إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ملفات "الصباح" | بين غياب التقييم الذاتي ..وتلبية مطالب الجماهير: كل الأندية غيرت إطاراتها الفنية والمدرب كبش فداء؟ !!

 

 

تواترت قرارات إقالة المدربين في الرابطة المحترفة الأولى هذا الموسم بشكل سريع وقياسي.

هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على بطولتنا إنما هي ظاهرة عامة تفاقمت في السنوات الأخيرة في مختلف بطولات العالم ولكنها ملفتة للانتباه في البطولات العربية..

وبات المدرب الحلقة الأضعف داخل الفرق وهو الضحية الأولى عند أي عثرة أو خسارة مباراة أو لقب أو حتى تعادل يؤثر على مصير الفريق فهو الأول والأخير الذي يتحمل الوزر لوحده.

إعداد نجاة أبيضي 

"الصباح" طرحت كعادتها أسئلتها على أهل الاختصاص حول أسباب تنامي ظاهرة إقالة المدربين في البطولة خصوصا وأن جميع الأندية غيّرت مدربيها وآخرها الترجي الرياضي أمس بخروج نبيل معلول بعد السقوط المدوي أمام الأهلي المصري.

الأسباب متعددة والنتيجة واحدة

إذن أضحى المدرب هو الشماعة التي تعلق عليها عديد الأندية فشلها وإخفاقاتها وباتت إقالته أمرا لا مفر منه والخطوة الأسهل للفريق وذلك نزولا عند رغبة الجماهير وخضوعا لضغوطها واتخاذ هذا القرار يصبح بذلك الحل الأنسب لامتصاص غضبها ولو أنه لا بد من الإشارة إلى أن المدرب ليس دائما هو الضحية.

وبقاء أي مدرب صار مرتبطا أساسا بالنتائج في غياب التخطيط الصحيح والمشروع الرياضي إذ أن كفاءته أو جودة العمل الذي يقوم به لم يعد المقياس لتقييمه.

وعدة عوامل تجعل من المدرب أول الضحايا، منها غياب التخطيط الصحيح والمشروع الرياضي في الأندية التي لا تزال تعمل بطريقة عشوائية.. انتخاب أو اختيار مسؤولين ومسيرين لا علاقة لهم بكرة القدم ولا يفقهون شيئا وهذا ينجر عنه عدم اختيار المدرب المناسب للمرحلة أو يكون الاختيار حسب الأهواء والمحاباة في غياب أسس ومعايير يتم بموجبها اختيار المدرب.

حتى أن المدرب الألماني يورغن كلوب قال ذات مرة تعليقا على ظاهرة الإقالات في الدوري الانقليزي: "اعتقد أن الحقيقة التي لا يجب تجاهلها لماذا أنا مستمر في هذا العالم المجنون.. لا يمكننا الاستمرار في هذا الوضع وألا نلعب بشكل جيد سوى من وقت لآخر.. أشعر بخيبة أمل شديدة أن ذلك يحدث وبصراحة علينا إيجاد الحل ومخرج ما".

هل الجمهور هو مقصلة المدربين؟

من بين العوامل الأساسية التي ساهمت في حمى الإقالات والاستقالات هي الجماهير الرياضية التي لا تقبل بغير النتائج الفورية ولا تعطي الوقت للمدرب لتكوين فريق وإصلاح ما يجب إصلاحه وتسلّط ضغطا رهيبا على المسؤولين والمدرب.. من الظواهر الملفتة للانتباه اليوم والتي تقرر مصير المدربين هي مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت سيفا مسلطا على رقاب المدربين إذ أن الحملات التي تقودها الجماهير ضد مدرب ما تحسم مصيره في ساعات وكم من فنّي أقيل أو انسحب بهذه الطريقة المهينة وآخرها معلول الذي غادر بعد حملة شرسة قادتها الجماهير الغاضبة أمس من هزيمة الأهلي.

الرقم القياسي لسليمان والبنزرتي

عصفت رياح الإقالة بأكثر من مدرب في الرابطة المحترفة الأولى هذا الموسم إذ لم يصمد أغلب المدربين أمام هذه الظاهرة وكان المدرب هو الضحية الأولى وتحمل مسؤولية سقوط أي فريق وشهدت الرابطة المحترفة الأولى حركية غير مألوفة على مستوى تغيير المدربين.. ويحمل مستقبل سليمان الرقم القياسي من حيث عدد المدربين الذين تداولوا على تدريبه حيث كانت الانطلاقة مع المدرب ماهر القيزاني ثم عوضه سعيد السايبي وحلّ محلّه طارق الجاني الذي غادر الفريق بعد تدهور النتائج فتمّ الاستنجاد بفريد بلقاسم الذي قرر بدوره الانسحاب في ظل عدم توفر الظروف الملائمة للعمل وتعاقد مرة أخرى مع مدرب جديد وهو الأسعد معمر الذي انسحب قبل مباشرة مهمته فكان الحل في التعويل على محمد التلمساني الذي يواصل حاليا مهمة إنقاذ الفريق من النزول إلى الرابطة الأولى.

