إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صباح الجمعة.. القائد الهُمام والسيف البتار

يكتبها: محمد معمري

 

كنا صغارا نمرح بين أزقة حيّنا في نهاية الثمانينات من القرن العشرين، فالإفطار وموائده  أمر لا يعنينا فقد غنمنا من طيباته ما سددنا به رمقنا قبل الآذان باعتبارنا لم نصل بعد سن الصيام بل كان هاجسنا حينها متابعة أشهر مسلسل ديني في ذلك الزمن وهو مسلسل "الفتوحات الإسلامية" الذي تم إنتاجه من قبل التلفزيون المصري سنة 1981، هذا المسلسل شكّل لنا رؤيتنا للمتصور الديني حينها ومنحنا فسحة من لعب لم نكن نتوقعها .

فنتيجة لهذا العمل شكلنا جيشا من المسلمين وصنعنا لنا سيوفا خشبية وأجرينا تمارين المبارزة فكانت أكثر جملنا تكرار "هل من مبارز"، الطريف في الأمر أن أحد أقراننا وكان أشدنا بطشا ويثير فينا الخوف لأن شقيقا له كان من عتاة القوم، قرر أن يُنصّب نفسه أميرا لنا شاهرا سيفه الخشبي في وجوهنا طالبا منا الطاعة، فاستجبنا خوفا من بطشه وأصبح قائدا لنا يقود معاركنا ضد الأحياء المجاورة لنا المارقة عن الدين، فكانت مصنفة لدينا جيشا للكفار الذي علينا قتله والفتك به نصرة للدين وللمؤمنين كما يقول أبطال المسلسل، وكانت بعض المعارك تدور بالحجارة حينا وبالسيوف الخشبية أحيانا وبالنبال التي قدت من خشب وشريط مطاط (أستيك) سحبناه من ملابسنا فنحن جيش لنا كل مقومات الجيوش النظامية .

ذات يوما ونحن نخوض تماريننا اليومية في ساحة التدريب استعداد للانتقال إلى ساحة الوغى تفطنا إلى وجود جاسوس من الحي المجاور لنا، فتمّ القبض عليه وبادره أميرنا بالسؤال:

- لما تحاربوننا؟ فأجاب بأنهم هم المؤمنون ونحن الكفار، فصاح الجميع أنتم الكفار ونحن المسلمون لكن أسيرنا أصر على أننا الكفار وهم المسلمون، فتحول الصراع حينها إلى الاستحواذ عن صفة الإسلام للقتال باسمها عوضا عن أي أمر آخر. بعد استجواب قصير، فكر أميرنا قليلا وطالبنا بضرورة أن نفكر جديا في البحث عن مكان نجعله سجنا حتى نضع فيه كل مخالف لنا، وجدنا منزلا مهجورا جعلناه مقرا لسجننا ووضعنا فيه أسيرنا الذي لم يطلق سراحه إلا بعد أن قررنا العودة إلى منازلنا للقيلولة على أن نستعد جيدا لمعركتنا ضد الكفار هذه الليلة، لكن أسيرنا أصر ونحن نفك وثاق أسره بأنه هو من يمثل المسلمين ونحن الكفار.. يا إلهي ماذا سنفعل فئ هذه المعضلة، فقد كنا نحارب اعتقادا منّا بأننا أصحاب رسالة مثلما تعلمنا في مسلسل "الفتوحات الإسلامية" فإذا بنا مثلما أكد أسيرنا وصديقنا في المدرسة أننا مصنفين كفارا وأنهم هم المسلمون. لكن الحسم  جاء من أميرنا القائد الهُمام وصاحب السيف البتار الذي طالبنا بالاستعداد لمعركة الليلة فلم يبق في رمضان إلا بعض أيام علينا أن نحسم فيها معاركنا بأقصى سرعة ممكنة حتى نحقق الانتصار الذي سنتباهى به عند اجتماعنا في ساحة البلدة يوم العيد لالتقاط الصور التذكارية بعد أن نتجاوز كل خلافاتنا "العسكرية" الهووية.

للأسف الشديد قائدنا الهُمام وصاحب السيف البتار لم يواصل معنا الدراسة بعد ذلك، وسلك مسلكا آخر في الحياة لكننا مع ذلك كنا ولسنوات عديدة عندما نلتقيه نقدم له كل آيات الطاعة والولاء فقد ظلّ قائدنا الكبير رغم ضعفه في التدبير والتسيير لكن سيفه حافظ على سطوته، فظل أميرنا الهُمام الذي لا يشق له غُبار ولا قول بعد قوله الفاصل مثل الحسام .

