إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نسّب "خطيئته" السياسية.. التيار الديمقراطي يقدم نقده الذاتي.. ويعيد تموقعه بين الأحزاب

 

تونس-الصباح

لا يزال مفهوم النقد الذاتي عند الكيانات السياسية في تونس واحدا من "التابوهات" المسكوت عنها داخليا.

حيث لم يعرض أي طرف حزبي نقده الذاتي أمام الجماهير بل إن هناك من الأحزاب من يرفض حتى الخوض في هذا المفهوم وممارسته، مما راكم الأخطاء وحوّل وجهة الأداء الحزبي الى منحى مرفوض، ترجمته لحظة 25 جويلية 2021 والموقف الشعبي من برلمان 2019 بعد عمليات الترذيل التي سبقت إغلاق مجلس باردو.

ورغم مرور نحو السنتين على إعلان الرئيس قيس سعيد عن تدابيره الاستثنائية فان أحزابا مازالت بعيدة عن مقاصد تشريح الأزمة ودورها في تبديل الواقع السياسي، من واقع منفتح على ذاته وعلى الآخرين الى واقع مغلق ترجمته المحاكمات التي شملت سياسيين ونقابيين وصحفيين.

وحيث أنه لا بناء جديد دون مساءلة الممارسات الماضية فقد افتتح حزب التيار الديمقراطي هذا المنهج.

إذ وبعد تجديد مكتبه السياسي وإعلان تركيبته النهائية بإلحاق عدد واسع من الشباب بالمربع القيادي الأول للحزب قدم التيار الديمقراطي نقده الذاتي في أول خطوة إصلاحية داخلية للتياريين.

وتأتي هذه الخطوة كمحاولة واقعية لتثبيت الهوية الحزبية للتيار لا بعلاقته بمختلف العائلات السياسية بل للتأكيد على المنحى النضالي للحزب في الدفاع عن الديمقراطية واستعادة لحظة ما قبل 25 جويلية من بوابة التفعيل الديمقراطي وتأكيد الحريات فحسب.

واعتبر المكتب السياسي الجديد المنبثق عن أشغال المؤتمر الثالث للتيار أن "25 جويلية لم يكن تطبيقا لفصل من الدستور وكان يفترض من التيار الديمقراطي التصدي منذ اللحظة الأولى لهذا الانقلاب وعدم القبول بالمس بالعقد الاجتماعي."

وفي واقع الأمر فقد بالغت الورقات الصادرة عن المؤتمر والتي تم عرضها أول أمس بتونس العاصمة بلغت حد "جلد الذات" حيث تم اعتبار "أن موقفنا لم يمكن في مستوى اللحظة التي مرت بها البلاد ونحذر الأجيال القادمة من الوقوع في الخطأ الذي وقعنا فيه نحن وأغلب الطيف السياسي في تونس".

وإذ تجاوز التيار لحظة الانهيار الداخلي بإحداث رجة المؤتمر الثالث وانتخاب نبيل حجي أمينا عاما خلفا للأستاذ المستقيل غازي الشواشي (معتقل منذ نحو 84 يوما بتهمة التآمر على أمن الدولة) فإنه دعا كذلك للحط من منسوب الخلافات السياسية مع مختلف الأحزاب السياسية الأخرى.

ففي تعليق له على تغيير منحى التيار وموقفه من مخالفيه من الأحزاب قال الأمين العام نبيل حجي "إن التيار يؤمن بالعيش المشترك بين جميع الأطياف السياسية حتى التي نحن في ضدية تامة معها ونعتبر أن هذا أساس العمل السياسي".

وحتى لا يكون لهم نصيب الأسد من "الخطيئة السياسية "سيما وأن قيادات من التيار (محمد عبو وسامية عبو) وبعض من نوابه السابقين (هشام العجبوني) ألحوا على سعيد لاستعمال الفصل 80 من الدستور 2014 ودعوا الجيش التونسي للنزول الى الشارع، اعتبر الحجي أن "الكل أخطأ وهذه دعوة للجميع للقيام بمراجعات''.

وعلى أهمية الطرح النقدي للتيار فإن البعض لا يرى فيه سوى إعادة للمتوقع داخل الخريطة السياسية لتثبيت قدم ثانية لدى المعارضة بعد أن فشل الحزب في استمالة سعيد وإقناعه في الاستعانة بالقيادات التيارية لإدارة مرحلة حكم  مشترك.

