"خصص شعب تونس يوم الأمس استقبالا لرئيس الدولة الإندونيسية أقل ما يوصف به أنه جبار عظيم، لقد خرج الشعب بالعاصمة في مظاهرة كبرى امتدت من مطار العوينة إلى كامل شوارع العاصمة التي مر بها ركب الضيف الكبير، مظاهرة فرح وابتهاج ضمت مئات الآلاف من الخلائق حتى لتشعر عندما تراها بأن تونس في يوم بعث أو يوم فتح أو يوم من أيام أعيادها المجيدة الخالدة"، هكذا كتبت جريدة "الصباح"، أكبر الصحف التونسية، عن وصول الزعيم أحمد سوكارنو إلى تونس يوم 29 أفريل/نيسان 1960 بعنوان جذاب للغاية، "تونس الذاكرة للجميل، الوفية للصداقة، تخرج لاستقبال الرئيس أحمد سوكارنو وتهتف بحياة الزعيم الآسيوي العظيم وبأخوة الشعبين الشقيقين المناضلين".
كانت زيارة الزعيم أحمد سوكارنو عنوانا رئيسيا على الصفحات الأولى في جل وسائل الإعلام التونسية المكتوبة، ومنها صحيفة "العمل" التي نقلت الزيارة على صفحتها الأولى بعنوان "الشعب يستقبل الزعيم أحمد سوكارنو استقبال أخوّة وصداقة".
كان من الصعب جدا بالنسبة لي الحصول على معلومات مفصلة من مراكز الأرشيف في جاكرتا حول زيارة الزعيم أحمد سوكارنو إلى تونس، فمنذ وصولي إلى تونس في جانفي/كانون الثاني 2022، أخذت أبحث عن أثر حول هذه الزيارة التاريخية في مركز الأرشيف الوطني التونسي. وقد تكرم المركز التونسي بمنحي معلومات كاملة ومفصلة حول برامج زيارة الرئيس الإندونيسي في تونس، من إلقاء الخطاب أمام البرلمان، والزيارة إلى مدينة الأغالبة القيروان، والمنستير مسقط رأس الزعيم الحبيب بورقيبة، ولقائهما في القصر الرئاسي، ومشاهدة نهائي كأس تونس صحبة الزعيم بورقيبة، والتجول في المدينة العتيقة والأسواق بتونس العاصمة، وزيارة جامع الزيتونة المعمور.
ألقى الزعيم أحمد سوكارنو أمام البرلمان التونسي خطابا تاريخيا حول الثورة المتعددة الأبعاد والتي مهدت لإندونيسيا الطريق لتحقيق استقلالها. فكانت هذه الثورة ثورة وطنية وسياسية وثقافية وإنسانية واجتماعية. وأكد سوكارنو على أن النضال الإندونيسي مستمر من أجل استقلال الدول الآسيوية والإفريقية وتعزيز السلام العالمي. وأن الشعبين الإندونيسي والتونسي لديهما نقطة التقاء ألا وهي إشعال نار النضال ضد المستعمر، علاوة على الدعوة إلى الوحدة، وبناء ثورتهم الوطنية.
وكتب التاريخ عن وثاقة العلاقة بين إندونيسيا ودول المغرب العربي، بما في ذلك العلاقة مع تونس، التي قد تأسست وتوطدت فعليا منذ القرن الرابع عشر، عندما زار ابن بطوطة إندونيسيا ضيفا على الملك الظاهر، ملك سومطرة في ذلك الوقت. ثمّ في عام 1911، زار إندونيسيا عدد من العلماء المغاربة هم عبد العزيز الثعالبي، الهاشمي بن المكي، ومحمد الشوافي.
