*أخطر محاولات التخريب هوّ التلاعب بالرتب في سلك انضباطي وهذا ما تمّ بالفعل داخل الجهاز
لا شكّ ولا اختلاف في أنّ الهدف من التحوّلات السياسية منذ 2011 هوّ ضرب أركان الدّولة لتكون لقمة سائغة لصنّاع السياسات وساحة مفتوحة للقوى الدولية.
في هذا السياق العام تعرّضت الأجهزة وفي مقدّمتها وزارة الداخلية لمحاولات تفكيك واختراق بشتّى السبل وانطلقت الحرب على الجهار ببرقيات التقاعد الوجوبي والتي شملت ما يتجاوز الـ100 من خيرة الكفاءات من الضبّاط السامين والضبّاط القادة الذين تلقّوا تكوينا عاليا في المدارس العسكرية المحليّة والأجنبيّة وتمّ إعدادهم ليكونوا عقل الجهاز وجهاز التحكّم الذي يضمن نجاعته وتماسكه ، توازيا مع ذلك تمّ حلّ جهاز أمن الدولة تحت ضغط الحقوقيين المأجورين وبتواطؤ أطراف سياسية بعينها وكلّ ذلك بحجّة الديمقراطية والانفتاح السياسي والحال أنّ كبرى الديمقراطيات في العالم تحتكم على أعظم أجهزة أمن الدولة وأنّ الضمان الحقيقي لتركيز أمن جمهوري هو الأمن القومي وما دون ذلك من خيارات بفتح الحدود والبلاد على مصراعيه لكلّ أنواع الاختراق والتآمر .
دخلت البلاد مرحلة المحاصصات السياسية وتقاسم الغنيمة وتمّ نقل الصراع إلى داخل الجهاز وتمّ استبعاد معايير الكفاءة والنزاهة لصالح معايير أخرى وأصبحت التعيينات تتمّ حسب الموالاة للأطراف السياسية الحاكمة آنذاك وحصلت موجة نقل رهيبة داخل الجهاز وانحصر دوره في الاستجابة للنزعة المطلبية فتمّت الموافقة على كلّ مطالب النقل كيفما كانت وحيثما كانت مع الأخذ بعين الاعتبارات بكلّ الاعتبارات إلاّ مصلحة الجهاز.
أخطر محاولات التخريب هوّ التلاعب بالرتب في سلك انضباطي وهذا ما تمّ بالفعل داخل الجهاز، تلك الرتب السامية التي كانت في السابق تسند وفق معايير مشدّدة ويتطلّب الوصول لها كفاءة وانضباطا وتضحية لعقود أصبحت متاحة للجميع و"أصبح القائد الموهوب كالمقاوم" على حدّ تعبير القبّاني .
هذه الاجراءات أحبطت الضباط السامون والضباط القادة بعد أن تساوت رتبهم بمن كانوا بالأمس القريب يأتمرون بأوامرهم وتواصل التلاعب بالرّتب إلى أن انقلب الهرم وأصبح عدد الضباط أكثر من أعوان التنفيذ علما وأنّ ما لا يختلف فيه إثنان أنّ هؤلاء الضبّاط السامون دورهم الحقيقي هوّ أن يكونوا عقل الجهاز الذي يضع سياساته وتكتيكاته لمواجهة التحدّيات التي هيّ أكثر من أن تحصى (التطرّف / المخدّرات/ارتفاع منسوب الجريمة ...) ودورها هو إعادة التماسك للنسيج المجتمعي واستعادة هيبة الدّولة والحرص على حسن إنفاذ القوانين.
هذا التلاعب الذي أنتج عدم التناسق بين الرتبة والوظيفة أدّى إلى مشاهد مخزية لا يمكن أن تحصل في دولة تحترم نفسها وجهازها من ذلك أن ترى ضبّاط سامون ينظمّون السيارات في مستودع أو يقفون على قارعة الطريق للقيام بإجراءات أمنية روتينية لا تستحقّ خبرة عالية ويمكن أن يقوم بها من دخل اليوم إلى الجهاز.
