إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

القيادي بحزب العمال عمار عمروسية: سنقاطع الانتخابات المحلية والبلدية والرئاسية

تونس: الصباح

تنزيلا للمرسوم عدد 10 لسنة 2023 المؤرخ في 8 مارس 2023 والمتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، انطلقت هذا الأسبوع بجميع جهات الجمهورية الأشغال الميدانية للمشروع الوطني الرامي إلى التحديد الترابي للدوائر الانتخابية المحلية التي تشارك فيها  الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ووزارة الداخلية والمركز الوطني لرسم الخرائط والاستشعار عن بعد والمعهد الوطني للإحصاء والديوان الوطني لقيس الأراضي والمسح العقاري والإدارات الجهويـة المعنيــــة بإنجاز هذا المشروع الذي سيضفي إلى إحداث 2155 دائرة انتخابية في 2085 عمادة وفق معطيات الهيئة. وعن موقفه من الانتخابات المحلية التي تستعد الهيئة العليا المستقلة لتنظيمها تحدث القيادي في حزب العمال عمار عمروسية وقال إنهم سيقاطعونها مثلما قاطعوا في السابق الاستشارة الوطنية والاستفتاء حول مشروع الدستور والانتخابات التشريعية. وعبر عن قلقه من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس بشكل عام وبين أنها تؤذن في كل لحظة بالانفجار.  

وأشار في تصريح لـ "الصباح" إلى أن جميع المحطات الانتخابية المرتقبة سواء المحلية منها أو البلدية أو الرئاسية ستكون محل مقاطعة، وليس هذا فقط بل سيعمل حزب العمال على أن تكون هذه المقاطعة مقاطعة نشيطة لوضع حد للنهج التدميري الذي رسمه رئيس الجمهورية قيس سعيد، حسب وصفه. وبين أن سعيد تظاهر خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية 2019 بأنه ليس لديه أي برنامج سياسي لكن تبين بالكاشف لمن انتخبوه أنهم تعرضوا لخديعة كبرى إذ أدركوا أن البرنامج السياسي الذي يريد الرئيس تنفيذه هو البناء القاعدي والتمثيلية القاعدية التي أسس لها بالدستور من خلال إيجاد المجلس الوطني للجهات والأقاليم والتي نزلها بالمرسوم عدد 10 المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، حيث اتضح أن الرهان الأكبر لرئيس الجمهورية ليس مجلس نواب الشعب وإنما المجلس الوطني للجهات والأقاليم، فهو من خلال مجلس النواب أراد أن يوجه رسالة إلى الخارج مفادها أنه حرص على تنظيم انتخابات تشريعية أسفرت عن برلمان جديد ولكن في الحقيقة هذا البرلمان منزوع الصلاحيات.

ومن بين الأسباب الأخرى التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات المحلية حسب قول عمروسية غموض المرسوم عدد 10 فالتقسيم الترابي غير واضح ولكن ليس هذا هو المشكل الأكبر وإنما ما سيترتب عن هذا التقسيم وعن الانتخابات المحلية والجهوية والإقليمية من صراعات جهوية وما ستثيره من نعرات عروشية كما أنها تفتح الباب للوبيات المال الفاسد التي كانت قد أطلت برأسها واخترقت الانتخابات التشريعية الأخيرة وذلك باعتراف رئيس الجمهورية نفسه.  

أزمة شاملة

وفي قراءة للوضع العام في البلاد أشار عمار عمروسية إلى اجتماع العناصر الأساسية لأزمة عامة وعميقة وشاملة بدأت تتأكد من يوم إلى آخر وتتجه نحو مزيد التأزم، وذكر أن الوضع السياسي في البلاد من المفروض بعد سن دستور جديد وتنظيم انتخابات تشريعية أن يهدأ ويستقر لكن هذا لم يحدث ومرد ذلك السياق العام الذي وضع فيه الدستور ونظمت فيه الانتخابات، فالدستور الذي يعتبر أم القوانين أعده رئيس الجمهورية قيس سعيد بمفرده وهو ما أمكن فهمه من التصريحات التي أدلى بها العميد الصادق بلعيد رئيس الهيئة الاستشارية والأستاذ أمين محفوظ إذ أكد كلاهما أنه توجد مسافة كبيرة بين المشروع الذي اقترحته الهيئة الاستشارية والمشروع الذي عرضه الرئيس على الاستفتاء، أما الانتخابات التشريعية فقد سجلت أعلى نسبة عزوف عرفتها البلاد في تاريخها الانتخابي وذلك إضافة إلى مقاطعتها من قبل أغلب الأحزاب السياسية وقد عبرت نسبة المشاركة الضعيفة على أن الشعب لا يريد ما أراده الرئيس ولكن الرئيس لم يستوعب هذه الرسالة ومضى في تنفيذ مشروعه القائم على البناء القاعدي.

