إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

انتظارات وحلول مفقودة | حكومة بودن.. والقفز على القضايا الحارقة؟

 

 تجاهل القضايا الراهنة في تونس اليوم والعمل على برامج واستراتيجيات بعيدة المدى من شأنه أن يساهم في توسيع حدة وحالة الاحتقان

تونس – الصباح

مثلت البرامج والاستراتيجيات طويلة المدى أو القصيرة منها وبعض المشاريع القطاعية الأخرى، عناوين بارزة لعمل ونشاط حكومة نجلاء بودن، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار وانتظارات الجميع إلى تقديم هذه الحكومة لحلول جذرية وعاجلة لبعض المسائل والإشكاليات التي تعد الشغل الشاغل في تونس في هذه المرحلة، وتؤكد وتكرس عمليا على أرض الواقع سياستها في القطع مع بعض مظاهر وآليات وخيارات المنظومات السابقة، والتي كانت محل انتقاد واسع وكانت سببا لتردي الوضع وتأزمه على أكثر من صعيد.

إذ تعد مسألة وضع الاستراتيجيات والبرامج والمشاريع على غاية من الأهمية، نظرا للظروف الصعبة التي كانت عليها البلاد والأزمات الخانقة والمتراكمة التي لا تزال تلقي بظلالها على مختلف القطاعات والمجالات تقريبا، خاصة أنها تتزامن مع تداعيات خروج بلادنا والعالم من الأزمة الصحية العالمية على الأفراد والمؤسسات ومخلفات المنظومة الحاكمة السابقة من ديون داخلية وخارجية وأزمات قطاعية، فضلا عن الصراع القائم في ليبيا، لتضاف لها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من فقدان لبعض المواد الاستهلاكية وغلاء أسعار أنواع أخرى منها، وتأثير ذلك على ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة على نحو ساهم في تردي وضع نسب كبيرة من المواطنين والقطاعات الحيوية فلاحية كانت أم صناعية أم بيئية وتوسع دائرة الفقر والتهميش والبطالة مثلما تؤكد ذلك الجهات الرسمية.

لكن اليوم وبعد حوالي سنة ونصف من مباشرة هذه الحكومة لمهامها واتضاح الرؤية بالنسبة لسياسة الدولة بعد الخروج من مرحلة الاستثناء ومباشرة البرلمان لمهامه، لا تزال نفس انتظارات المواطنين معلقة، إلى حكومة ناجزة وإصلاحات عملية وفاعلة منبثقة من انتظارات الجميع من الجمهورية الجديدة وبرامج عملية وسياسية براغماتية، تساهم في حلحلة الصعوبات التي تمر بها الدولة والمواطن على حد السواء في هذه المرحلة وذلك بعد طي صفحة الماضي والخروج من الاستثناء والدخول عمليا في مرحلة تأسيس وإصلاح الجمهورية الجديدة، وتقديم مؤشرات ورؤى تؤكد القطع مع الأدوات والآليات "القديمة" في التسيير والإدارة والعمل والاختيارات والخيارات ومنح فرص أكبر للكفاءات والرؤى والتصورات الإصلاحية بعيدا عن منطق المحاصصة والمحسوبية والقطاعية المقيتة التي تكرست في الحكومات الماضية ولم تقدم النتائج والأهداف المنتظرة بل ساهمت في تراكم الفشل. لتكون الحلول والبرامج المقدمة منسجمة مع متطلبات الوضع من ناحية وما كان ذهب له رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ مدة وسبق أن دعت له عديد المنظمات والهياكل القطاعية والوطنية والمتمثل في ضرورة التعويل على "الذات" وتكريس ثقافة العمل من أجل الخروج من الأزمات التي تكبل الوضع والواقع، بعد طول مشوار المشاورات مع المانحين الدوليين للقرض المنتظر للدولة التونسية، والعجز في المالية العمومية الذي يلقي بظلاله على الوضع اليوم.

لتضع بذلك حكومة بودن اليوم مسائل تطوير الخدمات وضمان الحياة الكريمة للمواطنين ووضع الضوابط القانونية والإدارية والآليات الحديثة الضامنة لذلك ضمن أولويات رؤيتها الإصلاحية والعملية للقطع مع مظاهر الفوضى والقرارات العشوائية و"اللخبطة" والسقوط في دائرة التضارب في المواقف والقرارات وعدم الالتزام باحترام الاتفاقيات والبرامج، والتي شكلت أحد أبرز الأسباب والعوامل التي أدت إلى خلق أزم ثقة تجاه الجهات الرسمية في السنوات الماضية. فالحلول الآنية والترقيعية لا يمكن أن تحد من وقع الأزمة والضغوطات والصعوبات مهما كانت الجهود والإمكانيات المبذولة والمخصصة للغرض.

