إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم مرور 13 سنة من الممارسة الديمقراطية .. أحزاب تاريخية لم تجرؤ على التقييمات والمراجعات الذاتية

 

عبد اللطيف الحناشي لـ"الصباح": الخوف من ردود الفعل الخارجية ومن الخصوم وراء عدم إعلان الأحزاب عن المراجعات والتقييمات علنا

تونس – الصباح

رافق مسار الانتقال الديمقراطي في تونس طيلة سنوات الثورة وعلى مدى ما لا يقل عن عشر سنوات زخم من الحراك السياسي والحزبي والمحطات الانتخابية والسياسية كان لها وقع وتداعيات مصيرية في توجيه هذا الانتقال نحو إما صراعات إيديولوجية وسياسية أو نحو توافقات مشوهة في العديد من الملفات والمواقف والمحطات كانت مفصلية في تاريخ تونس.

تلك الصراعات والتوافقات المشوهة انبنت على مصالح حزبية ضيقة كانت مكشوفة وواضحة للرأي العام فلا تحتمل لا التشكيك ولا المبررات باعتبارها أدت إلى هذا المشهد السياسي الحالي المعقد وإلى أزمة اقتصادية واجتماعية حادة لا يُعلم كيف ستنجو منها تونس.

في كل تلك المحطات التي ميزت مسار الانتقال الديمقراطي وخلفت في نهاية الأمر أزمة ثقة بين الشارع التونسي وبين الوجوه السياسية والبرلمانية. فكانت تقييمات الأحزاب لأدائها السياسي، خاصة منها المهيمنة على المشهد، محتشمة إن لم نقل منعدمة أو متعالية أو مستنكرة لأخطائها أو باحثة لنفسها عن مبررات هربا ربما من مواجهة حقيقتها وأخطائها.

العديد من تلك الأحزاب وفي مقدمتها حركة النهضة مثلا، ثم بقية الأحزاب التاريخية على غرار الأحزاب اليسارية والتقدمية الديمقراطية الاجتماعية التي برز صوتها طيلة السنوات الماضية لم تواجه الرأي العام وبصفة علنية بتقييمات لأدائها السياسي والحزبي حتى بعد تنظيم مؤتمراتها التي لم تكن بدورها دورية.

واكتفت معظم هذه الأحزاب بالتصريحات الإعلامية من هنا وهناك لقياديها التي تدعي الشفافية والجرأة على مصارحة الشعب، لتبقى تلك التقييمات مجرد تقييمات مغلفة بالتبريرات الواهية.

بقيت هذه القاعدة في تعامل الأحزاب مع أدائها السياسي ومواجهة نفسها قاعدة عامة وشاملة إلى حدود الثلاثاء 16 ماي الجاري، يوم عقد حزب التيار الديمقراطي ندوة صحفية قدم خلالها مخرجات مؤتمره الثالث أيام 28، 29 و30 أفريل 2023.

واللافت في هذا السياق أن التيار نشر لائحة التقييم والمراجعات لأداء الحزب منذ تأسيسه إلى حدود 25 جويلية 2021 والفترة الموالية لها في عملية جرد دقيقة ومفصلة شملت حتى سلوكيات قياديه والمصطلحات المستعملة في عدة محطات من مسار الانتقال الديمقراطي إلى جانب الخيرات السياسية من ذلك المشاركة في الحكم في مناسبتين وغيرها من العمليات التقييمية. فهل يُعد ذلك من باب المسؤولية الحزبية تجاه الرأي العام؟ أم جرأة سياسية؟ أم محاولة للتفرد واستعادة ثقة القواعد بصفة خاصة والشعب التونسي بصفة عامة؟

في كل الحالات تعد هذه الخطوة جريئة في مثل هذا الظرف السياسي الدقيق الذي يستوجب المواجهة والوقوف على السلبيات والايجابيات، لم تجرؤ أحزاب تاريخية ولها مؤسساتها وهياكلها على القيام بها علنا على غرار حركة النهضة مما يبعث على التساؤل ما أسباب تخفي الأحزاب، خاصة تلك التي برزت طيلة سنوات الثورة، وهروبها من مواجهة الرأي العام؟

أوضح أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن الدكتور عبد اللطيف الحناشي في تصريح لـ"الصباح" أنّ "التيار الديمقراطي قام بمراجعة عميقة ودقيقة تناولت ليس فقط الخطاب السياسي ومفرداته وإنما أيضا السلوك السياسي للحزب وعلاقاته بالأحزاب الأخرى سواء في المناسبات أو الحياة اليومية وأيضا زمن الانتخابات التشريعية والرئاسية".

