إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من " على وجه الخطأ " إلى " على وجه الفضل" ...ضياع الانتقال الديمقراطي المنشود

بقلم:هشام الحاجي 

تتعدد ملامح الأزمة الشاملة والمركبة والمعقدة التي تعيشها تونس. ولكن المقاربة السياسوية غالبا ما تحول النظر في جوانب الأزمة إلى فضاء تراشق وسجال من أجل التنصل من المسؤولية. القبول بأن الأزمة مركبة ومعقدة يسمح بالتعاطي معها كعطالة تشكلت على امتداد عقود وأن بعض السياسات،كالتي ينتهجها حاليا رئيس الجمهورية قيس سعيد،لم تزدها إلا حدة وبروزا وهذا ما يميز سياسات الدولة البطركية الحديثة على حد تعبير المفكر الفلسطيني هشام شرابي لأن كل جيل لا يترك للجيل الذي يعقبه إلا المزيد من المشاكل والاخفاقات والمهام التي فشل في إنجازها. هذا ما ينطبق على دولة الاستقلال ثم " دولة الثورة " وقد يتواصل الأمر على نفس الوتيرة في المستقبل طالما لم نتخلص من أمراض مجتمعية ولكنها تؤثر على الحقل السياسي. هناك ادعاء النجاح الكامل وهو ما يبعد الحاكم عن الواقع ويجعله يضيق بالنقد ويرفض الرأي المختلف. وهذا ما يجعل من يتولى موقع القيادة لا يقر بالخطأ،هذا إن قبل ذلك ، إلا في اللحظات الأخيرة من ممارسته السلطة. هذان التمظهران  يرتبطان بما هو أعمق وهو أن العمل السياسي لا يضع تحرير الطاقات كهدف أولي بل يسعى إلى جعل العمل السياسي أداة لتحقيق المنافع والامتيازات للمقربين واستبعاد من يختلف في الرأي من " جنة الامتيازات " .هذا ما لازم التجربة السياسية في تونس منذ الإستقلال حتى وإن اختلفت الحدة من فترة إلى أخرى وأدى إلى هيمنة طبقة سياسية تريد أن " تعيش من السياسة " حسب مقولة ماكس فيبر الذي أعتبر أن النظام السياسي الناجع يقوم على الانتقال من الذين " يعيشون من السياسة " إلى الذين " يعيشون من أجل السياسة " وهو ما تسعى إليه الدول والأنظمة الحديثة التي تحاول تغليب مبدأ الجدارة والكفاءة على منطق الموالاة والمحاباة والاحتكام للقانون ومقاومة كل أشكال تجاوز القانون والافلات من العقاب. ولكن غالبا ما تلتف الدولة البطركية الحديثة على هذا التوجه من خلال التظاهر بأنها تحترم شكليا المنطق الحديث الذي تقوم عليه الدول المتقدمة سياسيا ولكنها تقوم فعليا بانتهاك هذا المنطق. تبرز هنا بعض العبارات التي يقع تداولها على أنها عفوية واحيانا ممجوجة لتبرير سلوكيات أجهزة الدولة ورموزها. عوض أن تقر الدولة بأخطاء أعوانها وتقبل اخضاعهم للمساءلة القانونية فإنها تتذرع بأن كل التجاوزات وقعت " على وجه الخطأ " وهو ما يؤدي تدريجيا إلى تحويل الإفلات من العقاب إلى القاعدة مع ما يستدعيه ذلك من " تطويع " للقضاء وتلاعب بقيم العدالة والمساواة. وتدريجيا تتحول "على وجه الخطأ " إلى قاعدة تعامل بين السلطة والمجتمع وإلى سلاح غالبا ما يكون له وجه آخر وهو تمتع المقربين من السلطة بالكثير من الامتيازات " على وجه الفضل" . هناك رجال أعمال أصبحوا كذلك بعد أن نالوا من " فضل " السلطة في شكل تشريعات وهبات وقاموا بدورهم برد الهدية بأحسن منها وهو ما يفسر تفشي ظاهرة الإثراء غير المشروع لدى عدة قطاعات. ولا شك أن الشباب هم الذين يضيقون ذرعا أكثر من غيرهم من الإفلات من العقاب والمحاباة لأن ذلك يجعلهم في صدام مع ما يؤمنون به من قيم ويغلق في وجوههم أبواب الأمل بمستقبل أفضل وهو ما يفسر أنهم غالبا ما يكونون في صدارة المتصدين لكل مظاهر سلوك الدولة البطركية الحديثة. 

