بحضور طلبة كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس قدمت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية أمس بالعاصمة قراءة معمقة في المراسيم والأوامر التي أصدرها رئيس الجمهورية طيلة السنة الماضية وتأثيرها على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وحقوق المجموعات، وبلغ عدد النصوص القانونية التي وضعتها الجمعية تحت المجهر 81 مرسوما و104 أوامر رئاسة وتم توثيق هذه القراءة في تقرير تحت عنوان سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية وهو من إعداد الأستاذين الجامعيين وحيد الفرشيشي وأمين الجلاصي والباحثين في القانون فاطمة فتني وأمين اللطيف وأحمد الزياني.
ففي ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية أشار الجامعيون في هذا التقرير إلى أن سنة 2022 كانت امتدادا لحالة الاستثناء وتمديدا لحالة الطوارئ وكانت سنة تطبيق خارطة الطريق التي وضعها الرئيس قيس سعيد والتي تلخصت في تنظيم استشارة وطنية نسبة المشاركة فيها ضعيفة وحوار وطني قاطعته أبرز الأطراف السياسية والاجتماعية ومحطات انتخابية سجلت فيها أضعف نسبة مشاركة ورغم رفض العديد من الأحزاب والمنظمات لهذه الخارطة فإن الرئيس مضى قدما في تنفيذها مما عمق الأزمة السياسية وعزز هذا المناخ مخاطر المنعرج السلطوي الذي قد يهدد المكاسب التي تم تحقيقها في مجال الحقوق والحريات .
ترهيب المعارضة
في استعراض للنصوص التشريعية ذات العلاقة بالحقوق المدنية والسياسية فسر الجامعيون كيف أن هذه النصوص جعلت الانتخابات على المقاس ومثلت انتهاكا لحرية التعبير وضربت استقلالية القضاء بشكل ممنهج، وبينوا أنه المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كان له الأثر الكبير على الحقوق الانتخابية إذ أنه ألغى حق الاقتراع للأمنيين والعسكريين وقيد حق الترشح وحذف التمويل العمومي للحملة كما مست مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، أما المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال فوصفوه بالسيف المسلط على رقاب المعارضين إذ انه تضمن قسما حول الإشاعة والأخبار الزائفة سرعان ما تحول إلى سلاح في يد السلطة لإسكات الأصوات الناقدة واعتقال الناشطين والمعارضين للرئيس سعيد وتتبعهم بناء على أرائهم السياسية. أما بالنسبة إلى القضاء فقد وجد نفسه في مواجهة مع السلطة التنفيذية إذ تم حل المجلس الأعلى للقضاء وبموجب مرسوم صدر في فيفري 2022 تم إحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء وتغيير التركيبة وطريقة التعيين كما منح رئيس الجمهورية نفسه صلاحية إعفاء القضاة. وفي ما يتعلق بالأوامر الرئاسية جاء في التقرير أن الأمر المتعلق بمشروع الدستور المعروض على الاستفتاء عبر عن رؤية الرئيس للحقوق والحريات إذ أنه كرس حرية الفرد دون أن يرفقها بضمانات فضلا عن اللبس المتصل بالعلاقة بين الدين والدولة وغياب التنصيص على الطابع المدني للدولة، وبالنسبة إلى النصوص الأخرى خاصة المتعلقة بالتسميات والاعفاءات في المناصب والوظائف العليا فقد حضرت فيها حسب وصف الباحثين الزبونية وبلغ عدد هذه النصوص 42 شملت 15 مؤسسة سيادية ومؤسسات ذات الصبغة الإدارية والهيئات العمومية والقضائية.
