إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

زواج القاصرات بإذن قضائي.. جريمة تخفي جرائم أخرى..

 

16  ألفا و723 طفلة تم تزويجهن في تونس خلال تسع سنوات..

تونس-الصباح

"ضحى"، اسم مستعار لطفلة تم تزويجها في جهة منوبة في سن دون السابعة عشرة عاما وذلك بعد موافقة القاضي على الطلب المقدم من قبل عائلتها. حكم قضائي دعم قرار الأب في إنهاء المسار الدراسي لابنته وقنن زواج رجل الثلاثين سنة بطفلة الستة عشرة عاما ونيف. ولا تعتبر قصة ضحى استثناء أو حادثة معزولة فهي تتنزل ضمن عدد لا باس به من الزيجات التي تتم سنويا بنفس الطريقة وبإذن قضائي. وحسب الناطقة الرسمية باسم المحكمة الابتدائية بمنوبة أذن القاضي خلال السنة المنقضية 2022 بتزويج 5 فتيات دون السن القانونية من ضمن سبعة مطالب قدت له في الوقت الذي كان فيه العدد في السنة التي قبلها وهي 2021 في حدود 7 أذون من ضمن 10 مطالب قدمت له أي في سنتين اثنين تم تزويج 12 طفلة في ولاية منوبة وحدها.

ورغم أن المشرع التونسي قد فصل منذ عهود في هذه الظاهرة، عبر مجلة الأحوال الشخصية ومن بعدها القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، ومنع تزويج الأطفال وحدده وربطه بسن الرشد وهو 18 عاما، يتواصل تزويج القاصرات بتفويض من القاضي الذي يحتكم في تقييماته الى معطيات ذاتية يقدرها طبقا لتقييم شخصي ويرتبط في الغالب أساسا بالبلوغ والبنية الجسدية للطفلة وإن كان الرجل ميسور الحال وقادرا على الإنفاق.

وتفيد معطيات تحصلت عليها "الصباح" أن عدد طلبات الأذون القضائية قد وصلت الى أعلى مستوياتها خلال فترة حكومة الترويكا ووصل عددها الى نحو 3800 طلب سنة 2013 و2014، بالنظر الى تأثير صعود الإسلاميين الى الحكم وما عرفه المجتمع التونسي آنذاك من تدن في مستوى الوعي وعودة الى مقاصد الشريعة الإسلامية وذهنية تقليدية محافظة، وهي أرقام تراجعت تدريجيا بداية من سنة 2017 تاريخ صدور القانون عدد 58. في نفس السياق تفيد الأرقام الرسمية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء ان عدد الزيجات سنة 2016 للفتيات دون سن 19 عاما قد كان في حدود 5618 زيجة وتراجع تدريجيا نحو 4712 زيجة سنة 2018 ثم نزل الى حدود 3826 سنة 2019 وليصل الى 3132 زيجة خلال سنة 2020.

ولا تتجاوز نسبة زواج القاصرات في تونس 2% حسب أرقام تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" وعن منظمة "فتيات لا زوجات"، وهو رقم على أهميته يعتبر الأدنى في منطقة شمال إفريقيا والمنطقة العربية ككل التي يصل فيها معدل تزويج الأطفال الى 32% في اليمن و52% في السودان.

لكن بالنظر الى عدد الزيجات الإجمالي السنوي فانه مثلا السنة الماضية 2021 تم تسجيل 71 ألفا و572 عقد قران باعتماد النسبة المذكورة فان 1432 الزواج شمل فتاة قاصر وفي السنة التي قبلها اي 2020 تم تعداد 65 ألف 630 عقد قران حسب المعهد الوطني للإحصاء وبالتالي فهنالك نحو 1313 زيجة تهم فتيات دون السن القانونية. ويرتفع العدد الى 1963 حالة تزويج لقاصر دون سن 18 عاما سنة 2016 نظرا الى انها سنة تم خلال عقد 98 ألفا و125 عقد قران حسب المعهد الوطني للإحصاء وبالعودة الى سنة 2013 نجد ان عدد عقود القران المسجلة في حدود 110 آلاف و119 وهو ما يعني أنها سنة عرفت زواج 2203 طفلة والعدد الأكبر سجل سنة 2014 التي شهدت عقد 110 آلاف و830 عقد قران تم خلالها تزويج 2217 فتاة دون السن القانونية المنصوص عليه في القانون التونسي وهي أرقام تجعل من حجم الطلبات المقدمة آنذلك قريبة مما سبق ذكره وهو 3800 مطلب إذن قضائي..