هكذا موقف تؤكده التصريحات المتواترة لقيادات الصف الأول بعيد إعلان التدابير الاستثنائية وأساسا البيان الصادر يوم 29 جويلية 2021 حين أعلن التيار دعمه "للاحتجاجات الشعبية التي جرت يوم 25 جويلية 2021 وما سبقها من حراك اجتماعي ومساندته لكل نفس شعبي جماهيري للمطالبة بتنقية المشهد السياسي العام وإنقاذ البلاد من أزمتها".

وعبر أيضا عن "تفهمه الإجراءات الاستثنائيّة التي اتخذها رئيس الجمهورية ودوافعها باعتبار الأوضاع المتردية والمخاطر التي تمر بها البلاد ووسط حالة الانسداد السياسي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية المتفاقمة".

بيد أنه هذا "التفهم" انتهى يوم 15اوت 2021 ليتحول الى إدانة واسعة وذلك بعد منع النائب السابق عن الكتلة الديمقراطية أنور بالشاهد من السفر الى خارج البلاد.

إدانة التيار جاءت بداية على لسان النائب الممنوع من السفر اثر تدوينة على صفحته الخاصة بالفايسبوك لحظات قليلة بعد إبلاغه بأمر المنع .

ولم يتأخر رد الحزب ليصدر بيانه الأول عن منع أحد نوابه من السفر ونشرت الصفحة الرسمية في اليوم الموالي بيانا نددت فيه "بهذا الإجراء التعسفي الذي تم دون قرار قضائي أو إداري أو حتى شبهة بل بمجرد "استشارة" لدى وزارة الداخلية.

وعبر الحزب عن "تمسكه بالحقوق الدستورية لسائر المواطنات والمواطنين ومن بينها الحق في التنقل واستعداده لكل الأشكال النضالية لحمايتها" .

وإذ تجاوز التيار واقعة 25 جويلية فإنه مازال لم يتعاف بشكل كلي حيث مازالت علاقته بحركة النهضة وائتلاف الكرامة وجبهة الخلاصة تحت ضغط الخلافات السابقة التي قادها مؤسس الحزب محمد عبو.

فهل يجنح الحزب للمقاومة السلمية المشتركة لسياسيات سعيد لقيادة المعارضة أم سيحافظ على خصائصه القائمة على نفي الآخر المختلف؟

خليل الحناشي

نسّب "خطيئته" السياسية..  التيار الديمقراطي يقدم نقده الذاتي.. ويعيد تموقعه بين الأحزاب

 

تونس-الصباح

لا يزال مفهوم النقد الذاتي عند الكيانات السياسية في تونس واحدا من "التابوهات" المسكوت عنها داخليا.

حيث لم يعرض أي طرف حزبي نقده الذاتي أمام الجماهير بل إن هناك من الأحزاب من يرفض حتى الخوض في هذا المفهوم وممارسته، مما راكم الأخطاء وحوّل وجهة الأداء الحزبي الى منحى مرفوض، ترجمته لحظة 25 جويلية 2021 والموقف الشعبي من برلمان 2019 بعد عمليات الترذيل التي سبقت إغلاق مجلس باردو.

ورغم مرور نحو السنتين على إعلان الرئيس قيس سعيد عن تدابيره الاستثنائية فان أحزابا مازالت بعيدة عن مقاصد تشريح الأزمة ودورها في تبديل الواقع السياسي، من واقع منفتح على ذاته وعلى الآخرين الى واقع مغلق ترجمته المحاكمات التي شملت سياسيين ونقابيين وصحفيين.

وحيث أنه لا بناء جديد دون مساءلة الممارسات الماضية فقد افتتح حزب التيار الديمقراطي هذا المنهج.

إذ وبعد تجديد مكتبه السياسي وإعلان تركيبته النهائية بإلحاق عدد واسع من الشباب بالمربع القيادي الأول للحزب قدم التيار الديمقراطي نقده الذاتي في أول خطوة إصلاحية داخلية للتياريين.

وتأتي هذه الخطوة كمحاولة واقعية لتثبيت الهوية الحزبية للتيار لا بعلاقته بمختلف العائلات السياسية بل للتأكيد على المنحى النضالي للحزب في الدفاع عن الديمقراطية واستعادة لحظة ما قبل 25 جويلية من بوابة التفعيل الديمقراطي وتأكيد الحريات فحسب.

واعتبر المكتب السياسي الجديد المنبثق عن أشغال المؤتمر الثالث للتيار أن "25 جويلية لم يكن تطبيقا لفصل من الدستور وكان يفترض من التيار الديمقراطي التصدي منذ اللحظة الأولى لهذا الانقلاب وعدم القبول بالمس بالعقد الاجتماعي."

