إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بورقيبة والمعارضة بورقيبة والمعارضة وصفة لكل فصيل وتوجّه.. والديمقراطية حلم لم يسمح بتحقيقه !

تونس- الصباح

منذ أن أصبح أول رئيس للجمهورية في 25 جويلية 1957 بعد إلغاء الملكية الى تاريخ مغادرته السلطة في 7 نوفمبر 1987، خاض الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، صراعات ومعارك طاحنة من أجل السلطة التي احتكرها على مدى ثلاثة عقود الى أن خذله العمر وصحته في النهاية وأجبر على التخلي عنها، بانقلاب طبّي قاده وزيره المقرّب وقتها زين العابدين بن علي.. وتلك الصراعات والمعارك التي برز بعضها الى العلن وتمت تسوية أغلبها في الكواليس ليست الا اختزالا لعلاقة لافتة ومميزة مع المعارضة بمختلف أنواعها والتي لم يتعامل معها الزعيم بورقيبة بنفس الطريقة ولا بنفس الأسلوب .

تعامل بورقيبة مع بعض معارضيه بقوة وبشراسة كبيرة ودون ترك أي هامش للتسوية، ولكن في بعض الأحيان كان حليما مع أطراف أخرى معارضة بل واستغل تيارات معارضة بتقويتها لاضعاف تيارات أخرى كانت بدورها معارضة له وسياساته.. وفي سنوات حكمه حقّق بورقيبة انتصارات على معارضيه ولكن عرف أيضا كيف يحافظ على التوازن وأن يتحكّم في مساحة حرية معارضيه وأن يستوعب الأزمات بمنطق رجل الدولة ولكن مع ذلك قام بأخطاء تاريخية ما زالت الى اليوم تلاحقه وصماتها ومازال الى اليوم مُدانا من خصومه.. ورغم اتخاذه في أواخر سنوات حكمه بمنح تأشيرات العمل السياسي لبعض الأحزاب المعارضة ولكن يبقى هناك لوم دائم على بورقيبة أنه كان بإمكانه وضع أرضية لممارسة ديمقراطية سوية كانت ستكون قادرة أن تسهم في تشكيل وعي ديمقراطي كان سيساعدنا على تركيز ديمقراطية صلبة بعد الثورة ..

سلوك سياسي مختلف مع كل معارضة

لم تكن وصفة بورقيبة واحدة في التعامل مع المعارضة فلكل فصيل أو فكرة سياسية معارضة طريقة للتعامل ..فبورقيبة كان مع المعارضة اليوسفية صارما وشرسا في قمعها وبلغ الأمر الى إعدام خصومه منها، والقضاء عليهم دون تردّد لأن معركة مع صالح بين يوسف بلغت ذروته والحكم لم يكن يحتمل وجودهما معا فكان لزاما ان يتنّحى أحدهما نهائيا ومن أجل ذلك اختار بورقيبة في التعامل مع المعارضة اليوسفية أسلوبا قمعيا لا مجال فيه للتسامح أو الصفح .وانطبق نفس الأمر مع مجموعة قفصة في بداية الثمانينات حيث أصدر بورقيبة أوامره من الغد بتنفيذ حكم بالإعدام على 16 منهم .

بورقيبة استغل أيضا محاولة الانقلاب التي استهدفته عام 1962 من طرف اليوسفيين ليجمد نشاط الحزب الشيوعي ويعطل كل الصحف المعارضة والمستقلة ويلغي الحريات الأساسية ويركّز دعائم الحزب الواحد والزعيم الأوحد مستغلا في ذلك مكونات مدنية التي صمتت عن تجاوزت النظام وقتها ومنها اتحاد الشغل في تلك الفترة الذي هيمنت عليه وقتها السلطة والحزب الحاكم وفقد الكثير من قوته في عشرية الستينات وهذا المناخ الذي هيمن فيه النظام دفع الى خيارات سيئة كانت لها تبعات ونتائج كارثية مثل تجربة التعاضد بعد أن هيمنت على البلاد أحادية في التسيير وفي التفكير وفي الإعلام وفي التنظيم.

ومن الأطراف السياسية التي تواصلت بينها وبين نظام بورقيبة سياسية شدّ الحبل وفق الظرف ووفق اتجاه الريح نجد حركة الاتجاه الإسلامي أو حركة النهضة اليوم حيث تمّت ملاحقة واعتقال مؤسسيها ورموزها مثل صالح كركر وبن عيسى الدمني وراشد الغنوشي الذي طالب بورقيبة بإعدامه كما وان نظام بورقيبة رفض منحها تأشيرة العمل السياسي واجبرها على العمل السرّي دون أن يعمل على اجتثاثها ولكنها ظلت ملاحقة .