إنّ وقوف ضبّاط سامون لتنظيم مستودعات السيارات لكائن من كان هو رسالة سلبيّة لشباب الجهاز وللمواطن عموما وهي عمليّة ترذيل للعمل الأمني في وقت تحتاج فيه البلاد أكثر من أيّ وقت مضى لهذه الكفاءات الاستثنائية.
النقابات الأمنية والتي اتّجهت في البداية للدفاع عن المطالب المشروعة لأبناء الجهاز (تحسين ظروف العمل -الزيادة في الأجور- مطالب اجتماعية...)تحوّلت هيّ الأخرى إلى بؤرة تنخر جسد الجهاز ووقعت في فخّ ما سمّي بتصحيح المسار لتنتج مسارا خاطئا يعمّق حالة التفكيك داخل الجهاز ويفقد الرتب الأمنية قيمتها ووزنها وإن كان ذلك بشكل مختلف وانتهت إلى ما انتهت إليه اليوم من الفساد والافساد لتتدخّل السلطة لايقاف هذا النزيف ومحاكمة الذين خرّبوا الجهاز وتلاعبوا بهيبته.
إن الغاية من كتابة هذا المقال ليس تحليل الوضع داخل الجهاز ولا تقديم قراءة ومعطيات يعلمها القائمون على الدولة ولكنّ توجيه رسالة واضحة لسلطة القرار لمراجعة كلّ التعيينات والاعفاءات التي تمّت من 2011 إلى 25 جويلية والمناظرات التي حصلت والبحث عن المسؤولين عن الاختراقات الحاصلة وارتباطها المباشر بالسلطة السياسية التي حكمت البلاد وبأجندتها الجاهزة لتفكيك جهاز الأمن الذي يمثّل العمود الفقري لقيام الدّولة برمّتها .
لقد وجّهنا في مقال سابق رسالة لرئيس الجمهورية نحثًه فيها على إعادة جهاز أمن الدّولة حتّى يمسك بالجهاز ويضع التقارير اللازمة أمام السلطة السياسية لتتمكّن في اتّخاذ القرارات اللازمة في وقتها وبالنجاعة المطلوبة.
عمليّة جربة التي حصلت منذ أيّام وقام بها منتدب في 2016 تكمن خطورتها في أنّها تمّت على يد من يرتدي زيّ دافعت عنه رجال بأرواحها حتّى يرفرف ذلك العلم عاليا رغم كلّ المؤامرات الاقليمية والدولية وفي ملحمة بن ڤردان دروس في الشجاعة والوطنية وفي أحداث سليمان وفي غيرها ...
هذه العمليّة لن تربكنا ولن تدخل إلينا الشكّ في الجهاز الأمني الذي جعل من تونس استثناءً لكلّ دول المنطقة التي لم تنج من الحروب الطاحنة والتي لا تزال إلى اليوم، هذا الجهاز الذي شهدت بصلابته كلّ الدنيا لا يمكن إلاّ أن نحافظ عليه ونجعله أكثر قوّة ونجاعة من خلال مراجعة التعيينات والانتدابات والارتباطات المشبوهة بين أطراف معلومة داخل الجهاز مع جهات متطرّفة و مصنّفة و ما ارتبط بذلك من عمليات خطيرة (مشتريات وتجهيزات ...) بعدما خرّبوا ما خرّبوا تمّت مكافأتهم ببعثات خارج الوطن ليقفل الملفّ مرّة وإلى الأبد .لا بدّ من استعادة جهاز أمن الدّولة ومحاسبة كلّ من أجرم في حقّ وفي هذا لا حصانة لأحد ولا فضل لأحد على أحد .
ختاما لا يمكن الحديث عن دولة قويّة دون جهاز أمن صلب ولا عن مخطّطات اقتصادية ولا عن مكافحة للجريمة المنظّمة في غياب عقول وكفاءات جهاز الأمن الداخلي الذين جعلوا من هذا الوطن آمنا منفتحا متسامحا لعقود بشهادة الخارج قبل الداخل بفضل ما راكم أبناء الجهاز من خبرات وتجربة وما قدّموا من تضحيات تضيق بها هذه الأسطر وفي النهاية تبنى الأمم على رمزياتها وقياداتها الأمنية والعسكرية والمدنية وخلاف ذلك مغالاة ومزايدة لمن اعتادوا على التغريد خارج السرب.
