إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

يفرضها واقع الجمهورية الجديدة هل تسحب المعارضة الناشئة البساط من المعارضة التقليدية؟

 

تونس – الصباح

سبق الحديث بشكل علني عن وجود "معارضة" داخل قبة باردو قبل مباشرة مجلس نواب الشعب لمهامه، لاسيما في الأوساط السياسية الداعمة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيد، فيما ظل طرح المصطلح محتشما أو بين ثنايا الكلمات المنتقدة لسياسة سعيد في أوساط المعارضة. لذلك وجد الجدل الذي طرح في البرلمان حول تقنين المعارضة ضمن النظام الداخلي لمجلس النواب صدى خارج أسوار قبة باردو، رغم قرار رئاسة المجلس بإلغاء الفصل المتعلق بهذه المسألة.

ولكن هذا القرار لا يمكن أن يلغي من الأذهان والتوجهات في مختلف الأوساط السياسية الداعمة للمسار أو المعارضة له طرح مسالة المعارضة لسياسة سعيد سواء داخل قبة البرلمان أو في الدوائر السياسية الحالية بشكل عام، رغم رفض رئيس الجمهورية الاعتراف أو التعامل مع المعارضة القائمة بمختلف توجهاتها وتياراتها. ذلك على اعتبار أن أغلب النواب هم في انسجام مع المسار الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سيعد من ناحية وهم منخرطون في نظام رئاسي بامتياز من ناحية أخرى. ليفتح بذلك المجال للحديث عن نشأة معارضة من رحم المسار الذي يقوده سعيد لاسيما في ظل توسع دائرة الأحزاب والحركات الناشئة مؤخرا والداعمة لنفس المسار أو عودة "الحياة" والنشاط إلى أجسام حزبية أخرى بعد ابتعادها عن النشاط لعدة أسباب منها ما هو داخلي أو بسبب فشلها في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، لتختار في مسارها السياسي المتجدد مسلك المساندة والنقد في نفس الوقت لهذه المرحلة السياسية في محاولة للبحث عن إعادة التموقع في المشهد السياسي والحزبي في هذه المرحلة الانتقالية الجديدة مستفيدة من عودة القوى السياسية والحزبية إلى نفس الخط والمربع بفضل سياسية سعيد في تحييدها لاسيما الأحزاب والسياسيين الذين كانوا طرفا في منظومة الحكم خلال العشرية الماضية أو ممن تصدروا المشهد السياسي في الحكم والمعارضة على حد السواء خلال نفس الفترة، وتحميلها مسؤولية تردي الوضع الذي وصلت له البلاد في مستويات سياسية واجتماعية واقتصادية.  

ولئن راهن البعض على الدور الذي يمكن أن تلعبه المعارضة داخل البرلمان أو تلك المحسوبة على المسار لتلعب دورها في كسر "الحصار" الذي فرضه سعيد على المعارضة وتداعيات سياسته في غلق كل منافذ الحوار والتعامل معها على هذه القوى السياسية وفقدانها لقواعدها الشعبية وتلاشي أغلب هذه "الأجسام" وتشظيها ليعيد تلك القوى إلى المواجهة مع منظومة سعيد عبر آلية هذه المعارضة الناشئة، خاصة أن عددا كبيرا من النواب الجدد والحاملين بصفة مستقلين هم من أبناء المنظومات السابقة، وبعضهم الآخر سبق أن حمل ألوانا حزبية مختلفة، فإن البعض الآخر يرى أنه لا جدوى من المعارضة الجديدة الناشئة لأنها ستكون شكلية "هشة ولينة" وغير قادرة على فرض نسقها في معارضة خيارات التيار القائم المساند للمسار، لعدة اعتبارات بدءا بما يفرضه قانون النظام الداخلي الجديد للبرلمان من قيود على النواب والكتل البرلمانية وما يحدده ويفرضه من هامش للتحرك والنشاط من ناحية أخرى، واعتبارا لوجود شبه قطيعة بين النواب الجدد أو الأجسام الحزبية والحركات التي يعودون لها بالولاء وأغلبها إن لم يكن كلها مساندة للمسار وبين مكونات المشهد الحزبي والسياسي المحسوب على المنظومة السابقة من ناحية ثانية.

 الأمر الذي يضع هذه المعارضة الناشئة بين خيارين مختلفين يتمثل الأول في الانضباط لقواعد اللعبة التي يفرضها القانون المنظم للممارسة السياسية ويضبطها دستور 2022 من ناحية وهاجس الانخراط في مشروع بناء الجمهورية الجديدة بنفس نقدي حر وديمقراطي لكن مع المحافظة على حيز من المسافة من المعارضة السياسية القائمة بنفس التمشي الذي تختاره هذه القوى وتفرضه المرحلة السياسية ومسار التأسيس والإصلاح والبناء للجمهورية الجديدة، الذي قدت كل خياراته وفقا لتمشي ورؤى رئيس الجمهورية.

