إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الحرب في السودان.. صراعٌ للسيطرة على مناجم الذهب ومصادر اليورانيوم

 

على هذه الخلفية يبدو أن حميدتي يُخطط منذ سنتين للارتقاء من منصب الرجل الثاني في الحكم (المجلس الرئاسي) إلى المركز الأول، وهو ما يقتضي تنحية الرئيس الحالي للمجلس عبد الفتاح البرهان...

 

بقلم رشيد خشانة*

سواء توقفت الحرب الأهلية في السودان أم استمرت المعارك الطاحنة، فإن ليبيا ستكون في مقدم المتأثرين سلبا بتداعيات الحرب، بعدما أغلقت تشاد حدودها مع السودان بالكامل.

ويؤكد وزير الإعلام الليبي الأسبق محمود شمام أن ما يجري في السودان يُلقي بظلاله على ليبيا، وبخاصة على معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالنظر للدعم الذي لقيه الأخير طيلة سنوات، من محمد حميدتي دقلو، قائد قوات الدعم السريع.

والأرجح أن النازحين واللاجئين السودانيين سيتجهون بالآلاف إلى جنوب شرق ليبيا، هربا من الحرب. كما أن ليبيا ستكون الملاذ الآمن، نسبيا، لقوات "الجنجويد"، في حال هزيمة محمد حميدتي دقلو في الحرب. وهذا ما حمل رئيس هيئة التنظيم والإدارة العسكرية بالجنوب الليبي، العميد عبد السلام البوسيفي (المُوالي لحفتر)، على دعوة رئاسة الأركان "شرقا وغربا" إلى إغلاق الحدود مع السودان، وتكليف قوات عسكرية ضاربة بحمايتها، ووضع طائرات للاستطلاع بمطار الكفرة (جنوب   شرق)، من أجل مراقبة ومنع أي تسلل صوب الداخل الليبي.

 وأكدت مصادر مقربة من حفتر، لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية، أنه يدرس مع مساعديه إغلاق الحدود المشتركة بين ليبيا والسودان، واحتواء انعكاسات الحرب في أمن دول الجوار. وأبدى وزير الداخلية الليبي السابق اللواء صالح رجب مخاوفه من انتقال عناصر سودانية إلى الداخل الليبي، واستخدامه منصة انطلاق لتنفيذ عمليات في الداخل السوداني، لافتا إلى أن "ما يحدث في السودان يرمي لتقسيمه، بدعم غربي".

وتعتبر منطقة المثلث الحدودي (ليبيا، السودان، تشاد) إحدى المناطق الرئيسية التي تشغل بال الجانب الليبي، في ظل محاولة عناصر تابعة لشبكات إرهابية، إعادة التموضع في المنطقة، خلال الفترة المقبلة. ومن المؤكد أن هذا السيناريو هو ما يُزعج الأمريكيين، الذين مارسوا ضغوطا على الطرفين المُتقاتلين عبر وزير الخارجية بلينكن، لوقف الحرب، وأقلُهُ للالتزام بالهدنة.

حراسة مناجم الذهب

وما يزيد من تعقيد الأوضاع في الجنوب أن مؤسسات الدولة منهارة منذ سنوات، وأن قوات الدعم السريع تعمل بالتنسيق مع قوات "فاغنر" الروسية، المنتشرة في بلدان مجاورة للسودان. ومن أمارات التعاون بين قوات الدعم السريع وعناصر "فاغنر"، الزيارة التي أداها حميدتي إلى موسكو، غداة اندلاع الحرب في أوكرانيا، والحفاوة التي حظي بها من المسؤولين الروس. أكثر من ذلك تتولى قوات "فاغنر" وقوات الدعم السريع حماية مناجم ذهب في السودان، بحسب مركز الأبحاث "يوروبيان كاونسيل أون فورين ريلايشن" (المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية). ويضم باطن الأرض في السودان ثروات كبيرة، فهو ثاني أكبر منتج للمعادن الثمينة في القارة الأفريقية، والتي يُباع معظمها في الأسواق الموازية. أكثر من ذلك، تُسيطر قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، على عدد لم تُحدده المصادر، من مناجم الذهب والمعادن الثمينة في السودان.