من " على وجه الخطأ " إلى " على وجه الفضل" ...ضياع الانتقال الديمقراطي المنشود

بقلم:هشام الحاجي 

تتعدد ملامح الأزمة الشاملة والمركبة والمعقدة التي تعيشها تونس. ولكن المقاربة السياسوية غالبا ما تحول النظر في جوانب الأزمة إلى فضاء تراشق وسجال من أجل التنصل من المسؤولية. القبول بأن الأزمة مركبة ومعقدة يسمح بالتعاطي معها كعطالة تشكلت على امتداد عقود وأن بعض السياسات،كالتي ينتهجها حاليا رئيس الجمهورية قيس سعيد،لم تزدها إلا حدة وبروزا وهذا ما يميز سياسات الدولة البطركية الحديثة على حد تعبير المفكر الفلسطيني هشام شرابي لأن كل جيل لا يترك للجيل الذي يعقبه إلا المزيد من المشاكل والاخفاقات والمهام التي فشل في إنجازها. هذا ما ينطبق على دولة الاستقلال ثم " دولة الثورة " وقد يتواصل الأمر على نفس الوتيرة في المستقبل طالما لم نتخلص من أمراض مجتمعية ولكنها تؤثر على الحقل السياسي. هناك ادعاء النجاح الكامل وهو ما يبعد الحاكم عن الواقع ويجعله يضيق بالنقد ويرفض الرأي المختلف. وهذا ما يجعل من يتولى موقع القيادة لا يقر بالخطأ،هذا إن قبل ذلك ، إلا في اللحظات الأخيرة من ممارسته السلطة. هذان التمظهران  يرتبطان بما هو أعمق وهو أن العمل السياسي لا يضع تحرير الطاقات كهدف أولي بل يسعى إلى جعل العمل السياسي أداة لتحقيق المنافع والامتيازات للمقربين واستبعاد من يختلف في الرأي من " جنة الامتيازات " .هذا ما لازم التجربة السياسية في تونس منذ الإستقلال حتى وإن اختلفت الحدة من فترة إلى أخرى وأدى إلى هيمنة طبقة سياسية تريد أن " تعيش من السياسة " حسب مقولة ماكس فيبر الذي أعتبر أن النظام السياسي الناجع يقوم على الانتقال من الذين " يعيشون من السياسة " إلى الذين " يعيشون من أجل السياسة " وهو ما تسعى إليه الدول والأنظمة الحديثة التي تحاول تغليب مبدأ الجدارة والكفاءة على منطق الموالاة والمحاباة والاحتكام للقانون ومقاومة كل أشكال تجاوز القانون والافلات من العقاب. ولكن غالبا ما تلتف الدولة البطركية الحديثة على هذا التوجه من خلال التظاهر بأنها تحترم شكليا المنطق الحديث الذي تقوم عليه الدول المتقدمة سياسيا ولكنها تقوم فعليا بانتهاك هذا المنطق. تبرز هنا بعض العبارات التي يقع تداولها على أنها عفوية واحيانا ممجوجة لتبرير سلوكيات أجهزة الدولة ورموزها. عوض أن تقر الدولة بأخطاء أعوانها وتقبل اخضاعهم للمساءلة القانونية فإنها تتذرع بأن كل التجاوزات وقعت " على وجه الخطأ " وهو ما يؤدي تدريجيا إلى تحويل الإفلات من العقاب إلى القاعدة مع ما يستدعيه ذلك من " تطويع " للقضاء وتلاعب بقيم العدالة والمساواة. وتدريجيا تتحول "على وجه الخطأ " إلى قاعدة تعامل بين السلطة والمجتمع وإلى سلاح غالبا ما يكون له وجه آخر وهو تمتع المقربين من السلطة بالكثير من الامتيازات " على وجه الفضل" . هناك رجال أعمال أصبحوا كذلك بعد أن نالوا من " فضل " السلطة في شكل تشريعات وهبات وقاموا بدورهم برد الهدية بأحسن منها وهو ما يفسر تفشي ظاهرة الإثراء غير المشروع لدى عدة قطاعات. ولا شك أن الشباب هم الذين يضيقون ذرعا أكثر من غيرهم من الإفلات من العقاب والمحاباة لأن ذلك يجعلهم في صدام مع ما يؤمنون به من قيم ويغلق في وجوههم أبواب الأمل بمستقبل أفضل وهو ما يفسر أنهم غالبا ما يكونون في صدارة المتصدين لكل مظاهر سلوك الدولة البطركية الحديثة.