وفي عملية حسابية للزيجات التي تهم قاصرات وفتيات دون السن القانونية، خلال الفترة الممتدة بين سنة 2013 والى غاية 2021 سنجد أن عددهم قد وصل خلال تسع سنوات الى 16 ألفا و723 طفلة على الأقل في تونس.

وتعتبر نجاة عرعاري الباحثة في علم الاجتماع والناشطة النسوية، أن أول مؤشر يمكن عبر تفسير أو قراءة ارتفاع معدلات تزويج الفتيات دون السن القانونية أو ما يعرف بتزويج القاصرات أو الزواج المدبر، هو العودة الى العقلية التقليدية خلال العشرية الأخيرة وهو أن الفتاة سواء تعلمت أو لم تتعلم فان دورها الأساسي والوحيد هو تواجدها في بيت زوجها عليها تكوين أسرة. وبينت أن هذه العقلية تعد عاملا ثقافيا مهما له دور كبير في تواصل تزويج القاصرات. ويمثل العامل الاقتصادي المؤشر أو العامل الثاني الذي يمكن أن يقف وراء مثل هذه الزيجات، فالفقر يجعل العائلة تعمل على تدبير زواج ابنتها الطفلة.

وتستشهد هنا الباحثة في علم الاجتماع بدراسة نوعية إقليمية كلفة التحرش الجنسي في الفضاء العام والزواج المدبر أو زواج القاصرات شاركت في انجازه صلب المركز الدولي للبحوث حول النساء، تقول فيها احدى المستجوبات ان والدها قد باعها لرجل اكبر منها اكثر من 20 عاما وكان المقابل مبلغ مالي قدره 100 الف دينار. ويلتقي في مثل هذه القصص العامل الاقتصادي لعائلة الفتاة بالثقافة الاجتماعية للزوج، الذي يبحث عن فتاة صغيرة يقوم بتربيتها والتحكم فيها كما يريد وهو حديث متداول في مجتمعنا "نعرس ببنية نربيها على يدي".

والعامل الآخر الذي يمكن أن يكون مؤثرا في مسألة الزواج دون السن القانونية، هو الارتفاع المسجل في معدلات ونسب الانقطاع المدرسي. وتقول نجاة عرعاري أننا اليوم بصدد الحديث عن أكثر من 100 ألف منقطع عن الدراسة سنويا تتقارب فيه نسب الإناث بنسبة الذكور حسب التقرير القطري حول الأطفال خارج المدرسة الصادر عن وزارة التربية التونسية. وتكون نسبة المنقطعين والمنقطعات ترتفع في السن الذي يتراوح بين 12 و 14 عاما وتزداد احتمالات التسرب من النظام التعليمي بزيادة العمر وصولا الى 18 عاما. وأمام غلق الآفاق أمام التكوين المهني وأمام فرصة ثانية، فان الانتظارات بالنسبة للفتاة تضيق ويصبح تزويجها هو الأمر الأكثر إلحاحا بالنسبة للعائلة.

وكل هذه العوامل لا تعتبر محددة حسب نجاة عرعاري بقدر عامل محدد وأساسي وهو العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وإذا ما علمنا أن اغلب الأمهات العازبات يكون حملهن بين سن 16 عاما و20 عاما وانه وحسب تقرير المرصد الوطني للأزواج والأسرة فإن نسبة الرجال في تونس الذين أقاموا علاقة خارج إطار الزواج بلغت 80 % في حين بلغت هذه النسبة عند النساء 50 %، وهي وضعية غالبا ما تتجه خلالها العائلات التونسية باختلاف مستوياتها الاجتماعية عند تفطن أن هناك علاقة جنسية، سواء كانت رضائية أو في حالة الاغتصاب، لا يلتجئون للقانون بل يتجهون الى التسوية بطريقة أخرى وفي العديد من الحالات يصل بهم الأمر الى الكذب أمام القاضي على انه عقد قرانا قبل البناء وان سفر الزوج يحتم عقد القران. وهنا نعود فيما يهم زواج القاصرات الى معضلة أساسية وهي العقلية التقليدية والثقافة المجتمعية التي تعتبر أن فتاة إقامة علاقة خارج إطار الزواج تمثل خطرا يهدد كرامة الأسرة وشرفها ولا يهم العائلة أنها مازالت قاصرا ودون السن القانونية للزواج وهل هي جاهزة لخوض هذه التجربة وتحمل مسؤولياتها.

