يحذر خبراء اقتصاد من مخاطر كبيرة قد يشهدها الاقتصاد التونسي خلال الأشهر القليلة القادمة إذا لم تحصل البلاد على قرض صندوق النقد خلال العام المالي الجاري، وكان من المفترض أن يعقد مجلس إدارة الصندوق خلال شهر ديسمبر الماضي اجتماعاً لمناقشة برنامج قروض لتونس، غير أن الصندوق سحب الاجتماع من جدول أعماله قبل أيام فقط من الموعد المحدد، وارجع المسؤولون في الدولة على غرار محافظ البنك المركزي مروان العباسي، إرجاء النظر في طلب تونس إلى منح السلطات التونسية مزيداً من الوقت للانتهاء من برنامج الإصلاح.
وتعوّل تونس على موافقة صندوق النقد الدولي على منحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار لإصلاح توازناتها المالية وتمويل ميزانيتها وفتح الآفاق لإبرام اتفاقات مالية مع أطراف مانحة أخرى، مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات تشمل نظام الدعم والمؤسسات العمومية التي كبدت الدولة خسائر بأكثر من 15 مليار دينار نهاية سنة 2022 والتحكم في كتلة الأجور وغيرها من الإصلاحات الأخرى.
وكان يفترض أن يصدر مجلس إدارة الصندوق قرارا بشأن تونس في اجتماعه منتصف ديسمبر الماضي، لكن المجلس قرر في الاجتماع تأجيل النظر في ملف تونس إلى موعد لم يحدد في وقت تتفاقم فيه الأزمة المالية في البلاد.
وأمام هذه الوضعية الضبابية والغامضة التي يعيشها الاقتصاد التونسي، استفسرت "الصباح" من العديد من خبراء الاقتصاد والمالية حول فرص نجاة تونس من دون قرض صندوق النقد الدولي، وكانت المفاجأة، عدم تمكن تونس من مجاراة نفاقاتها المالية دون دعم صندوق النقد الدولي، خاصة في هذه المرحلة التي يشهد فيها الاقتصاد العالمي تراجعا فادحا بسبب تداعيات الحرب شرق أوروبا، كما أن محركات الإنتاج الحالية عاجزة عن سد النقص الفادح في ميزانية الدولة لسنة 2022، وتزامن ذلك مع سداد تونس لالتزاماتها الخارجية والتي ارتفعت خلال العام الجاري إلى أكثر من 2 مليار دولار.
مفتاح "النجاة" من المأزق المالي
وإثر تأجيل النظر في ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي، أكد الخبراء على أهمية هذا القرض في دعم ميزانية تونس لسنة 2023، مشيرين إلى أنه الملاذ الأخير في إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية الراهنة، ونذكر بالأخص في هذا الشأن، تصريحات الخبير الاقتصادي والجامعي رضا الشكندالي لـ"الصباح"، حيث فند إمكانية خروج تونس من مأزقها المالي، دون المرور بصندوق النقد الدولي، لافتا إلى أهمية الاتفاق في فتح أبواب التمويلات الخارجية والثنائية، حيث أن مجرد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يمكن تونس من الحصول على العديد من التمويلات في شكل قروض، وهذه احد أهم النقاط التي وجب الحرص عليها خلال الفترة القادمة.
ولا يختلف احد من الخبراء الاقتصاديين، حول هذه النقطة، حيث أن أهمية القرض مع صندوق النقد الدولي، تكمن في أنه المفتاح الذي سيفتح أبواب المساعدات المالية الخارجية، بالإضافة إلى تفعيل القروض الثنائية المجمدة بين تونس وبعض الدول التي تعهدت بمساعدتها للخروج من أزمتها المالية، علما وأن العديد من الخبراء الاقتصاديين على غرار آرام بلحاج، وعز الدين سعيدان، كانوا قد حذروا موفى العام الماضي من سنة صعبة ستعيشها تونس خلال 2023، وذلك بسبب تزامنها مع آجال تسديدها لديون خارجية بقيمة ناهزت 2 مليار دولار، أي أكثر بقليل عن السنة الحالية والتي دفعت تونس إلى الالتزام بدفع ديون خارجية بقيمة 1.4 مليار دولار.