وفي عام 1951، زار الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة إندونيسيا. وقد كتب عن هذا الرشيد إدريس في كتابه "من جاكرتا إلى قرطاج"، أن الزيارة قد تركت انطباعا عميقا في نفوس التونسيين، بأن هناك بلدا شقيقا هو بعيد جدا من حيث المسافة لكنه قريب جدا في القلوب، وهو إندونيسيا. وقد استقبل الحبيب بورقيبة كضيف عظيم من قبل الزعيم أحمد سوكارنو ومن قبل الشعب الإندونيسي.
وذكر التاريخ كذلك الدور الكبير للمناضل الفلسطيني محمد علي طاهر الذي كان هو بمثابة همزة وصل في بداية نشأة اتصالات مكثفة بين المناضلين التونسيين والإندونيسيين، التي تتوجت فيما بعد بقيام الحبيب بورقيبة بزيارته التاريخية إلى إندونيسيا. ما كانت الزيارة زيارة رئيس دولة فحسب، بل كانت قبل خمس سنوات من استقلال تونس، وكان لا يزال يناضل من أجل الحرية والاستقلال التام.
تحدث الزعيم بورقيبة مع الزعيم أحمد سوكارنو من القلب إلى القلب في قصر "مرديكا"[1]، إلى أن قرر زعيم إندونيسيا مساعدة تونس في تحقيق الاستقلال التام وتعزيز العلاقات بين البلدين.
وصف الرشيد إدريس زيارة الحبيب بورقيبة إلى جاكرتا بأنها زيارة تاريخية مسجلة بالحبر الذهبي. حيث رحبت إندونيسيا حكومة وشعبا بوصول الزعيم التونسي بضجة كبيرة. وخاطب بورقيبة أمام أعضاء البرلمان وفي الإذاعة الوطنية، والتقى بالعلماء وعقد ندوات صحفية.
سرعان ما انتشر هذا الخبر في أنحاء العالم عن الاستقبال الحار من قبل الزعيم أحمد سوكارنو والشعب الإندونيسي. كانت تونس في ذلك الوقت لا تزال تحت الاستعمار، لكنها تلقت الدعم الكامل من إندونيسيا، تماشيا مع الرؤية الجيوسياسية العظيمة للزعيم أحمد سوكارنو الذي كان لقيادته تأثير تجاوز حدود القارات.
ألهمت إندونيسيا تونس بقيادة ومواقف زعيمها أحمد سوكارنو، وأخذت إندونيسيا منذ ذلك الوقت مكانة في قلوب التونسيين، وبقي الحال إلى يومنا هذا. وكانت الخطوة الأولى التي اقترحها الزعيم أحمد سوكارنو على الحبيب بورقيبة هي فتح مكتب تمثيلي تونسي في منتنغ[2]، جاكرتا. كان المكتب مكلفا بالتعريف بتونس ومراقبة الآراء تجاه تونس في مختلف أنحاء العالم، خاصة في إندونيسيا. وافق الزعيم الحبيب بورقيبة على فكرة الزعيم أحمد سوكارنو. وافتتح المكتب التمثيلي التونسي في جاكرتا رسميا عام 1952، قبل استقلال تونس بأربع سنوات.
كانت فكرة الزعيم أحمد سوكارنو ذات بعد عميق للغاية، حيث لعبت إندونيسيا تحت قيادته دورا نشطا في بناء الصداقة مع الدول الآسيوية والأفريقية والعمل معا لتحقيق استقلالها. وثمار عمل الزعيم أحمد سوكارنو محسوسة حتى الآن في دبلوماسيتنا مع الدول الصديقة. وقد شعرت أنا شخصيا، بصفتي سفير إندونيسيا في تونس، بالثمرة الحلوة لما قدم الزعيم أحمد سوكارنو للدول الصديقة من الأفكار والخدمات.