وتحوصل نجاة عرعاري الباحثة في علم الاجتماع ان زواج الفتيات دون السن القانونية في غالبيته وفي نسبة عالية منه يكون مرتبط بجريمة، بداية من حرمان طفل من التعليم وصولا الى جريمة الاغتصاب أو التزويج غير الرضائي أو عملية بيع أب لابنته.

وترى من ناحيتها نائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، ان زواج القاصرات في تونس لا يعد ظاهرة الى حد الآن وأن القانون التونسي وخاصة القانون عدد 58، قد مثل عنصرا حمائيا للفتاة وضمانة مجتمعية. لكن هذا لا يمنع حسب قراءته من تناول المشكل بالدراسة وبيان مدى خطورته خاصة انه والى غاية اليوم تفتقر الساحة التونسية الهياكل الرسمية والمختصة ومنظمات المجتمع المدني لدراسات نوعية وكمية لمسالة زواج الفتيات دون السن القانونية.

ونبهت في نفس السياق نائلة الزغلامي من مستوى الردة الذي عاش على وقعها المجتمع التونسي خلال فترة الترويكا، وما رافقها من زواج "عرفي" وعلى غير الصيغ القانونية وهو ما يمثل إطارا لانتشار ما هو غير قانوني ومنه زواج القاصرات..

وتعتبر الزغلامي أن الرقم المرئي لمشكل زواج القاصرات بإذن قضائي في تونس والذي تحدده التقارير الدولية بـ2% يحتمل فرضيات ان يكون اكبر خاصة خلال سنوات حكم الترويكا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم الأطفال نتيجة الزواج العرفي البالغ عددهم 5 آلاف طفل من خلال أرقام غير مرئية للزواج بما يحمله من حالات الزواج من فتيات دون سن 18 عاما.

ومن جانبها تقر المحامية والنسوية هالة بن سالم، بأهمية التشريع التونسي في مسالة الزواج دون السن القانونية او ما يعرف بزواج القاصرات. خاصة بعد إلغاء الفصل الذي كان يسمح بتزويج المغتصب للضحية والذي كان يحمل كثيرا من الغبن والاهانة للمرأة أو الفتاة ويعطي في نفس الوقت الفرصة للمجرم المغتصب من التفصي من العقوبة والإفلات من العقاب. لكن في نفس الوقت ترى بن سالم انه والى غاية اليوم مازال الجانب القانون يحمل إشكالا في علاقة بإذن القاضي الذي لا يقبل الطعن بأي وسيلة من وسائل الطعن ولا يسمح بمراجعته. ورأت أن أمرا لابد من مراجعته والتشدد أكثر في تقديم الأذون القضائية التي في العموم في حال توفر القبول لدى الفتاة وكان سنها في 17 من العمر يسمح لها حتى مع رفض الولي نظرا الى أنها في سن يخول لها التمييز وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار أنها في سن لا يسمح لها بتحمل مسؤولية الحياة الزوجية وتربية الأطفال..

ولزواج القاصرات أو الزواج المدبر تداعيات كارثية على الفتيات، من بينها زيادة خطر حدوث مضاعفات أثناء الحمل مثل تسمم الحمل وضعف الجنين، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات لدى الأطفال حديثي الولادة. كما يمكن أن يخلف زواج القاصرات عدم قدرة على الإنجاب، أو إنجاب أطفال مشوهين، أو كثرة الإنجاب ما يرهق المرأة ويسبّب لها أمراضاً عديدة على غرار سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم.

ويعد زواج الفتاة في سن مبكرة من أسباب الزيادة في حالات الطلاق. فضلاً عن وقوع الفتيات ضحايا للاعتداءات الجسدية، إذ تعتبر الممارسات الجنسية التي يقوم بها الزوج مع زوجته القاصر عنفاً جنسياً من الناحيتين الصحية والنفسية.

كما يتسبب الزواج دون السن القانونية ( 18 عاما) من حرمان الفتيات من الحصول على التعليم المدرسي والجامعي على حد السواء، ما يؤدي حتماً إلى محدودية فرصهن الاقتصادية. ولكن تبقى أهم مخاطر هذا الزواج عدم استعداد الفتاة لذلك نفسياً وجسدياً، وحرمانها من حق تقرير مصيرها، من خلال تزويجها في سن مبكرة من رجل لا تعرفه وقد يكبرها أحياناً بعشرات السنين.

