بالرغم من تراجع مستوى العجز التجاري لتونس بنحو 7% خلال أول شهرين من العام الجاري، إلا أن المخزون الوطني من النقد الأجنبي عرف خلال اليومين الأخيرين تناقصا هاما ليصل إلى 94 يوم توريد أي ما يعادل الـ 21820 مليون دينار، باعتبار أن تفاقم العجز التجاري يعد احد ابرز أسباب هذا التناقص الى جانب توقف التصدير وتباطؤ نسق الإنتاج.
فاليوم، لم يعد مخزون تونس من العملة الصعبة يغطي سوى 94 يوما وهو مستوى مقلق في ظل الأزمة المالية التي تعيشها البلاد والحاجيات الأكيدة إلى الاستيراد في فترة وصفت بأكثر المناسبات استهلاكا تزامنا مع شهر رمضان وما يليه من مناسبات استهلاكية مهمة لدى التونسيين، مما يتطلب استيراد المزيد من السلع والمواد الاستهلاكية بالعملة الصعبة.
بالمقابل، لن تجد الدولة تعويضات فورية ولا حتى على المدى المتوسط لهذا التناقص الذي يشهده المخزون الوطني من النقد الأجنبي في ظل صعوبة تعبئتها لموارد مالية خارجية جديدة بسبب الوضع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه البلاد، ونخص بالذكر هنا تعطل قرض صندوق النقد الدولي وعدم إبرام اتفاقيات تعاون ثنائي جديدة بين تونس والبلدان الصديقة والشقيقة لها.
الشركات الأجنبية معطى ظرفي
في ظل هذه الصعوبات، تجد اليوم الدولة نفسها أمام مأزق تناقص مدخراتها من العملة الصعبة وهي التي انطلقت في سداد ديونها الخارجية التي تتطلب العملات الأجنبية عل غرار الدولار الأمريكي والاورو، وهو ما يضعها بالتالي أمام تحديات الوفاء بتعهداتها المالية الخارجية، وإمكانية تعثر خلاصها للديون المتخلدة بذمتها وحلت آجالها خاصة تلك الموجهة إلى المؤسسات الدولية المانحة..
وباتت الأسباب لدى السواد الأعظم من التونسيين معروفة والتي أدت الى هذا التناقص المتواصل في السنوات الأخيرة، وهي التي تتعلق بتفاقم العجز الحاصل بالميزان التجاري وارتفاع الواردات التونسية التي تتطلب عملة صعبة، إلا أن هذه الفترة من السنة وتحديدا منذ مطلع شهر مارس إلى غاية شهر ماي من كل سنة تعرف مدخرات البلاد من النقد الأجنبي تراجعا تزامنا مع العمليات المالية التي تقوم بها الشركات الأجنبية في تونس وأهمها عمليات الاستخلاص عل اختلاف أصنافها من مزودين وموظفين..
هذا المعطى يعد من ابرز الأسباب التي أدت إلى تراجع مخزون العملة الصعبة في هذه الفترة تحديدا من السنة، لكن هذا لا يبرر المستوى المقلق الذي وصل إليه المخزون إلى 94 يوم توريد فقط في حين كان يتجاوز الـ 100 يوم توريد في نفس الفترة تقريبا من كل سنة من بين السنوات الثلاثة الأخيرة، بما يعني أن الأسباب الحقيقية مازالت عميقة وليست ظرفية والتي لم تجد لها الدولة إلى اليوم حلولا لتجاوز هذا التناقص المتواصل.
العجز التجاري ابرز الأسباب العميقة
ويبقى تفاقم العجز التجاري السبب الأبرز، رغم انخفاضه في الشهرين الأولين من السنة الجارية ليسجل 2.36 مليار دينار، مقابل 2.55 مليار دينار في الفترة ذاتها من 2022، إلا أن العجز التجاري يعد من ابرز الأسباب العميقة وراء تناقص مخزون تونس من العملة الصعبة لسنوات متتالية.
وللإشارة فقط ارتفعت صادرات تونس بنسبة11.6% خلال شهري جانفي وفيفري الماضيين إلى 10 مليارات دينار من 9 مليارات دينار تقريباً خلال أول شهرين من العام الماضي، بحسب بيان صادر عن المعهد الوطني للإحصاء.
في المقابل، سجّلت قيمة الواردات ارتفاعاً بنسبة 7.4% لتبلغ 12.4 مليار دينار، مقارنة بنحو 11.5 مليار دينار في الفترة ذاتها من 2022، وأسهمت البيانات الجديدة في تحسّن نسبة تغطية الواردات بالصادرات بـ3.1 نقطة حيث بلغت 81%.