وكتب أيضا الرشيد إدريس، الذي عينه الرئيس بورقيبة رئيسا للمكتب التمثيلي التونسي في جاكرتا، إنه تم رفع العلم التونسي في منتنغ في عام 1952، مع أن تونس ليست مستقلة، حيث ما زالت تناضل من أجل الاستقلال عن فرنسا. وكان دعم إندونيسيا والزعيم أحمد سوكارنو لتونس قبل تحقيق استقلالها نشيطا وفعالا للغاية. كانت إندونيسيا تقدم الدعم الكامل لاستقلال تونس بصفة مستمرة في مختلف المحافل الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة. فقد دعمت إندونيسيا تونس في المؤتمر الآسيوي الأفريقي الذي عقد في باندونغ[3] عام 1955، عام واحد قبل أن نالت البلاد التونسية استقلالها عن فرنسا عام 1956.
وبادر المكتب التمثيلي التونسي في منتنغ بتشكيل جمعية أصدقاء تونس التي كانت لا تتوقف في نشر الأخبار عن نضال الشعب التونسي لتحقيق الاستقلال، إضافة إلى الترويج عن دعم إندونيسيا لتونس في الأمم المتحدة. وذكر الرشيد إدريس كذلك أن دعم إندونيسيا لتونس قد تسبب في قطع العلاقات التجارية بين إندونيسيا وفرنسا. كان دعم إندونيسيا للاستقلال التونسي موقفا سياسيا وجيوسياسيا لا رجوع فيه. وكانت على إندونيسيا أن تدفع ثمنـا باهظا للغاية بسبب هذا الدعم. لكن مع ذلك لم يتغير موقف الرئيس أحمد سوكارنو منذ زيارة الحبيب بورقيبة عام 1951.
وخلال زيارة رسمية لتونس عام 1960، منح الزعيم أحمد سوكارنو من قبل الرئيس الحبيب بورقيبة أعلى وسام شرف للجمهورية التونسية، يعرف باسم وسام المجاهدين، إكراما واعتبارا لنضال ونشاط الزعيم أحمد سوكارنو في دعم استقلال تونس والمساعدة فيه. كانت الزيارة بداية المرحلة الفارقة في العلاقات الدبلوماسية بين إندونيسيا وتونس.
إن النظر المعمق في الدور العالمي الذي لعبه الرئيس سوكارنو وصداقته القوية مع الرئيس بورقيبة يمكن أن يؤدي إلى إثارة وعينا لإحياء أفكار أحمد سوكارنو في الواقع الراهن والمستقبل. وإني أشاهد على أرض الواقع كيف أن نشطات قام بها الزعيم أحمد سوكارنو قد شكلت قوة في بناء الصداقة والدبلوماسية مع الدول الصديقة. هذا ما دفعني إلى حمل شعار خاص في أعمال الدبلوماسية في تونس هو "تونس وإندونيسيا أصحاب"، من خلال عرض صور تجمع الزعيمين أحمد سوكارنو وبورقيبة، من أجل التذكير عن ما بينهما من صداقة صادقة مخلصة.
واليوم نحتفل بمناسبة ذكرى الزيارة التاريخية للزعيم أحمد سوكارنو إلي تونس لتلبية الدعوة من الزعيم حبيب بورقيبة وفتح الدبلوماسية بين البلدين التي هي بمثابة اللبنة القوية لتعزيز العلاقة الثنائية في شتى المجالات حتى تكون السفارة الإندونيسية في تونس كالسفارة الوحيدة من دول جنوب شرق آسيا.
والشعب الإندونيسي دائما يفتخر بتلك الزيارة التاريخية العريقة لأن الزعيم بورقيبة والتونسيين رحبوا بزعيم اندونيسيا أحمد سوكارنو بحفاوة وأحسن ترحيب. وبالتالي نحن كأبناء الزعيمين ينبغي أن نعمل من أجل توطيد العلاقة بين البلدين في المستقبل القريب والبعيد وجعلها أقوى وأصلح للشعبين. حالمين بغد أشد إشراقا لتونس وإندونيسيا.
[3] Bandung، مدينة في ولاية جاوة الغربية تقع قرابة 160 كيلومترا شرق جنوب العاصمة جاكارتا.