أين السيادة الوطنية؟
وكشف الجامعيون في تقريرهم الجديد المفارقات الموجودة بين ما ورد في المشروع السياسي لرئيس الجمهورية من تأكيد على الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية وبين الإلغاء المتعمد لعبارة الديمقراطية في 142 فصل من مشروع الدستور الصادر في 30 جوان 2022، وذلك فضلا عن اللجوء المفرط للديون الخارجية والاقتراض من البنوك المحلية، إذ أصدر الرئيس جملة من المراسيم والمتعلقة بقروض ولكن للأسف لم يقع توجيه هذه القروض لتعزيز الاستثمار والتنمية في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة وإنما لتوفير مرتبات أعوان الوظيفة العمومية. ويتناقض اللجوء المفرط للاقتراض مع كلام الرئيس دون هوادة عن السيادة الوطنية ورفضه التدخل الأجنبي. وإلى جانب مراسيم القروض صدر في نفس السنة مرسوم يهدف إلى مكافحة المضاربة غير المشروعة أو كما وصفه الباحثون بالحرب الراديكالية على المضاربين، وكذلك مرسوم قانون المالية الذي تم سنه بطريقة أحادية وهو عبارة عن قانون ضريبة مقنع حسب رأيهم. ولاحظوا أن المرسوم المتعلق بالشركات الأهلية كجزء من مشروع البناء القاعدي يدعو إلى التساؤل حول مدى إمكانية تطبيقه ودرجة فاعليته كمؤسسة اقتصادية أما الحقوق الاجتماعية فكانت مبثوثة في تسعة مراسيم من جملة 81 مرسوما تعلقت أغلبها بالحق في الضمان الاجتماعي وفي المقابل لم يكن للحق في الصحة مكانا في قائمة النصوص القانونية التي اصدرها رئيس الجمهورية واقتصر الأمر على مرسوم وحيد بتعلق بالتنظيم الصحي في حين بلغ عدد النصوص المتعلقة بالحق في التعليم والعمل صفر رغم الأزمة التي عرفها قطاع التعليم سنة 2022 وحتى الحقوق الثقافية فمازالت الأكثر تهميشا إذ حظيت بأربعة مراسيم تتعلق بانضمام تونس إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية وإلى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق المؤلف.
أما في مجال الحقوق البيئية والتنمية المستدامة فأشار التقرير إلى أن الأمر المؤرخ في 17 أوت 2022 والمتعلق بختم الدستور قلص من الضمانات الدستورية في المجال المذكور إذ أنه لم يذكر مفهوم التنمية المستدامة كما كان عليه الشأن بالنسبة إلى دستور 2014 وجرد المواطن من الحق في الماء، وبالنسبة للمراسيم الأخرى فتتعلق بعقود استخراج المحروقات وهناك ندرة في النصوص المتعلقة بحماية البيئة.
ورصد الجامعيون والباحثون في تقريرهم التأليفي حول حصيلة النشاط التشريعي لرئيس الجمهورية خلال سنة 2022 آثار المراسيم والأوامر الرئاسية على حقوق المجموعات حيث تم التضييق على الصحفيين وهو ما يخنق حرية التعبير والصحافة كما مست التجاوزات من هم في وضعيات هشة كالمهاجرين غير النظاميين والنساء وغيرهم وفي نفس السياق تم التراجع في المرسوم الانتخابي على المكاسب التي تحققت للأشخاص ذوي الإعاقة..
خارطة الطريق
وأشار الجامعيون في ديباجة التقرير الذي قدموه أمس إلى أنه بعد تفعيل الفصل 80 من دستور 27 جانفي 2014 في 25 جويلية 2021 وإيقاف مجلس النواب عن النشاط وإقالة الحكومة، تتالت الأحداث والقرارات الرئاسية التي اتخذها بموجب أوامر ومراسيم لتعليق عمل هيئة مكافحة الفساد وإحالة مجموعة كبرى من الشخصيات السياسية على الإقامة الجبرية ومقاضاة المدنيين أمام القضاء العسكري إلى أن صدر الأمر 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 وأرسى رئيس الجمهورية بمقتضاه منظومة حكم جديدة مختلفة تماما ممّا أرساه دستور 2014، منظومة لرئيس الجمهورية فيها المركز المحوري فهو يشرّع بصفة مطلقة بالمراسيم، ولا وجود لأية رقابة على أعماله خاصة بعد حل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ثم حلّ المجلس الأعلى للقضاء في فيفري 2022 وتعويضه بمجلس مؤقت عينه رئيس الجمهورية وحلّ البرلمان في 30 مارس 2022، وعزل 57 قاض مطلع جوان 2022، وحلّ هيئة الانتخابات وتعويضها بهيئة من يعينها الرئيس. كما تم إطلاق استشارة وطنية افتراضية حول الإصلاحات لم يشارك فيها إلا 534000 شخص ثم تكليف لجنة لصياغة دستور الجمهورية الجديدة لم يشارك فيها من المختصين في القانون سوى رئيسها ليعرض رئيس الجمهورية في النهاية دستوره المختلف تماما عن الدستور الذي اقترحته عليه لجنة الصياغة على استفتاء تم تنظيمه في 25 جويلية 2022 ولم يشارك فيه سوى 2 فاصل 7 مليون ناخب من مجموع 9 فاصل 2 مليون ناخب تم تسجيلهم. كان تم إدخال تعديلات على القانون الانتخابي أقصت الأحزاب وتنظيم انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022 لم يشارك فيها سوى 11 بالمائة من الناخبين.