وأضاف الحناشي "هذا الأمر نجده مفقودا لدى الأحزاب السياسية الأخرى التي تتحدث دائما عن ضرورة النقد الذاتي والمراجعات ولكن لم تحاول القيام بذلك، وإن قامت به فهو محدود إما في الفترة الزمنية أو من حيث المراحل السياسية التي مرت بها البلاد أو من حيث التحالفات وغيرها من المسائل مثل تجديد القيادات".

وقال "هذا مهم جدا مقارنة بأحزاب أخرى على غرار حركة النهضة التي في أغلبها قيادات تاريخية كذلك الشأن بالنسبة لحزب العمال رغم أنها شهدت انسلاخات عديدة ومراجعات في حقيقة الأمر لم تكن عميقة خاصة من حيث الخطاب السياسي السائد أو البرنامج أو العلاقات أو السلوك السياسي".

وإجابة على سؤال "الصباح" حول أسباب عدم قيام الأحزاب بالتقييم والمراجعات لمساراتها السياسية علنيا، بيّن الدكتور عبد اللطيف الحناشي أنّ "كل الأحزاب في العالم تعيش أزمات، وفي ظل ما يعرف الآن بالانكماش أو الضمور الذي يعود إلى عدة أسباب منها الهيكلية والداخلية المتعلقة بالقُطر".

وأضاف "بالنسبة لتونس هي ظاهرة قديمة تعود إلى سنة 1920 في علاقة بالحزب الشيوعي و الدستوري، فلم نعش حياة حزبية طبيعية، فبعد الاستقلال تم تجميد الحزب الشيوعي التونسي ومنعه، ثم كانت هناك أحزاب سرية في شكل مجموعات وليس بالمفهوم العلمي الدقيق للحزب".

وقال "بعد الثورة صار إسهال حزبي فوصل عدد الأحزاب إلى 220 حزبا. والأحزاب التاريخية التي لديها تجربة وثقافة حزبية لا تتجاوز العشرة، بقيت قياداتها التاريخية هي المهيمنة عليها سواء ماليا أو أدبيا على أساس شرعيتها التاريخية والنضالية. فلم يكن لها أفق للتغيير داخلها".

وأوضح "من المفروض أن تمثل المؤتمرات، التي تتم داخل هذه الأحزاب، مناسبة للقيام أولا بالمراجعات والنقد الذاتي لسلوك القيادات وثانيا مراجعة البرامج والخطاب السياسي. لكن هذا كله لم يحدث وحتى إن تم ذلك فلم يجرؤوا على إخراجه للعلن".

وأرجع الدكتور عبد اللطيف الحناشي أسباب غياب هذه الجرأة في المواجهة العلنية إلى "الخوف من ردود الفعل الخارجية، ومن استغلال هذه المراجعات والتقييمات من قبل الخصوم لضرب الحزب أو المساهمة في إضعافه. فكل حزب له قدرة رهيبة على إيجاد مبررات غير مسنودة أو ضعيفة حتى لا يتم البوح بمخرجات التقييم والمراجعات التي يقوم بها".

وقال محدثنا "هي ظاهرة عالمية، في كل حزب هناك لوبي أو تكتل له مصالح معينة داخله يسعى إلى إيجاد مجموعات مساندة إليه في الخارج. ومشكلة الأحزاب في تونس خاصة منها الإيديولوجية تريد أن يكون هناك تيار واحد هو السائد والمهيمن".

وأوضح "من التبريرات التي يتم تقديمها حتى تتملص من المواجهة والتي تتعلل بها أغلب الأحزاب أن الظرف السياسي والعام لا يسمحا بالقيام بهذه الخطوة، وذات المبررات تعتمدها تلك الأحزاب في ما يتعلق بتنظيم مؤتمراتها وفق ما ينص عليه النظام الأساسي. وهذا ما يفسر الانشقاقات والانسلاخات التي تحدث داخلها بسبب عدم تطبيق الديمقراطية والتي تستوجب عليه القيام بالنقد الذاتي والمراجعات من مؤتمر إلى آخر".

وأوضح "كل هذا يتطلب نشر الوثائق والمعطيات عن التقييمات والمراجعات التي تتم للعلن وللرأي العام في إطار الشفافية والوضوح ما يدفع بالناس والقواعد للالتفاف حوله وفهم التوجهات التي قد تحدد الانتماءات من عدمها. وأيضا من أجل تطوير الحياة السياسية والحزبية".