ليظل بذلك شق كبير من المعارضة "التقليدية"، يتخبط في نفس دائرة الصراع على السلطة مع المحافظة على نفس الأدوات والآليات دون التوصل لنتيجة تذكر، فيما تدارك شق آخر من الأحزاب والسياسيين ممن يقفون على نفس خط المعارضة لسياسة سعيد ودخل منذ مدة في القيام بمراجعات بهدف إعادة ترتيب أوضاعها والمراهنة على تقوية صفوفها عبر تجميع أحزاب وحركات تتقاطع عند نفس الأهداف وتتشابه في الأفكار والتوجهات من أجل توحيد الصفوف بعد القيام بالمراجعات اللازمة ليقينها أن الاكتفاء بدور المعارضة وحصر الصراع على السلطة دون سواها مسألة غير مجدية ولا تخدم مشروعها الهادف لتشكيل قوة لها القدرة على التأثير في السياسات العامة للدولة. لأن الأهم بالنسبة لها في هذه المرحلة هو مراجعة الخطاب والتوجه والبرامج والاقتراب أكثر من الشعب التونسي لأنه الجهة الوحيدة الكفيلة بضمان شهادة العبور لأي جهة سياسية وذلك شرط الاقتراب من مشاغل واهتمامات القواعد المجتمعية وتقديم برامج ورؤى نابعة من تطلعاته بعيدا عن منطق الإيديولوجيات والحسابات السياسوية والحزبية الضيقة. إذ اعترف عدد كبير من رموز المعارضة والسياسيين المعارضين لسياسة سعيد بفشلهم في مجاراة نسق الصراع أو الجدل السياسي الذي قاده سعيد منذ مسكه بزمام السلط لمدة أكثر من 20 شهرا بسبب عدم القيام بالمراجعات اللازمة التي يكون فيها تركيز اتجاه بوصلة الخطاب والتفكير نحو القواعد الشعبية الواسعة لا غير.

نزيهة الغضباني  

يفرضها واقع الجمهورية الجديدة  هل تسحب المعارضة الناشئة البساط من المعارضة التقليدية؟

 

تونس – الصباح

سبق الحديث بشكل علني عن وجود "معارضة" داخل قبة باردو قبل مباشرة مجلس نواب الشعب لمهامه، لاسيما في الأوساط السياسية الداعمة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيد، فيما ظل طرح المصطلح محتشما أو بين ثنايا الكلمات المنتقدة لسياسة سعيد في أوساط المعارضة. لذلك وجد الجدل الذي طرح في البرلمان حول تقنين المعارضة ضمن النظام الداخلي لمجلس النواب صدى خارج أسوار قبة باردو، رغم قرار رئاسة المجلس بإلغاء الفصل المتعلق بهذه المسألة.

ولكن هذا القرار لا يمكن أن يلغي من الأذهان والتوجهات في مختلف الأوساط السياسية الداعمة للمسار أو المعارضة له طرح مسالة المعارضة لسياسة سعيد سواء داخل قبة البرلمان أو في الدوائر السياسية الحالية بشكل عام، رغم رفض رئيس الجمهورية الاعتراف أو التعامل مع المعارضة القائمة بمختلف توجهاتها وتياراتها. ذلك على اعتبار أن أغلب النواب هم في انسجام مع المسار الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سيعد من ناحية وهم منخرطون في نظام رئاسي بامتياز من ناحية أخرى. ليفتح بذلك المجال للحديث عن نشأة معارضة من رحم المسار الذي يقوده سعيد لاسيما في ظل توسع دائرة الأحزاب والحركات الناشئة مؤخرا والداعمة لنفس المسار أو عودة "الحياة" والنشاط إلى أجسام حزبية أخرى بعد ابتعادها عن النشاط لعدة أسباب منها ما هو داخلي أو بسبب فشلها في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، لتختار في مسارها السياسي المتجدد مسلك المساندة والنقد في نفس الوقت لهذه المرحلة السياسية في محاولة للبحث عن إعادة التموقع في المشهد السياسي والحزبي في هذه المرحلة الانتقالية الجديدة مستفيدة من عودة القوى السياسية والحزبية إلى نفس الخط والمربع بفضل سياسية سعيد في تحييدها لاسيما الأحزاب والسياسيين الذين كانوا طرفا في منظومة الحكم خلال العشرية الماضية أو ممن تصدروا المشهد السياسي في الحكم والمعارضة على حد السواء خلال نفس الفترة، وتحميلها مسؤولية تردي الوضع الذي وصلت له البلاد في مستويات سياسية واجتماعية واقتصادية.  