بالمقابل، يكشف البنك المركزي التونسي، عن تراجع ملحوظ في احتياطي تونس من الموجودات الصافية من العملة الأجنبية بلغ إلى غاية 20 مارس الجاري 21 ألفا و820 مليون دينار أي ما يعادل 94 يوم توريد، وبلغ الحساب الجاري للخزينة 782 مليون دينار، فيما بلغت الأوراق النقدية المتداولة 18 ألفا و809 مليون دينار..
وهذا التراجع الأكبر منذ مطلع السنة الجارية بعد أن كان يتجاوز حاجز الـ 100 يوم توريد في الأشهر الأخيرة من سنة 2022، حيث سجل احتياطي تونس من العملة الصعبة في شهر نوفمبر المنقضي تراجعا وصف وقتها بالمقلق إلى حدود 100 يوم توريد، بعد أن كان معدلها في حدود 125 يوما خلال الفترة ذاتها من سنة 2021، تزامن مع ارتفاع ملموس في أسعار السلع الأساسية المستوردة، وتراجع قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، وخاصة عملة الاتحاد الأوروبي ، بالإضافة إلى الدولار الأمريكي، والذي يعد العملة الأساسية لخلاص تونس لاحتياجاتها الخارجية..
وتبعا للمستوى الجديد الذي وصل إليه مخزوننا من النقد الأجنبي، تتواصل المخاوف أكثر أمام استمرار تعمق العجز التجاري، الذي تجاوز حاجز 60 %، مع ارتفاع كلفة التوريد إلى مستويات تستنزف الاحتياطي النقدي بشكل كبير، بأكثر من 30%، وأدى ذلك إلى تراجع كبير في أيام التوريد للدولة التونسية، وسرع من تآكل الاحتياطي النقدي...
وللإشارة فان قدرة تونس على تغطية وارداتها بدأت في التراجع بداية من أشهر صيف السنة المنقضية تحديدا منذ شهر جويلية 2022، حيث تم تسجيل تراجع بنحو 20 يوماً دفعة واحدة، بعد أن بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 3.18 دينار، ويعزى ذلك إلى نمو الواردات بنسبة 35.3٪ مقابل زيادة نسبتها 16.8٪ خلال الخمسة أشهر من العام 2021، كما ارتفعت الواردات بنسبة 35 % مقابل (+21%) خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2021.
وزادت واردات تونس من الطاقة بنسبة 100.8 بالمائة مع موفي سنة 2022، وارتفعت واردات المواد الأولية ونصف المصنعة بنسبة 37 بالمائة والمواد الاستهلاكية بنسبة 13.4 بالمائة ومواد التجهيز بنسبة 41.1 بالمائة، وتبعا لذلك تراجعت نسبة تغطية الواردات بالصادرات صلب الميزان التجاري لتونس مع موفي سبتمبر 2022، خمس نقاط مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021، وقد بلغت 68.7 بالمائة.
الدولة مطالبة بالتعويل على مصادرها المدرة للعملة الصعبة
وتضاعفت حاجيات تونس بشكل سريع خلال الأشهر الأخيرة، تزامنا مع ارتفاع أسعار المحروقات والحبوب، ما كلف خزينة الدولة خسائر تجاوزت 5 مليار دينار، علما وأن موارد الدولة من العملة الصعبة، جزء منها متأت من الإيرادات السياحية وتحويلات التونسيين بالخارج، وهي موارد بالكاد تغطي حاجيات البلاد مستقبلا.
وتعول تونس أمام هذه التحديات الكبيرة على التوصل في اقرب الآجال إلى اتفاق قرض تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي، بقيمة تناهز الـ 6 مليار دينار، أي حوالي 1.9 مليار دولار، لتوفير احتياجاتها من العملة الصعبة على وجه الخصوص، وهي التي تجد نفسها اليوم أمام تعطيلات جديدة للحصول عل هذا القرض بعد توقف المفاوضات في هذا الاتجاه بسبب سحب الصندوق لملف تونس من جدول أعماله منذ شهر ديسمبر المنقضي.
ويظل قرض الصندوق من بين الحلول لإنعاش المخزون الوطني من النقد الأجنبي، بالمقابل على الدولة أن تعول على مصادرها الأساسية المدرة للعملة الصعبة عن طريق دفع قطاع الفسفاط وتامين صادراته وبذل مجهودات كبيرة من اجل إنجاح الموسم السياحي للسنة الحالية.