بقلم: زهيري مصراوي (*)
"خصص شعب تونس يوم الأمس استقبالا لرئيس الدولة الإندونيسية أقل ما يوصف به أنه جبار عظيم، لقد خرج الشعب بالعاصمة في مظاهرة كبرى امتدت من مطار العوينة إلى كامل شوارع العاصمة التي مر بها ركب الضيف الكبير، مظاهرة فرح وابتهاج ضمت مئات الآلاف من الخلائق حتى لتشعر عندما تراها بأن تونس في يوم بعث أو يوم فتح أو يوم من أيام أعيادها المجيدة الخالدة"، هكذا كتبت جريدة "الصباح"، أكبر الصحف التونسية، عن وصول الزعيم أحمد سوكارنو إلى تونس يوم 29 أفريل/نيسان 1960 بعنوان جذاب للغاية، "تونس الذاكرة للجميل، الوفية للصداقة، تخرج لاستقبال الرئيس أحمد سوكارنو وتهتف بحياة الزعيم الآسيوي العظيم وبأخوة الشعبين الشقيقين المناضلين".
كانت زيارة الزعيم أحمد سوكارنو عنوانا رئيسيا على الصفحات الأولى في جل وسائل الإعلام التونسية المكتوبة، ومنها صحيفة "العمل" التي نقلت الزيارة على صفحتها الأولى بعنوان "الشعب يستقبل الزعيم أحمد سوكارنو استقبال أخوّة وصداقة".
كان من الصعب جدا بالنسبة لي الحصول على معلومات مفصلة من مراكز الأرشيف في جاكرتا حول زيارة الزعيم أحمد سوكارنو إلى تونس، فمنذ وصولي إلى تونس في جانفي/كانون الثاني 2022، أخذت أبحث عن أثر حول هذه الزيارة التاريخية في مركز الأرشيف الوطني التونسي. وقد تكرم المركز التونسي بمنحي معلومات كاملة ومفصلة حول برامج زيارة الرئيس الإندونيسي في تونس، من إلقاء الخطاب أمام البرلمان، والزيارة إلى مدينة الأغالبة القيروان، والمنستير مسقط رأس الزعيم الحبيب بورقيبة، ولقائهما في القصر الرئاسي، ومشاهدة نهائي كأس تونس صحبة الزعيم بورقيبة، والتجول في المدينة العتيقة والأسواق بتونس العاصمة، وزيارة جامع الزيتونة المعمور.
ألقى الزعيم أحمد سوكارنو أمام البرلمان التونسي خطابا تاريخيا حول الثورة المتعددة الأبعاد والتي مهدت لإندونيسيا الطريق لتحقيق استقلالها. فكانت هذه الثورة ثورة وطنية وسياسية وثقافية وإنسانية واجتماعية. وأكد سوكارنو على أن النضال الإندونيسي مستمر من أجل استقلال الدول الآسيوية والإفريقية وتعزيز السلام العالمي. وأن الشعبين الإندونيسي والتونسي لديهما نقطة التقاء ألا وهي إشعال نار النضال ضد المستعمر، علاوة على الدعوة إلى الوحدة، وبناء ثورتهم الوطنية.
وكتب التاريخ عن وثاقة العلاقة بين إندونيسيا ودول المغرب العربي، بما في ذلك العلاقة مع تونس، التي قد تأسست وتوطدت فعليا منذ القرن الرابع عشر، عندما زار ابن بطوطة إندونيسيا ضيفا على الملك الظاهر، ملك سومطرة في ذلك الوقت. ثمّ في عام 1911، زار إندونيسيا عدد من العلماء المغاربة هم عبد العزيز الثعالبي، الهاشمي بن المكي، ومحمد الشوافي.