صباح الجمعة.. القائد الهُمام والسيف البتار

يكتبها: محمد معمري

 

كنا صغارا نمرح بين أزقة حيّنا في نهاية الثمانينات من القرن العشرين، فالإفطار وموائده  أمر لا يعنينا فقد غنمنا من طيباته ما سددنا به رمقنا قبل الآذان باعتبارنا لم نصل بعد سن الصيام بل كان هاجسنا حينها متابعة أشهر مسلسل ديني في ذلك الزمن وهو مسلسل "الفتوحات الإسلامية" الذي تم إنتاجه من قبل التلفزيون المصري سنة 1981، هذا المسلسل شكّل لنا رؤيتنا للمتصور الديني حينها ومنحنا فسحة من لعب لم نكن نتوقعها .

فنتيجة لهذا العمل شكلنا جيشا من المسلمين وصنعنا لنا سيوفا خشبية وأجرينا تمارين المبارزة فكانت أكثر جملنا تكرار "هل من مبارز"، الطريف في الأمر أن أحد أقراننا وكان أشدنا بطشا ويثير فينا الخوف لأن شقيقا له كان من عتاة القوم، قرر أن يُنصّب نفسه أميرا لنا شاهرا سيفه الخشبي في وجوهنا طالبا منا الطاعة، فاستجبنا خوفا من بطشه وأصبح قائدا لنا يقود معاركنا ضد الأحياء المجاورة لنا المارقة عن الدين، فكانت مصنفة لدينا جيشا للكفار الذي علينا قتله والفتك به نصرة للدين وللمؤمنين كما يقول أبطال المسلسل، وكانت بعض المعارك تدور بالحجارة حينا وبالسيوف الخشبية أحيانا وبالنبال التي قدت من خشب وشريط مطاط (أستيك) سحبناه من ملابسنا فنحن جيش لنا كل مقومات الجيوش النظامية .

ذات يوما ونحن نخوض تماريننا اليومية في ساحة التدريب استعداد للانتقال إلى ساحة الوغى تفطنا إلى وجود جاسوس من الحي المجاور لنا، فتمّ القبض عليه وبادره أميرنا بالسؤال:

- لما تحاربوننا؟ فأجاب بأنهم هم المؤمنون ونحن الكفار، فصاح الجميع أنتم الكفار ونحن المسلمون لكن أسيرنا أصر على أننا الكفار وهم المسلمون، فتحول الصراع حينها إلى الاستحواذ عن صفة الإسلام للقتال باسمها عوضا عن أي أمر آخر. بعد استجواب قصير، فكر أميرنا قليلا وطالبنا بضرورة أن نفكر جديا في البحث عن مكان نجعله سجنا حتى نضع فيه كل مخالف لنا، وجدنا منزلا مهجورا جعلناه مقرا لسجننا ووضعنا فيه أسيرنا الذي لم يطلق سراحه إلا بعد أن قررنا العودة إلى منازلنا للقيلولة على أن نستعد جيدا لمعركتنا ضد الكفار هذه الليلة، لكن أسيرنا أصر ونحن نفك وثاق أسره بأنه هو من يمثل المسلمين ونحن الكفار.. يا إلهي ماذا سنفعل فئ هذه المعضلة، فقد كنا نحارب اعتقادا منّا بأننا أصحاب رسالة مثلما تعلمنا في مسلسل "الفتوحات الإسلامية" فإذا بنا مثلما أكد أسيرنا وصديقنا في المدرسة أننا مصنفين كفارا وأنهم هم المسلمون. لكن الحسم  جاء من أميرنا القائد الهُمام وصاحب السيف البتار الذي طالبنا بالاستعداد لمعركة الليلة فلم يبق في رمضان إلا بعض أيام علينا أن نحسم فيها معاركنا بأقصى سرعة ممكنة حتى نحقق الانتصار الذي سنتباهى به عند اجتماعنا في ساحة البلدة يوم العيد لالتقاط الصور التذكارية بعد أن نتجاوز كل خلافاتنا "العسكرية" الهووية.

للأسف الشديد قائدنا الهُمام وصاحب السيف البتار لم يواصل معنا الدراسة بعد ذلك، وسلك مسلكا آخر في الحياة لكننا مع ذلك كنا ولسنوات عديدة عندما نلتقيه نقدم له كل آيات الطاعة والولاء فقد ظلّ قائدنا الكبير رغم ضعفه في التدبير والتسيير لكن سيفه حافظ على سطوته، فظل أميرنا الهُمام الذي لا يشق له غُبار ولا قول بعد قوله الفاصل مثل الحسام .