وبين القيادي في حزب العمال أن أهم منجز للثورة وهو الحريات العامة والفردية من حرية تنظم وحرية تعبير وحرية اعلام وغيرها تم المساس به، وذكر أن هذا الكلام لا يعني أن المشهد في السابق كان نقيا إذ كانت هناك قبل 25 جويلية تهديدات للحريات وكانت هناك مظاهر تعفن الديمقراطية بسبب المال الفاسد الذي وظفته حركة النهضة ومن شاركها في الحكم، ولكن الوضع اليوم أخطر بالنظر إلى المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال الذي يعتبر سيفا مسلطا على حرية التعبير. ولاحظ أن رئيس الجمهورية في خطابه الذي يحمل الكثير من الديماغوجيا تحدث عن حرية التفكير وقال إنها متاحة للجميع ولم يقل هذا الكلام عن حرية التعبير في الفضاء العام وهو ما يعني أنه يمكن للفرد أن يفكر كما يريد ولكن في الفضاء العام عليه أن يخرس لأن من يعبر عن رأيه بحرية يجد نفسه ملاحقا والأمثلة على ذلك عديدة وتكفي الإشارة فقط إلى ما حدث مع الصحفيين منية العرفاوي وإلياس الغربي وكذلك إلى العقوبة القاسية التي سلطت على الصحفي خليفة القاسمي والتي لم يشاهد لها مثل في عهد الدكتاتورية سواء في فترة بورقيبة أو فترة بن علي.

أين المحكمة الدستورية؟

ويرى عمار عمروسية أن أكثر ما يبعث على الانشغال هو المساس بالمؤسسات الدستورية حيث تم غلق أبواب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ولا أحد يعرف ما هو مصير بقية الهيئات مثل هيئة حقوق الانسان أو متى سيقع تركيز المحكمة الدستورية، فرئيس الجمهورية هو الذي بيده تركيزها فأين هي المحكمة الدستورية إذن، أما القضاء فهو على حد وصف محدثنا، في وضع مريع إذ في سابقة في تاريخ القضاء لم يقع اصدار الحركة القضائية وذلك بعد أن وقع حل المجلس الأعلى للقضاء وتركيز مجلس مؤقت وما تبعه من إجراءات تهدف إلى تدجين القضاء، وفي المقابل تم تنشيط المؤسسة الأمنية وتجريم الحراك الاجتماعي.

أما على الصعيد الخارجي، فبين عمروسية أن البلاد في مأزق كبير إذ هي حسب اعتقاده في عزلة دولية وضعها فيها الرئيس سعيد من خلال سياسة خارجية وصفها بالمرتبكة، واستدل بتداعيات تصريح الرئيس حول توافد المهاجرين غير النظاميين من افريقيا جنوب الصحراء رغم محاولته لاحقا إصلاح الوضع.