من الرتبة الثانية إلى المركز الأول

على هذه الخلفية يبدو أن حميدتي يُخطط منذ سنتين للارتقاء من منصب الرجل الثاني في الحكم (المجلس الرئاسي) إلى المركز الأول، وهو ما يقتضي تنحية الرئيس الحالي للمجلس عبد الفتاح البرهان. ولم تكن الطموحات الرئاسية لحميدتي خافية منذ تكاثرت زياراته إلى المناطق الداخلية وارتياده المجالس القبلية، لربط علاقات مع الزعماء المحليين، الذين كانوا يُعتبرون أركان نظام الجنرال عمر البشير، قبل أن تُطيح به ثورة شعبية في 2019. ويكمُنُ الخطر، بحسب بعض الخبراء، في اتخاذ المُعرقلين للانتخابات في ليبيا، الحرب في السودان وتداعياتها الإنسانية والسياسية على الجنوب الليبي، ذريعة للمطالبة بتأجيل الانتخابات، وهو موقف يلتقي مع مواقف الرافضين، تحت الطاولة، لإجرائها، بالاعتماد على الخارطة التي أعدها الموفد الأممي عبد الله باثيلي، وحازت على موافقة مجلس الأمن.

لكن لا أحد ناقش الأسباب التي قادت إلى إرجاء الانتخابات بعدما كانت مُقررة ليوم 24 ديسمبر 2021. ومعلوم أن أبرز الأسباب تتمثل بالمعضلتين المتمثلتين في السماح للعسكريين بالترشُح للانتخابات الرئاسية، أو منعهم من الترشُح، والمعنيُ بذلك هو خاصة اللواء المتقاعد خليفة حفتر. أما المعضلة الثانية، فتخص سيف الإسلام الابن الثاني لمعمر القذافي، الذي كان سيُرفض ترشُحُه للانتخابات الرئاسية في 2021 بسبب صدور قرارات قضائية باتة في حقه، من هيئات قضائية خارجية وداخلية، بسبب ارتكابه جرائم حرب. ويُتداول في الكواليس مخرج مُحتمل من مصدر العطل المُتعلق بترشُح العسكريين، يتمثل في تعهُد من يرغب في الترشح، من التابعين للمؤسسة العسكرية، بالاستقالة من الجيش قبل الانتخابات، على ألا يعود إلى منصبه العسكري، إذا لم يفز في الاقتراع. أما الحل المُقترح لحاجز ازدواج الجنسية فهو اشتراط التخلي عن الجنسية الأجنبية نهائيا، قبل الاقتراع. ولا يُعرف ما إذا كان حفتر سيقبل بهذه الصيغة أم لا، لكن طالما لم يوجد حلٌ سياسيٌ وقانونيٌ لمعضلة ازدواج الجنسية، بالنسبة لحفتر، الحامل للجنسية الأمريكية، إلى جانب جنسيته الليبية، فإن أعمال لجنة 6-6 لن تكون لها فعالية ونجاعة في تعبيد الطريق للانتخابات.

من هم المُترشحون؟

لا يقتصر الساعون البارزون إلى الرئاسة على الثلاثة خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وعقيلة صالح، فهناك شخصيات نافذة لا تُخفي أيضا عزمها على الترشح للانتخابات المقبلة، ومن بينها رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا. لكنهما ليسا في أوج قوتهما هذه الأيام، إذ أن الأول غير مقتنع بإجراء الانتخابات، على أمل تمديد بقائه في السلطة، على طريقة "المؤقت الدائم"، بحجة "استكمال المرحلة الانتقالية الثالثة". أما الثاني (باشاغا) فعليه أن يُواجه تآكل شعبيته، حتى في مدينته مصراتة، لأنه أطلق وعودا لم يف بها، فضلا عن عجزه على الاستقرار في العاصمة، وعن تحصيل اعترافات دولية وإقليمية، بوصفه رئيسا للحكومة المنبثقة من مجلس النواب.

وفي هذا الإطار يحرص الروس على البقاء بعيدين عن الأضواء في هذه المرحلة، لضمان مصالح شركتهم "أس أم بي"، التي أسسها إفغيني بريكوجين صديق بوتين الحميم، وهي الذراع الاقتصادية لروسيا في أفريقيا. أما الإمارات فرحبت بالتعديل الدستوري الـ13، داعية الأطراف إلى جدول زمني واضح وجاد، لتحقيق الاستحقاق الانتخابي، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن تحقيق الاستقرار يتطلب سحب المرتزقة الأجانب والقوات الأجنبية بشكل متزن ومتزامن.

