في تعريفه للدولة يعرج الفيلسوف الأنقليزي توماس هوبز على معنى "اللفياثان" أو التنين المفترس ليصور به "الدولة المفترسة" التي لا ترتبط بأي عقد اجتماعي، بل يستمد قوته من العنف الشرعي الذي يمنح له من قبل المواطنين، ومن ثم فهو جاهز حتى للإجهاز عليهم وعلى حقوقهم الأساسية إذا كانت متعارضة مع مصالحه، فالدولة حسب هوبز تنين أعمى لا يرى إلا مصالحه فقط ولا يكترث لأي أحد، وهمه فقط هو تحقيق البقاء الغريزة التي تحكم الحيوانات والتي تحكم كذلك اللفياثان الأسطوري.

اللفياثان كائن التصق بمفهوم الدولة في كثير من دول العالم الثالث وكذلك العالم العربي، منذ بدايات الدولة القومية في معناها المجرد، وهو كذلك متصل باللا عدل في مخيال المجتمعات العربية حيث "الحاكم" مستبد بطبيعته سواء أكان مستبدا "نيرا" أو مستبدا "ظالما"، ففي كل الأحوال فإن ليفياثان هوبز يصبح متصلا بالحاكم لا بالدولة، فـ"أنا الدولة" على معنى ما قاله الملك الفرنسي السابق لويس الرابع عشر.

لسنا اليوم بعيدين عن هذه المقاربة في تونس، منذ ما بعد 25 جويلية، فالسلطة التي أتت بعد هذا التاريخ، استأثرت بكل السلطات، وأضحى النظام هرميا بمفعول دستور 2022، بل أضحت تلك السلطات وظائف تستمد شرعيتها من شرعية رأس السلطة، وأضحى "ليفياثان" هوبز، ممسكا بزمام الأمور، بقبضة من حديد، ولكن دون بوصلة تعطيه خارطة طريق فيها حل لكل الأزمات التي تعانيها البلاد.

"الليفياثان" في صورته التونسية، يرفض -كما صوره هوبز- الحوار مع الأطراف الاجتماعية، ولا يرى في ذلك إلا مؤامرة ضد الدولة، بل لا يتوانى أن يصف بعضها بالتآمر، ولا امتدادا للعقد الاجتماعي بعيدا عن خط سيره الذي لم يحدده سابقا، فلا حوار خارج منطقة سيطرة الليفياثان.

كذلك فإن الليفياثان لم يحدد اتجاهات حل الأزمة الاقتصادية، التي يرى أنها قد تحمل تكلفة سياسية إذا ما اتخذ من بوصلة صندوق النقد الدولي خطا لسيره، خصوصا وأن هذه البوصلة تحمل عبئا اجتماعيا كبيرا ينطلق من خفض الدعم وحقيقة أسعار المواد الأساسية ومنها أسعار الخبز بما فيه من رمزية تاريخية تحيل لماض احتجاجي تليد لم تكن أحداث سنة 1984 الوحيدة الشاهدة عليه.

كذلك فإن الليفياثان لم يحدد اتجاها لخفض حدة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، إلا من خلال حلول أمنية وقضائية وتشريعية سلط فيها مراسيم "بطشت" بحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ومنها المرسوم 54 الذي ضرب حق التعبير وسلط سيفا على الصحفيين والمبدعين والمواطنين، بحجة حماية موظفي الدولة قبل الأشخاص الطبيعيين من الجرائم الالكترونية وتزييف الحقائق.

ولعل ما أقدم عليه الليفياثان جعل من الجبهة الداخلية جبهة متصدعة، حيث المشهدية السياسية والفكرية باتت متباعدة عن الدولة، وأضحت السلطة صماء لا تستمع للنقد إلا من باب "التآمر"، وأضحت في ظل مشهد دولي متأزم، تتحسس اتجاها تسلكه بين شرق متطلع للزعامة وغرب يريد الحفاظ على الأحادية القطبية، وعولمة باتت مرتبطة بكل اتجاهات السياسة الدولية.

وفي كل هذا فإن الليفياثان مازال يتحسس الطريق، ببوصلة لا تدل إلا على عدم اليقين.