ولئن راهن البعض على الدور الذي يمكن أن تلعبه المعارضة داخل البرلمان أو تلك المحسوبة على المسار لتلعب دورها في كسر "الحصار" الذي فرضه سعيد على المعارضة وتداعيات سياسته في غلق كل منافذ الحوار والتعامل معها على هذه القوى السياسية وفقدانها لقواعدها الشعبية وتلاشي أغلب هذه "الأجسام" وتشظيها ليعيد تلك القوى إلى المواجهة مع منظومة سعيد عبر آلية هذه المعارضة الناشئة، خاصة أن عددا كبيرا من النواب الجدد والحاملين بصفة مستقلين هم من أبناء المنظومات السابقة، وبعضهم الآخر سبق أن حمل ألوانا حزبية مختلفة، فإن البعض الآخر يرى أنه لا جدوى من المعارضة الجديدة الناشئة لأنها ستكون شكلية "هشة ولينة" وغير قادرة على فرض نسقها في معارضة خيارات التيار القائم المساند للمسار، لعدة اعتبارات بدءا بما يفرضه قانون النظام الداخلي الجديد للبرلمان من قيود على النواب والكتل البرلمانية وما يحدده ويفرضه من هامش للتحرك والنشاط من ناحية أخرى، واعتبارا لوجود شبه قطيعة بين النواب الجدد أو الأجسام الحزبية والحركات التي يعودون لها بالولاء وأغلبها إن لم يكن كلها مساندة للمسار وبين مكونات المشهد الحزبي والسياسي المحسوب على المنظومة السابقة من ناحية ثانية.

 الأمر الذي يضع هذه المعارضة الناشئة بين خيارين مختلفين يتمثل الأول في الانضباط لقواعد اللعبة التي يفرضها القانون المنظم للممارسة السياسية ويضبطها دستور 2022 من ناحية وهاجس الانخراط في مشروع بناء الجمهورية الجديدة بنفس نقدي حر وديمقراطي لكن مع المحافظة على حيز من المسافة من المعارضة السياسية القائمة بنفس التمشي الذي تختاره هذه القوى وتفرضه المرحلة السياسية ومسار التأسيس والإصلاح والبناء للجمهورية الجديدة، الذي قدت كل خياراته وفقا لتمشي ورؤى رئيس الجمهورية.

ليظل بذلك شق كبير من المعارضة "التقليدية"، يتخبط في نفس دائرة الصراع على السلطة مع المحافظة على نفس الأدوات والآليات دون التوصل لنتيجة تذكر، فيما تدارك شق آخر من الأحزاب والسياسيين ممن يقفون على نفس خط المعارضة لسياسة سعيد ودخل منذ مدة في القيام بمراجعات بهدف إعادة ترتيب أوضاعها والمراهنة على تقوية صفوفها عبر تجميع أحزاب وحركات تتقاطع عند نفس الأهداف وتتشابه في الأفكار والتوجهات من أجل توحيد الصفوف بعد القيام بالمراجعات اللازمة ليقينها أن الاكتفاء بدور المعارضة وحصر الصراع على السلطة دون سواها مسألة غير مجدية ولا تخدم مشروعها الهادف لتشكيل قوة لها القدرة على التأثير في السياسات العامة للدولة. لأن الأهم بالنسبة لها في هذه المرحلة هو مراجعة الخطاب والتوجه والبرامج والاقتراب أكثر من الشعب التونسي لأنه الجهة الوحيدة الكفيلة بضمان شهادة العبور لأي جهة سياسية وذلك شرط الاقتراب من مشاغل واهتمامات القواعد المجتمعية وتقديم برامج ورؤى نابعة من تطلعاته بعيدا عن منطق الإيديولوجيات والحسابات السياسوية والحزبية الضيقة. إذ اعترف عدد كبير من رموز المعارضة والسياسيين المعارضين لسياسة سعيد بفشلهم في مجاراة نسق الصراع أو الجدل السياسي الذي قاده سعيد منذ مسكه بزمام السلط لمدة أكثر من 20 شهرا بسبب عدم القيام بالمراجعات اللازمة التي يكون فيها تركيز اتجاه بوصلة الخطاب والتفكير نحو القواعد الشعبية الواسعة لا غير.

نزيهة الغضباني