ريم سوودي

   زواج القاصرات بإذن قضائي.. جريمة تخفي جرائم أخرى..

 

16  ألفا و723 طفلة تم تزويجهن في تونس خلال تسع سنوات..

تونس-الصباح

"ضحى"، اسم مستعار لطفلة تم تزويجها في جهة منوبة في سن دون السابعة عشرة عاما وذلك بعد موافقة القاضي على الطلب المقدم من قبل عائلتها. حكم قضائي دعم قرار الأب في إنهاء المسار الدراسي لابنته وقنن زواج رجل الثلاثين سنة بطفلة الستة عشرة عاما ونيف. ولا تعتبر قصة ضحى استثناء أو حادثة معزولة فهي تتنزل ضمن عدد لا باس به من الزيجات التي تتم سنويا بنفس الطريقة وبإذن قضائي. وحسب الناطقة الرسمية باسم المحكمة الابتدائية بمنوبة أذن القاضي خلال السنة المنقضية 2022 بتزويج 5 فتيات دون السن القانونية من ضمن سبعة مطالب قدت له في الوقت الذي كان فيه العدد في السنة التي قبلها وهي 2021 في حدود 7 أذون من ضمن 10 مطالب قدمت له أي في سنتين اثنين تم تزويج 12 طفلة في ولاية منوبة وحدها.

ورغم أن المشرع التونسي قد فصل منذ عهود في هذه الظاهرة، عبر مجلة الأحوال الشخصية ومن بعدها القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، ومنع تزويج الأطفال وحدده وربطه بسن الرشد وهو 18 عاما، يتواصل تزويج القاصرات بتفويض من القاضي الذي يحتكم في تقييماته الى معطيات ذاتية يقدرها طبقا لتقييم شخصي ويرتبط في الغالب أساسا بالبلوغ والبنية الجسدية للطفلة وإن كان الرجل ميسور الحال وقادرا على الإنفاق.

وتفيد معطيات تحصلت عليها "الصباح" أن عدد طلبات الأذون القضائية قد وصلت الى أعلى مستوياتها خلال فترة حكومة الترويكا ووصل عددها الى نحو 3800 طلب سنة 2013 و2014، بالنظر الى تأثير صعود الإسلاميين الى الحكم وما عرفه المجتمع التونسي آنذاك من تدن في مستوى الوعي وعودة الى مقاصد الشريعة الإسلامية وذهنية تقليدية محافظة، وهي أرقام تراجعت تدريجيا بداية من سنة 2017 تاريخ صدور القانون عدد 58. في نفس السياق تفيد الأرقام الرسمية الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء ان عدد الزيجات سنة 2016 للفتيات دون سن 19 عاما قد كان في حدود 5618 زيجة وتراجع تدريجيا نحو 4712 زيجة سنة 2018 ثم نزل الى حدود 3826 سنة 2019 وليصل الى 3132 زيجة خلال سنة 2020.

ولا تتجاوز نسبة زواج القاصرات في تونس 2% حسب أرقام تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" وعن منظمة "فتيات لا زوجات"، وهو رقم على أهميته يعتبر الأدنى في منطقة شمال إفريقيا والمنطقة العربية ككل التي يصل فيها معدل تزويج الأطفال الى 32% في اليمن و52% في السودان.

لكن بالنظر الى عدد الزيجات الإجمالي السنوي فانه مثلا السنة الماضية 2021 تم تسجيل 71 ألفا و572 عقد قران باعتماد النسبة المذكورة فان 1432 الزواج شمل فتاة قاصر وفي السنة التي قبلها اي 2020 تم تعداد 65 ألف 630 عقد قران حسب المعهد الوطني للإحصاء وبالتالي فهنالك نحو 1313 زيجة تهم فتيات دون السن القانونية. ويرتفع العدد الى 1963 حالة تزويج لقاصر دون سن 18 عاما سنة 2016 نظرا الى انها سنة تم خلال عقد 98 ألفا و125 عقد قران حسب المعهد الوطني للإحصاء وبالعودة الى سنة 2013 نجد ان عدد عقود القران المسجلة في حدود 110 آلاف و119 وهو ما يعني أنها سنة عرفت زواج 2203 طفلة والعدد الأكبر سجل سنة 2014 التي شهدت عقد 110 آلاف و830 عقد قران تم خلالها تزويج 2217 فتاة دون السن القانونية المنصوص عليه في القانون التونسي وهي أرقام تجعل من حجم الطلبات المقدمة آنذلك قريبة مما سبق ذكره وهو 3800 مطلب إذن قضائي..