ثم يأتي النادي البنزرتي في المرتبة الثانية من حيث إقالة المدربين وعدم الاستقرار نتيجة المشاكل التي يعيشها والوضعية المالية الصعبة التي انعكست على نتائجه إذ لم يعمّر كريم التواتي كثيرا وأشرف على بداية تحضيرات الفريق ثم عوّضه نجم الدين أميّة فخالد بن يحي والذي غادر بدوره وحلّ محلّه سفيان الحيدوسي. وكذلك هلال الشابة الذي نزل للرابطة الثانية (اليعقوبي ورحيم وزاكي والقصري) .

3 تغييرات في هذه الفرق والعدد مرشح للارتفاع

وتجدر الإشارة إلى أنّ عدة فرق قامت بتغيير مدربيها في ثلاث مناسبات ورقم مفزع بما أن هذه القائمة تضم أغلب الفرق في الرابطة الأولى وهي النجم الساحلي (إقبال الرواتبي ثم محمد المكشر ففوزي البنزرتي) والأولمبي الباجي (حافظ القيطوني وطارق الجراية وجمال خشارم) ونجم المتلوي (الهادي المقراني ووليد الشتاوي وفريد بن بلقاسم) وأولمبيك سيدي بوزيد (وليد الشتاوي وحسان القابسي وجمال الهادي) ومستقبل الرجيش الذي غادر الرابطة الأولى (الزبيدي والجلاصي ورمضان).

وتجدر الإشارة إلى أن أربعة فرق فقط شهدت إقالة أو استقالة مدربيها في مناسبتين فقط وهي النادي الإفريقي الذي بدأ موسمه مع برتران مارشان وحلّ محله سعيد السايبي دون احتساب حمده الطويري الذي أشرف وقتيا على الفريق.. وكان شاكر مفتاح من أول المدربين الذين تمت إقالتهم في الرابطة الأولى من تدريب اتحاد بن قردان وعوضه نضال الخياري الذي كان بدوره قاب قوسين من الانسحاب.. أما داركو نوفيتش مدرب الاتحاد المنستيري فرغم البداية الموفقة مع الفريق ووصوله لربع نهائي كاس "الكاف" فان ذلك لم يشفع له بعد تراجع نتائج الفريق في البطولة المحلية وقرر الانسحاب وخيرت الهيئة الاعتماد على مساعده عماد بن يونس لمواصلة المشوار.. ورغم الصعوبات التي عاشها فقد منح أمل حمام سوسة الثقة للمدرب نوفل شبيل قبل أن يتولى تغييره ليحل محله محمد دحمان.. فيما لم يقدر معالج على الصمود في اتحاد تطاوين وغادر مؤخرا وحل مكانه طارق الجاني.

الأهلي يهزّ عرش معلول ويجبره على الاستقالة

قبل مباراته مع الأهلي المصري كان الترجي الرياضي هو الفريق الوحيد الذي لم يغيّر مدربه.. لكن الهزيمة الثقيلة في ذهاب نصف نهائي رابطة الأبطال الإفريقية أمام الأهلي المصري بثلاثية دون رد هزّت عرش معلول الذي وجد نفسه مجبرا على تقديم استقالته خصوصا وأن الفريق انقاد الى ثلاث هزائم متتالية (أمام الصفاقسي والنادي الإفريقي ثم الأهلي المصري) جعلت الجماهير تصبّ جام غضبها على المدرب وتطالب برحيله في حملة غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن معلول بادر باتخاذ قرار المغادرة والخروج نهائيا من الفريق.

اسكندر القصري: لا أعتقد أن المدرب مظلوم وعقد الأهداف هو الفيصل ويحميه

بيّن المدرب اسكندر القصري أن العقد الذي يربط المدرب بالفريق يحميه لأنه عقد أهداف وهو مطالب بالوصول للأهداف المسطّرة قائلا:" الترجي الرياضي من الفرق التي تمكن المدربين من راتب محترم جد وتوفر الظروف الملائمة وأمام المدرب نسبة كبيرة للنجاح ولكن ما حصل في الترجي لا أعتقد انه يتحمل المسؤولية لوحده فهناك جزء يتحمله اللاعبون فضلا عن ضغط الروزنامة وماراطون المباريات والإصابات وعدة عوامل أخرى كانت ضد الفريق كان لا بد أن يتم أخذها بعين الاعتبار لا سيما ان النتيجة أضحت هي المقياس لتقرير مصير المدربين".

