إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الرسم على البلور إبداعٌ تونسيٌ انقرض في صمت !

بقلم:مختار اللواتي

لقد خرجت من قراءة كتاب الدكتور خليل قويعة بمتعتين. متعة اكتشاف أن فن الرسم على البلور، كنمط قائم الذات من الفن التشكيلي، قد كان لمدينة صفاقس ولعدد من مدن بلادنا، مثل العاصمة تونس والقيروان وبنزرت، أسبقية تاريخية في إنتاجه، مع عدد من المدن السورية، في طليعتها العاصمة دمشق، في ابتكاره وتطويره من الأرسومة إلى اللوحة، مع ارتكازٍ مميز على الكتابة تعليقا وشرحا لمضمونها.

أما المتعة الثانية فهي بما يمثله الكتاب من حافزٍ على عدم الإستسلام للإحباط المسيطرعلى نفوس أبناء وبنات صفاقس بمعتمدياتها ومناطقها بسبب ما تعانيه الجهة من إهمالٍ مزمنٍ متعدد الجوانب والمظاهر، وعلى استرجاع الثقة في النفس بإمكان القدرة على فك هذه العزلة القسرية وتوجيه النظر بدايةً إلى زاوية الثقافة والفن حيث تشهد الجهة منذ مدة حركية ثقافية وفنية تعج بها نواديها ومقار جمعياتها وبالذات مندوبية الثقافة فيها.

ويقيني ان كتاب الدكتور قويعة يندرج في هذا السياق. كيف لا وهو يزيل الغبار عن صفحة مشرقةٍ أخرى من تاريخ المدينة والجهة تعرّف بتميزها في فنٍ لايعلم عنه كثيرٌ من شبابها ويافعيها شيئا. إنه الرسم والكتابة على البلور.. وأضيف إليهما، خارج النص، فن طلاء البلور بألوان بديعة تراوح بين الأصفر الأرجواني والأحمر الداكن والأخضر الزيتي الفاتح والغامق. وكانت تُستعمل لتزيين نوافذ وشبابيك البيوت وبالذات "الأبراج" منها.

فما هو هذا الكتاب الذي يفتح طاقة أمل جديدة في نفوس قرائه من صفاقس ومن غيرها من المدن التونسية؟

إنه ذوعنوان شاملٍ كبير "مسار التحديث في الفنون التشكيلية"، يدعمه عنوان مخصوص بمضمونه هو "من الأرسومة إلى اللوحة". وقد صدر في العام 2020 عن دار محمدعلي للنشر.

وقد رأيت أن ما ينصف الكتاب والكاتب كليهما أكثر ويُعرّف بدقة بمضمون الكتاب هو التقديم الذي صدّره به الأستاذ الدكتور عبد الواحد المكني، أستاذ التاريخ المعاصر والأنتروبولوجيا التاريخية، رئيس جامعة صفاقس.

لقد استهل الدكتور المكني تقديمة بالقول "إن الأشياءالخفية تجعلها أضدادها مرئية.. ثبت هذا القول لجلال الدين الرومي في المصنّفات ويثبت أيضا على العمل الشيق الذي أخرجه الأكاديمي والفنان خليل قويعة في هذا الكتاب الممتع البديع"

ويضيف الأستاذ عبد الواحد بعد ذلك يقول "هذا العمل هو رحلة انطولوجية ونقدية في ورشة الفن التشكيلي في تونس خلال قرنٍ ونيف. جال فيها خليل قويعة ببصره الثاقب ومنظومة أفكاره الوهّاجة وزاده العلمي التوليدي ليسهم في تشكيل سردية التحديث الفني في تونس، فعبَر الرحلة مع "الأرسومة" ومن خلالها إلى اللوحة الفنية الحديثة. وحرص على معرفة كيفية الانتقال بالغرض الفني من "سوق المدينة" إلى "مدينة المعرض"، أو "مدينة المهرجان".