وفاء بن محمد
تونس-الصباح
بالرغم من تراجع مستوى العجز التجاري لتونس بنحو 7% خلال أول شهرين من العام الجاري، إلا أن المخزون الوطني من النقد الأجنبي عرف خلال اليومين الأخيرين تناقصا هاما ليصل إلى 94 يوم توريد أي ما يعادل الـ 21820 مليون دينار، باعتبار أن تفاقم العجز التجاري يعد احد ابرز أسباب هذا التناقص الى جانب توقف التصدير وتباطؤ نسق الإنتاج.
فاليوم، لم يعد مخزون تونس من العملة الصعبة يغطي سوى 94 يوما وهو مستوى مقلق في ظل الأزمة المالية التي تعيشها البلاد والحاجيات الأكيدة إلى الاستيراد في فترة وصفت بأكثر المناسبات استهلاكا تزامنا مع شهر رمضان وما يليه من مناسبات استهلاكية مهمة لدى التونسيين، مما يتطلب استيراد المزيد من السلع والمواد الاستهلاكية بالعملة الصعبة.
بالمقابل، لن تجد الدولة تعويضات فورية ولا حتى على المدى المتوسط لهذا التناقص الذي يشهده المخزون الوطني من النقد الأجنبي في ظل صعوبة تعبئتها لموارد مالية خارجية جديدة بسبب الوضع الاجتماعي والسياسي الذي تعيشه البلاد، ونخص بالذكر هنا تعطل قرض صندوق النقد الدولي وعدم إبرام اتفاقيات تعاون ثنائي جديدة بين تونس والبلدان الصديقة والشقيقة لها.
الشركات الأجنبية معطى ظرفي
في ظل هذه الصعوبات، تجد اليوم الدولة نفسها أمام مأزق تناقص مدخراتها من العملة الصعبة وهي التي انطلقت في سداد ديونها الخارجية التي تتطلب العملات الأجنبية عل غرار الدولار الأمريكي والاورو، وهو ما يضعها بالتالي أمام تحديات الوفاء بتعهداتها المالية الخارجية، وإمكانية تعثر خلاصها للديون المتخلدة بذمتها وحلت آجالها خاصة تلك الموجهة إلى المؤسسات الدولية المانحة..
وباتت الأسباب لدى السواد الأعظم من التونسيين معروفة والتي أدت الى هذا التناقص المتواصل في السنوات الأخيرة، وهي التي تتعلق بتفاقم العجز الحاصل بالميزان التجاري وارتفاع الواردات التونسية التي تتطلب عملة صعبة، إلا أن هذه الفترة من السنة وتحديدا منذ مطلع شهر مارس إلى غاية شهر ماي من كل سنة تعرف مدخرات البلاد من النقد الأجنبي تراجعا تزامنا مع العمليات المالية التي تقوم بها الشركات الأجنبية في تونس وأهمها عمليات الاستخلاص عل اختلاف أصنافها من مزودين وموظفين..
هذا المعطى يعد من ابرز الأسباب التي أدت إلى تراجع مخزون العملة الصعبة في هذه الفترة تحديدا من السنة، لكن هذا لا يبرر المستوى المقلق الذي وصل إليه المخزون إلى 94 يوم توريد فقط في حين كان يتجاوز الـ 100 يوم توريد في نفس الفترة تقريبا من كل سنة من بين السنوات الثلاثة الأخيرة، بما يعني أن الأسباب الحقيقية مازالت عميقة وليست ظرفية والتي لم تجد لها الدولة إلى اليوم حلولا لتجاوز هذا التناقص المتواصل.
العجز التجاري ابرز الأسباب العميقة
ويبقى تفاقم العجز التجاري السبب الأبرز، رغم انخفاضه في الشهرين الأولين من السنة الجارية ليسجل 2.36 مليار دينار، مقابل 2.55 مليار دينار في الفترة ذاتها من 2022، إلا أن العجز التجاري يعد من ابرز الأسباب العميقة وراء تناقص مخزون تونس من العملة الصعبة لسنوات متتالية.
وللإشارة فقط ارتفعت صادرات تونس بنسبة11.6% خلال شهري جانفي وفيفري الماضيين إلى 10 مليارات دينار من 9 مليارات دينار تقريباً خلال أول شهرين من العام الماضي، بحسب بيان صادر عن المعهد الوطني للإحصاء.
في المقابل، سجّلت قيمة الواردات ارتفاعاً بنسبة 7.4% لتبلغ 12.4 مليار دينار، مقارنة بنحو 11.5 مليار دينار في الفترة ذاتها من 2022، وأسهمت البيانات الجديدة في تحسّن نسبة تغطية الواردات بالصادرات بـ3.1 نقطة حيث بلغت 81%.