هناك سؤال لم يُطرح بوضوح حتى اليوم، وهو يتعلق بالاستفتاء على مشروع الدستور، الذي يُفترض أنه يسبق الانتخابات. لكن الفسحة الزمنية الباقية إلى نهاية العام، لا تُتيح إجراء اقتراعين متوالين، خاصة مع صعوبة المسارات الانتخابية في الجنوب الليبي. وكان مجلس النواب أصدر قانون الاستفتاء على الدستور، غير أن مفوضية الانتخابات لم تُجر بعدُ الاستفتاء على الإعلان الدستوري. وتتمسك شخصيات عدة، بينها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بضرورة عرض الوثيقة الدستورية، الخاصة بتنظيم عملية الانتخابات، على استفتاء شعبي قبل اعتمادها، معتبرا أن التدخل الخارجي هو "سبب عدم الاستقرار السياسي في ليبيا"، مُتناسيا الدور السلبي لمجلس النواب في التغاضي عن وجود قوات أجنبية في البلد، وسكوته على تزويد معظم الأجسام العسكرية الليبية بالمال والسلاح، من دول اقليمية.

وعلى الرغم من اعتقاد مراقبين عدة أنه يتم الترتيب حاليا لتسمية حكومة جديدة تشرف على العملية الانتخابية، بالتنسيق مع الجهات الدولية الفاعلة في ليبيا، من المستبعد أن يقبل الدبيبة بالتنحي، وهو الذي وعد بألا يُسلم السلطات إلا لحكومة منتخبة. وقد يُعطل هذا الجدل التقدم نحو الانتخابات، ذلك أن شخصيات سياسية وقيادات قبلية عقدت أخيرا اجتماعات في مصراتة أسفرت عن جملة من التوصيات، من بينها إيجاد سلطة تنفيذية موحدة، تُمهد المناخ لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويكون لخليفة حفتر دور في تكوينها. وهذا طريق غير مضمون، لأن هذه السلطة التنفيذية قد تتشبث بالحكم، بوسائل مختلفة، مثلما فعلت الحكومات السابقة، فيعود البلد إلى المربع الأول.

*مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا

الحرب في السودان.. صراعٌ للسيطرة على مناجم الذهب ومصادر اليورانيوم

 

على هذه الخلفية يبدو أن حميدتي يُخطط منذ سنتين للارتقاء من منصب الرجل الثاني في الحكم (المجلس الرئاسي) إلى المركز الأول، وهو ما يقتضي تنحية الرئيس الحالي للمجلس عبد الفتاح البرهان...

 

بقلم رشيد خشانة*

سواء توقفت الحرب الأهلية في السودان أم استمرت المعارك الطاحنة، فإن ليبيا ستكون في مقدم المتأثرين سلبا بتداعيات الحرب، بعدما أغلقت تشاد حدودها مع السودان بالكامل.

ويؤكد وزير الإعلام الليبي الأسبق محمود شمام أن ما يجري في السودان يُلقي بظلاله على ليبيا، وبخاصة على معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالنظر للدعم الذي لقيه الأخير طيلة سنوات، من محمد حميدتي دقلو، قائد قوات الدعم السريع.

والأرجح أن النازحين واللاجئين السودانيين سيتجهون بالآلاف إلى جنوب شرق ليبيا، هربا من الحرب. كما أن ليبيا ستكون الملاذ الآمن، نسبيا، لقوات "الجنجويد"، في حال هزيمة محمد حميدتي دقلو في الحرب. وهذا ما حمل رئيس هيئة التنظيم والإدارة العسكرية بالجنوب الليبي، العميد عبد السلام البوسيفي (المُوالي لحفتر)، على دعوة رئاسة الأركان "شرقا وغربا" إلى إغلاق الحدود مع السودان، وتكليف قوات عسكرية ضاربة بحمايتها، ووضع طائرات للاستطلاع بمطار الكفرة (جنوب   شرق)، من أجل مراقبة ومنع أي تسلل صوب الداخل الليبي.

 وأكدت مصادر مقربة من حفتر، لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية، أنه يدرس مع مساعديه إغلاق الحدود المشتركة بين ليبيا والسودان، واحتواء انعكاسات الحرب في أمن دول الجوار. وأبدى وزير الداخلية الليبي السابق اللواء صالح رجب مخاوفه من انتقال عناصر سودانية إلى الداخل الليبي، واستخدامه منصة انطلاق لتنفيذ عمليات في الداخل السوداني، لافتا إلى أن "ما يحدث في السودان يرمي لتقسيمه، بدعم غربي".