وفي تقييم للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أشار عمار عمروسية القيادي في حزب العمال إلى أن كل المؤشرات مفزعة وذلك بالنظر إلى تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى 93 يوما توريد وتفاقم عجز الميزان التجاري وتزايد نسبة البطالة خاصة في صفوف أصحاب الشهادات العليا الذين كانوا ينتظرون تفعيل القانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي وهو قانون أمضى عليه رئيس الجمهورية لكنه بعد أن ختمه وأذن بنشره في الرائد الرسمي تراجع وقال للمعطلين عن العمل إن هذا القانون لن يطبق، فالبطالة في تزايد وفي المقابل الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرا بل بدأ الفقر يمس الطبقة المتوسطة من أساتذة وموظفين هذا إضافة إلى أزمة ندرة بعض المواد الاستهلاكية، وحتى تمويل الميزانية فهو مرتبط بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذكر عمروسية أنه لا بد من الإشارة في علاقة بصندوق النقد الدولي إلى ازدواجية الخطاب السياسي لدى السلطة التنفيذية تماما كما حصل في زمن حكم النهضة، فالحكومة التي عينها الرئيس سعيد متمسكة بتنفيذ الإصلاحات التدميرية التي يريد صندوق النقد الدولي فرضها على تونس  لكن الرئيس يرفض ويقول إنه لا مساس بالسيادة الوطنية ويجب أن نعول على أنفسنا.

برلمان بلا معارضة

وتعقيبا عن استفسار حول رأيه في المشهد البرلماني الجديد خاصة وأنه خبر العمل النيابي ومارسه طيلة خمس سنوات في المدة النيابية 2014-2019 أجاب عمار عمروسية أن مجلس نواب الشعب الجديد شرعيته مضروبة لأن نسبة المشاركة في انتخاب أعضائه كانت في حدود 11 بالمائة والشرعية التي يستمدها المجلس، يستمدها من الأجهزة الصلبة للدولة من أمن وجيش وقضاء وقع تدجينه وبالتالي فهو برلمان صوري وشكلي ومنزوع الصلاحيات ولا يرتقي حتى للبرلمان الديكوري الذي كان موجودا زمن الدكتاتورية نظرا لأنه لن يكون له دور رقابي فعلي وحتى المعارضة غير موجودة فيه إذ أن المجلس عند نظره في نظامه الداخلي أسقط المعارضة وهذا بدعة وأمر غريب ويدل على أن البلاد فعلا في حالة اختناق لكن يبدو أن رئيس الجمهورية لم يستوعب ذلك ولم يتعظ من التجارب التي عرفتها البلاد في السابق والتي أكدت أن الحكم الفردي المطلق لا يجد له مكانا في تونس. وهذا الهدوء المخيف للشارع ستعقبه هزات كبيرة.

وقال محدثنا إنه على رئيس الدولة أن يدرك أن البلاد دخلت في منطقة الزوابع وأن الشعب لن يصمت، فهذا الشعب جرب الاستبداد في السابق وانتصر عليه، واليوم رئيس الجمهورية ماض في تنفيذ مشروعه ومستعيدا الشكل الدكتاتوري للحكم ومستفيدا من تراجع الحراك الاجتماعي ومن ضعف المعارضة علما وأن المعارضة في تونس وفق تعبير عمروسية معارضات فهناك المعارضة الرجعية التي تريد العودة إلى ما قبل 25 جويلية وفي مقدمتها حركة النهضة والمعارضة التي انقلبت إلى عكاز يستند إليه سعيد ومنها الوطد والتيار الشعبي وحركة الشعب وهناك المعارضة التي تتزعمها عبير موسي ولكن هناك المعارضة التي تنشط تحت عنوان الصمود وفي طليعتها حزب العمال الذي يعتبر أن مبرر وجوده هو الدفاع عن مصلحة الطبقة العاملة والدفاع عن الشعب واستكمال تحقيق أهداف الثورة من شغل وحرية وكرامة وطنية وتنشيط الرفض الشعبي لكل مظاهر التغول الاستبدادي. وبين أن حزب العمال يدرك أن هذا الطريق طويل وشاق لكنه لن يحيد عنه.