وأشار الباحثون إلى أن هذه التحوّلات السريعة التي أرست دستورا قائما على مركزة السلطة في يد رئيس الجمهورية من ناحية ومن ناحية أخرى إضعاف بقيّة المؤسسات من البرلمان والقضاء وإلغاء الهيئات الدستورية جعلتنا أمام نظام قائم على أسس الدولة المحافظة والتي تعمل وحدها على تحقيق مقاصد الإسلام وهو ما جاء في الفصل5 من دستور 2022 حيث تم حذف مبدأ الدولة المدينة. وإضافة إلى كل هذا فقد تم حلّ كل الأجهزة المنتخبة والتي مثلت لفترة طويلة خصائص النظام التونسي إذ تم ( حل البرلمان، وحل المجلس الأعلى للقضاء وحلّ الهيئات الدستورية كما تزامن ذلك مع نشاط تشريعي مكثف لرئيس الجمهورية الذي شرّع بمفرده طيلة سنة 2022 وأصدر مراسيم وأوامر رئاسية مست الحقوق والحرّيات بصفات متفاوتة سواء الحقوق المدنية والسياسية، أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو الحقوق البيئية والحق في التنميّة، أو حقوق الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين والنساء والأطفال وأفراد المجتمع والمهاجرين وذوي الإعاقة.
ويتنزل تقرير الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية حول النشاط التشريعي لرئيس الجمهورية سنة 2022 في إطار أعمالها التأليفية والتوثيقية والتحليلية للمستجدات القانونية والتي شرعت في القيام بها منذ 25 جويلية 2021 وإذ سبق للجمعية أن قدمت العديد من التقارير لعل آخرها تقرير حقوق الإنسان في تونس بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 8 نوفمبر 2022.
سعيدة بوهلال
تونس: الصباح
بحضور طلبة كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس قدمت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية أمس بالعاصمة قراءة معمقة في المراسيم والأوامر التي أصدرها رئيس الجمهورية طيلة السنة الماضية وتأثيرها على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وحقوق المجموعات، وبلغ عدد النصوص القانونية التي وضعتها الجمعية تحت المجهر 81 مرسوما و104 أوامر رئاسة وتم توثيق هذه القراءة في تقرير تحت عنوان سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية وهو من إعداد الأستاذين الجامعيين وحيد الفرشيشي وأمين الجلاصي والباحثين في القانون فاطمة فتني وأمين اللطيف وأحمد الزياني.
ففي ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية أشار الجامعيون في هذا التقرير إلى أن سنة 2022 كانت امتدادا لحالة الاستثناء وتمديدا لحالة الطوارئ وكانت سنة تطبيق خارطة الطريق التي وضعها الرئيس قيس سعيد والتي تلخصت في تنظيم استشارة وطنية نسبة المشاركة فيها ضعيفة وحوار وطني قاطعته أبرز الأطراف السياسية والاجتماعية ومحطات انتخابية سجلت فيها أضعف نسبة مشاركة ورغم رفض العديد من الأحزاب والمنظمات لهذه الخارطة فإن الرئيس مضى قدما في تنفيذها مما عمق الأزمة السياسية وعزز هذا المناخ مخاطر المنعرج السلطوي الذي قد يهدد المكاسب التي تم تحقيقها في مجال الحقوق والحريات .