وفي تعليقه ان كان المدرب التونسي مظلوما عرّج القصري قائلا:" لا أعتقد ذلك هو ليس مظلوما ما دام هناك عقد يحميه أنا شخصيا عندما درّبت الملعب التونسي كان هناك عقد أهداف وهو الترشح لمرحلة التتويج وعندما تتالت العثرات وأصبحت المهمة صعبة وجدت نفسي خارج أسوار الهادي النيفر".

مرسي قطاطة (نائب رئيس عمادة المدربين)

تحدث المدرب ونائب رئيس عمادة المدربين مرسي قطاطة لـ"الصباح" عن المشاكل التي يعانيها الفني التونسي وأكد أن الإقالات تفاقمت في الفترة الأخيرة وأن الأسباب كثيرة منها :" ان الهيئات المديرة تتدخل في كل صغيرة وكبيرة وتفرض رأيها على المدرب.. من سوء حظ المدرب أن التدريب ليس بمهنة وزاد توجه الإدارة الفنية للجامعة الطين بله في ظل العلاقة المتوترة مع الوزارة وذلك بحرمان خريجي المعاهد الرياضية من فرصتهم وهم ضحايا هذه العلاقة المتوترة ومن هذا المنطلق كان الهدف من تكوين عمادة المدربين حماية المدربين وفرضنا عدة شروط من بينها ان لاعب كرة القدم لا يجب ان يقلّ مستواه التعليمي عن السنة السادسة ثانوي حتى يتمكن مع الحصول على شهادة تدريب وتلقي الرسكلة والتكوين اللازمين للتواصل كما يجب مع اللاعبين الأجانب ومع المحاضرين من مختلف الجنسيات لأنه من غير المعقول ان نجد مدربا في كرة القدم لا يحسن القراءة والكتابة كما ان ساعات التكوين المعتمدة قليلة جديدة ولا تتجاوز 40 ساعة والحال انها في فرنسا تصل إلى 300 ساعة في العمادة مثلا لم تقل ساعات التكوين عن 120 ساعة ".

هكذا نجح البنزرتي والقادري ومحجوب

وتابع مرسي قطاطة ان المدرب يجب ان يكون متعلما ومثقفا لان التدريب علم كامل، معرّجا على أن نجاح البنزرتي ومحجوب والكبير والقادري وغيرهم لم يكن صدفة وأنهم أساتذة ولهم من المؤهلات والإمكانات التي تخول لهم النجاح في مهمتهم على جميع المستويات مشددا على أن المجاملات والتعويل على أشخاص بعينهم ودخلاء على ميدان التدريب أضر بكرتنا وبالمدربين خصوصا.

مدربو الشبان يعانون

وعرّج قطاطة قائلا:" مدربو الشبان مثلا في النادي الصفاقسي وفي أغلب الفرق لا يتقاضون رواتب وحتى ان مكنتهم الأندية من ذلك فإنها زهيدة جدا وأن راتب مدرب في الأكاديمية لا يتجاوز 300 دينار وهم للأسف يقبلون بذلك حتى يتمكنوا من الحصول على الإجازة أو شهادة التدريب "كاف" حتى ينالوا فرصتهم والحال أن شهادتهم الجامعية واختصاصهم يكفي قائلا:" أساتذة في التربية البدنية ومن أهل الاختصاص يقدمون تضحيات كبيرة للحصول على شهادة التدريب المعترف بها من "الكاف" والحال أن أشخاص لا علاقة لهم بذلك يحصلون عليها بسهولة".

حقوق المدرب مهضومة والجامعة غذّت ذلك.. 90 بالمائة من المدربين لم يحصلوا على مستحقاتهم

وأبرز قطاطة أن المدرب في تونس يتعرض دائما للظلم وحقوقه مهضومة فحتى عندما لا يتحصل على مستحقاته ويتوجه للجنة النزاعات فانه ينتظر كثيرا لأنه لا يتم تنفيذ الحكم وبيّن قطاطة أن الكفاءات التونسية تفضل الهروب إلى الخارج مثلا لأنها لا تحصل على حقوقها كاملة وأغلب الأندية لا تفي بتعهداتها المالية تجاه المدرب.

" فالترجي مثلا اليوم أصبح من الفرق التي لا تعطي حق مدربيها بعد ان كان مثالا والدليل توجه الجعايدي بقضية للجنة نزاعات الاتحاد الدولي لكرة القدم.. المدرب فتحي جبال لم يتحصل إلى اليوم على مستحقاته من النادي الصفاقسي وكذلك كريم دلهوم وفوزي البنزرتي بدوره لم يتمكن من الحصول على مستحقاته الى الان مع الاتحاد المنستيري و90 بالمائة من المدربين في بطولتنا لم يحصلوا على مستحقاتهم".