كذلك يعتقد الكثير من الخبراء، أن السنة الحالية ستكون صعبة للغاية، وذلك بعد أن تضمن قانون المالية لسنة 2023، تفعيلا لحزمة من الضرائب والأداءات الجديدة والمضمنة في قانون المالية لسنة 2023، والتي من المتوقع أن تزيد في إنهاك القدرة الشرائية للتونسيين، علما وأن الأسعار واصلت نسقها التصاعدي بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، وندرة العديد من السلع والمواد الأولية.
ويطالب جزء واسع من الخبراء الاقتصاديين بضرورة تعبئة الموارد والسيطرة على كتلة الأجور في الوظيفة العمومية وإعادة توجيه الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية، وهناك توقعات بان تبلغ احتياجات التمويل الحكومية نسبة 16.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي و16.8٪ على التوالي سنتي 2022 و2023، مدفوعة بالإنفاق الإضافي الكبير لامتصاص تبعات الحرب في أوكرانيا وآجال استحقاق الديون الخارجية والمقدرة بـ 2 مليار دولار على التوالي.
قروض خارجية مجمدة
كما لم يخف بعض الخبراء قلقهم من أن المؤشرات الاقتصادية وبالخصوص الواردة في تقرير ميزانية الدولة لسنة 2023 تدفع إلى توقع انزلاقات خطيرة باعتبار ارتفاع نسبة التضخم المرتفعة المتوقعة مما ستنعكس على القدرة الشرائية والقدرة التنافسية للمؤسسات.
ورغم حساسية الظرف الذي يمر به الاقتصاد التونسي، لا يستبعد بعض الخبراء، إمكانية عرض الملف التونسي على البرلمان في شهر مارس المقبل قبل تقديمه لصندوق النقد الدولي لمنحه مزيدا من المشروعية القانونية.
وتأمل تونس في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي امتدت لعدة أشهر، في الاستفادة من تمويل يقارب 1.9 مليار دولار أمريكي، في حين قدر محافظ البنك المركزي في آخر ظهور إعلامي له احتياجات تونس من صندوق النقد الدولي بقرابة 1.7 مليار دولار أمريكي، ويهدف القرض إلى استعادة الاستقرار الخارجي والمتعلق بالميزانية في البلاد، لتعزيز الحماية الاجتماعية، مع تعزيز القوة والاستدامة والشمول، وكذلك القطاع الخاص، وخلق فرص العمل، إلا أن تواصل تأجيل ملف تونس، والحديث عن سحب الملف من جلسة التداول يطرح العديد من الاستفسارات حول البدائل التي يمكن اعتمادها، في ظل شح للسيولة المالية، وتراجع مخزون البلاد من العملة الصعبة ليصل إلى مستويات تبعث على القلق، أي حوالي 99 يوم توريد بتاريخ أمس، مقارنة بحوالي 124 يوم توريد خلال نفس الفترة من العام الماضي.
ارتفاع احتياجات تونس المالية
وتحتاج تونس قروضا خارجية بقيمة 12.6 مليار دينار لتعبئة عجز ميزانية 2022، مقارنة بـ 12.1 مليار دينار في قانون المالية التكميلي لعام 2022، ووفق ميزانية 2023، تخطط الحكومة لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار، مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليار دينار، ولا يمكن لتونس أن تتمكن من تعبئة هذه الموارد المالية والتي هي في حاجة إليها قبل انقضاء شهر مارس القادم إلا بعد الحصول على الموافقة الرسمية من صندوق النقد الدولي، علما وان الهدف الأساسي، ليس المبلغ الذي ستقترضه تونس من صندوق النقد، وإنما الأموال العالقة مع مجموعة من الدول في إطار قروض ثنائية، والتمويلات التي تتيحها بعض المؤسسات المالية العالمية، مع الإشارة إلى أن تدفق هذه الأموال سينعش فرص الاستثمار، بالإضافة إلى إيفاء تونس بكافة التزاماتها الخارجية.