*جمعية موطن الياسمين
بقلم: سليم العڤربي (*)
*أخطر محاولات التخريب هوّ التلاعب بالرتب في سلك انضباطي وهذا ما تمّ بالفعل داخل الجهاز
لا شكّ ولا اختلاف في أنّ الهدف من التحوّلات السياسية منذ 2011 هوّ ضرب أركان الدّولة لتكون لقمة سائغة لصنّاع السياسات وساحة مفتوحة للقوى الدولية.
في هذا السياق العام تعرّضت الأجهزة وفي مقدّمتها وزارة الداخلية لمحاولات تفكيك واختراق بشتّى السبل وانطلقت الحرب على الجهار ببرقيات التقاعد الوجوبي والتي شملت ما يتجاوز الـ100 من خيرة الكفاءات من الضبّاط السامين والضبّاط القادة الذين تلقّوا تكوينا عاليا في المدارس العسكرية المحليّة والأجنبيّة وتمّ إعدادهم ليكونوا عقل الجهاز وجهاز التحكّم الذي يضمن نجاعته وتماسكه ، توازيا مع ذلك تمّ حلّ جهاز أمن الدولة تحت ضغط الحقوقيين المأجورين وبتواطؤ أطراف سياسية بعينها وكلّ ذلك بحجّة الديمقراطية والانفتاح السياسي والحال أنّ كبرى الديمقراطيات في العالم تحتكم على أعظم أجهزة أمن الدولة وأنّ الضمان الحقيقي لتركيز أمن جمهوري هو الأمن القومي وما دون ذلك من خيارات بفتح الحدود والبلاد على مصراعيه لكلّ أنواع الاختراق والتآمر .
دخلت البلاد مرحلة المحاصصات السياسية وتقاسم الغنيمة وتمّ نقل الصراع إلى داخل الجهاز وتمّ استبعاد معايير الكفاءة والنزاهة لصالح معايير أخرى وأصبحت التعيينات تتمّ حسب الموالاة للأطراف السياسية الحاكمة آنذاك وحصلت موجة نقل رهيبة داخل الجهاز وانحصر دوره في الاستجابة للنزعة المطلبية فتمّت الموافقة على كلّ مطالب النقل كيفما كانت وحيثما كانت مع الأخذ بعين الاعتبارات بكلّ الاعتبارات إلاّ مصلحة الجهاز.
أخطر محاولات التخريب هوّ التلاعب بالرتب في سلك انضباطي وهذا ما تمّ بالفعل داخل الجهاز، تلك الرتب السامية التي كانت في السابق تسند وفق معايير مشدّدة ويتطلّب الوصول لها كفاءة وانضباطا وتضحية لعقود أصبحت متاحة للجميع و"أصبح القائد الموهوب كالمقاوم" على حدّ تعبير القبّاني .
هذه الاجراءات أحبطت الضباط السامون والضباط القادة بعد أن تساوت رتبهم بمن كانوا بالأمس القريب يأتمرون بأوامرهم وتواصل التلاعب بالرّتب إلى أن انقلب الهرم وأصبح عدد الضباط أكثر من أعوان التنفيذ علما وأنّ ما لا يختلف فيه إثنان أنّ هؤلاء الضبّاط السامون دورهم الحقيقي هوّ أن يكونوا عقل الجهاز الذي يضع سياساته وتكتيكاته لمواجهة التحدّيات التي هيّ أكثر من أن تحصى (التطرّف / المخدّرات/ارتفاع منسوب الجريمة ...) ودورها هو إعادة التماسك للنسيج المجتمعي واستعادة هيبة الدّولة والحرص على حسن إنفاذ القوانين.
هذا التلاعب الذي أنتج عدم التناسق بين الرتبة والوظيفة أدّى إلى مشاهد مخزية لا يمكن أن تحصل في دولة تحترم نفسها وجهازها من ذلك أن ترى ضبّاط سامون ينظمّون السيارات في مستودع أو يقفون على قارعة الطريق للقيام بإجراءات أمنية روتينية لا تستحقّ خبرة عالية ويمكن أن يقوم بها من دخل اليوم إلى الجهاز.