وفي واقع الأمر فقد بالغت الورقات الصادرة عن المؤتمر والتي تم عرضها أول أمس بتونس العاصمة بلغت حد "جلد الذات" حيث تم اعتبار "أن موقفنا لم يمكن في مستوى اللحظة التي مرت بها البلاد ونحذر الأجيال القادمة من الوقوع في الخطأ الذي وقعنا فيه نحن وأغلب الطيف السياسي في تونس".

وإذ تجاوز التيار لحظة الانهيار الداخلي بإحداث رجة المؤتمر الثالث وانتخاب نبيل حجي أمينا عاما خلفا للأستاذ المستقيل غازي الشواشي (معتقل منذ نحو 84 يوما بتهمة التآمر على أمن الدولة) فإنه دعا كذلك للحط من منسوب الخلافات السياسية مع مختلف الأحزاب السياسية الأخرى.

ففي تعليق له على تغيير منحى التيار وموقفه من مخالفيه من الأحزاب قال الأمين العام نبيل حجي "إن التيار يؤمن بالعيش المشترك بين جميع الأطياف السياسية حتى التي نحن في ضدية تامة معها ونعتبر أن هذا أساس العمل السياسي".

وحتى لا يكون لهم نصيب الأسد من "الخطيئة السياسية "سيما وأن قيادات من التيار (محمد عبو وسامية عبو) وبعض من نوابه السابقين (هشام العجبوني) ألحوا على سعيد لاستعمال الفصل 80 من الدستور 2014 ودعوا الجيش التونسي للنزول الى الشارع، اعتبر الحجي أن "الكل أخطأ وهذه دعوة للجميع للقيام بمراجعات''.

وعلى أهمية الطرح النقدي للتيار فإن البعض لا يرى فيه سوى إعادة للمتوقع داخل الخريطة السياسية لتثبيت قدم ثانية لدى المعارضة بعد أن فشل الحزب في استمالة سعيد وإقناعه في الاستعانة بالقيادات التيارية لإدارة مرحلة حكم  مشترك.

هكذا موقف تؤكده التصريحات المتواترة لقيادات الصف الأول بعيد إعلان التدابير الاستثنائية وأساسا البيان الصادر يوم 29 جويلية 2021 حين أعلن التيار دعمه "للاحتجاجات الشعبية التي جرت يوم 25 جويلية 2021 وما سبقها من حراك اجتماعي ومساندته لكل نفس شعبي جماهيري للمطالبة بتنقية المشهد السياسي العام وإنقاذ البلاد من أزمتها".

وعبر أيضا عن "تفهمه الإجراءات الاستثنائيّة التي اتخذها رئيس الجمهورية ودوافعها باعتبار الأوضاع المتردية والمخاطر التي تمر بها البلاد ووسط حالة الانسداد السياسي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية المتفاقمة".

بيد أنه هذا "التفهم" انتهى يوم 15اوت 2021 ليتحول الى إدانة واسعة وذلك بعد منع النائب السابق عن الكتلة الديمقراطية أنور بالشاهد من السفر الى خارج البلاد.

إدانة التيار جاءت بداية على لسان النائب الممنوع من السفر اثر تدوينة على صفحته الخاصة بالفايسبوك لحظات قليلة بعد إبلاغه بأمر المنع .

ولم يتأخر رد الحزب ليصدر بيانه الأول عن منع أحد نوابه من السفر ونشرت الصفحة الرسمية في اليوم الموالي بيانا نددت فيه "بهذا الإجراء التعسفي الذي تم دون قرار قضائي أو إداري أو حتى شبهة بل بمجرد "استشارة" لدى وزارة الداخلية.

وعبر الحزب عن "تمسكه بالحقوق الدستورية لسائر المواطنات والمواطنين ومن بينها الحق في التنقل واستعداده لكل الأشكال النضالية لحمايتها" .

وإذ تجاوز التيار واقعة 25 جويلية فإنه مازال لم يتعاف بشكل كلي حيث مازالت علاقته بحركة النهضة وائتلاف الكرامة وجبهة الخلاصة تحت ضغط الخلافات السابقة التي قادها مؤسس الحزب محمد عبو.

فهل يجنح الحزب للمقاومة السلمية المشتركة لسياسيات سعيد لقيادة المعارضة أم سيحافظ على خصائصه القائمة على نفي الآخر المختلف؟

خليل الحناشي