إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

صلاح الدين الشريف ومحمد جمعة.. حتى لا يلف النسيان جيل البناة

 
بقلم: هشام الحاجي(*) 
 
تعتبر العلاقة التي تقيمها الشعوب مع الشخصيات التي خدمتها أحد المؤشرات التي تعتمد في تحديد درجة  تطور المجتمعات وتقدمها. ذلك أنه من البديهي الإقرار بأن الأشخاص عابرون وزائلون وأن المجتمعات هي التي تبقى. ولكن بقاء المجتمعات وتطورها يقوم على جملة من المتطلبات والشروط التي يعتبر الاعتراف بالجميل ونبذ كل أشكال الجحود من أهمها.  ولا شك أن كتابة التاريخ تبدأ من الحاضر لأن التاريخ غالبا ما يسعى إلى كتابته المنتصرون ولأن غياب الوثيقة التي تترك أثرا ، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مصوّرة، يفتح المجال أمام سطوة ما لا يستند إلا إلى الذاكرة وإلى ما هو شفوي و كلاهما يقود إلى مخاطر النسيان والتحريف. استحضر هذه " البديهيات" وأنا ألاحظ ما يشبه الصمت المطبق الذي يلف رحيل رجال خدموا تونس في مراحل سابقة ولكن رغبة " المنتصرين " في أن يقدموا العهود السابقة على أنها عهود ظلم ودمار تجعلهم لا يشيرون إلى هؤلاء وتدفعهم إلى تكرار نفس الأخطاء التي طالما اشتكوا منها وهي تهميش ذكرى قوافل من الرجال والنساء الذين خدموا تونس ولكن اعتبارات سياسوية ورغبات شخصية أقصتهم من سجل التاريخ. منذ أيام رحل شخصان أعتقد أنهما جديران بالتحية وهما صلاح الدين الشريف ومحمد جمعة.  هناك عدة نقاط التقاء بين الراحلين وهذا "طبيعي" في اعتقادي لأنهما ينتميان لنفس الجيل .
ولد محمد جمعة يوم 20 مارس 1933 بقرقنة في حين ولد صلاح الدين الشريف يوم 10 سبتمبر 1937 بسيدي بوسعيد.  وهذا ما جعلهما من الإطارات التي تعول عليها الدولة الوطنية في مسار بناء مؤسساتها بعد الاستقلال خاصة وأن حصول تونس على الاستقلال سنة 1956 تزامن مع دخولهما مجال الحياة العملية.  نقطة التقاء أخرى تجمع بين محمد جمعة وصلاح الدين الشريف وتتمثل في أن كل واحد منهما قد كان وراء تأسيس لبنة مهمة في تونس الحديثة. صلاح الدين الشريف كان وراء تأسيس المحكمة الإدارية سنة 1972 في حين كان محمد جمعة وراء تأسيس الصندوق القومي للادخار السكني الذي تحول لاحقا إلى بنك الإسكان والوكالة العقارية للسكن. وهذا يعني أن أحدهما لعب دورا هاما في تطوير المنظومة القضائية والآخر في إثراء منظومة السكن الاجتماعي الذي يعتبر من مفاخر دولة الاستقلال. ومما يجمع بين الراحلين محمد جمعة وصلاح الدين الشريف أنهما كانا يعملان في صمت وأنهما لم يجعلا من المهام التي تولياها مدعاة للإثراء غير المشروع أو التعالي بل كانا حريصين على نظافة اليد واللسان وقريبين من الناس دون صخب أو تظاهر كاذب. شاءت مجريات الحياة السياسية أن يقضي محمد جمعة سنوات عمره الأخيرة في هدوء في حين أن الرغبة في التشفي والانتقام كانت وراء إرهاق صلاح الدين الشريف وإنهاكه لأنه وجد نفسه عرضة لملاحقات قضائية لا سند لها ولكنها تستند إلى رغبة في تشويه الرجل لأنه كان موظفا ساميا في ظل حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. استنزاف قضائي فشل في أن يمسك تجاوزا واحدا لشخص متشبع بثقافة الدولة وبمنطوق القانون وفلسفته وهو الذي يحمل شهادات عليا في الحقوق من تونس ومن باريس وألزم نفسه بصرامة تستند إلى توجه أخلاقي صارم تجلى خاصة في أنه نأى بنفسه عن الانخراط في حياة حزبية اعتبرها تناقض دوره كملتزم بخدمة الدولة دون سواها وفي أنه ابتعد عن التكتلات التي تشكلت في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس زين العابدين بن علي واعتبر أنه أرقى من أن يحسب على هذا الطرف أو ذاك. 
 