ترهيب المعارضة
في استعراض للنصوص التشريعية ذات العلاقة بالحقوق المدنية والسياسية فسر الجامعيون كيف أن هذه النصوص جعلت الانتخابات على المقاس ومثلت انتهاكا لحرية التعبير وضربت استقلالية القضاء بشكل ممنهج، وبينوا أنه المرسوم عدد 55 لسنة 2022 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء كان له الأثر الكبير على الحقوق الانتخابية إذ أنه ألغى حق الاقتراع للأمنيين والعسكريين وقيد حق الترشح وحذف التمويل العمومي للحملة كما مست مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحين، أما المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال فوصفوه بالسيف المسلط على رقاب المعارضين إذ انه تضمن قسما حول الإشاعة والأخبار الزائفة سرعان ما تحول إلى سلاح في يد السلطة لإسكات الأصوات الناقدة واعتقال الناشطين والمعارضين للرئيس سعيد وتتبعهم بناء على أرائهم السياسية. أما بالنسبة إلى القضاء فقد وجد نفسه في مواجهة مع السلطة التنفيذية إذ تم حل المجلس الأعلى للقضاء وبموجب مرسوم صدر في فيفري 2022 تم إحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء وتغيير التركيبة وطريقة التعيين كما منح رئيس الجمهورية نفسه صلاحية إعفاء القضاة. وفي ما يتعلق بالأوامر الرئاسية جاء في التقرير أن الأمر المتعلق بمشروع الدستور المعروض على الاستفتاء عبر عن رؤية الرئيس للحقوق والحريات إذ أنه كرس حرية الفرد دون أن يرفقها بضمانات فضلا عن اللبس المتصل بالعلاقة بين الدين والدولة وغياب التنصيص على الطابع المدني للدولة، وبالنسبة إلى النصوص الأخرى خاصة المتعلقة بالتسميات والاعفاءات في المناصب والوظائف العليا فقد حضرت فيها حسب وصف الباحثين الزبونية وبلغ عدد هذه النصوص 42 شملت 15 مؤسسة سيادية ومؤسسات ذات الصبغة الإدارية والهيئات العمومية والقضائية.
أين السيادة الوطنية؟
وكشف الجامعيون في تقريرهم الجديد المفارقات الموجودة بين ما ورد في المشروع السياسي لرئيس الجمهورية من تأكيد على الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية وبين الإلغاء المتعمد لعبارة الديمقراطية في 142 فصل من مشروع الدستور الصادر في 30 جوان 2022، وذلك فضلا عن اللجوء المفرط للديون الخارجية والاقتراض من البنوك المحلية، إذ أصدر الرئيس جملة من المراسيم والمتعلقة بقروض ولكن للأسف لم يقع توجيه هذه القروض لتعزيز الاستثمار والتنمية في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة وإنما لتوفير مرتبات أعوان الوظيفة العمومية. ويتناقض اللجوء المفرط للاقتراض مع كلام الرئيس دون هوادة عن السيادة الوطنية ورفضه التدخل الأجنبي. وإلى جانب مراسيم القروض صدر في نفس السنة مرسوم يهدف إلى مكافحة المضاربة غير المشروعة أو كما وصفه الباحثون بالحرب الراديكالية على المضاربين، وكذلك مرسوم قانون المالية الذي تم سنه بطريقة أحادية وهو عبارة عن قانون ضريبة مقنع حسب رأيهم. ولاحظوا أن المرسوم المتعلق بالشركات الأهلية كجزء من مشروع البناء القاعدي يدعو إلى التساؤل حول مدى إمكانية تطبيقه ودرجة فاعليته كمؤسسة اقتصادية أما الحقوق الاجتماعية فكانت مبثوثة في تسعة مراسيم من جملة 81 مرسوما تعلقت أغلبها بالحق في الضمان الاجتماعي وفي المقابل لم يكن للحق في الصحة مكانا في قائمة النصوص القانونية التي اصدرها رئيس الجمهورية واقتصر الأمر على مرسوم وحيد بتعلق بالتنظيم الصحي في حين بلغ عدد النصوص المتعلقة بالحق في التعليم والعمل صفر رغم الأزمة التي عرفها قطاع التعليم سنة 2022 وحتى الحقوق الثقافية فمازالت الأكثر تهميشا إذ حظيت بأربعة مراسيم تتعلق بانضمام تونس إلى المنظمة العالمية للملكية الفكرية وإلى الاتفاقية الدولية لحماية حقوق المؤلف.
أما في مجال الحقوق البيئية والتنمية المستدامة فأشار التقرير إلى أن الأمر المؤرخ في 17 أوت 2022 والمتعلق بختم الدستور قلص من الضمانات الدستورية في المجال المذكور إذ أنه لم يذكر مفهوم التنمية المستدامة كما كان عليه الشأن بالنسبة إلى دستور 2014 وجرد المواطن من الحق في الماء، وبالنسبة للمراسيم الأخرى فتتعلق بعقود استخراج المحروقات وهناك ندرة في النصوص المتعلقة بحماية البيئة.