وإجابة عن سؤال حول رأيه في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بين عمروسية أنه على ما يبدو له أصبحت هذه المبادرة في بيت الانعاش لأن رئيس الجمهورية أطلق عليها النار قبل أن يعرفها إذ أنه رفض كل أشكال الحوار لأنه يعتبر نفسه الزعيم الملهم القادر على إدارة الشأن العام ودواليب الدولة بمفرده، وذكر أن السلطة بعد أن رفضت تلك المبادرة وجد الاتحاد نفسه في حرج وسيكون من الأفضل للقيادة النقابية أن تعي بالمخاطر المحدقة بالشغالين وبحرية العمل النقابي لأن نظام الحكم الحالي يتجه إلى هضم جميع المكاسب بما فيها حرية العمل النقابي، وعلى الاتحاد أن يعي أن رئيس الجمهورية يعمل على اختراق المنظمة من الداخل من خلال تعيين عضو مكتب تنفيذي سابق على رأس وزارة التربية والرئيس يتحين الفرصة لضرب الاتحاد مثلما ضرب معارضيه واستدل محدثنا بما حدث لعصام الشابي وغازي الشواشي اللذين تم اتهامها بالتآمر على أمن الدولة وقال إنه قد لا يتفق معهما في ما فعلاه في إطار البحث عن مبادرة تخرج البلاد من المأزق لكنه يعتبر ما حدث لهما تعديا عن الحقوق والحريات ومحاولة من رئيس الجمهورية لتحصين نظامه من هزة اجتماعية.

وفي سياق الحديث عن المعارضة أجاب عمروسية عن سؤال آخر حول مآل تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي تم بعثها قبيل الاستفتاء، وأشار إلى أن التنسيقية كانت تتكون من خمسة أحزاب لكن حزب الجمهورية انسحب منها وبقيت فيها أحزاب العمال والتكتل والقطب والتيار الديمقراطي، وذكر أنه رغم النقائص خاصة على مستوى عمقها الشعبي فقد تمكنت التنسيقية خلال الاستفتاء والانتخابات التشريعية من إعطاء الأمل للتونسيين بإمكانية وجود خط مستقل فهو ليس مع النهضة وليس مع سعيد بل هو طريق القوى الديمقراطية التقدمية الاجتماعية التي تتوحد من أجل الدفاع عن الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسيادة الوطنية. ويرى القيادي في حزب العمال أن تنسيقية الرباعي مطالبة بالانفتاح على القوى الشبابية والمدنية وبالعمل وسط الشعب حتى تتحول إلى قوة جماهيرية.

سعيدة بوهلال      

  

 

القيادي بحزب العمال عمار عمروسية:  سنقاطع الانتخابات المحلية والبلدية والرئاسية

تونس: الصباح

تنزيلا للمرسوم عدد 10 لسنة 2023 المؤرخ في 8 مارس 2023 والمتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، انطلقت هذا الأسبوع بجميع جهات الجمهورية الأشغال الميدانية للمشروع الوطني الرامي إلى التحديد الترابي للدوائر الانتخابية المحلية التي تشارك فيها  الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ووزارة الداخلية والمركز الوطني لرسم الخرائط والاستشعار عن بعد والمعهد الوطني للإحصاء والديوان الوطني لقيس الأراضي والمسح العقاري والإدارات الجهويـة المعنيــــة بإنجاز هذا المشروع الذي سيضفي إلى إحداث 2155 دائرة انتخابية في 2085 عمادة وفق معطيات الهيئة. وعن موقفه من الانتخابات المحلية التي تستعد الهيئة العليا المستقلة لتنظيمها تحدث القيادي في حزب العمال عمار عمروسية وقال إنهم سيقاطعونها مثلما قاطعوا في السابق الاستشارة الوطنية والاستفتاء حول مشروع الدستور والانتخابات التشريعية. وعبر عن قلقه من تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس بشكل عام وبين أنها تؤذن في كل لحظة بالانفجار.  

وأشار في تصريح لـ "الصباح" إلى أن جميع المحطات الانتخابية المرتقبة سواء المحلية منها أو البلدية أو الرئاسية ستكون محل مقاطعة، وليس هذا فقط بل سيعمل حزب العمال على أن تكون هذه المقاطعة مقاطعة نشيطة لوضع حد للنهج التدميري الذي رسمه رئيس الجمهورية قيس سعيد، حسب وصفه. وبين أن سعيد تظاهر خلال الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية 2019 بأنه ليس لديه أي برنامج سياسي لكن تبين بالكاشف لمن انتخبوه أنهم تعرضوا لخديعة كبرى إذ أدركوا أن البرنامج السياسي الذي يريد الرئيس تنفيذه هو البناء القاعدي والتمثيلية القاعدية التي أسس لها بالدستور من خلال إيجاد المجلس الوطني للجهات والأقاليم والتي نزلها بالمرسوم عدد 10 المتعلق بتنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، حيث اتضح أن الرهان الأكبر لرئيس الجمهورية ليس مجلس نواب الشعب وإنما المجلس الوطني للجهات والأقاليم، فهو من خلال مجلس النواب أراد أن يوجه رسالة إلى الخارج مفادها أنه حرص على تنظيم انتخابات تشريعية أسفرت عن برلمان جديد ولكن في الحقيقة هذا البرلمان منزوع الصلاحيات.