لأن القفز على القضايا الراهنة في تونس اليوم، إلى البرامج والاستراتيجيات بعيدة المدى، رغم الحاجة الملحة لذلك، وتسليط الضوء عليها والتسويق لها كأولوية عمل واهتمام هذه الحكومة، من شأنه أن يساهم في توسيع حدة وحالة الاحتقان في مختلف الأوساط الاجتماعية وفي كامل جهات الجمهورية، لاسيما في ظل تواتر الأحداث والمستجدات الداخلية بالأساس وعدم الحسم في الملفات العالقة الاقتصادية والاجتماعية منها بالأساس وفي مختلف القطاعات تقريبا على غرار ما هو مطروح من مسائل خلافية نقابية اليوم في قطاعات التربية والتعليم العالي والصحة والتشغيل والفلاحة وغيرها، وسبق أن نبهت عديد الجهات والمختصين في المجال إل خطورة هذا العامل في حال تواصل الوضع عل ما هو عليه خلال الأشهر القادمة.

يتزامن ذلك مع الارتفاع المسجل في نسب البطالة لحاملي الشهائد العليا أو غيرها من شهائد التكوين المهني وغلاء الأسعار ومحدودية الإمكانيات بالنسبة للمواطن وعدم قدرته على مجاراة نسق الارتفاع المشط وغير المدروس في الأسعار، وهو ما يؤكده عدم قدرة الجهات الرسمية على فرض تطبيق المراجعات أو الأسعار التي أقرتها وزارة التجارة وتنمية الصادرات أو غيرها من القطاعات الفلاحية الأخرى في الفترة الأخيرة والقوانين والإجراءات المتخذة، سواء في إطار القضاء على الاحتكار ومقاومته أو لتعديل السوق وضمان المحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن.

خاصة أن حكومة بودن، ورغم ما شهدته من تحويرات وذلك بعد تغيير على رأس ست وزارات، كان آخرها في مستوى وزارة الداخلية بعد إقالة توفيق شرف الدين وتعيين كمال الفقيه خلفا له، لم تغير من طريقة عملها التي تعتمد احتكار دورها وتحكمها في المسار التفاوضي مع المنظمة الشغيلة والهياكل والمنظمات القطاعية والوطنية، وإتباع غيرها من الإجراءات التي صعّبت مهمة الوصول إلى المعلومة، وجعل البعض يعتبر ذلك نتيجة للضعف الاتصالي المسجل رسميا في تونس اليوم.

نزيهة الغضباني

 

 

انتظارات وحلول مفقودة | حكومة بودن.. والقفز على القضايا الحارقة؟

 

 تجاهل القضايا الراهنة في تونس اليوم والعمل على برامج واستراتيجيات بعيدة المدى من شأنه أن يساهم في توسيع حدة وحالة الاحتقان

تونس – الصباح

مثلت البرامج والاستراتيجيات طويلة المدى أو القصيرة منها وبعض المشاريع القطاعية الأخرى، عناوين بارزة لعمل ونشاط حكومة نجلاء بودن، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار وانتظارات الجميع إلى تقديم هذه الحكومة لحلول جذرية وعاجلة لبعض المسائل والإشكاليات التي تعد الشغل الشاغل في تونس في هذه المرحلة، وتؤكد وتكرس عمليا على أرض الواقع سياستها في القطع مع بعض مظاهر وآليات وخيارات المنظومات السابقة، والتي كانت محل انتقاد واسع وكانت سببا لتردي الوضع وتأزمه على أكثر من صعيد.

إذ تعد مسألة وضع الاستراتيجيات والبرامج والمشاريع على غاية من الأهمية، نظرا للظروف الصعبة التي كانت عليها البلاد والأزمات الخانقة والمتراكمة التي لا تزال تلقي بظلالها على مختلف القطاعات والمجالات تقريبا، خاصة أنها تتزامن مع تداعيات خروج بلادنا والعالم من الأزمة الصحية العالمية على الأفراد والمؤسسات ومخلفات المنظومة الحاكمة السابقة من ديون داخلية وخارجية وأزمات قطاعية، فضلا عن الصراع القائم في ليبيا، لتضاف لها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وما خلفته من فقدان لبعض المواد الاستهلاكية وغلاء أسعار أنواع أخرى منها، وتأثير ذلك على ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة على نحو ساهم في تردي وضع نسب كبيرة من المواطنين والقطاعات الحيوية فلاحية كانت أم صناعية أم بيئية وتوسع دائرة الفقر والتهميش والبطالة مثلما تؤكد ذلك الجهات الرسمية.