ورصد الجامعيون والباحثون في تقريرهم التأليفي حول حصيلة النشاط التشريعي لرئيس الجمهورية خلال سنة 2022 آثار المراسيم والأوامر الرئاسية على حقوق المجموعات حيث تم التضييق على الصحفيين وهو ما يخنق حرية التعبير والصحافة كما مست التجاوزات من هم في وضعيات هشة كالمهاجرين غير النظاميين والنساء وغيرهم وفي نفس السياق تم التراجع في المرسوم الانتخابي على المكاسب التي تحققت للأشخاص ذوي الإعاقة..
خارطة الطريق
وأشار الجامعيون في ديباجة التقرير الذي قدموه أمس إلى أنه بعد تفعيل الفصل 80 من دستور 27 جانفي 2014 في 25 جويلية 2021 وإيقاف مجلس النواب عن النشاط وإقالة الحكومة، تتالت الأحداث والقرارات الرئاسية التي اتخذها بموجب أوامر ومراسيم لتعليق عمل هيئة مكافحة الفساد وإحالة مجموعة كبرى من الشخصيات السياسية على الإقامة الجبرية ومقاضاة المدنيين أمام القضاء العسكري إلى أن صدر الأمر 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 وأرسى رئيس الجمهورية بمقتضاه منظومة حكم جديدة مختلفة تماما ممّا أرساه دستور 2014، منظومة لرئيس الجمهورية فيها المركز المحوري فهو يشرّع بصفة مطلقة بالمراسيم، ولا وجود لأية رقابة على أعماله خاصة بعد حل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ثم حلّ المجلس الأعلى للقضاء في فيفري 2022 وتعويضه بمجلس مؤقت عينه رئيس الجمهورية وحلّ البرلمان في 30 مارس 2022، وعزل 57 قاض مطلع جوان 2022، وحلّ هيئة الانتخابات وتعويضها بهيئة من يعينها الرئيس. كما تم إطلاق استشارة وطنية افتراضية حول الإصلاحات لم يشارك فيها إلا 534000 شخص ثم تكليف لجنة لصياغة دستور الجمهورية الجديدة لم يشارك فيها من المختصين في القانون سوى رئيسها ليعرض رئيس الجمهورية في النهاية دستوره المختلف تماما عن الدستور الذي اقترحته عليه لجنة الصياغة على استفتاء تم تنظيمه في 25 جويلية 2022 ولم يشارك فيه سوى 2 فاصل 7 مليون ناخب من مجموع 9 فاصل 2 مليون ناخب تم تسجيلهم. كان تم إدخال تعديلات على القانون الانتخابي أقصت الأحزاب وتنظيم انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022 لم يشارك فيها سوى 11 بالمائة من الناخبين.
وأشار الباحثون إلى أن هذه التحوّلات السريعة التي أرست دستورا قائما على مركزة السلطة في يد رئيس الجمهورية من ناحية ومن ناحية أخرى إضعاف بقيّة المؤسسات من البرلمان والقضاء وإلغاء الهيئات الدستورية جعلتنا أمام نظام قائم على أسس الدولة المحافظة والتي تعمل وحدها على تحقيق مقاصد الإسلام وهو ما جاء في الفصل5 من دستور 2022 حيث تم حذف مبدأ الدولة المدينة. وإضافة إلى كل هذا فقد تم حلّ كل الأجهزة المنتخبة والتي مثلت لفترة طويلة خصائص النظام التونسي إذ تم ( حل البرلمان، وحل المجلس الأعلى للقضاء وحلّ الهيئات الدستورية كما تزامن ذلك مع نشاط تشريعي مكثف لرئيس الجمهورية الذي شرّع بمفرده طيلة سنة 2022 وأصدر مراسيم وأوامر رئاسية مست الحقوق والحرّيات بصفات متفاوتة سواء الحقوق المدنية والسياسية، أو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو الحقوق البيئية والحق في التنميّة، أو حقوق الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين السياسيين والنساء والأطفال وأفراد المجتمع والمهاجرين وذوي الإعاقة.
ويتنزل تقرير الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية حول النشاط التشريعي لرئيس الجمهورية سنة 2022 في إطار أعمالها التأليفية والتوثيقية والتحليلية للمستجدات القانونية والتي شرعت في القيام بها منذ 25 جويلية 2021 وإذ سبق للجمعية أن قدمت العديد من التقارير لعل آخرها تقرير حقوق الإنسان في تونس بمناسبة الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 8 نوفمبر 2022.