العمادة ستحمي المدربين

وكشف قطاطة أيضا ان فكرة تكوين عمادة للمدربين جاءت من أجل إيجاد حل نهائي لهذه المشاكل وانهم ينتظرون الحصول على التأشيرة لمباشرة مهامهم لحماية المدرب التونسي قائلا:" نريد ان يكون لنا هيكل ينظم القطاع مثل عمادة المهندسين في تونس وعمادة المدربين في مصر وغيرها وسنفرض القوانين وعليه لن يتمكن من التدريب سوى المدرب المنخرط في العمادة وبشروط وسنعمل على إحداث تمثيليات جهوية كما انه لن يبرم أي مدرب عقد مع أي فريق إلا بموافقة العمادة وذلك حماية لحقوقه وسنتدخل عند حدوث أي مشكل بتكليف محام يدافع عنه وسنفرض كذلك التكوين في كل معاهد الرياضة سيما ان لدينا دكاترة في الرياضة منخرطين في العمادة وسنتبع كل لوائح وقوانين الاتحادين الإفريقي وكل التطورات الخاصة بالمدربين وباللعبة ككل وهنا لا بد من الإشارة إلى أن زين الدين زيدان وغيره في فرنسا تحصلوا على شهادات تدريب بعد تكوين ومتابعة مستمرة ويجب على أي مدرب أو معد بدني في تونس اليوم أن لا يعمل مع مدرب أول غير متحصل على شهائد علمية".. مشيرا إلى أنه سيتم التنسيق مع جامعات كرة السلة وكرة اليد والطائرة للانضمام إليها دفاعا على حقوق كل المدربين في كل الاختصاصات الجماعية".

وختم حديثه بالتأكيد إلى أن الهدف من تكوين هذه العمادة هو الدفاع عن الجيل الجديد من المدربين وحماية حقوقهم".

محمد الجويلي (استاذ مختص في علم الاجتماع): القرارات خاضعة للأمزجة.. والمدرب كبش الفداء

أكد محمد الجويلي الأستاذ المختص في علم الاجتماع ان ظاهرة إقالة واستقالة المدربين في بطولتنا ملفتة للانتباه وان بقاء المدرب أحيانا في فريق لا يتجاوز شهرين أو ثلاثة وأوضح قائلا:" مسألة التعاقد مع مدرب لا تتم على أساس مشروع كروي إنما على أساس النتائج وبالتالي فإن استمراره مرتبط بالنتائج التي يحصدها ولاحظنا أن ثقافة عدم قبول النتيجة قد استشرت بطريقة غريبة رغم أن كرة القدم هي لعبة يجب أن نتعامل معها ونقبل الربح والخسارة لذلك فان كل فريق ينهزم يكون رد فعل أما العنف أو الحديث على انه تعرض للظلم".

ثقافة كبش الفداء حاضرة في كرتنا

وأوضح الجويلي قائلا:" في ثقافتنا وفي كرتنا نبحث عن كبش فداء دون المحاسبة الجماعية أو تحمل كل طرف لمسؤوليته بل تلقى المسؤولية على شخص واحد وهو إقالة المدرب.. وهذا ما يخلق إحباطا له في فرق أخرى مثل ليفربول وغيرها هناك منظومة كاملة ومتكاملة للمشروع الكروي وفي كرتنا لا يوجد فكر كامل فمسألة الانتدابات حسب الأهواء ومزاجية المسيرين والفنيين لان وراء كل مدرب جهة تدافع عنه مثل الهيئة المديرة في المقابل تستغل الجماهير مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي للضغط على الهيئة".

غياب التقييم الذاتي

وبيّن أن غياب التقييم الذاتي اضرّ بكرتنا فضلا عن عدم توفير الظروف الملائمة للمدرب و"نلاحظ ان إقالة مدرب قد تحدث اثر خسارة مباراة "دربي" او يقع تثبيته لأنه فاز بـ"الدربي" وهي ممارسات لا تتماشى مع كرة القدم وتطورها وأصبح بقاء أو خروج المدرب خاضعة للأمزجة من ذلك عدم انسجام المدرب مع كوادر الفريق قد يصل إلى طرده بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل جبهات الرفض وتحريض الجماهير والكوادر وبث الإشاعات أو الاختلاف مع أحد أعضاء الهيئة وهي عوامل تؤرق المدرب وتؤثر على الأجواء وتؤدي إلى نتيجة سلبية"

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   ملفات "الصباح" | بين غياب التقييم الذاتي ..وتلبية مطالب الجماهير:  كل الأندية غيرت إطاراتها الفنية والمدرب كبش فداء؟ !!