إيمان عبد اللطيف

رغم مرور 13 سنة من الممارسة الديمقراطية .. أحزاب تاريخية لم تجرؤ على التقييمات والمراجعات الذاتية

 

عبد اللطيف الحناشي لـ"الصباح": الخوف من ردود الفعل الخارجية ومن الخصوم وراء عدم إعلان الأحزاب عن المراجعات والتقييمات علنا

تونس – الصباح

رافق مسار الانتقال الديمقراطي في تونس طيلة سنوات الثورة وعلى مدى ما لا يقل عن عشر سنوات زخم من الحراك السياسي والحزبي والمحطات الانتخابية والسياسية كان لها وقع وتداعيات مصيرية في توجيه هذا الانتقال نحو إما صراعات إيديولوجية وسياسية أو نحو توافقات مشوهة في العديد من الملفات والمواقف والمحطات كانت مفصلية في تاريخ تونس.

تلك الصراعات والتوافقات المشوهة انبنت على مصالح حزبية ضيقة كانت مكشوفة وواضحة للرأي العام فلا تحتمل لا التشكيك ولا المبررات باعتبارها أدت إلى هذا المشهد السياسي الحالي المعقد وإلى أزمة اقتصادية واجتماعية حادة لا يُعلم كيف ستنجو منها تونس.

في كل تلك المحطات التي ميزت مسار الانتقال الديمقراطي وخلفت في نهاية الأمر أزمة ثقة بين الشارع التونسي وبين الوجوه السياسية والبرلمانية. فكانت تقييمات الأحزاب لأدائها السياسي، خاصة منها المهيمنة على المشهد، محتشمة إن لم نقل منعدمة أو متعالية أو مستنكرة لأخطائها أو باحثة لنفسها عن مبررات هربا ربما من مواجهة حقيقتها وأخطائها.

العديد من تلك الأحزاب وفي مقدمتها حركة النهضة مثلا، ثم بقية الأحزاب التاريخية على غرار الأحزاب اليسارية والتقدمية الديمقراطية الاجتماعية التي برز صوتها طيلة السنوات الماضية لم تواجه الرأي العام وبصفة علنية بتقييمات لأدائها السياسي والحزبي حتى بعد تنظيم مؤتمراتها التي لم تكن بدورها دورية.

واكتفت معظم هذه الأحزاب بالتصريحات الإعلامية من هنا وهناك لقياديها التي تدعي الشفافية والجرأة على مصارحة الشعب، لتبقى تلك التقييمات مجرد تقييمات مغلفة بالتبريرات الواهية.

بقيت هذه القاعدة في تعامل الأحزاب مع أدائها السياسي ومواجهة نفسها قاعدة عامة وشاملة إلى حدود الثلاثاء 16 ماي الجاري، يوم عقد حزب التيار الديمقراطي ندوة صحفية قدم خلالها مخرجات مؤتمره الثالث أيام 28، 29 و30 أفريل 2023.

واللافت في هذا السياق أن التيار نشر لائحة التقييم والمراجعات لأداء الحزب منذ تأسيسه إلى حدود 25 جويلية 2021 والفترة الموالية لها في عملية جرد دقيقة ومفصلة شملت حتى سلوكيات قياديه والمصطلحات المستعملة في عدة محطات من مسار الانتقال الديمقراطي إلى جانب الخيرات السياسية من ذلك المشاركة في الحكم في مناسبتين وغيرها من العمليات التقييمية. فهل يُعد ذلك من باب المسؤولية الحزبية تجاه الرأي العام؟ أم جرأة سياسية؟ أم محاولة للتفرد واستعادة ثقة القواعد بصفة خاصة والشعب التونسي بصفة عامة؟

في كل الحالات تعد هذه الخطوة جريئة في مثل هذا الظرف السياسي الدقيق الذي يستوجب المواجهة والوقوف على السلبيات والايجابيات، لم تجرؤ أحزاب تاريخية ولها مؤسساتها وهياكلها على القيام بها علنا على غرار حركة النهضة مما يبعث على التساؤل ما أسباب تخفي الأحزاب، خاصة تلك التي برزت طيلة سنوات الثورة، وهروبها من مواجهة الرأي العام؟

أوضح أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن الدكتور عبد اللطيف الحناشي في تصريح لـ"الصباح" أنّ "التيار الديمقراطي قام بمراجعة عميقة ودقيقة تناولت ليس فقط الخطاب السياسي ومفرداته وإنما أيضا السلوك السياسي للحزب وعلاقاته بالأحزاب الأخرى سواء في المناسبات أو الحياة اليومية وأيضا زمن الانتخابات التشريعية والرئاسية".