وفي عملية حسابية للزيجات التي تهم قاصرات وفتيات دون السن القانونية، خلال الفترة الممتدة بين سنة 2013 والى غاية 2021 سنجد أن عددهم قد وصل خلال تسع سنوات الى 16 ألفا و723 طفلة على الأقل في تونس.

وتعتبر نجاة عرعاري الباحثة في علم الاجتماع والناشطة النسوية، أن أول مؤشر يمكن عبر تفسير أو قراءة ارتفاع معدلات تزويج الفتيات دون السن القانونية أو ما يعرف بتزويج القاصرات أو الزواج المدبر، هو العودة الى العقلية التقليدية خلال العشرية الأخيرة وهو أن الفتاة سواء تعلمت أو لم تتعلم فان دورها الأساسي والوحيد هو تواجدها في بيت زوجها عليها تكوين أسرة. وبينت أن هذه العقلية تعد عاملا ثقافيا مهما له دور كبير في تواصل تزويج القاصرات. ويمثل العامل الاقتصادي المؤشر أو العامل الثاني الذي يمكن أن يقف وراء مثل هذه الزيجات، فالفقر يجعل العائلة تعمل على تدبير زواج ابنتها الطفلة.

وتستشهد هنا الباحثة في علم الاجتماع بدراسة نوعية إقليمية كلفة التحرش الجنسي في الفضاء العام والزواج المدبر أو زواج القاصرات شاركت في انجازه صلب المركز الدولي للبحوث حول النساء، تقول فيها احدى المستجوبات ان والدها قد باعها لرجل اكبر منها اكثر من 20 عاما وكان المقابل مبلغ مالي قدره 100 الف دينار. ويلتقي في مثل هذه القصص العامل الاقتصادي لعائلة الفتاة بالثقافة الاجتماعية للزوج، الذي يبحث عن فتاة صغيرة يقوم بتربيتها والتحكم فيها كما يريد وهو حديث متداول في مجتمعنا "نعرس ببنية نربيها على يدي".

والعامل الآخر الذي يمكن أن يكون مؤثرا في مسألة الزواج دون السن القانونية، هو الارتفاع المسجل في معدلات ونسب الانقطاع المدرسي. وتقول نجاة عرعاري أننا اليوم بصدد الحديث عن أكثر من 100 ألف منقطع عن الدراسة سنويا تتقارب فيه نسب الإناث بنسبة الذكور حسب التقرير القطري حول الأطفال خارج المدرسة الصادر عن وزارة التربية التونسية. وتكون نسبة المنقطعين والمنقطعات ترتفع في السن الذي يتراوح بين 12 و 14 عاما وتزداد احتمالات التسرب من النظام التعليمي بزيادة العمر وصولا الى 18 عاما. وأمام غلق الآفاق أمام التكوين المهني وأمام فرصة ثانية، فان الانتظارات بالنسبة للفتاة تضيق ويصبح تزويجها هو الأمر الأكثر إلحاحا بالنسبة للعائلة.

وكل هذه العوامل لا تعتبر محددة حسب نجاة عرعاري بقدر عامل محدد وأساسي وهو العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وإذا ما علمنا أن اغلب الأمهات العازبات يكون حملهن بين سن 16 عاما و20 عاما وانه وحسب تقرير المرصد الوطني للأزواج والأسرة فإن نسبة الرجال في تونس الذين أقاموا علاقة خارج إطار الزواج بلغت 80 % في حين بلغت هذه النسبة عند النساء 50 %، وهي وضعية غالبا ما تتجه خلالها العائلات التونسية باختلاف مستوياتها الاجتماعية عند تفطن أن هناك علاقة جنسية، سواء كانت رضائية أو في حالة الاغتصاب، لا يلتجئون للقانون بل يتجهون الى التسوية بطريقة أخرى وفي العديد من الحالات يصل بهم الأمر الى الكذب أمام القاضي على انه عقد قرانا قبل البناء وان سفر الزوج يحتم عقد القران. وهنا نعود فيما يهم زواج القاصرات الى معضلة أساسية وهي العقلية التقليدية والثقافة المجتمعية التي تعتبر أن فتاة إقامة علاقة خارج إطار الزواج تمثل خطرا يهدد كرامة الأسرة وشرفها ولا يهم العائلة أنها مازالت قاصرا ودون السن القانونية للزواج وهل هي جاهزة لخوض هذه التجربة وتحمل مسؤولياتها.