ومن بين الأسباب الأخرى التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات المحلية حسب قول عمروسية غموض المرسوم عدد 10 فالتقسيم الترابي غير واضح ولكن ليس هذا هو المشكل الأكبر وإنما ما سيترتب عن هذا التقسيم وعن الانتخابات المحلية والجهوية والإقليمية من صراعات جهوية وما ستثيره من نعرات عروشية كما أنها تفتح الباب للوبيات المال الفاسد التي كانت قد أطلت برأسها واخترقت الانتخابات التشريعية الأخيرة وذلك باعتراف رئيس الجمهورية نفسه.  

أزمة شاملة

وفي قراءة للوضع العام في البلاد أشار عمار عمروسية إلى اجتماع العناصر الأساسية لأزمة عامة وعميقة وشاملة بدأت تتأكد من يوم إلى آخر وتتجه نحو مزيد التأزم، وذكر أن الوضع السياسي في البلاد من المفروض بعد سن دستور جديد وتنظيم انتخابات تشريعية أن يهدأ ويستقر لكن هذا لم يحدث ومرد ذلك السياق العام الذي وضع فيه الدستور ونظمت فيه الانتخابات، فالدستور الذي يعتبر أم القوانين أعده رئيس الجمهورية قيس سعيد بمفرده وهو ما أمكن فهمه من التصريحات التي أدلى بها العميد الصادق بلعيد رئيس الهيئة الاستشارية والأستاذ أمين محفوظ إذ أكد كلاهما أنه توجد مسافة كبيرة بين المشروع الذي اقترحته الهيئة الاستشارية والمشروع الذي عرضه الرئيس على الاستفتاء، أما الانتخابات التشريعية فقد سجلت أعلى نسبة عزوف عرفتها البلاد في تاريخها الانتخابي وذلك إضافة إلى مقاطعتها من قبل أغلب الأحزاب السياسية وقد عبرت نسبة المشاركة الضعيفة على أن الشعب لا يريد ما أراده الرئيس ولكن الرئيس لم يستوعب هذه الرسالة ومضى في تنفيذ مشروعه القائم على البناء القاعدي.

وبين القيادي في حزب العمال أن أهم منجز للثورة وهو الحريات العامة والفردية من حرية تنظم وحرية تعبير وحرية اعلام وغيرها تم المساس به، وذكر أن هذا الكلام لا يعني أن المشهد في السابق كان نقيا إذ كانت هناك قبل 25 جويلية تهديدات للحريات وكانت هناك مظاهر تعفن الديمقراطية بسبب المال الفاسد الذي وظفته حركة النهضة ومن شاركها في الحكم، ولكن الوضع اليوم أخطر بالنظر إلى المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال الذي يعتبر سيفا مسلطا على حرية التعبير. ولاحظ أن رئيس الجمهورية في خطابه الذي يحمل الكثير من الديماغوجيا تحدث عن حرية التفكير وقال إنها متاحة للجميع ولم يقل هذا الكلام عن حرية التعبير في الفضاء العام وهو ما يعني أنه يمكن للفرد أن يفكر كما يريد ولكن في الفضاء العام عليه أن يخرس لأن من يعبر عن رأيه بحرية يجد نفسه ملاحقا والأمثلة على ذلك عديدة وتكفي الإشارة فقط إلى ما حدث مع الصحفيين منية العرفاوي وإلياس الغربي وكذلك إلى العقوبة القاسية التي سلطت على الصحفي خليفة القاسمي والتي لم يشاهد لها مثل في عهد الدكتاتورية سواء في فترة بورقيبة أو فترة بن علي.