إنّ وقوف ضبّاط سامون لتنظيم مستودعات السيارات لكائن من كان هو رسالة سلبيّة لشباب الجهاز وللمواطن عموما وهي عمليّة ترذيل للعمل الأمني في وقت تحتاج فيه البلاد أكثر من أيّ وقت مضى لهذه الكفاءات الاستثنائية.
النقابات الأمنية والتي اتّجهت في البداية للدفاع عن المطالب المشروعة لأبناء الجهاز (تحسين ظروف العمل -الزيادة في الأجور- مطالب اجتماعية...)تحوّلت هيّ الأخرى إلى بؤرة تنخر جسد الجهاز ووقعت في فخّ ما سمّي بتصحيح المسار لتنتج مسارا خاطئا يعمّق حالة التفكيك داخل الجهاز ويفقد الرتب الأمنية قيمتها ووزنها وإن كان ذلك بشكل مختلف وانتهت إلى ما انتهت إليه اليوم من الفساد والافساد لتتدخّل السلطة لايقاف هذا النزيف ومحاكمة الذين خرّبوا الجهاز وتلاعبوا بهيبته.
إن الغاية من كتابة هذا المقال ليس تحليل الوضع داخل الجهاز ولا تقديم قراءة ومعطيات يعلمها القائمون على الدولة ولكنّ توجيه رسالة واضحة لسلطة القرار لمراجعة كلّ التعيينات والاعفاءات التي تمّت من 2011 إلى 25 جويلية والمناظرات التي حصلت والبحث عن المسؤولين عن الاختراقات الحاصلة وارتباطها المباشر بالسلطة السياسية التي حكمت البلاد وبأجندتها الجاهزة لتفكيك جهاز الأمن الذي يمثّل العمود الفقري لقيام الدّولة برمّتها .
لقد وجّهنا في مقال سابق رسالة لرئيس الجمهورية نحثًه فيها على إعادة جهاز أمن الدّولة حتّى يمسك بالجهاز ويضع التقارير اللازمة أمام السلطة السياسية لتتمكّن في اتّخاذ القرارات اللازمة في وقتها وبالنجاعة المطلوبة.
عمليّة جربة التي حصلت منذ أيّام وقام بها منتدب في 2016 تكمن خطورتها في أنّها تمّت على يد من يرتدي زيّ دافعت عنه رجال بأرواحها حتّى يرفرف ذلك العلم عاليا رغم كلّ المؤامرات الاقليمية والدولية وفي ملحمة بن ڤردان دروس في الشجاعة والوطنية وفي أحداث سليمان وفي غيرها ...
هذه العمليّة لن تربكنا ولن تدخل إلينا الشكّ في الجهاز الأمني الذي جعل من تونس استثناءً لكلّ دول المنطقة التي لم تنج من الحروب الطاحنة والتي لا تزال إلى اليوم، هذا الجهاز الذي شهدت بصلابته كلّ الدنيا لا يمكن إلاّ أن نحافظ عليه ونجعله أكثر قوّة ونجاعة من خلال مراجعة التعيينات والانتدابات والارتباطات المشبوهة بين أطراف معلومة داخل الجهاز مع جهات متطرّفة و مصنّفة و ما ارتبط بذلك من عمليات خطيرة (مشتريات وتجهيزات ...) بعدما خرّبوا ما خرّبوا تمّت مكافأتهم ببعثات خارج الوطن ليقفل الملفّ مرّة وإلى الأبد .لا بدّ من استعادة جهاز أمن الدّولة ومحاسبة كلّ من أجرم في حقّ وفي هذا لا حصانة لأحد ولا فضل لأحد على أحد .
ختاما لا يمكن الحديث عن دولة قويّة دون جهاز أمن صلب ولا عن مخطّطات اقتصادية ولا عن مكافحة للجريمة المنظّمة في غياب عقول وكفاءات جهاز الأمن الداخلي الذين جعلوا من هذا الوطن آمنا منفتحا متسامحا لعقود بشهادة الخارج قبل الداخل بفضل ما راكم أبناء الجهاز من خبرات وتجربة وما قدّموا من تضحيات تضيق بها هذه الأسطر وفي النهاية تبنى الأمم على رمزياتها وقياداتها الأمنية والعسكرية والمدنية وخلاف ذلك مغالاة ومزايدة لمن اعتادوا على التغريد خارج السرب.