ثم يحوصل الدكتور المكني عرضه بالقول "زبدة أفكار الكتاب بفصوله الأربعة وبجانبه التطبيقي المجهري والتأصيلي النظري، أن الفن التصويري في تونس انتقل من سلطان النص إلى سلطان الصورة وتجاوز ثنائيةَ "المباح والمكروه"، وأن الأرسومة تجاوزت طور التفسير والتوجيه والإسناد، في إطار منظومةٍ قانعةٍ شبهِ مستهلكة ومستكينة، نحو لوحة موجّهة تستفز الخيال والفؤاد وتبحر بالناظر إليها والمتمعّن فيها في فدافد الحيرة فتكون ولادة خلاقة مستفزة" إلى أن يقول "بين الأرسومة واللوحة تطوّر العقل على حساب النقل. ولم تكن النقلة اجتثاثيةً صادمة، لم تكن ثأرية ولا ثورية، ولم يصاحبها ضجيج كبير .. فكانت نقلة سلسة ورقيقة ولم تُقبِر ولم تُنه الأغراض المحورية الثلاثة. وهي

  • النص المرافق أو المخطوط التفسيري البيداغوجي
  • معمار المدينة أو "سوق العصر"
  • الفروسية أو "فنطازيا الحِرابة".

وقد بوّأ الدكتور خليل قويعة مدونةَ الرسم على الزجاج مكان الصدارة في كتابه بإفراد الفصل الأول منه لها تحت عنوان " الأرسومات الزجاجية العربية وتعالق الصورة والكتابة (من خلال المدونة التونسية). ومن الأسباب التي أوردها الكاتب الفنان خليل قويعة لإيلاء هذا المحور هذا الاهتمام والتركيز، نراه يُذكّرخاصة"بمدى تغلغل هذا التراث في الحياة الشعبية المدينية". ويؤكد أن "هذه الأرسومات تُعَدّ مرجعيةً سردية تسند طرائق التفكير وتلعب دورا إيكونوغرافياً في الربط بين المتخيل الشعبي ومنظومة القيم الرمزية والدينية والثقافية وتثبيت هذا الربط من خلال الصورة".

وبكلمة، وحتى لا أكشف كامل خباياه المضيئة،  فإن كتاب "مسار التحديث في الفنون التشكيلية.. من الأرسومة إلى اللوحة" جدير بالقراءة والتمعن في محتواه الثري ليس فقط لطلبة الفنون الجميلة بل لعموم المثقفين والقراء علّ يعود إلى الفنانين التشكيليين الولع بالرسم من جديدلوحاتٍ بديعةً على البلور. ولمَ لا يعود للحرفيين والصناعيين كذلك ولع إنتاج البلور المطلي بشتى الألوان الزاهيةلتزيين نوافذ البيوت بها فقد تبعث الانشراح في نفوس ساكنيها، وخاصة في صفاقس الكئيبة..

 

 

الرسم على البلور إبداعٌ تونسيٌ انقرض في صمت !

بقلم:مختار اللواتي

لقد خرجت من قراءة كتاب الدكتور خليل قويعة بمتعتين. متعة اكتشاف أن فن الرسم على البلور، كنمط قائم الذات من الفن التشكيلي، قد كان لمدينة صفاقس ولعدد من مدن بلادنا، مثل العاصمة تونس والقيروان وبنزرت، أسبقية تاريخية في إنتاجه، مع عدد من المدن السورية، في طليعتها العاصمة دمشق، في ابتكاره وتطويره من الأرسومة إلى اللوحة، مع ارتكازٍ مميز على الكتابة تعليقا وشرحا لمضمونها.

أما المتعة الثانية فهي بما يمثله الكتاب من حافزٍ على عدم الإستسلام للإحباط المسيطرعلى نفوس أبناء وبنات صفاقس بمعتمدياتها ومناطقها بسبب ما تعانيه الجهة من إهمالٍ مزمنٍ متعدد الجوانب والمظاهر، وعلى استرجاع الثقة في النفس بإمكان القدرة على فك هذه العزلة القسرية وتوجيه النظر بدايةً إلى زاوية الثقافة والفن حيث تشهد الجهة منذ مدة حركية ثقافية وفنية تعج بها نواديها ومقار جمعياتها وبالذات مندوبية الثقافة فيها.

ويقيني ان كتاب الدكتور قويعة يندرج في هذا السياق. كيف لا وهو يزيل الغبار عن صفحة مشرقةٍ أخرى من تاريخ المدينة والجهة تعرّف بتميزها في فنٍ لايعلم عنه كثيرٌ من شبابها ويافعيها شيئا. إنه الرسم والكتابة على البلور.. وأضيف إليهما، خارج النص، فن طلاء البلور بألوان بديعة تراوح بين الأصفر الأرجواني والأحمر الداكن والأخضر الزيتي الفاتح والغامق. وكانت تُستعمل لتزيين نوافذ وشبابيك البيوت وبالذات "الأبراج" منها.