أين المحكمة الدستورية؟

ويرى عمار عمروسية أن أكثر ما يبعث على الانشغال هو المساس بالمؤسسات الدستورية حيث تم غلق أبواب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ولا أحد يعرف ما هو مصير بقية الهيئات مثل هيئة حقوق الانسان أو متى سيقع تركيز المحكمة الدستورية، فرئيس الجمهورية هو الذي بيده تركيزها فأين هي المحكمة الدستورية إذن، أما القضاء فهو على حد وصف محدثنا، في وضع مريع إذ في سابقة في تاريخ القضاء لم يقع اصدار الحركة القضائية وذلك بعد أن وقع حل المجلس الأعلى للقضاء وتركيز مجلس مؤقت وما تبعه من إجراءات تهدف إلى تدجين القضاء، وفي المقابل تم تنشيط المؤسسة الأمنية وتجريم الحراك الاجتماعي.

أما على الصعيد الخارجي، فبين عمروسية أن البلاد في مأزق كبير إذ هي حسب اعتقاده في عزلة دولية وضعها فيها الرئيس سعيد من خلال سياسة خارجية وصفها بالمرتبكة، واستدل بتداعيات تصريح الرئيس حول توافد المهاجرين غير النظاميين من افريقيا جنوب الصحراء رغم محاولته لاحقا إصلاح الوضع.

وفي تقييم للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أشار عمار عمروسية القيادي في حزب العمال إلى أن كل المؤشرات مفزعة وذلك بالنظر إلى تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى 93 يوما توريد وتفاقم عجز الميزان التجاري وتزايد نسبة البطالة خاصة في صفوف أصحاب الشهادات العليا الذين كانوا ينتظرون تفعيل القانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي وهو قانون أمضى عليه رئيس الجمهورية لكنه بعد أن ختمه وأذن بنشره في الرائد الرسمي تراجع وقال للمعطلين عن العمل إن هذا القانون لن يطبق، فالبطالة في تزايد وفي المقابل الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرا بل بدأ الفقر يمس الطبقة المتوسطة من أساتذة وموظفين هذا إضافة إلى أزمة ندرة بعض المواد الاستهلاكية، وحتى تمويل الميزانية فهو مرتبط بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وذكر عمروسية أنه لا بد من الإشارة في علاقة بصندوق النقد الدولي إلى ازدواجية الخطاب السياسي لدى السلطة التنفيذية تماما كما حصل في زمن حكم النهضة، فالحكومة التي عينها الرئيس سعيد متمسكة بتنفيذ الإصلاحات التدميرية التي يريد صندوق النقد الدولي فرضها على تونس  لكن الرئيس يرفض ويقول إنه لا مساس بالسيادة الوطنية ويجب أن نعول على أنفسنا.

برلمان بلا معارضة

وتعقيبا عن استفسار حول رأيه في المشهد البرلماني الجديد خاصة وأنه خبر العمل النيابي ومارسه طيلة خمس سنوات في المدة النيابية 2014-2019 أجاب عمار عمروسية أن مجلس نواب الشعب الجديد شرعيته مضروبة لأن نسبة المشاركة في انتخاب أعضائه كانت في حدود 11 بالمائة والشرعية التي يستمدها المجلس، يستمدها من الأجهزة الصلبة للدولة من أمن وجيش وقضاء وقع تدجينه وبالتالي فهو برلمان صوري وشكلي ومنزوع الصلاحيات ولا يرتقي حتى للبرلمان الديكوري الذي كان موجودا زمن الدكتاتورية نظرا لأنه لن يكون له دور رقابي فعلي وحتى المعارضة غير موجودة فيه إذ أن المجلس عند نظره في نظامه الداخلي أسقط المعارضة وهذا بدعة وأمر غريب ويدل على أن البلاد فعلا في حالة اختناق لكن يبدو أن رئيس الجمهورية لم يستوعب ذلك ولم يتعظ من التجارب التي عرفتها البلاد في السابق والتي أكدت أن الحكم الفردي المطلق لا يجد له مكانا في تونس. وهذا الهدوء المخيف للشارع ستعقبه هزات كبيرة.