 

 

تواترت قرارات إقالة المدربين في الرابطة المحترفة الأولى هذا الموسم بشكل سريع وقياسي.

هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على بطولتنا إنما هي ظاهرة عامة تفاقمت في السنوات الأخيرة في مختلف بطولات العالم ولكنها ملفتة للانتباه في البطولات العربية..

وبات المدرب الحلقة الأضعف داخل الفرق وهو الضحية الأولى عند أي عثرة أو خسارة مباراة أو لقب أو حتى تعادل يؤثر على مصير الفريق فهو الأول والأخير الذي يتحمل الوزر لوحده.

إعداد نجاة أبيضي 

"الصباح" طرحت كعادتها أسئلتها على أهل الاختصاص حول أسباب تنامي ظاهرة إقالة المدربين في البطولة خصوصا وأن جميع الأندية غيّرت مدربيها وآخرها الترجي الرياضي أمس بخروج نبيل معلول بعد السقوط المدوي أمام الأهلي المصري.

الأسباب متعددة والنتيجة واحدة

إذن أضحى المدرب هو الشماعة التي تعلق عليها عديد الأندية فشلها وإخفاقاتها وباتت إقالته أمرا لا مفر منه والخطوة الأسهل للفريق وذلك نزولا عند رغبة الجماهير وخضوعا لضغوطها واتخاذ هذا القرار يصبح بذلك الحل الأنسب لامتصاص غضبها ولو أنه لا بد من الإشارة إلى أن المدرب ليس دائما هو الضحية.

وبقاء أي مدرب صار مرتبطا أساسا بالنتائج في غياب التخطيط الصحيح والمشروع الرياضي إذ أن كفاءته أو جودة العمل الذي يقوم به لم يعد المقياس لتقييمه.

وعدة عوامل تجعل من المدرب أول الضحايا، منها غياب التخطيط الصحيح والمشروع الرياضي في الأندية التي لا تزال تعمل بطريقة عشوائية.. انتخاب أو اختيار مسؤولين ومسيرين لا علاقة لهم بكرة القدم ولا يفقهون شيئا وهذا ينجر عنه عدم اختيار المدرب المناسب للمرحلة أو يكون الاختيار حسب الأهواء والمحاباة في غياب أسس ومعايير يتم بموجبها اختيار المدرب.

حتى أن المدرب الألماني يورغن كلوب قال ذات مرة تعليقا على ظاهرة الإقالات في الدوري الانقليزي: "اعتقد أن الحقيقة التي لا يجب تجاهلها لماذا أنا مستمر في هذا العالم المجنون.. لا يمكننا الاستمرار في هذا الوضع وألا نلعب بشكل جيد سوى من وقت لآخر.. أشعر بخيبة أمل شديدة أن ذلك يحدث وبصراحة علينا إيجاد الحل ومخرج ما".

هل الجمهور هو مقصلة المدربين؟

من بين العوامل الأساسية التي ساهمت في حمى الإقالات والاستقالات هي الجماهير الرياضية التي لا تقبل بغير النتائج الفورية ولا تعطي الوقت للمدرب لتكوين فريق وإصلاح ما يجب إصلاحه وتسلّط ضغطا رهيبا على المسؤولين والمدرب.. من الظواهر الملفتة للانتباه اليوم والتي تقرر مصير المدربين هي مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت سيفا مسلطا على رقاب المدربين إذ أن الحملات التي تقودها الجماهير ضد مدرب ما تحسم مصيره في ساعات وكم من فنّي أقيل أو انسحب بهذه الطريقة المهينة وآخرها معلول الذي غادر بعد حملة شرسة قادتها الجماهير الغاضبة أمس من هزيمة الأهلي.

الرقم القياسي لسليمان والبنزرتي

عصفت رياح الإقالة بأكثر من مدرب في الرابطة المحترفة الأولى هذا الموسم إذ لم يصمد أغلب المدربين أمام هذه الظاهرة وكان المدرب هو الضحية الأولى وتحمل مسؤولية سقوط أي فريق وشهدت الرابطة المحترفة الأولى حركية غير مألوفة على مستوى تغيير المدربين.. ويحمل مستقبل سليمان الرقم القياسي من حيث عدد المدربين الذين تداولوا على تدريبه حيث كانت الانطلاقة مع المدرب ماهر القيزاني ثم عوضه سعيد السايبي وحلّ محلّه طارق الجاني الذي غادر الفريق بعد تدهور النتائج فتمّ الاستنجاد بفريد بلقاسم الذي قرر بدوره الانسحاب في ظل عدم توفر الظروف الملائمة للعمل وتعاقد مرة أخرى مع مدرب جديد وهو الأسعد معمر الذي انسحب قبل مباشرة مهمته فكان الحل في التعويل على محمد التلمساني الذي يواصل حاليا مهمة إنقاذ الفريق من النزول إلى الرابطة الأولى.