وتعتبر منطقة المثلث الحدودي (ليبيا، السودان، تشاد) إحدى المناطق الرئيسية التي تشغل بال الجانب الليبي، في ظل محاولة عناصر تابعة لشبكات إرهابية، إعادة التموضع في المنطقة، خلال الفترة المقبلة. ومن المؤكد أن هذا السيناريو هو ما يُزعج الأمريكيين، الذين مارسوا ضغوطا على الطرفين المُتقاتلين عبر وزير الخارجية بلينكن، لوقف الحرب، وأقلُهُ للالتزام بالهدنة.

حراسة مناجم الذهب

وما يزيد من تعقيد الأوضاع في الجنوب أن مؤسسات الدولة منهارة منذ سنوات، وأن قوات الدعم السريع تعمل بالتنسيق مع قوات "فاغنر" الروسية، المنتشرة في بلدان مجاورة للسودان. ومن أمارات التعاون بين قوات الدعم السريع وعناصر "فاغنر"، الزيارة التي أداها حميدتي إلى موسكو، غداة اندلاع الحرب في أوكرانيا، والحفاوة التي حظي بها من المسؤولين الروس. أكثر من ذلك تتولى قوات "فاغنر" وقوات الدعم السريع حماية مناجم ذهب في السودان، بحسب مركز الأبحاث "يوروبيان كاونسيل أون فورين ريلايشن" (المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية). ويضم باطن الأرض في السودان ثروات كبيرة، فهو ثاني أكبر منتج للمعادن الثمينة في القارة الأفريقية، والتي يُباع معظمها في الأسواق الموازية. أكثر من ذلك، تُسيطر قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، على عدد لم تُحدده المصادر، من مناجم الذهب والمعادن الثمينة في السودان.

من الرتبة الثانية إلى المركز الأول

على هذه الخلفية يبدو أن حميدتي يُخطط منذ سنتين للارتقاء من منصب الرجل الثاني في الحكم (المجلس الرئاسي) إلى المركز الأول، وهو ما يقتضي تنحية الرئيس الحالي للمجلس عبد الفتاح البرهان. ولم تكن الطموحات الرئاسية لحميدتي خافية منذ تكاثرت زياراته إلى المناطق الداخلية وارتياده المجالس القبلية، لربط علاقات مع الزعماء المحليين، الذين كانوا يُعتبرون أركان نظام الجنرال عمر البشير، قبل أن تُطيح به ثورة شعبية في 2019. ويكمُنُ الخطر، بحسب بعض الخبراء، في اتخاذ المُعرقلين للانتخابات في ليبيا، الحرب في السودان وتداعياتها الإنسانية والسياسية على الجنوب الليبي، ذريعة للمطالبة بتأجيل الانتخابات، وهو موقف يلتقي مع مواقف الرافضين، تحت الطاولة، لإجرائها، بالاعتماد على الخارطة التي أعدها الموفد الأممي عبد الله باثيلي، وحازت على موافقة مجلس الأمن.

لكن لا أحد ناقش الأسباب التي قادت إلى إرجاء الانتخابات بعدما كانت مُقررة ليوم 24 ديسمبر 2021. ومعلوم أن أبرز الأسباب تتمثل بالمعضلتين المتمثلتين في السماح للعسكريين بالترشُح للانتخابات الرئاسية، أو منعهم من الترشُح، والمعنيُ بذلك هو خاصة اللواء المتقاعد خليفة حفتر. أما المعضلة الثانية، فتخص سيف الإسلام الابن الثاني لمعمر القذافي، الذي كان سيُرفض ترشُحُه للانتخابات الرئاسية في 2021 بسبب صدور قرارات قضائية باتة في حقه، من هيئات قضائية خارجية وداخلية، بسبب ارتكابه جرائم حرب. ويُتداول في الكواليس مخرج مُحتمل من مصدر العطل المُتعلق بترشُح العسكريين، يتمثل في تعهُد من يرغب في الترشح، من التابعين للمؤسسة العسكرية، بالاستقالة من الجيش قبل الانتخابات، على ألا يعود إلى منصبه العسكري، إذا لم يفز في الاقتراع. أما الحل المُقترح لحاجز ازدواج الجنسية فهو اشتراط التخلي عن الجنسية الأجنبية نهائيا، قبل الاقتراع. ولا يُعرف ما إذا كان حفتر سيقبل بهذه الصيغة أم لا، لكن طالما لم يوجد حلٌ سياسيٌ وقانونيٌ لمعضلة ازدواج الجنسية، بالنسبة لحفتر، الحامل للجنسية الأمريكية، إلى جانب جنسيته الليبية، فإن أعمال لجنة 6-6 لن تكون لها فعالية ونجاعة في تعبيد الطريق للانتخابات.