وفي عام 1951، زار الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة إندونيسيا. وقد كتب عن هذا الرشيد إدريس في كتابه "من جاكرتا إلى قرطاج"، أن الزيارة قد تركت انطباعا عميقا في نفوس التونسيين، بأن هناك بلدا شقيقا هو بعيد جدا من حيث المسافة لكنه قريب جدا في القلوب، وهو إندونيسيا. وقد استقبل الحبيب بورقيبة كضيف عظيم من قبل الزعيم أحمد سوكارنو ومن قبل الشعب الإندونيسي.
وذكر التاريخ كذلك الدور الكبير للمناضل الفلسطيني محمد علي طاهر الذي كان هو بمثابة همزة وصل في بداية نشأة اتصالات مكثفة بين المناضلين التونسيين والإندونيسيين، التي تتوجت فيما بعد بقيام الحبيب بورقيبة بزيارته التاريخية إلى إندونيسيا. ما كانت الزيارة زيارة رئيس دولة فحسب، بل كانت قبل خمس سنوات من استقلال تونس، وكان لا يزال يناضل من أجل الحرية والاستقلال التام.
تحدث الزعيم بورقيبة مع الزعيم أحمد سوكارنو من القلب إلى القلب في قصر "مرديكا"[1]، إلى أن قرر زعيم إندونيسيا مساعدة تونس في تحقيق الاستقلال التام وتعزيز العلاقات بين البلدين.
وصف الرشيد إدريس زيارة الحبيب بورقيبة إلى جاكرتا بأنها زيارة تاريخية مسجلة بالحبر الذهبي. حيث رحبت إندونيسيا حكومة وشعبا بوصول الزعيم التونسي بضجة كبيرة. وخاطب بورقيبة أمام أعضاء البرلمان وفي الإذاعة الوطنية، والتقى بالعلماء وعقد ندوات صحفية.
سرعان ما انتشر هذا الخبر في أنحاء العالم عن الاستقبال الحار من قبل الزعيم أحمد سوكارنو والشعب الإندونيسي. كانت تونس في ذلك الوقت لا تزال تحت الاستعمار، لكنها تلقت الدعم الكامل من إندونيسيا، تماشيا مع الرؤية الجيوسياسية العظيمة للزعيم أحمد سوكارنو الذي كان لقيادته تأثير تجاوز حدود القارات.
ألهمت إندونيسيا تونس بقيادة ومواقف زعيمها أحمد سوكارنو، وأخذت إندونيسيا منذ ذلك الوقت مكانة في قلوب التونسيين، وبقي الحال إلى يومنا هذا. وكانت الخطوة الأولى التي اقترحها الزعيم أحمد سوكارنو على الحبيب بورقيبة هي فتح مكتب تمثيلي تونسي في منتنغ[2]، جاكرتا. كان المكتب مكلفا بالتعريف بتونس ومراقبة الآراء تجاه تونس في مختلف أنحاء العالم، خاصة في إندونيسيا. وافق الزعيم الحبيب بورقيبة على فكرة الزعيم أحمد سوكارنو. وافتتح المكتب التمثيلي التونسي في جاكرتا رسميا عام 1952، قبل استقلال تونس بأربع سنوات.
كانت فكرة الزعيم أحمد سوكارنو ذات بعد عميق للغاية، حيث لعبت إندونيسيا تحت قيادته دورا نشطا في بناء الصداقة مع الدول الآسيوية والأفريقية والعمل معا لتحقيق استقلالها. وثمار عمل الزعيم أحمد سوكارنو محسوسة حتى الآن في دبلوماسيتنا مع الدول الصديقة. وقد شعرت أنا شخصيا، بصفتي سفير إندونيسيا في تونس، بالثمرة الحلوة لما قدم الزعيم أحمد سوكارنو للدول الصديقة من الأفكار والخدمات.