* سفيان المهداوي
تونس- الصباح
يحذر خبراء اقتصاد من مخاطر كبيرة قد يشهدها الاقتصاد التونسي خلال الأشهر القليلة القادمة إذا لم تحصل البلاد على قرض صندوق النقد خلال العام المالي الجاري، وكان من المفترض أن يعقد مجلس إدارة الصندوق خلال شهر ديسمبر الماضي اجتماعاً لمناقشة برنامج قروض لتونس، غير أن الصندوق سحب الاجتماع من جدول أعماله قبل أيام فقط من الموعد المحدد، وارجع المسؤولون في الدولة على غرار محافظ البنك المركزي مروان العباسي، إرجاء النظر في طلب تونس إلى منح السلطات التونسية مزيداً من الوقت للانتهاء من برنامج الإصلاح.
وتعوّل تونس على موافقة صندوق النقد الدولي على منحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار لإصلاح توازناتها المالية وتمويل ميزانيتها وفتح الآفاق لإبرام اتفاقات مالية مع أطراف مانحة أخرى، مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات تشمل نظام الدعم والمؤسسات العمومية التي كبدت الدولة خسائر بأكثر من 15 مليار دينار نهاية سنة 2022 والتحكم في كتلة الأجور وغيرها من الإصلاحات الأخرى.
وكان يفترض أن يصدر مجلس إدارة الصندوق قرارا بشأن تونس في اجتماعه منتصف ديسمبر الماضي، لكن المجلس قرر في الاجتماع تأجيل النظر في ملف تونس إلى موعد لم يحدد في وقت تتفاقم فيه الأزمة المالية في البلاد.
وأمام هذه الوضعية الضبابية والغامضة التي يعيشها الاقتصاد التونسي، استفسرت "الصباح" من العديد من خبراء الاقتصاد والمالية حول فرص نجاة تونس من دون قرض صندوق النقد الدولي، وكانت المفاجأة، عدم تمكن تونس من مجاراة نفاقاتها المالية دون دعم صندوق النقد الدولي، خاصة في هذه المرحلة التي يشهد فيها الاقتصاد العالمي تراجعا فادحا بسبب تداعيات الحرب شرق أوروبا، كما أن محركات الإنتاج الحالية عاجزة عن سد النقص الفادح في ميزانية الدولة لسنة 2022، وتزامن ذلك مع سداد تونس لالتزاماتها الخارجية والتي ارتفعت خلال العام الجاري إلى أكثر من 2 مليار دولار.
مفتاح "النجاة" من المأزق المالي
وإثر تأجيل النظر في ملف تونس لدى صندوق النقد الدولي، أكد الخبراء على أهمية هذا القرض في دعم ميزانية تونس لسنة 2023، مشيرين إلى أنه الملاذ الأخير في إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية الراهنة، ونذكر بالأخص في هذا الشأن، تصريحات الخبير الاقتصادي والجامعي رضا الشكندالي لـ"الصباح"، حيث فند إمكانية خروج تونس من مأزقها المالي، دون المرور بصندوق النقد الدولي، لافتا إلى أهمية الاتفاق في فتح أبواب التمويلات الخارجية والثنائية، حيث أن مجرد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، يمكن تونس من الحصول على العديد من التمويلات في شكل قروض، وهذه احد أهم النقاط التي وجب الحرص عليها خلال الفترة القادمة.
ولا يختلف احد من الخبراء الاقتصاديين، حول هذه النقطة، حيث أن أهمية القرض مع صندوق النقد الدولي، تكمن في أنه المفتاح الذي سيفتح أبواب المساعدات المالية الخارجية، بالإضافة إلى تفعيل القروض الثنائية المجمدة بين تونس وبعض الدول التي تعهدت بمساعدتها للخروج من أزمتها المالية، علما وأن العديد من الخبراء الاقتصاديين على غرار آرام بلحاج، وعز الدين سعيدان، كانوا قد حذروا موفى العام الماضي من سنة صعبة ستعيشها تونس خلال 2023، وذلك بسبب تزامنها مع آجال تسديدها لديون خارجية بقيمة ناهزت 2 مليار دولار، أي أكثر بقليل عن السنة الحالية والتي دفعت تونس إلى الالتزام بدفع ديون خارجية بقيمة 1.4 مليار دولار.