وقال محدثنا إنه على رئيس الدولة أن يدرك أن البلاد دخلت في منطقة الزوابع وأن الشعب لن يصمت، فهذا الشعب جرب الاستبداد في السابق وانتصر عليه، واليوم رئيس الجمهورية ماض في تنفيذ مشروعه ومستعيدا الشكل الدكتاتوري للحكم ومستفيدا من تراجع الحراك الاجتماعي ومن ضعف المعارضة علما وأن المعارضة في تونس وفق تعبير عمروسية معارضات فهناك المعارضة الرجعية التي تريد العودة إلى ما قبل 25 جويلية وفي مقدمتها حركة النهضة والمعارضة التي انقلبت إلى عكاز يستند إليه سعيد ومنها الوطد والتيار الشعبي وحركة الشعب وهناك المعارضة التي تتزعمها عبير موسي ولكن هناك المعارضة التي تنشط تحت عنوان الصمود وفي طليعتها حزب العمال الذي يعتبر أن مبرر وجوده هو الدفاع عن مصلحة الطبقة العاملة والدفاع عن الشعب واستكمال تحقيق أهداف الثورة من شغل وحرية وكرامة وطنية وتنشيط الرفض الشعبي لكل مظاهر التغول الاستبدادي. وبين أن حزب العمال يدرك أن هذا الطريق طويل وشاق لكنه لن يحيد عنه.

وإجابة عن سؤال حول رأيه في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بين عمروسية أنه على ما يبدو له أصبحت هذه المبادرة في بيت الانعاش لأن رئيس الجمهورية أطلق عليها النار قبل أن يعرفها إذ أنه رفض كل أشكال الحوار لأنه يعتبر نفسه الزعيم الملهم القادر على إدارة الشأن العام ودواليب الدولة بمفرده، وذكر أن السلطة بعد أن رفضت تلك المبادرة وجد الاتحاد نفسه في حرج وسيكون من الأفضل للقيادة النقابية أن تعي بالمخاطر المحدقة بالشغالين وبحرية العمل النقابي لأن نظام الحكم الحالي يتجه إلى هضم جميع المكاسب بما فيها حرية العمل النقابي، وعلى الاتحاد أن يعي أن رئيس الجمهورية يعمل على اختراق المنظمة من الداخل من خلال تعيين عضو مكتب تنفيذي سابق على رأس وزارة التربية والرئيس يتحين الفرصة لضرب الاتحاد مثلما ضرب معارضيه واستدل محدثنا بما حدث لعصام الشابي وغازي الشواشي اللذين تم اتهامها بالتآمر على أمن الدولة وقال إنه قد لا يتفق معهما في ما فعلاه في إطار البحث عن مبادرة تخرج البلاد من المأزق لكنه يعتبر ما حدث لهما تعديا عن الحقوق والحريات ومحاولة من رئيس الجمهورية لتحصين نظامه من هزة اجتماعية.

وفي سياق الحديث عن المعارضة أجاب عمروسية عن سؤال آخر حول مآل تنسيقية الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية التي تم بعثها قبيل الاستفتاء، وأشار إلى أن التنسيقية كانت تتكون من خمسة أحزاب لكن حزب الجمهورية انسحب منها وبقيت فيها أحزاب العمال والتكتل والقطب والتيار الديمقراطي، وذكر أنه رغم النقائص خاصة على مستوى عمقها الشعبي فقد تمكنت التنسيقية خلال الاستفتاء والانتخابات التشريعية من إعطاء الأمل للتونسيين بإمكانية وجود خط مستقل فهو ليس مع النهضة وليس مع سعيد بل هو طريق القوى الديمقراطية التقدمية الاجتماعية التي تتوحد من أجل الدفاع عن الحريات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسيادة الوطنية. ويرى القيادي في حزب العمال أن تنسيقية الرباعي مطالبة بالانفتاح على القوى الشبابية والمدنية وبالعمل وسط الشعب حتى تتحول إلى قوة جماهيرية.

سعيدة بوهلال