ثم يأتي النادي البنزرتي في المرتبة الثانية من حيث إقالة المدربين وعدم الاستقرار نتيجة المشاكل التي يعيشها والوضعية المالية الصعبة التي انعكست على نتائجه إذ لم يعمّر كريم التواتي كثيرا وأشرف على بداية تحضيرات الفريق ثم عوّضه نجم الدين أميّة فخالد بن يحي والذي غادر بدوره وحلّ محلّه سفيان الحيدوسي. وكذلك هلال الشابة الذي نزل للرابطة الثانية (اليعقوبي ورحيم وزاكي والقصري) .

3 تغييرات في هذه الفرق والعدد مرشح للارتفاع

وتجدر الإشارة إلى أنّ عدة فرق قامت بتغيير مدربيها في ثلاث مناسبات ورقم مفزع بما أن هذه القائمة تضم أغلب الفرق في الرابطة الأولى وهي النجم الساحلي (إقبال الرواتبي ثم محمد المكشر ففوزي البنزرتي) والأولمبي الباجي (حافظ القيطوني وطارق الجراية وجمال خشارم) ونجم المتلوي (الهادي المقراني ووليد الشتاوي وفريد بن بلقاسم) وأولمبيك سيدي بوزيد (وليد الشتاوي وحسان القابسي وجمال الهادي) ومستقبل الرجيش الذي غادر الرابطة الأولى (الزبيدي والجلاصي ورمضان).

وتجدر الإشارة إلى أن أربعة فرق فقط شهدت إقالة أو استقالة مدربيها في مناسبتين فقط وهي النادي الإفريقي الذي بدأ موسمه مع برتران مارشان وحلّ محله سعيد السايبي دون احتساب حمده الطويري الذي أشرف وقتيا على الفريق.. وكان شاكر مفتاح من أول المدربين الذين تمت إقالتهم في الرابطة الأولى من تدريب اتحاد بن قردان وعوضه نضال الخياري الذي كان بدوره قاب قوسين من الانسحاب.. أما داركو نوفيتش مدرب الاتحاد المنستيري فرغم البداية الموفقة مع الفريق ووصوله لربع نهائي كاس "الكاف" فان ذلك لم يشفع له بعد تراجع نتائج الفريق في البطولة المحلية وقرر الانسحاب وخيرت الهيئة الاعتماد على مساعده عماد بن يونس لمواصلة المشوار.. ورغم الصعوبات التي عاشها فقد منح أمل حمام سوسة الثقة للمدرب نوفل شبيل قبل أن يتولى تغييره ليحل محله محمد دحمان.. فيما لم يقدر معالج على الصمود في اتحاد تطاوين وغادر مؤخرا وحل مكانه طارق الجاني.

الأهلي يهزّ عرش معلول ويجبره على الاستقالة

قبل مباراته مع الأهلي المصري كان الترجي الرياضي هو الفريق الوحيد الذي لم يغيّر مدربه.. لكن الهزيمة الثقيلة في ذهاب نصف نهائي رابطة الأبطال الإفريقية أمام الأهلي المصري بثلاثية دون رد هزّت عرش معلول الذي وجد نفسه مجبرا على تقديم استقالته خصوصا وأن الفريق انقاد الى ثلاث هزائم متتالية (أمام الصفاقسي والنادي الإفريقي ثم الأهلي المصري) جعلت الجماهير تصبّ جام غضبها على المدرب وتطالب برحيله في حملة غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي ولكن معلول بادر باتخاذ قرار المغادرة والخروج نهائيا من الفريق.

اسكندر القصري: لا أعتقد أن المدرب مظلوم وعقد الأهداف هو الفيصل ويحميه

بيّن المدرب اسكندر القصري أن العقد الذي يربط المدرب بالفريق يحميه لأنه عقد أهداف وهو مطالب بالوصول للأهداف المسطّرة قائلا:" الترجي الرياضي من الفرق التي تمكن المدربين من راتب محترم جد وتوفر الظروف الملائمة وأمام المدرب نسبة كبيرة للنجاح ولكن ما حصل في الترجي لا أعتقد انه يتحمل المسؤولية لوحده فهناك جزء يتحمله اللاعبون فضلا عن ضغط الروزنامة وماراطون المباريات والإصابات وعدة عوامل أخرى كانت ضد الفريق كان لا بد أن يتم أخذها بعين الاعتبار لا سيما ان النتيجة أضحت هي المقياس لتقرير مصير المدربين".