فما هو هذا الكتاب الذي يفتح طاقة أمل جديدة في نفوس قرائه من صفاقس ومن غيرها من المدن التونسية؟

إنه ذوعنوان شاملٍ كبير "مسار التحديث في الفنون التشكيلية"، يدعمه عنوان مخصوص بمضمونه هو "من الأرسومة إلى اللوحة". وقد صدر في العام 2020 عن دار محمدعلي للنشر.

وقد رأيت أن ما ينصف الكتاب والكاتب كليهما أكثر ويُعرّف بدقة بمضمون الكتاب هو التقديم الذي صدّره به الأستاذ الدكتور عبد الواحد المكني، أستاذ التاريخ المعاصر والأنتروبولوجيا التاريخية، رئيس جامعة صفاقس.

لقد استهل الدكتور المكني تقديمة بالقول "إن الأشياءالخفية تجعلها أضدادها مرئية.. ثبت هذا القول لجلال الدين الرومي في المصنّفات ويثبت أيضا على العمل الشيق الذي أخرجه الأكاديمي والفنان خليل قويعة في هذا الكتاب الممتع البديع"

ويضيف الأستاذ عبد الواحد بعد ذلك يقول "هذا العمل هو رحلة انطولوجية ونقدية في ورشة الفن التشكيلي في تونس خلال قرنٍ ونيف. جال فيها خليل قويعة ببصره الثاقب ومنظومة أفكاره الوهّاجة وزاده العلمي التوليدي ليسهم في تشكيل سردية التحديث الفني في تونس، فعبَر الرحلة مع "الأرسومة" ومن خلالها إلى اللوحة الفنية الحديثة. وحرص على معرفة كيفية الانتقال بالغرض الفني من "سوق المدينة" إلى "مدينة المعرض"، أو "مدينة المهرجان".

ثم يحوصل الدكتور المكني عرضه بالقول "زبدة أفكار الكتاب بفصوله الأربعة وبجانبه التطبيقي المجهري والتأصيلي النظري، أن الفن التصويري في تونس انتقل من سلطان النص إلى سلطان الصورة وتجاوز ثنائيةَ "المباح والمكروه"، وأن الأرسومة تجاوزت طور التفسير والتوجيه والإسناد، في إطار منظومةٍ قانعةٍ شبهِ مستهلكة ومستكينة، نحو لوحة موجّهة تستفز الخيال والفؤاد وتبحر بالناظر إليها والمتمعّن فيها في فدافد الحيرة فتكون ولادة خلاقة مستفزة" إلى أن يقول "بين الأرسومة واللوحة تطوّر العقل على حساب النقل. ولم تكن النقلة اجتثاثيةً صادمة، لم تكن ثأرية ولا ثورية، ولم يصاحبها ضجيج كبير .. فكانت نقلة سلسة ورقيقة ولم تُقبِر ولم تُنه الأغراض المحورية الثلاثة. وهي

  • النص المرافق أو المخطوط التفسيري البيداغوجي
  • معمار المدينة أو "سوق العصر"
  • الفروسية أو "فنطازيا الحِرابة".

وقد بوّأ الدكتور خليل قويعة مدونةَ الرسم على الزجاج مكان الصدارة في كتابه بإفراد الفصل الأول منه لها تحت عنوان " الأرسومات الزجاجية العربية وتعالق الصورة والكتابة (من خلال المدونة التونسية). ومن الأسباب التي أوردها الكاتب الفنان خليل قويعة لإيلاء هذا المحور هذا الاهتمام والتركيز، نراه يُذكّرخاصة"بمدى تغلغل هذا التراث في الحياة الشعبية المدينية". ويؤكد أن "هذه الأرسومات تُعَدّ مرجعيةً سردية تسند طرائق التفكير وتلعب دورا إيكونوغرافياً في الربط بين المتخيل الشعبي ومنظومة القيم الرمزية والدينية والثقافية وتثبيت هذا الربط من خلال الصورة".

وبكلمة، وحتى لا أكشف كامل خباياه المضيئة،  فإن كتاب "مسار التحديث في الفنون التشكيلية.. من الأرسومة إلى اللوحة" جدير بالقراءة والتمعن في محتواه الثري ليس فقط لطلبة الفنون الجميلة بل لعموم المثقفين والقراء علّ يعود إلى الفنانين التشكيليين الولع بالرسم من جديدلوحاتٍ بديعةً على البلور. ولمَ لا يعود للحرفيين والصناعيين كذلك ولع إنتاج البلور المطلي بشتى الألوان الزاهيةلتزيين نوافذ البيوت بها فقد تبعث الانشراح في نفوس ساكنيها، وخاصة في صفاقس الكئيبة..