وفي علاقة بالحركات اليسارية وشباب الجامعة الذي كان متشبّعا بالأفكار اليسارية في الستينات والسبعينات كان التعامل أكثر لينا ولم تكن هناك مواجهة قمعية مباشرة حيث فتح لهم أبواب النشاط الثقافي والإعلامي لعدد هام من رموز الحركة اليسارية ، الشيوعية خاصة وقتها وأساسا حركة آفاق رغم أنه طالهم الاعتقال أيضا  هذه الاعتقالات وفشل تجربة التّعاضد ‏التي قادها أحمد بن صالح كانت من أسباب تنامي المدّ الشّيوعي وانتقاده لسياسات الرّئيس بورقيبة في ‏السّبعينات والتي شهدت أيضا فوز الطّلبة اليساريّين بقيادة الاتحاد العام لطلبة تونس وانقلاب ‏الطّلبة الدّساترة عليهم في مؤتمر قربة سنة 1972.

وفي فترة السبعينات كانت الجامعة من ابرز الفضاءات المعارضة لسياسيات بورقية حيث الى جانب المد اليساري ظهرت  بوادر نشاط دعوي ديني بدعم ‏غير معلن داخل الجامعة وخارجها كانت وراء تشكّل الجماعة الإسلاميّة التي كانت بذرتها في المدرسة الزيتونية ولكن بتأثر واضح بأفكار وافدة من الخارج وأساسا أفكار الإخوان المسلمين في مصر وقد تطور هذا النّشاط الدعوي ليأخذ بعدا سياسيّا ‏ممثلا في إعلان تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي بعد أحداث جانفي 1978 .

وفترة الغليان الفكري والدعوي الذي شهدته فترة السبعينات كان ‏من الأسباب التي قادت الحبيب بورقيبة إلى إعلان التّعددية السّياسية ومنح التّأشيرة لعدد من الأحزاب ‏المعارضة ومنها الحزب الشّيوعي التونسي مقابل استبعاد الحركات والأحزاب الدّينية لتبدأ بعد ذلك مواجهة الإسلاميين على عكس اليساريين الذين ظلوا في تباين مع السلطة دون أن يبلغ الأمر مرحلة المواجهة القصووية حيث كانت بعض أحزاب اليسار مسموح لها بالنشاط ولكن تحت رقابة لصيقة من السلطة .

وفي كل ذلك كان بورقيبة يحاول ان ينوّع في أساليب تعامله مع المعارضة ولم يقمع دفعة واحدة كل الأفكار التي تعارض سياساته بل كانت هناك أفكار يسمح بها في حدود سلطته ودون ان تتمرّد عليه وهناك أفكار يعاديها في العمق ولا يعترف بها ويراها خطرا يهدد مدنية الدولة، في حين كانت بعض الأفكار التي يراها تهدد وجوده شخصيا مثل الفكر اليوسفي وزعيمه اعتبرها منافسا قويا على حكمه وسلطته وقمعها بأشد أساليب القمع .

منية العرفاوي

 بورقيبة والمعارضة بورقيبة والمعارضة وصفة لكل فصيل وتوجّه.. والديمقراطية حلم لم يسمح بتحقيقه !

تونس- الصباح

منذ أن أصبح أول رئيس للجمهورية في 25 جويلية 1957 بعد إلغاء الملكية الى تاريخ مغادرته السلطة في 7 نوفمبر 1987، خاض الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، صراعات ومعارك طاحنة من أجل السلطة التي احتكرها على مدى ثلاثة عقود الى أن خذله العمر وصحته في النهاية وأجبر على التخلي عنها، بانقلاب طبّي قاده وزيره المقرّب وقتها زين العابدين بن علي.. وتلك الصراعات والمعارك التي برز بعضها الى العلن وتمت تسوية أغلبها في الكواليس ليست الا اختزالا لعلاقة لافتة ومميزة مع المعارضة بمختلف أنواعها والتي لم يتعامل معها الزعيم بورقيبة بنفس الطريقة ولا بنفس الأسلوب .

تعامل بورقيبة مع بعض معارضيه بقوة وبشراسة كبيرة ودون ترك أي هامش للتسوية، ولكن في بعض الأحيان كان حليما مع أطراف أخرى معارضة بل واستغل تيارات معارضة بتقويتها لاضعاف تيارات أخرى كانت بدورها معارضة له وسياساته.. وفي سنوات حكمه حقّق بورقيبة انتصارات على معارضيه ولكن عرف أيضا كيف يحافظ على التوازن وأن يتحكّم في مساحة حرية معارضيه وأن يستوعب الأزمات بمنطق رجل الدولة ولكن مع ذلك قام بأخطاء تاريخية ما زالت الى اليوم تلاحقه وصماتها ومازال الى اليوم مُدانا من خصومه.. ورغم اتخاذه في أواخر سنوات حكمه بمنح تأشيرات العمل السياسي لبعض الأحزاب المعارضة ولكن يبقى هناك لوم دائم على بورقيبة أنه كان بإمكانه وضع أرضية لممارسة ديمقراطية سوية كانت ستكون قادرة أن تسهم في تشكيل وعي ديمقراطي كان سيساعدنا على تركيز ديمقراطية صلبة بعد الثورة ..