وتحوصل نجاة عرعاري الباحثة في علم الاجتماع ان زواج الفتيات دون السن القانونية في غالبيته وفي نسبة عالية منه يكون مرتبط بجريمة، بداية من حرمان طفل من التعليم وصولا الى جريمة الاغتصاب أو التزويج غير الرضائي أو عملية بيع أب لابنته.

وترى من ناحيتها نائلة الزغلامي رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، ان زواج القاصرات في تونس لا يعد ظاهرة الى حد الآن وأن القانون التونسي وخاصة القانون عدد 58، قد مثل عنصرا حمائيا للفتاة وضمانة مجتمعية. لكن هذا لا يمنع حسب قراءته من تناول المشكل بالدراسة وبيان مدى خطورته خاصة انه والى غاية اليوم تفتقر الساحة التونسية الهياكل الرسمية والمختصة ومنظمات المجتمع المدني لدراسات نوعية وكمية لمسالة زواج الفتيات دون السن القانونية.

ونبهت في نفس السياق نائلة الزغلامي من مستوى الردة الذي عاش على وقعها المجتمع التونسي خلال فترة الترويكا، وما رافقها من زواج "عرفي" وعلى غير الصيغ القانونية وهو ما يمثل إطارا لانتشار ما هو غير قانوني ومنه زواج القاصرات..

وتعتبر الزغلامي أن الرقم المرئي لمشكل زواج القاصرات بإذن قضائي في تونس والذي تحدده التقارير الدولية بـ2% يحتمل فرضيات ان يكون اكبر خاصة خلال سنوات حكم الترويكا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم الأطفال نتيجة الزواج العرفي البالغ عددهم 5 آلاف طفل من خلال أرقام غير مرئية للزواج بما يحمله من حالات الزواج من فتيات دون سن 18 عاما.

ومن جانبها تقر المحامية والنسوية هالة بن سالم، بأهمية التشريع التونسي في مسالة الزواج دون السن القانونية او ما يعرف بزواج القاصرات. خاصة بعد إلغاء الفصل الذي كان يسمح بتزويج المغتصب للضحية والذي كان يحمل كثيرا من الغبن والاهانة للمرأة أو الفتاة ويعطي في نفس الوقت الفرصة للمجرم المغتصب من التفصي من العقوبة والإفلات من العقاب. لكن في نفس الوقت ترى بن سالم انه والى غاية اليوم مازال الجانب القانون يحمل إشكالا في علاقة بإذن القاضي الذي لا يقبل الطعن بأي وسيلة من وسائل الطعن ولا يسمح بمراجعته. ورأت أن أمرا لابد من مراجعته والتشدد أكثر في تقديم الأذون القضائية التي في العموم في حال توفر القبول لدى الفتاة وكان سنها في 17 من العمر يسمح لها حتى مع رفض الولي نظرا الى أنها في سن يخول لها التمييز وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار أنها في سن لا يسمح لها بتحمل مسؤولية الحياة الزوجية وتربية الأطفال..

ولزواج القاصرات أو الزواج المدبر تداعيات كارثية على الفتيات، من بينها زيادة خطر حدوث مضاعفات أثناء الحمل مثل تسمم الحمل وضعف الجنين، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الوفيات لدى الأطفال حديثي الولادة. كما يمكن أن يخلف زواج القاصرات عدم قدرة على الإنجاب، أو إنجاب أطفال مشوهين، أو كثرة الإنجاب ما يرهق المرأة ويسبّب لها أمراضاً عديدة على غرار سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم.

ويعد زواج الفتاة في سن مبكرة من أسباب الزيادة في حالات الطلاق. فضلاً عن وقوع الفتيات ضحايا للاعتداءات الجسدية، إذ تعتبر الممارسات الجنسية التي يقوم بها الزوج مع زوجته القاصر عنفاً جنسياً من الناحيتين الصحية والنفسية.

كما يتسبب الزواج دون السن القانونية ( 18 عاما) من حرمان الفتيات من الحصول على التعليم المدرسي والجامعي على حد السواء، ما يؤدي حتماً إلى محدودية فرصهن الاقتصادية. ولكن تبقى أهم مخاطر هذا الزواج عدم استعداد الفتاة لذلك نفسياً وجسدياً، وحرمانها من حق تقرير مصيرها، من خلال تزويجها في سن مبكرة من رجل لا تعرفه وقد يكبرها أحياناً بعشرات السنين.

ريم سوودي