وأضاف الحناشي "هذا الأمر نجده مفقودا لدى الأحزاب السياسية الأخرى التي تتحدث دائما عن ضرورة النقد الذاتي والمراجعات ولكن لم تحاول القيام بذلك، وإن قامت به فهو محدود إما في الفترة الزمنية أو من حيث المراحل السياسية التي مرت بها البلاد أو من حيث التحالفات وغيرها من المسائل مثل تجديد القيادات".

وقال "هذا مهم جدا مقارنة بأحزاب أخرى على غرار حركة النهضة التي في أغلبها قيادات تاريخية كذلك الشأن بالنسبة لحزب العمال رغم أنها شهدت انسلاخات عديدة ومراجعات في حقيقة الأمر لم تكن عميقة خاصة من حيث الخطاب السياسي السائد أو البرنامج أو العلاقات أو السلوك السياسي".

وإجابة على سؤال "الصباح" حول أسباب عدم قيام الأحزاب بالتقييم والمراجعات لمساراتها السياسية علنيا، بيّن الدكتور عبد اللطيف الحناشي أنّ "كل الأحزاب في العالم تعيش أزمات، وفي ظل ما يعرف الآن بالانكماش أو الضمور الذي يعود إلى عدة أسباب منها الهيكلية والداخلية المتعلقة بالقُطر".

وأضاف "بالنسبة لتونس هي ظاهرة قديمة تعود إلى سنة 1920 في علاقة بالحزب الشيوعي و الدستوري، فلم نعش حياة حزبية طبيعية، فبعد الاستقلال تم تجميد الحزب الشيوعي التونسي ومنعه، ثم كانت هناك أحزاب سرية في شكل مجموعات وليس بالمفهوم العلمي الدقيق للحزب".

وقال "بعد الثورة صار إسهال حزبي فوصل عدد الأحزاب إلى 220 حزبا. والأحزاب التاريخية التي لديها تجربة وثقافة حزبية لا تتجاوز العشرة، بقيت قياداتها التاريخية هي المهيمنة عليها سواء ماليا أو أدبيا على أساس شرعيتها التاريخية والنضالية. فلم يكن لها أفق للتغيير داخلها".

وأوضح "من المفروض أن تمثل المؤتمرات، التي تتم داخل هذه الأحزاب، مناسبة للقيام أولا بالمراجعات والنقد الذاتي لسلوك القيادات وثانيا مراجعة البرامج والخطاب السياسي. لكن هذا كله لم يحدث وحتى إن تم ذلك فلم يجرؤوا على إخراجه للعلن".

وأرجع الدكتور عبد اللطيف الحناشي أسباب غياب هذه الجرأة في المواجهة العلنية إلى "الخوف من ردود الفعل الخارجية، ومن استغلال هذه المراجعات والتقييمات من قبل الخصوم لضرب الحزب أو المساهمة في إضعافه. فكل حزب له قدرة رهيبة على إيجاد مبررات غير مسنودة أو ضعيفة حتى لا يتم البوح بمخرجات التقييم والمراجعات التي يقوم بها".

وقال محدثنا "هي ظاهرة عالمية، في كل حزب هناك لوبي أو تكتل له مصالح معينة داخله يسعى إلى إيجاد مجموعات مساندة إليه في الخارج. ومشكلة الأحزاب في تونس خاصة منها الإيديولوجية تريد أن يكون هناك تيار واحد هو السائد والمهيمن".

وأوضح "من التبريرات التي يتم تقديمها حتى تتملص من المواجهة والتي تتعلل بها أغلب الأحزاب أن الظرف السياسي والعام لا يسمحا بالقيام بهذه الخطوة، وذات المبررات تعتمدها تلك الأحزاب في ما يتعلق بتنظيم مؤتمراتها وفق ما ينص عليه النظام الأساسي. وهذا ما يفسر الانشقاقات والانسلاخات التي تحدث داخلها بسبب عدم تطبيق الديمقراطية والتي تستوجب عليه القيام بالنقد الذاتي والمراجعات من مؤتمر إلى آخر".

وأوضح "كل هذا يتطلب نشر الوثائق والمعطيات عن التقييمات والمراجعات التي تتم للعلن وللرأي العام في إطار الشفافية والوضوح ما يدفع بالناس والقواعد للالتفاف حوله وفهم التوجهات التي قد تحدد الانتماءات من عدمها. وأيضا من أجل تطوير الحياة السياسية والحزبية".

إيمان عبد اللطيف