 

بالمناسبة .. "الليفياثان" وعدم اليقين

 

في تعريفه للدولة يعرج الفيلسوف الأنقليزي توماس هوبز على معنى "اللفياثان" أو التنين المفترس ليصور به "الدولة المفترسة" التي لا ترتبط بأي عقد اجتماعي، بل يستمد قوته من العنف الشرعي الذي يمنح له من قبل المواطنين، ومن ثم فهو جاهز حتى للإجهاز عليهم وعلى حقوقهم الأساسية إذا كانت متعارضة مع مصالحه، فالدولة حسب هوبز تنين أعمى لا يرى إلا مصالحه فقط ولا يكترث لأي أحد، وهمه فقط هو تحقيق البقاء الغريزة التي تحكم الحيوانات والتي تحكم كذلك اللفياثان الأسطوري.

اللفياثان كائن التصق بمفهوم الدولة في كثير من دول العالم الثالث وكذلك العالم العربي، منذ بدايات الدولة القومية في معناها المجرد، وهو كذلك متصل باللا عدل في مخيال المجتمعات العربية حيث "الحاكم" مستبد بطبيعته سواء أكان مستبدا "نيرا" أو مستبدا "ظالما"، ففي كل الأحوال فإن ليفياثان هوبز يصبح متصلا بالحاكم لا بالدولة، فـ"أنا الدولة" على معنى ما قاله الملك الفرنسي السابق لويس الرابع عشر.

لسنا اليوم بعيدين عن هذه المقاربة في تونس، منذ ما بعد 25 جويلية، فالسلطة التي أتت بعد هذا التاريخ، استأثرت بكل السلطات، وأضحى النظام هرميا بمفعول دستور 2022، بل أضحت تلك السلطات وظائف تستمد شرعيتها من شرعية رأس السلطة، وأضحى "ليفياثان" هوبز، ممسكا بزمام الأمور، بقبضة من حديد، ولكن دون بوصلة تعطيه خارطة طريق فيها حل لكل الأزمات التي تعانيها البلاد.

"الليفياثان" في صورته التونسية، يرفض -كما صوره هوبز- الحوار مع الأطراف الاجتماعية، ولا يرى في ذلك إلا مؤامرة ضد الدولة، بل لا يتوانى أن يصف بعضها بالتآمر، ولا امتدادا للعقد الاجتماعي بعيدا عن خط سيره الذي لم يحدده سابقا، فلا حوار خارج منطقة سيطرة الليفياثان.

كذلك فإن الليفياثان لم يحدد اتجاهات حل الأزمة الاقتصادية، التي يرى أنها قد تحمل تكلفة سياسية إذا ما اتخذ من بوصلة صندوق النقد الدولي خطا لسيره، خصوصا وأن هذه البوصلة تحمل عبئا اجتماعيا كبيرا ينطلق من خفض الدعم وحقيقة أسعار المواد الأساسية ومنها أسعار الخبز بما فيه من رمزية تاريخية تحيل لماض احتجاجي تليد لم تكن أحداث سنة 1984 الوحيدة الشاهدة عليه.

كذلك فإن الليفياثان لم يحدد اتجاها لخفض حدة الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، إلا من خلال حلول أمنية وقضائية وتشريعية سلط فيها مراسيم "بطشت" بحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، ومنها المرسوم 54 الذي ضرب حق التعبير وسلط سيفا على الصحفيين والمبدعين والمواطنين، بحجة حماية موظفي الدولة قبل الأشخاص الطبيعيين من الجرائم الالكترونية وتزييف الحقائق.

ولعل ما أقدم عليه الليفياثان جعل من الجبهة الداخلية جبهة متصدعة، حيث المشهدية السياسية والفكرية باتت متباعدة عن الدولة، وأضحت السلطة صماء لا تستمع للنقد إلا من باب "التآمر"، وأضحت في ظل مشهد دولي متأزم، تتحسس اتجاها تسلكه بين شرق متطلع للزعامة وغرب يريد الحفاظ على الأحادية القطبية، وعولمة باتت مرتبطة بكل اتجاهات السياسة الدولية.

وفي كل هذا فإن الليفياثان مازال يتحسس الطريق، ببوصلة لا تدل إلا على عدم اليقين.