وفي تعليقه ان كان المدرب التونسي مظلوما عرّج القصري قائلا:" لا أعتقد ذلك هو ليس مظلوما ما دام هناك عقد يحميه أنا شخصيا عندما درّبت الملعب التونسي كان هناك عقد أهداف وهو الترشح لمرحلة التتويج وعندما تتالت العثرات وأصبحت المهمة صعبة وجدت نفسي خارج أسوار الهادي النيفر".

مرسي قطاطة (نائب رئيس عمادة المدربين)

تحدث المدرب ونائب رئيس عمادة المدربين مرسي قطاطة لـ"الصباح" عن المشاكل التي يعانيها الفني التونسي وأكد أن الإقالات تفاقمت في الفترة الأخيرة وأن الأسباب كثيرة منها :" ان الهيئات المديرة تتدخل في كل صغيرة وكبيرة وتفرض رأيها على المدرب.. من سوء حظ المدرب أن التدريب ليس بمهنة وزاد توجه الإدارة الفنية للجامعة الطين بله في ظل العلاقة المتوترة مع الوزارة وذلك بحرمان خريجي المعاهد الرياضية من فرصتهم وهم ضحايا هذه العلاقة المتوترة ومن هذا المنطلق كان الهدف من تكوين عمادة المدربين حماية المدربين وفرضنا عدة شروط من بينها ان لاعب كرة القدم لا يجب ان يقلّ مستواه التعليمي عن السنة السادسة ثانوي حتى يتمكن مع الحصول على شهادة تدريب وتلقي الرسكلة والتكوين اللازمين للتواصل كما يجب مع اللاعبين الأجانب ومع المحاضرين من مختلف الجنسيات لأنه من غير المعقول ان نجد مدربا في كرة القدم لا يحسن القراءة والكتابة كما ان ساعات التكوين المعتمدة قليلة جديدة ولا تتجاوز 40 ساعة والحال انها في فرنسا تصل إلى 300 ساعة في العمادة مثلا لم تقل ساعات التكوين عن 120 ساعة ".

هكذا نجح البنزرتي والقادري ومحجوب

وتابع مرسي قطاطة ان المدرب يجب ان يكون متعلما ومثقفا لان التدريب علم كامل، معرّجا على أن نجاح البنزرتي ومحجوب والكبير والقادري وغيرهم لم يكن صدفة وأنهم أساتذة ولهم من المؤهلات والإمكانات التي تخول لهم النجاح في مهمتهم على جميع المستويات مشددا على أن المجاملات والتعويل على أشخاص بعينهم ودخلاء على ميدان التدريب أضر بكرتنا وبالمدربين خصوصا.

مدربو الشبان يعانون

وعرّج قطاطة قائلا:" مدربو الشبان مثلا في النادي الصفاقسي وفي أغلب الفرق لا يتقاضون رواتب وحتى ان مكنتهم الأندية من ذلك فإنها زهيدة جدا وأن راتب مدرب في الأكاديمية لا يتجاوز 300 دينار وهم للأسف يقبلون بذلك حتى يتمكنوا من الحصول على الإجازة أو شهادة التدريب "كاف" حتى ينالوا فرصتهم والحال أن شهادتهم الجامعية واختصاصهم يكفي قائلا:" أساتذة في التربية البدنية ومن أهل الاختصاص يقدمون تضحيات كبيرة للحصول على شهادة التدريب المعترف بها من "الكاف" والحال أن أشخاص لا علاقة لهم بذلك يحصلون عليها بسهولة".

حقوق المدرب مهضومة والجامعة غذّت ذلك.. 90 بالمائة من المدربين لم يحصلوا على مستحقاتهم

وأبرز قطاطة أن المدرب في تونس يتعرض دائما للظلم وحقوقه مهضومة فحتى عندما لا يتحصل على مستحقاته ويتوجه للجنة النزاعات فانه ينتظر كثيرا لأنه لا يتم تنفيذ الحكم وبيّن قطاطة أن الكفاءات التونسية تفضل الهروب إلى الخارج مثلا لأنها لا تحصل على حقوقها كاملة وأغلب الأندية لا تفي بتعهداتها المالية تجاه المدرب.

" فالترجي مثلا اليوم أصبح من الفرق التي لا تعطي حق مدربيها بعد ان كان مثالا والدليل توجه الجعايدي بقضية للجنة نزاعات الاتحاد الدولي لكرة القدم.. المدرب فتحي جبال لم يتحصل إلى اليوم على مستحقاته من النادي الصفاقسي وكذلك كريم دلهوم وفوزي البنزرتي بدوره لم يتمكن من الحصول على مستحقاته الى الان مع الاتحاد المنستيري و90 بالمائة من المدربين في بطولتنا لم يحصلوا على مستحقاتهم".