لكن اليوم وبعد حوالي سنة ونصف من مباشرة هذه الحكومة لمهامها واتضاح الرؤية بالنسبة لسياسة الدولة بعد الخروج من مرحلة الاستثناء ومباشرة البرلمان لمهامه، لا تزال نفس انتظارات المواطنين معلقة، إلى حكومة ناجزة وإصلاحات عملية وفاعلة منبثقة من انتظارات الجميع من الجمهورية الجديدة وبرامج عملية وسياسية براغماتية، تساهم في حلحلة الصعوبات التي تمر بها الدولة والمواطن على حد السواء في هذه المرحلة وذلك بعد طي صفحة الماضي والخروج من الاستثناء والدخول عمليا في مرحلة تأسيس وإصلاح الجمهورية الجديدة، وتقديم مؤشرات ورؤى تؤكد القطع مع الأدوات والآليات "القديمة" في التسيير والإدارة والعمل والاختيارات والخيارات ومنح فرص أكبر للكفاءات والرؤى والتصورات الإصلاحية بعيدا عن منطق المحاصصة والمحسوبية والقطاعية المقيتة التي تكرست في الحكومات الماضية ولم تقدم النتائج والأهداف المنتظرة بل ساهمت في تراكم الفشل. لتكون الحلول والبرامج المقدمة منسجمة مع متطلبات الوضع من ناحية وما كان ذهب له رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ مدة وسبق أن دعت له عديد المنظمات والهياكل القطاعية والوطنية والمتمثل في ضرورة التعويل على "الذات" وتكريس ثقافة العمل من أجل الخروج من الأزمات التي تكبل الوضع والواقع، بعد طول مشوار المشاورات مع المانحين الدوليين للقرض المنتظر للدولة التونسية، والعجز في المالية العمومية الذي يلقي بظلاله على الوضع اليوم.

لتضع بذلك حكومة بودن اليوم مسائل تطوير الخدمات وضمان الحياة الكريمة للمواطنين ووضع الضوابط القانونية والإدارية والآليات الحديثة الضامنة لذلك ضمن أولويات رؤيتها الإصلاحية والعملية للقطع مع مظاهر الفوضى والقرارات العشوائية و"اللخبطة" والسقوط في دائرة التضارب في المواقف والقرارات وعدم الالتزام باحترام الاتفاقيات والبرامج، والتي شكلت أحد أبرز الأسباب والعوامل التي أدت إلى خلق أزم ثقة تجاه الجهات الرسمية في السنوات الماضية. فالحلول الآنية والترقيعية لا يمكن أن تحد من وقع الأزمة والضغوطات والصعوبات مهما كانت الجهود والإمكانيات المبذولة والمخصصة للغرض.

لأن القفز على القضايا الراهنة في تونس اليوم، إلى البرامج والاستراتيجيات بعيدة المدى، رغم الحاجة الملحة لذلك، وتسليط الضوء عليها والتسويق لها كأولوية عمل واهتمام هذه الحكومة، من شأنه أن يساهم في توسيع حدة وحالة الاحتقان في مختلف الأوساط الاجتماعية وفي كامل جهات الجمهورية، لاسيما في ظل تواتر الأحداث والمستجدات الداخلية بالأساس وعدم الحسم في الملفات العالقة الاقتصادية والاجتماعية منها بالأساس وفي مختلف القطاعات تقريبا على غرار ما هو مطروح من مسائل خلافية نقابية اليوم في قطاعات التربية والتعليم العالي والصحة والتشغيل والفلاحة وغيرها، وسبق أن نبهت عديد الجهات والمختصين في المجال إل خطورة هذا العامل في حال تواصل الوضع عل ما هو عليه خلال الأشهر القادمة.

يتزامن ذلك مع الارتفاع المسجل في نسب البطالة لحاملي الشهائد العليا أو غيرها من شهائد التكوين المهني وغلاء الأسعار ومحدودية الإمكانيات بالنسبة للمواطن وعدم قدرته على مجاراة نسق الارتفاع المشط وغير المدروس في الأسعار، وهو ما يؤكده عدم قدرة الجهات الرسمية على فرض تطبيق المراجعات أو الأسعار التي أقرتها وزارة التجارة وتنمية الصادرات أو غيرها من القطاعات الفلاحية الأخرى في الفترة الأخيرة والقوانين والإجراءات المتخذة، سواء في إطار القضاء على الاحتكار ومقاومته أو لتعديل السوق وضمان المحافظة على المقدرة الشرائية للمواطن.

خاصة أن حكومة بودن، ورغم ما شهدته من تحويرات وذلك بعد تغيير على رأس ست وزارات، كان آخرها في مستوى وزارة الداخلية بعد إقالة توفيق شرف الدين وتعيين كمال الفقيه خلفا له، لم تغير من طريقة عملها التي تعتمد احتكار دورها وتحكمها في المسار التفاوضي مع المنظمة الشغيلة والهياكل والمنظمات القطاعية والوطنية، وإتباع غيرها من الإجراءات التي صعّبت مهمة الوصول إلى المعلومة، وجعل البعض يعتبر ذلك نتيجة للضعف الاتصالي المسجل رسميا في تونس اليوم.

نزيهة الغضباني