كذلك يعتقد الكثير من الخبراء، أن السنة الحالية ستكون صعبة للغاية، وذلك بعد أن تضمن قانون المالية لسنة 2023، تفعيلا لحزمة من الضرائب والأداءات الجديدة والمضمنة في قانون المالية لسنة 2023، والتي من المتوقع أن تزيد في إنهاك القدرة الشرائية للتونسيين، علما وأن الأسعار واصلت نسقها التصاعدي بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، وندرة العديد من السلع والمواد الأولية.
ويطالب جزء واسع من الخبراء الاقتصاديين بضرورة تعبئة الموارد والسيطرة على كتلة الأجور في الوظيفة العمومية وإعادة توجيه الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية، وهناك توقعات بان تبلغ احتياجات التمويل الحكومية نسبة 16.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي و16.8٪ على التوالي سنتي 2022 و2023، مدفوعة بالإنفاق الإضافي الكبير لامتصاص تبعات الحرب في أوكرانيا وآجال استحقاق الديون الخارجية والمقدرة بـ 2 مليار دولار على التوالي.
قروض خارجية مجمدة
كما لم يخف بعض الخبراء قلقهم من أن المؤشرات الاقتصادية وبالخصوص الواردة في تقرير ميزانية الدولة لسنة 2023 تدفع إلى توقع انزلاقات خطيرة باعتبار ارتفاع نسبة التضخم المرتفعة المتوقعة مما ستنعكس على القدرة الشرائية والقدرة التنافسية للمؤسسات.
ورغم حساسية الظرف الذي يمر به الاقتصاد التونسي، لا يستبعد بعض الخبراء، إمكانية عرض الملف التونسي على البرلمان في شهر مارس المقبل قبل تقديمه لصندوق النقد الدولي لمنحه مزيدا من المشروعية القانونية.
وتأمل تونس في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي امتدت لعدة أشهر، في الاستفادة من تمويل يقارب 1.9 مليار دولار أمريكي، في حين قدر محافظ البنك المركزي في آخر ظهور إعلامي له احتياجات تونس من صندوق النقد الدولي بقرابة 1.7 مليار دولار أمريكي، ويهدف القرض إلى استعادة الاستقرار الخارجي والمتعلق بالميزانية في البلاد، لتعزيز الحماية الاجتماعية، مع تعزيز القوة والاستدامة والشمول، وكذلك القطاع الخاص، وخلق فرص العمل، إلا أن تواصل تأجيل ملف تونس، والحديث عن سحب الملف من جلسة التداول يطرح العديد من الاستفسارات حول البدائل التي يمكن اعتمادها، في ظل شح للسيولة المالية، وتراجع مخزون البلاد من العملة الصعبة ليصل إلى مستويات تبعث على القلق، أي حوالي 99 يوم توريد بتاريخ أمس، مقارنة بحوالي 124 يوم توريد خلال نفس الفترة من العام الماضي.
ارتفاع احتياجات تونس المالية
وتحتاج تونس قروضا خارجية بقيمة 12.6 مليار دينار لتعبئة عجز ميزانية 2022، مقارنة بـ 12.1 مليار دينار في قانون المالية التكميلي لعام 2022، ووفق ميزانية 2023، تخطط الحكومة لتعبئة موارد خارجية بقيمة 14.8 مليار دينار، مقابل قروض داخلية بقيمة 9.5 مليار دينار، ولا يمكن لتونس أن تتمكن من تعبئة هذه الموارد المالية والتي هي في حاجة إليها قبل انقضاء شهر مارس القادم إلا بعد الحصول على الموافقة الرسمية من صندوق النقد الدولي، علما وان الهدف الأساسي، ليس المبلغ الذي ستقترضه تونس من صندوق النقد، وإنما الأموال العالقة مع مجموعة من الدول في إطار قروض ثنائية، والتمويلات التي تتيحها بعض المؤسسات المالية العالمية، مع الإشارة إلى أن تدفق هذه الأموال سينعش فرص الاستثمار، بالإضافة إلى إيفاء تونس بكافة التزاماتها الخارجية.