العمادة ستحمي المدربين

وكشف قطاطة أيضا ان فكرة تكوين عمادة للمدربين جاءت من أجل إيجاد حل نهائي لهذه المشاكل وانهم ينتظرون الحصول على التأشيرة لمباشرة مهامهم لحماية المدرب التونسي قائلا:" نريد ان يكون لنا هيكل ينظم القطاع مثل عمادة المهندسين في تونس وعمادة المدربين في مصر وغيرها وسنفرض القوانين وعليه لن يتمكن من التدريب سوى المدرب المنخرط في العمادة وبشروط وسنعمل على إحداث تمثيليات جهوية كما انه لن يبرم أي مدرب عقد مع أي فريق إلا بموافقة العمادة وذلك حماية لحقوقه وسنتدخل عند حدوث أي مشكل بتكليف محام يدافع عنه وسنفرض كذلك التكوين في كل معاهد الرياضة سيما ان لدينا دكاترة في الرياضة منخرطين في العمادة وسنتبع كل لوائح وقوانين الاتحادين الإفريقي وكل التطورات الخاصة بالمدربين وباللعبة ككل وهنا لا بد من الإشارة إلى أن زين الدين زيدان وغيره في فرنسا تحصلوا على شهادات تدريب بعد تكوين ومتابعة مستمرة ويجب على أي مدرب أو معد بدني في تونس اليوم أن لا يعمل مع مدرب أول غير متحصل على شهائد علمية".. مشيرا إلى أنه سيتم التنسيق مع جامعات كرة السلة وكرة اليد والطائرة للانضمام إليها دفاعا على حقوق كل المدربين في كل الاختصاصات الجماعية".

وختم حديثه بالتأكيد إلى أن الهدف من تكوين هذه العمادة هو الدفاع عن الجيل الجديد من المدربين وحماية حقوقهم".

محمد الجويلي (استاذ مختص في علم الاجتماع): القرارات خاضعة للأمزجة.. والمدرب كبش الفداء

أكد محمد الجويلي الأستاذ المختص في علم الاجتماع ان ظاهرة إقالة واستقالة المدربين في بطولتنا ملفتة للانتباه وان بقاء المدرب أحيانا في فريق لا يتجاوز شهرين أو ثلاثة وأوضح قائلا:" مسألة التعاقد مع مدرب لا تتم على أساس مشروع كروي إنما على أساس النتائج وبالتالي فإن استمراره مرتبط بالنتائج التي يحصدها ولاحظنا أن ثقافة عدم قبول النتيجة قد استشرت بطريقة غريبة رغم أن كرة القدم هي لعبة يجب أن نتعامل معها ونقبل الربح والخسارة لذلك فان كل فريق ينهزم يكون رد فعل أما العنف أو الحديث على انه تعرض للظلم".

ثقافة كبش الفداء حاضرة في كرتنا

وأوضح الجويلي قائلا:" في ثقافتنا وفي كرتنا نبحث عن كبش فداء دون المحاسبة الجماعية أو تحمل كل طرف لمسؤوليته بل تلقى المسؤولية على شخص واحد وهو إقالة المدرب.. وهذا ما يخلق إحباطا له في فرق أخرى مثل ليفربول وغيرها هناك منظومة كاملة ومتكاملة للمشروع الكروي وفي كرتنا لا يوجد فكر كامل فمسألة الانتدابات حسب الأهواء ومزاجية المسيرين والفنيين لان وراء كل مدرب جهة تدافع عنه مثل الهيئة المديرة في المقابل تستغل الجماهير مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي للضغط على الهيئة".

غياب التقييم الذاتي

وبيّن أن غياب التقييم الذاتي اضرّ بكرتنا فضلا عن عدم توفير الظروف الملائمة للمدرب و"نلاحظ ان إقالة مدرب قد تحدث اثر خسارة مباراة "دربي" او يقع تثبيته لأنه فاز بـ"الدربي" وهي ممارسات لا تتماشى مع كرة القدم وتطورها وأصبح بقاء أو خروج المدرب خاضعة للأمزجة من ذلك عدم انسجام المدرب مع كوادر الفريق قد يصل إلى طرده بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل جبهات الرفض وتحريض الجماهير والكوادر وبث الإشاعات أو الاختلاف مع أحد أعضاء الهيئة وهي عوامل تؤرق المدرب وتؤثر على الأجواء وتؤدي إلى نتيجة سلبية"