بالمقابل، يكشف البنك المركزي التونسي، عن تراجع ملحوظ في احتياطي تونس من الموجودات الصافية من العملة الأجنبية بلغ إلى غاية 20 مارس الجاري 21 ألفا و820 مليون دينار أي ما يعادل 94 يوم توريد، وبلغ الحساب الجاري للخزينة 782 مليون دينار، فيما بلغت الأوراق النقدية المتداولة 18 ألفا و809 مليون دينار..
وهذا التراجع الأكبر منذ مطلع السنة الجارية بعد أن كان يتجاوز حاجز الـ 100 يوم توريد في الأشهر الأخيرة من سنة 2022، حيث سجل احتياطي تونس من العملة الصعبة في شهر نوفمبر المنقضي تراجعا وصف وقتها بالمقلق إلى حدود 100 يوم توريد، بعد أن كان معدلها في حدود 125 يوما خلال الفترة ذاتها من سنة 2021، تزامن مع ارتفاع ملموس في أسعار السلع الأساسية المستوردة، وتراجع قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، وخاصة عملة الاتحاد الأوروبي ، بالإضافة إلى الدولار الأمريكي، والذي يعد العملة الأساسية لخلاص تونس لاحتياجاتها الخارجية..
وتبعا للمستوى الجديد الذي وصل إليه مخزوننا من النقد الأجنبي، تتواصل المخاوف أكثر أمام استمرار تعمق العجز التجاري، الذي تجاوز حاجز 60 %، مع ارتفاع كلفة التوريد إلى مستويات تستنزف الاحتياطي النقدي بشكل كبير، بأكثر من 30%، وأدى ذلك إلى تراجع كبير في أيام التوريد للدولة التونسية، وسرع من تآكل الاحتياطي النقدي...
وللإشارة فان قدرة تونس على تغطية وارداتها بدأت في التراجع بداية من أشهر صيف السنة المنقضية تحديدا منذ شهر جويلية 2022، حيث تم تسجيل تراجع بنحو 20 يوماً دفعة واحدة، بعد أن بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 3.18 دينار، ويعزى ذلك إلى نمو الواردات بنسبة 35.3٪ مقابل زيادة نسبتها 16.8٪ خلال الخمسة أشهر من العام 2021، كما ارتفعت الواردات بنسبة 35 % مقابل (+21%) خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2021.
وزادت واردات تونس من الطاقة بنسبة 100.8 بالمائة مع موفي سنة 2022، وارتفعت واردات المواد الأولية ونصف المصنعة بنسبة 37 بالمائة والمواد الاستهلاكية بنسبة 13.4 بالمائة ومواد التجهيز بنسبة 41.1 بالمائة، وتبعا لذلك تراجعت نسبة تغطية الواردات بالصادرات صلب الميزان التجاري لتونس مع موفي سبتمبر 2022، خمس نقاط مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021، وقد بلغت 68.7 بالمائة.
الدولة مطالبة بالتعويل على مصادرها المدرة للعملة الصعبة
وتضاعفت حاجيات تونس بشكل سريع خلال الأشهر الأخيرة، تزامنا مع ارتفاع أسعار المحروقات والحبوب، ما كلف خزينة الدولة خسائر تجاوزت 5 مليار دينار، علما وأن موارد الدولة من العملة الصعبة، جزء منها متأت من الإيرادات السياحية وتحويلات التونسيين بالخارج، وهي موارد بالكاد تغطي حاجيات البلاد مستقبلا.
وتعول تونس أمام هذه التحديات الكبيرة على التوصل في اقرب الآجال إلى اتفاق قرض تمويل جديد مع صندوق النقد الدولي، بقيمة تناهز الـ 6 مليار دينار، أي حوالي 1.9 مليار دولار، لتوفير احتياجاتها من العملة الصعبة على وجه الخصوص، وهي التي تجد نفسها اليوم أمام تعطيلات جديدة للحصول عل هذا القرض بعد توقف المفاوضات في هذا الاتجاه بسبب سحب الصندوق لملف تونس من جدول أعماله منذ شهر ديسمبر المنقضي.
ويظل قرض الصندوق من بين الحلول لإنعاش المخزون الوطني من النقد الأجنبي، بالمقابل على الدولة أن تعول على مصادرها الأساسية المدرة للعملة الصعبة عن طريق دفع قطاع الفسفاط وتامين صادراته وبذل مجهودات كبيرة من اجل إنجاح الموسم السياحي للسنة الحالية.