سلوك سياسي مختلف مع كل معارضة

لم تكن وصفة بورقيبة واحدة في التعامل مع المعارضة فلكل فصيل أو فكرة سياسية معارضة طريقة للتعامل ..فبورقيبة كان مع المعارضة اليوسفية صارما وشرسا في قمعها وبلغ الأمر الى إعدام خصومه منها، والقضاء عليهم دون تردّد لأن معركة مع صالح بين يوسف بلغت ذروته والحكم لم يكن يحتمل وجودهما معا فكان لزاما ان يتنّحى أحدهما نهائيا ومن أجل ذلك اختار بورقيبة في التعامل مع المعارضة اليوسفية أسلوبا قمعيا لا مجال فيه للتسامح أو الصفح .وانطبق نفس الأمر مع مجموعة قفصة في بداية الثمانينات حيث أصدر بورقيبة أوامره من الغد بتنفيذ حكم بالإعدام على 16 منهم .

بورقيبة استغل أيضا محاولة الانقلاب التي استهدفته عام 1962 من طرف اليوسفيين ليجمد نشاط الحزب الشيوعي ويعطل كل الصحف المعارضة والمستقلة ويلغي الحريات الأساسية ويركّز دعائم الحزب الواحد والزعيم الأوحد مستغلا في ذلك مكونات مدنية التي صمتت عن تجاوزت النظام وقتها ومنها اتحاد الشغل في تلك الفترة الذي هيمنت عليه وقتها السلطة والحزب الحاكم وفقد الكثير من قوته في عشرية الستينات وهذا المناخ الذي هيمن فيه النظام دفع الى خيارات سيئة كانت لها تبعات ونتائج كارثية مثل تجربة التعاضد بعد أن هيمنت على البلاد أحادية في التسيير وفي التفكير وفي الإعلام وفي التنظيم.

ومن الأطراف السياسية التي تواصلت بينها وبين نظام بورقيبة سياسية شدّ الحبل وفق الظرف ووفق اتجاه الريح نجد حركة الاتجاه الإسلامي أو حركة النهضة اليوم حيث تمّت ملاحقة واعتقال مؤسسيها ورموزها مثل صالح كركر وبن عيسى الدمني وراشد الغنوشي الذي طالب بورقيبة بإعدامه كما وان نظام بورقيبة رفض منحها تأشيرة العمل السياسي واجبرها على العمل السرّي دون أن يعمل على اجتثاثها ولكنها ظلت ملاحقة .

وفي علاقة بالحركات اليسارية وشباب الجامعة الذي كان متشبّعا بالأفكار اليسارية في الستينات والسبعينات كان التعامل أكثر لينا ولم تكن هناك مواجهة قمعية مباشرة حيث فتح لهم أبواب النشاط الثقافي والإعلامي لعدد هام من رموز الحركة اليسارية ، الشيوعية خاصة وقتها وأساسا حركة آفاق رغم أنه طالهم الاعتقال أيضا  هذه الاعتقالات وفشل تجربة التّعاضد ‏التي قادها أحمد بن صالح كانت من أسباب تنامي المدّ الشّيوعي وانتقاده لسياسات الرّئيس بورقيبة في ‏السّبعينات والتي شهدت أيضا فوز الطّلبة اليساريّين بقيادة الاتحاد العام لطلبة تونس وانقلاب ‏الطّلبة الدّساترة عليهم في مؤتمر قربة سنة 1972.

وفي فترة السبعينات كانت الجامعة من ابرز الفضاءات المعارضة لسياسيات بورقية حيث الى جانب المد اليساري ظهرت  بوادر نشاط دعوي ديني بدعم ‏غير معلن داخل الجامعة وخارجها كانت وراء تشكّل الجماعة الإسلاميّة التي كانت بذرتها في المدرسة الزيتونية ولكن بتأثر واضح بأفكار وافدة من الخارج وأساسا أفكار الإخوان المسلمين في مصر وقد تطور هذا النّشاط الدعوي ليأخذ بعدا سياسيّا ‏ممثلا في إعلان تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي بعد أحداث جانفي 1978 .

وفترة الغليان الفكري والدعوي الذي شهدته فترة السبعينات كان ‏من الأسباب التي قادت الحبيب بورقيبة إلى إعلان التّعددية السّياسية ومنح التّأشيرة لعدد من الأحزاب ‏المعارضة ومنها الحزب الشّيوعي التونسي مقابل استبعاد الحركات والأحزاب الدّينية لتبدأ بعد ذلك مواجهة الإسلاميين على عكس اليساريين الذين ظلوا في تباين مع السلطة دون أن يبلغ الأمر مرحلة المواجهة القصووية حيث كانت بعض أحزاب اليسار مسموح لها بالنشاط ولكن تحت رقابة لصيقة من السلطة .

وفي كل ذلك كان بورقيبة يحاول ان ينوّع في أساليب تعامله مع المعارضة ولم يقمع دفعة واحدة كل الأفكار التي تعارض سياساته بل كانت هناك أفكار يسمح بها في حدود سلطته ودون ان تتمرّد عليه وهناك أفكار يعاديها في العمق ولا يعترف بها ويراها خطرا يهدد مدنية الدولة، في حين كانت بعض الأفكار التي يراها تهدد وجوده شخصيا مثل الفكر اليوسفي وزعيمه اعتبرها منافسا قويا على حكمه وسلطته وقمعها بأشد أساليب القمع .

منية العرفاوي