وكتب أيضا الرشيد إدريس، الذي عينه الرئيس بورقيبة رئيسا للمكتب التمثيلي التونسي في جاكرتا، إنه تم رفع العلم التونسي في منتنغ في عام 1952، مع أن تونس ليست مستقلة، حيث ما زالت تناضل من أجل الاستقلال عن فرنسا. وكان دعم إندونيسيا والزعيم أحمد سوكارنو لتونس قبل تحقيق استقلالها نشيطا وفعالا للغاية. كانت إندونيسيا تقدم الدعم الكامل لاستقلال تونس بصفة مستمرة في مختلف المحافل الدولية، وخاصة في الأمم المتحدة. فقد دعمت إندونيسيا تونس في المؤتمر الآسيوي الأفريقي الذي عقد في باندونغ[3] عام 1955، عام واحد قبل أن نالت البلاد التونسية استقلالها عن فرنسا عام 1956.
وبادر المكتب التمثيلي التونسي في منتنغ بتشكيل جمعية أصدقاء تونس التي كانت لا تتوقف في نشر الأخبار عن نضال الشعب التونسي لتحقيق الاستقلال، إضافة إلى الترويج عن دعم إندونيسيا لتونس في الأمم المتحدة. وذكر الرشيد إدريس كذلك أن دعم إندونيسيا لتونس قد تسبب في قطع العلاقات التجارية بين إندونيسيا وفرنسا. كان دعم إندونيسيا للاستقلال التونسي موقفا سياسيا وجيوسياسيا لا رجوع فيه. وكانت على إندونيسيا أن تدفع ثمنـا باهظا للغاية بسبب هذا الدعم. لكن مع ذلك لم يتغير موقف الرئيس أحمد سوكارنو منذ زيارة الحبيب بورقيبة عام 1951.
وخلال زيارة رسمية لتونس عام 1960، منح الزعيم أحمد سوكارنو من قبل الرئيس الحبيب بورقيبة أعلى وسام شرف للجمهورية التونسية، يعرف باسم وسام المجاهدين، إكراما واعتبارا لنضال ونشاط الزعيم أحمد سوكارنو في دعم استقلال تونس والمساعدة فيه. كانت الزيارة بداية المرحلة الفارقة في العلاقات الدبلوماسية بين إندونيسيا وتونس.
إن النظر المعمق في الدور العالمي الذي لعبه الرئيس سوكارنو وصداقته القوية مع الرئيس بورقيبة يمكن أن يؤدي إلى إثارة وعينا لإحياء أفكار أحمد سوكارنو في الواقع الراهن والمستقبل. وإني أشاهد على أرض الواقع كيف أن نشطات قام بها الزعيم أحمد سوكارنو قد شكلت قوة في بناء الصداقة والدبلوماسية مع الدول الصديقة. هذا ما دفعني إلى حمل شعار خاص في أعمال الدبلوماسية في تونس هو "تونس وإندونيسيا أصحاب"، من خلال عرض صور تجمع الزعيمين أحمد سوكارنو وبورقيبة، من أجل التذكير عن ما بينهما من صداقة صادقة مخلصة.
واليوم نحتفل بمناسبة ذكرى الزيارة التاريخية للزعيم أحمد سوكارنو إلي تونس لتلبية الدعوة من الزعيم حبيب بورقيبة وفتح الدبلوماسية بين البلدين التي هي بمثابة اللبنة القوية لتعزيز العلاقة الثنائية في شتى المجالات حتى تكون السفارة الإندونيسية في تونس كالسفارة الوحيدة من دول جنوب شرق آسيا.
والشعب الإندونيسي دائما يفتخر بتلك الزيارة التاريخية العريقة لأن الزعيم بورقيبة والتونسيين رحبوا بزعيم اندونيسيا أحمد سوكارنو بحفاوة وأحسن ترحيب. وبالتالي نحن كأبناء الزعيمين ينبغي أن نعمل من أجل توطيد العلاقة بين البلدين في المستقبل القريب والبعيد وجعلها أقوى وأصلح للشعبين. حالمين بغد أشد إشراقا لتونس وإندونيسيا.