  صلاح الدين الشريف ومحمد جمعة.. حتى لا يلف النسيان جيل البناة
 
بقلم: هشام الحاجي(*) 
 
تعتبر العلاقة التي تقيمها الشعوب مع الشخصيات التي خدمتها أحد المؤشرات التي تعتمد في تحديد درجة  تطور المجتمعات وتقدمها. ذلك أنه من البديهي الإقرار بأن الأشخاص عابرون وزائلون وأن المجتمعات هي التي تبقى. ولكن بقاء المجتمعات وتطورها يقوم على جملة من المتطلبات والشروط التي يعتبر الاعتراف بالجميل ونبذ كل أشكال الجحود من أهمها.  ولا شك أن كتابة التاريخ تبدأ من الحاضر لأن التاريخ غالبا ما يسعى إلى كتابته المنتصرون ولأن غياب الوثيقة التي تترك أثرا ، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة أو مصوّرة، يفتح المجال أمام سطوة ما لا يستند إلا إلى الذاكرة وإلى ما هو شفوي و كلاهما يقود إلى مخاطر النسيان والتحريف. استحضر هذه " البديهيات" وأنا ألاحظ ما يشبه الصمت المطبق الذي يلف رحيل رجال خدموا تونس في مراحل سابقة ولكن رغبة " المنتصرين " في أن يقدموا العهود السابقة على أنها عهود ظلم ودمار تجعلهم لا يشيرون إلى هؤلاء وتدفعهم إلى تكرار نفس الأخطاء التي طالما اشتكوا منها وهي تهميش ذكرى قوافل من الرجال والنساء الذين خدموا تونس ولكن اعتبارات سياسوية ورغبات شخصية أقصتهم من سجل التاريخ. منذ أيام رحل شخصان أعتقد أنهما جديران بالتحية وهما صلاح الدين الشريف ومحمد جمعة.  هناك عدة نقاط التقاء بين الراحلين وهذا "طبيعي" في اعتقادي لأنهما ينتميان لنفس الجيل .
ولد محمد جمعة يوم 20 مارس 1933 بقرقنة في حين ولد صلاح الدين الشريف يوم 10 سبتمبر 1937 بسيدي بوسعيد.  وهذا ما جعلهما من الإطارات التي تعول عليها الدولة الوطنية في مسار بناء مؤسساتها بعد الاستقلال خاصة وأن حصول تونس على الاستقلال سنة 1956 تزامن مع دخولهما مجال الحياة العملية.  نقطة التقاء أخرى تجمع بين محمد جمعة وصلاح الدين الشريف وتتمثل في أن كل واحد منهما قد كان وراء تأسيس لبنة مهمة في تونس الحديثة. صلاح الدين الشريف كان وراء تأسيس المحكمة الإدارية سنة 1972 في حين كان محمد جمعة وراء تأسيس الصندوق القومي للادخار السكني الذي تحول لاحقا إلى بنك الإسكان والوكالة العقارية للسكن. وهذا يعني أن أحدهما لعب دورا هاما في تطوير المنظومة القضائية والآخر في إثراء منظومة السكن الاجتماعي الذي يعتبر من مفاخر دولة الاستقلال. ومما يجمع بين الراحلين محمد جمعة وصلاح الدين الشريف أنهما كانا يعملان في صمت وأنهما لم يجعلا من المهام التي تولياها مدعاة للإثراء غير المشروع أو التعالي بل كانا حريصين على نظافة اليد واللسان وقريبين من الناس دون صخب أو تظاهر كاذب. شاءت مجريات الحياة السياسية أن يقضي محمد جمعة سنوات عمره الأخيرة في هدوء في حين أن الرغبة في التشفي والانتقام كانت وراء إرهاق صلاح الدين الشريف وإنهاكه لأنه وجد نفسه عرضة لملاحقات قضائية لا سند لها ولكنها تستند إلى رغبة في تشويه الرجل لأنه كان موظفا ساميا في ظل حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. استنزاف قضائي فشل في أن يمسك تجاوزا واحدا لشخص متشبع بثقافة الدولة وبمنطوق القانون وفلسفته وهو الذي يحمل شهادات عليا في الحقوق من تونس ومن باريس وألزم نفسه بصرامة تستند إلى توجه أخلاقي صارم تجلى خاصة في أنه نأى بنفسه عن الانخراط في حياة حزبية اعتبرها تناقض دوره كملتزم بخدمة الدولة دون سواها وفي أنه ابتعد عن التكتلات التي تشكلت في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس زين العابدين بن علي واعتبر أنه أرقى من أن يحسب على هذا الطرف أو ذاك.