من هم المُترشحون؟

لا يقتصر الساعون البارزون إلى الرئاسة على الثلاثة خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وعقيلة صالح، فهناك شخصيات نافذة لا تُخفي أيضا عزمها على الترشح للانتخابات المقبلة، ومن بينها رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة ورئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا. لكنهما ليسا في أوج قوتهما هذه الأيام، إذ أن الأول غير مقتنع بإجراء الانتخابات، على أمل تمديد بقائه في السلطة، على طريقة "المؤقت الدائم"، بحجة "استكمال المرحلة الانتقالية الثالثة". أما الثاني (باشاغا) فعليه أن يُواجه تآكل شعبيته، حتى في مدينته مصراتة، لأنه أطلق وعودا لم يف بها، فضلا عن عجزه على الاستقرار في العاصمة، وعن تحصيل اعترافات دولية وإقليمية، بوصفه رئيسا للحكومة المنبثقة من مجلس النواب.

وفي هذا الإطار يحرص الروس على البقاء بعيدين عن الأضواء في هذه المرحلة، لضمان مصالح شركتهم "أس أم بي"، التي أسسها إفغيني بريكوجين صديق بوتين الحميم، وهي الذراع الاقتصادية لروسيا في أفريقيا. أما الإمارات فرحبت بالتعديل الدستوري الـ13، داعية الأطراف إلى جدول زمني واضح وجاد، لتحقيق الاستحقاق الانتخابي، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن تحقيق الاستقرار يتطلب سحب المرتزقة الأجانب والقوات الأجنبية بشكل متزن ومتزامن.

هناك سؤال لم يُطرح بوضوح حتى اليوم، وهو يتعلق بالاستفتاء على مشروع الدستور، الذي يُفترض أنه يسبق الانتخابات. لكن الفسحة الزمنية الباقية إلى نهاية العام، لا تُتيح إجراء اقتراعين متوالين، خاصة مع صعوبة المسارات الانتخابية في الجنوب الليبي. وكان مجلس النواب أصدر قانون الاستفتاء على الدستور، غير أن مفوضية الانتخابات لم تُجر بعدُ الاستفتاء على الإعلان الدستوري. وتتمسك شخصيات عدة، بينها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بضرورة عرض الوثيقة الدستورية، الخاصة بتنظيم عملية الانتخابات، على استفتاء شعبي قبل اعتمادها، معتبرا أن التدخل الخارجي هو "سبب عدم الاستقرار السياسي في ليبيا"، مُتناسيا الدور السلبي لمجلس النواب في التغاضي عن وجود قوات أجنبية في البلد، وسكوته على تزويد معظم الأجسام العسكرية الليبية بالمال والسلاح، من دول اقليمية.

وعلى الرغم من اعتقاد مراقبين عدة أنه يتم الترتيب حاليا لتسمية حكومة جديدة تشرف على العملية الانتخابية، بالتنسيق مع الجهات الدولية الفاعلة في ليبيا، من المستبعد أن يقبل الدبيبة بالتنحي، وهو الذي وعد بألا يُسلم السلطات إلا لحكومة منتخبة. وقد يُعطل هذا الجدل التقدم نحو الانتخابات، ذلك أن شخصيات سياسية وقيادات قبلية عقدت أخيرا اجتماعات في مصراتة أسفرت عن جملة من التوصيات، من بينها إيجاد سلطة تنفيذية موحدة، تُمهد المناخ لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويكون لخليفة حفتر دور في تكوينها. وهذا طريق غير مضمون، لأن هذه السلطة التنفيذية قد تتشبث بالحكم، بوسائل مختلفة، مثلما فعلت الحكومات السابقة، فيعود البلد إلى المربع الأول.

*مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا